التأمين

تاريخ التأمين وأقسامه :

أولاً : في بيان تاريخ التأمين:
 وأول ما ظهر كان يطلق على التأمين التجاري، الذي بدأ بالتأمين البحري في أواخر القرن الرابع عشر في أوروبا، على البضائع التي تنقلها السفن بين مدن إيطاليا، وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
ثم تلاه بعد زمن طويل التأمين البري في إنجلترا، في أواخر القرن السابع عشر، في صورة التأمين من الحريق، عقب حريق هائل نشب في لندن سنة 1666م، ألتهم أكثر من ثلاثة عشر ألف منزل، ونحو مائة كنيسة.
ثم انتشر التأمين من الحريق بعد ذلك في ألمانيا، وفرنسا، وأمريكا، خلال القرن الثامن عشر الميلادي.
ثم أخذت تتقاطر صور التأمين الأخرى، وكان مما ظهر من صوره: "التأمين التعاوني"، بصوره المختلفة، 
وبهذا صار مصطلح التأمين عند إطلاقه يشمل صوراً شتى، تختلف في حقيقتها، وحكمها.

ثانياً: في بيان أقسام التأمين: وينقسم التأمين أقساماً عدة، لاعتبارات عدة:
فباعتبار المكان الذي يقع فيه الحدث ينقسم التأمين إلى: التأمين البري - التأمين البحري -التأمين الجوي
وباعتبار محله : ينقسم التأمين إلى:
التأمين على الأشخاص: ومحله شخص الإنسان، أو ما يتعلق بشخصه وينقسم إلى أقسام منها:
أ- التأمين على الحياة - ب- التأمين على الصحة -جـ- التأمين على الذمة "المسؤولية": وهو التأمين لذمة المؤمن له، فيتحمل المؤمِّن ما يجب على المؤمن له تجاه الغير من مسؤولية، كالتأمين للمسؤولية  عن حوادث السير، وفيه يتحمل المؤمِّن تعويض الغير عما أصابه من ضرر من قبل المؤمَّن له.
2-        التأمين على الأشياء "الممتلكات": التأمين على ما يملكه المؤمن له، سواء أكان معيناً: كالمنزل، والمصنع، أم كان غير معين: كالتأمين على المخازن، والمتاجر، فإن محتوياتها غير معينة.


وباعتبار غرضه، ينقسم إلى:
1 ــ التأمين التجاري: وهو ما يكون مقصوده الربح، سواء أقام به الأفراد، أم الشركات، والجمعيات.
2 ــ التأمين غير التجاري: وهو ما لا يقصد به الربح، وإنما التعاون في تحقيق المصلحة، ودفع المفسدة، ومن أقسامه: "التأمين التعاوني"، وفيما يلي بيان كل منهما:
المطلب الأول

التأمين التجاري
 وهو الأصل في التأمين معاملة ومصطلحاً، وشركاته تصنف على أنها من شركات الأموال فإنها تشبه إلى حد ما  البنوك، من جهة أن كلاً منهما وعاء تجتمع فيه الأموال، وتوظف في القروض .
وسنتكلم عليه من خلال العناصر الآتية:
أ.         تعريفه: لغة: التأمين مصدر، مشتق من المادة "أمَّن" بتشديد الميم، وهي في معنى ضد الخيانة،
واصطلاحاً: (عقد يلتزم بمقتضاه طرف يسمى المؤمِّن، بالتحمل المالي عن طرف آخر، يسمى المؤمَّن له ، أو الأداء له عند وقوع حادث معين، مقابل أقساط مالية، يدفعها المؤمَّن له سلفاً). 

ب- أركانه: إذا نظر في عقد التأمين نظراً فقهياً فإن أركانه هي:
1ــ العاقدان: وهما: "المؤمِّن"، "والمستأمن -المؤمَّن له-".
2 ــ العوضان: وهما: "القسط المدفوع من قبل المستأمن"، و"مبلغ التأمين -التعويض- الذي يدفعه المؤمِّن".
3 ــ المؤمَّن منه "الخطر": فإنه ركن في عقد التأمين، إذ هو الجانب الأقوى فيه عند أرباب التأمين .
4 ــ الصيغة: وهي الإيجاب، والقبول من طرفي العقد: "المؤمِّن"، و"المستأمن -المؤمَّن له-". 

جـ- خصائصه  : للتأمين التجاري خصائص تميزه، من أهمها:
1 ــ أنه عقد معاوضة، والعوضان فيه هما: "أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن له" و"مبلغ التأمين، وهو التعويض الذي يدفعه المؤمِّن للمؤمَّن له عند وقوع الكارثة".
2 ــ أنه من عقود الغرر، فإن الخطر المؤمن منه قد يقع فيستحق المؤمن له العوض، وقد لا يقع، فتذهب أقساطه عليه هدراً، وقد يقع الخطر بعد أجل قريب من إبرام عقد التأمين، وقد يقع بعد أجل بعيد من إبرام عقد التأمين.
   وقد يدفع المؤمِّن للمؤمن له تعويضاً أكثر مما أخذه منه من أقساط، وقد يدفع له تعويضاً أقل مما أخذه منه من أقساط.
3 ــ أنه من عقود الإذعان: إذ فيه ينزل "المؤمَّن له" وهو -الجانب الضعيف في العقد- على شروط "المؤمِّن" وهو –الجانب القوي في العقد-

د- حكم التأمين التجاري:
التأمين لم يك ظاهراً في بلاد الإسلام من جملة معاملتهم، وأول بداياته كانت في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري -تقريباً- .
وقد اختلف العلماء في حكم التأمين بين قائل بمنعه، وقائل بإباحته، على أن جمهورهم يقولون بمنعه، وفيما يلي بيان للأقوال بأدلتها:
القول الأول: القول بمنع التأمين التجاري .
حيث عُرِض التأمين التجاري للنظر في حكمه على مؤتمرات، وهيئات علمية، ومجامع فقهية كلها قالت بمنعه، وهي:
المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، في مكة المكرمة، سنة 1396هـ.
مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في دورته العاشرة، بالرياض، 1397هـ.
مجلس مجمع الفقه الإسلامي، لرابطة العالم الإسلامي، لدورته الأولى، في مكة   1398هـ.
مجلس مجمع الفقه الإسلامي، لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في جدة، بتاريخ 1406هـ.
أدلة المنع:
وقد اعتمد المانعون أدلة للمنع، من أظهرها :
1- اشتمال التأمين التجاري على الغرر الفاحش-وقد تقدم بيانه في خصائص التأمين-، فإنه يتردد بين أمور عدة، ويحتمل احتمالات عدة، وهذا هو الغرر، فإن الغرر في الاصطلاح: (ما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر) وهو محرم لنهي النبي r عن بيع الغرر .
           ويدخل في الغرر: الرهان، والمقامرة "القمار" فإنهما من أنواعه، وفيهما يتردد الإنسان بين أن يكون غانماً، أو أن يكون غارماً، وهما مما يشتملهما التأمين.
       2-         اشتمال التأمين التجاري على الربا بنوعيه: "الفضل، والنسيئة" ، فإن المؤمِّن إن دفع للمستأمن أكثر مما أخذ منه من النقود ، فهو ربا فضل ونسيئة، لاجتماع الزيادة، والتأخير. وإن دفع للمستأمن مثلما دفع، أو أقل، فهو ربا نسيئة، وكلاهما محرم.
3-        اشتمال التأمين التجاري على أكل المال بالباطل، فإن من يدفع أقساطاً نقدية، ولم يُعوَّض عنها شيئاً، فإنها تفوت عليه بلا مقابل، ويكون من أخذها قد أكلها بلا مقابل، وهو الباطل المنهي عنه.
4-        اشتمال التأمين التجاري على الإلزام بما لا يلزم شرعاً ، فإن المؤمِّن لم تحدث منه الكارثة، ولم يتسبب في حدوثها، فلم يكن ملزماً بضمان آثارها، والتزامه بالضمان لقاء عوض يدفع له مجاوزة لا يقر عليها. 

القول الثاني: القول بجواز التأمين التجاري :
 ويكاد يكون فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا -رحمه الله- عمدة القائلين بجوازه، إذ أفاض في الاستدلال له، ومناقشة مخالفيه.
ومع إفاضة الشيخ الزرقا -رحمه الله- في الاستدلال للجواز، إلا أن المتأمل لأدلته يجدها:
أ- إما أن تكون قائمة على تصوير التأمين على غير حقيقته.
ب- أو أن تكون قائمة على قياس غير صحيح.

الترجيح: ومما سبق من عرض لقول المجيزين بأدلته، ومناقشته، وعرض لقول المانعين بأدلته ومناقشته، يتبين رجحان القول بالمنع، لقوة أدلته، وظهور دلالتها، في حين أن القول بالجواز أدلته متكلفة في جملتها.

المطلب الثاني
التأمين التعاوني
والتأمين التعاوني جاء ليكون بديلاً عن التأمين التجاري، بعدما ترجح منعه، وسيكون الكلام عليه مقيداً بالعناصر الآتية:
أ ـ خصائصه:
ويتميز التأمين التعاوني عن التأمين التجاري بخصائص منها:
1 ــ أن مقصوده التناصر، والتعاون، بخلاف التجاري فإن مقصوده المعاوضة، وما يكون فيه من تعاون ليس قصداً، بل تبع.
2 ــ أن المؤمِّن هو المستأمن، ومجموعهم يمثل أعضاء جمعية التأمين، بخلاف التجاري فإن المؤمِّن طرف مستقل تمثله شركة التأمين، والمستأمن طرف آخر مستقل عن المؤمِّن، وعن باقي المستأمنين.

ب. أقسامه والتعريف بكل قسم: وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1-        منها ما يكون تبرعاً محضاً لمساعدة المنكوبين، كأن يُخصَّص صندوق لدعم المنكوبين، تدعمه الدولة، أو المحسنون -من غير المستفيدين منه-، أو هما معاً .
تعريفه: (تبرع لمن يصيبه ضرر من غير المتبرعين)
2-        ومنها ما يكون مقصوده التناصر، والتعاون، إذ التبرع فيه ليس محضاً من جهة أن المستفيدين منه هم المسهمون فيه، كأن يجتمع أفراد تربطهم رابطة القرابة، أو الصداقة، أو العمل في إنشاء صندوق لدعم من يتعرض منهم لنائبة، إن كان ذلك مطلقاً، أو مقيداً بنوع من الحوادث.
وهذا القسم يسمى بـ "التأمين التعاوني البسيط -المباشر-"، ويتميز بمحدودية أعضائه، وأنهم القائمون بإدارته.
تعريفه: ويعرف بـ(أن يشترك جماعة بمبالغ تخصص لتعويض من يصيبه  الضرر منهم ) .
3-        وقد تتوسع دائرة القسم الثاني، فتجاوز حدود القرابة، أو الصداقة، فتضم جمعاً كبيراً من المسهمين فيه، بحيث يعجز أعضاؤه عن إدارته، فيُعهَد بإدارته إلى شركة أجنبية عن المسهمين فيه، وهذا أظهر ما يفرقه عن القسم الذي قبله، ويسمى بـ "التأمين التعاوني المركب -غير المباشر-".
تعريفه: ويعرف بأنه:(عقد تأمين جماعي يلتزم بموجبه كل مشترك فيه بدفع مبلغ معين من المال على سبيل التبرع، لتعويض المتضررين منهم، على أساس التكافل، والتضامن عند تحقق الخطر المؤمن منه، تدار فيه العمليات التأمينية من قبل شركة متخصصة، على أساس الوكالة بأجر معلوم)

جـ-       في بيان حكمه:
 أما القسم الأول: فلا إشكال في جوازه، فإنه تبرع محض، وهو من الإحسان والمعروف، والتعاون، على البر والتقوى، وهو مأمور به.

وأما القسم الثاني: فالراجح جوازه، لما فيه من التعاون، والتناصر، والإحسان، وقد أفتت بجوازه هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في قرراها رقم 51 في 4/4/1397هـ، كما أفتى بجوازه مجلس مجمع الفقه الإسلامي، لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الأولى، بمكة المكرمة، في 1/8/1398هـ.

وأما القسم الثالث: "التأمين التعاوني المركب" فالأصل جوازه، لأن ما يفترق فيه عن التأمين التعاوني البسيط غير مؤثر، إلا إن ترتب على هذه الفروق الشكلية فروق مؤثرة ، كأن يترتب على كثرة الأعضاء وعدم تعارفهم، وإدارته من قبل شركة أجنبية عن الشركاء خروج به عن هدفه، فتحيد به الشركة القائمة على إدارته عن غايته التعاونية وتستأثر بأمواله المجتمعة، وتوظفها في الإقراض بفائدة، وتخطو فيه خطا شركات التأمين التجاري، فذلك أمر محظور.

وهو يوجب التثبت مما عليه واقع تلك الشركات قبل الحكم عليها، لأن مجرد الأسماء لا اعتبار لها، فلا يحكم على بنك أنه إسلامي، أو تأمين على أنه تعاوني لمجرد اسمه، بل لابد من النظر إلى حقيقته.

Post a Comment

Previous Post Next Post