حقوق المجني عليه

مقدمة
تنحصر غالبا حقوق المجنى عليه فى الشكوى إلى السلطات المختصة وطلب التعويض عن الأضرار التى أصابته ولا يخفى على الكثيرين أن حقوق المتهم  هى الأغلب فى معالجة نصوص القانون لأنه هو عادة ما تنصب عليه جل الإجراءات القانونية  ،وفى مجال البحث الماثل بهذا الفصل فى خصوص الحقوق حال القبض فإن حقوق المجنى عليه تعد ضئيلة للغاية اللهم إلا إذا قدرنا أن القبض على المتهم ذاته هو حق للمجني عليه فى الدفاع عن حقوقه المعتدى عليها من  حقه فى سلامة جسده أو حقه فى صون شرفه واعتباره  أو حقه فى الحياة  على حسب ما يكون نوع الاعتداء الواقع عليه ولضآلة حقوق المجنى عليه فى هذا المجال فقد عرضناها فى مطلب وحيد  من حقه فى تمثيل السلطات له فى الشكوى حال كونه غير أهل لذلك على نحو ما جاء بالنصوص القانونية التى سنعرض لها بالمطلب التالي 0 ( راجع ما جاء بمقدمة الكتاب )


المطلب الأول
حق المجنى عليه  فى تمثيل السلطة له فى حال عجزه عن ذلك

1-التأصيل الدستورى
( المادة69من الدستور 0
"" حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول 0
ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم ""
2- النص القانونى
ونصت المادة (6) من قانون الإجراءات الجنائية أنه
""  إذا تعارضت مصلحة المجنى عليه مع مصلحة من يمثله ، أو لم يكن له من يمثله ، تقوم النيابة العامة مقامه  ""
1-             التعليق
هذه المادة وردت فى  الفصل الأول من الباب الأول من قانون الإجراءات الجنائية وهى وردت بعد المادة الخامسة التى  قررت الأهلية فى الشكوى للجرائم التى يتطلب القانون لتحريكها تقديم شكوى من المجنى عليه  أن يكون  عمره قد تعدى الخمسة عشر عاما  أما إذا لم يكن قد تعداها أو كان مصابا بعاهة فى عقله ،  قررت المادة أن تقدم الشكوى فى حالاتها القانونية  ممن  تكن له الولاية عليه 0
وإذا كانت الجريمة المتطلب الشكوى عنها من الجرائم التى وقعت على المال فقد قررت المادة الخامسة فى فقرتها الثانية  أن تقبل الشكوى فى هذه الحالات من الوصي  أو القيم  على المجنى عليه 0
ولكن ربما يحدث تعارضا ما بأن يكون المتهم هو ذاته  الذى له حق تمثيل  ناقص أهلية الشكوى القانونية بأن تحدث الجريمة ذاتها ممن له الولاية عليه أو من الوصي عليه أو القيم أو فى أى حالة تعرض تقدرها المحكمة فقد جاء النص عاما مكتفيا بذكر التعارض فقط تاركا ذلك لتقدير  النيابة العامة والمحكمة من بعدها ففى هذه الحالة  تمثله النيابة العامة للحصول له على حقه القانونى فلا الشكوى وما يتبعها من القصاص من المتهم بالجريمة التى تقدم عنها الشكوى 0 ويماثل هذه الحالة أن لا يوجد من يمثل ناقص أهلية الشكوى التى قررها القانون  فتقوم النيابة العامة مقامه أيضا فى هذه الحالة كما جاء بنص المادة 0
 


المبحث الثالث
واجبات السلطة
المطلب الأول
واجب السلطة فى معاملة  المقبوض عليه  بما يحفظ عليه كرامة الإنسان
وعدم جواز إيذائه بدنيا أو معنويا

1= التأصيل الدستوري
-المادة 42 من الدستور
""  كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا  كما لا يجوز حجزه أو حبسه  في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة  بتنظيم السجون، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد  بشيء منه  يهدر ولا يعول عليه  ""

2=  النص القانونى
المادة –40- من قانون الإجراءات الجنائية(33) [1] 
""  لا يجوز القبض على  أى إنسان  أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانونا ، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا  "" 

3= تعليق
واجب السلطة فى حماية أمن المجتمع والقبض على المخالفين لنصوص القانون لا يخول لها إهدار آدمية  هذا المتهم فهو فضلا عن أنه برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة ( المادة 67 من الدستور ) فإن ارتكاب الجرم فى حد ذاته وإن كان يسمح لأن يستطيل عليه العقاب  الذى يصون أمن المجتمع ويمثل الرادع العادل لجميع من تسول له نفسه ارتكاب جرم مثله إلا أن الجرم لا ينفى عنه صفة الإنسانية  ولا الحقوق اللصيقة بها  فينبغي معاملته المعاملة التى تحفظ له إنسانيته  وعدم إيذائه كما جاء بالنص بدنيا أو معنويا والإيذاء البدني يتمثل فى الاعتداء على الحق فى سلامة الجسد وهو يشمل  الضرب والجرح وكل ما يندرج تحت عنوان المساس بسلامة الجسد  والإيذاء المعنوي مثل التهديد بالإيذاء أو استعمال الألفاظ القاسية ( لاحظ أن محكمة النقض – فى حكم قديم لها -لم تعتبر أن جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة129 عقوبات يمكن أن تقع بالألفاظ فقط - المبدأ رقم 8 من ملحق أحكام النقض التابع لهذا  المطلب-  ) والمهينة أو التهديد بإيذاء الغير المقربين للمتهم وما إلى غير ذلك مما يندرج تحت نفس الإطار0والحقيقة أن هذا الإيذاء ذاته خارج عن كل الأطر العقابية التى ينبغى أن بعامل بها المتهم ولا توجد له فلسفة ما ولا يؤدى إلا إلى عدم اندماج المتهم  فى المجتمع بعد انقضاء العقوبة مع شعوره بالمرارة والسخط العميق وللأسف يكون هذا الشعور تجاه المجتمع ككل  على الرغم من أنه ربما تكون هذه المعاملة من قلة لا تعبر عن سياسة عامة للمنظمة العقابية
وهذا الحق فى الحقيقة ربما  يكون  هو أمل  النظم الديمقراطية  وقد عبرت عنه العديد من الاتفاقيات الدولية والمعاهدات نذكر منها  على سبيل المثال
وعمليا  وفى الغالب إن وقعت على المتهم معاملة غير كريمة  فتكون أثناء جمع الأدلة على التهمة التى موجهة إليه  فغالبا لا تقع إلا بدافع من حمله على الاعتراف
ولهذا قد نص قانون  العقوبات على  وسائل حماية هذا الحق للمتهم  بتقريره العقاب على  من قام بإيذائه  وذلك فى نص المادتين 126 عقوبات و129 عقوبات الخاصتين بجريمتي التعذيب واستعمال القسوة (34)[2]  والتى تذهبان  إلى  أنه 
 نص المادة 126 عقوبات
""  كل موظف أو مستخدم عمومي أمر  بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله علي الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة  أو السجن  من ثلاث  إلي عشر سنوات وإذا مات المجني عليه  يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد ""
ونص المادة 129 عقوبات
""  كل موظف أو  مستخدم عمومي  وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادا علي وظيفته بحيث انه أخل بشرفهم أو أحدث آلاما بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة  أو بغرامة لا تزيد علي مائتي جنيه""  (35)
وذلك إذا توافرت شرائطهم من- وعلى عموم المادتين -  توافر صفة المتهم  فى المتعرض للتعذيب  أو فى كون التعذيب لحمله على الاعتراف  فضلا عن توافر صفة الموظف العمومي  فى مجرى التعذيب وذلك فى خصوص  المادة 126 ، وتوافر صفة الموظف العام والقيام بأفعال القسوة اعتمادا على وظيفته ووقع الفعل المادي المكون للقسوة وتوافر القصد الجنائى  وذلك فى خصوص الجريمة المنصوص عليها فى المادة 129 -
4- البطلان
أ- البطلان الذى يترتب على المعاملة القاسية أو المهينة هو إبطال ما يصدر عن هذه المعاملة من اعترافات  وتهدرها المحكمة ولا تعول عليها إذ يجب فى الاعتراف أن يكون صادرا عن إرادة حرة
فقد استقر قضاء النقض على أنه 
(الاعتراف الذى يعتد به يجب أن يكون اختياراً صادراً عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف ـ ولو كان صادقاً ـ متى كان وليد إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدره)
(طعن 7979 لسنة 64ق جلسة 5/1/1995 فني 46ص 94)
وقدرت أن
(الوعيد أو الإغراء يعد قرين الإكراه والتهديد لأن له تأثيره على حرية المتهم فى الاختيار بين الإنكار أو الاعتراف
(طعن 7979 لسنة 64ق جلسة 5/1/1995 فني 46ص 94)
بل أنها ذهبت إلى
الدفع ببطلان الاعتراف ولو كان التعذيب واقعا علي متهم أخر دفع جوهرى 
يجب علي محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه مادام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة علي ذلك الاعتراف 000000000000000))
(الطعن رقم 256 لسنة 55ق)
وأيضا فى ذات المعنى
لما كان الدفع ببطلان الاعتراف هو دفع جوهرى يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه رداً سائغاً يستوى فى ذلك أن يكون المتهم المقر هو الذى وقع عليه الإكراه أو يكون قد وقع على غيره من المتهمين ما دام الحكم قد عول فى قضائه بالإدانة على هذا الاعتراف وأن الاعتراف الذى يعتد به يجب أن يكون اختياراً صادراً عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف ـ ولو كان صادقاً ـ متى كان وليد إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدره وكان الوعيد أو الإغراء يعد قرين الإكراه والتهديد لأن له تأثيره على حرية المتهم فى الاختيار بين الإنكار أو الاعتراف ويؤدى إلى حمله على الاعتقاد بأنه قد يجنى من وراء الاعتراف فائدة أو يتجنب ضرراً ، مما كان يتعين معه على المحكمة وقد دفع أمامها بأن اعتراف الطاعن الأول نتيجة إكراه مادي تمثل فى تعذيبه وإكراه أدبى تعرض له تمثل فى التهديد باستحضار زوجته وشقيقاته إلى ديوان الشرطة إذا أنكر والوعد بتجنيبه ما هدد به فى حالة إدلائه بالاعتراف أن تتولى هى تحقيق هذا الدفاع و تبحث الصلة بين الإكراه وسببه وعلاقته بأقواله فإن هى نكلت عن ذلك ولم تعرض البتة للصلة بين التهديد والوعد وبين اعترافه الذى عولت عليه وتقول كلمتها فيه فإن حكمها يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع فضلاً عن القصور.
عن 7979 لسنة 64ق جلسة 5/1/1995 فني 46ص 94
على أنه يلاحظ فى خصوص بطلان هذا الاعتراف الصادر عن التعذيب  أنه
لا يكفي أن يثبت لدي  المحكمة أن اعتداء  قد وقع علي المتهم  بل لابد أن يثبت لدي المحكمة  أن اعتراف المتهم  أمام سلطة التحقيق  جاء متأثرا  بالاعتداء  الذي وقع عليه سواء كان ذلك الاعتداء ماديا كان أو معنويا 
- جنايات الحسينية  رقم 3856  لسنة 1986 والمقيدة برقم 988 لسنة 1986كلي جنايات  الزقازيق -

ب- هذا فضلا عن أن المعاملة الغير لائقة بإنسانية المتهم يمكن أن يتقدم فى شأنها بشكوى إلى جهة التحقيق ( وفقا لنصوص مواد العقوبات التى بيناها بعاليه )  التى تنظر فى دعواه ولها أن تعاقب المذنب فى معاملته المعاملة الغير لائقة باعتبارها جريمة تعذيب إذا توافرت شرائطها المشار إليها بعالية  أو باعتبارها  جريمة استعمال قسوة على نحو ما سيتبين عرضه فى أحكام النقض فى الملحق التابع لهذا المطلب


(33) [1]  - معدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 – الجريدة الرسمية  العدد 39 الصادر  فى 28/9/1972-

(34)  لمزيد من التفاصيل يراجع مؤلفنا – جريمة التعذيب واستعمال القسوة – الصادر عن جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء طبعة 2004
(35)عدلت  عقوبة الغرامة بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982  الصادر في 14/4/1982 ونشر في 22/4/1982  وكانت العقوبة قبل ذلك عشرين جنيها مصرياً.


Post a Comment

Previous Post Next Post