تدريس اللغة العربية في أقسام شعب العلوم الإنسانية والاجتماعية:
        ما يلاحظ على كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية التي يُفترض أن تتبوأ مركز الريادة في ترقية اللغة العربية وتعميم استعمالها، أن مستوى خريجيها لا يعكس حجم المجهودات المبذولة في هذه التخصصات. فالطالب المسجل في هذه الفروع يمضي في الطريق التعليمي إلى آخر الشوط ثم يتخرج من الجامعة وهو لا يستطيع أن يكتب مقالا أو خطابا بسيطا بلغة عربية صحيحة. فمعارفهم اللغوية وكيفية استعمالهم للفصحى نطقا وكتابة لا تدل على شهاداتهم الجامعية. وعلى الرغم من الأعداد الضخمة - المتخصصة في تعليمية اللغة العربية - التي تتخرج سنويا في الجامعات ومعاهد التكوين إلا أن الواقع يثبت أن مستوى تعليمها في انحدار مستمر. ومن الأسباب التي ساعدت على ذلك ما يلي:
        1 - ثمة تسيب كبير في استعمال اللغة  العربية في المدارس والمعاهد والجامعات. فالفصحى لا يمارسها المعلمون ولا المتعلمون في قاعة الدرس وفي الاجتماعات الرسمية العلمية والتربوية. ومعلوم أنه لا يمكن ترقية استعمال اللغة من غير ممارسة مستمرة وتعزيز، فاللهجة هي السائدة.
        2 - ثمة تسيب كبير في استقبال حشود من الطلبة الجدد أدى إلى تسيب أكبر في التكوين. ذلك أن كل المعاهد والأقسام يتم التسجيل فيها بشروط ما عدا قسم اللغة العربية وآدابها، فهو المعهد الوحيد الذي يلجأ إليه الحاملون لشهادة البكالوريا بمعدلات ضعيفة، إذ يتوجه هؤلاء الطلاب - مكرهين - إلى قسم اللغة العربية وآدابها، لضمان مقعد بيداغوجي، لاسيما عندما تعوزهم الشروط في الأقسام الأخرى([1]).
        سوء إعداد معلم اللغة العربية علميا ولغويا وبيداغوجيا، أدى إلى عقم في التدريس([2]). فالطريقة المعتمدة لدى كثير من أساتذة اللغة العربية لا تخرج - في الغالب - على الإلقاء والإملاء والتحفيظ والاسترجاع، وهذا ما أدى إلى تعطيل ملكة التحليل والإبداع عند الطالب. كذلك نوعية المادة المقدمة في حد ذاتها ليس فيها تجديد وتشويق. فهي مادة ضيقة، اختيارها قائم على الذوق ولا يستند إلى معايير الانتقاء الموضوعي.
        والنتيجة التي نخرج بها من خلال فحص الواقع الذي هو عليه العربية في الجامعة، هي أن محاولات الإصلاح والتجديد التي مست اللغة العربية لم تفعل شيئا يعيد لها حيويتها ويشيع فيها قوة تحبب إلى الطلبة درسها ومدارستها. فلغتنا غير مخدومة تربويا، وطرائق تدريسها متخلفة جدا وغير علمية، وعقدة الأزمة في ترقية استعمالها ليست في اللغة ذاتها وإنما في كوننا نتعاطاها بطرق جافة ميتة، بدلا من أن نعلمها لسان أمة ولغة  حياة([3]).


[1] - نذكر على سبيل المثال أن قسم اللغة العربية وآدابها استقبل في سنة 2001 عشرين فوجا تحتوي ملا يقل عن 800 طالبا.
[2] - للإشارة فإن 50 % من الأساتذة الذين يشرفون على التدريس في معهد اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة، لا يتجاوز مستواهم العلمي السنة الأولى ماجستير.
[3] - د/ محمود أحمد السيد، تطوير مناهج تعليم القواعد النحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987، ص: 27.

Post a Comment

Previous Post Next Post