المنهج التحليلي
        هو تحليل أحداث السيرة النبوية، وذلك بتأمل كل حدث من أحداثها وشحذ الذهن حين دراسة كل حدث، ومن ثم استنباط العبر والدروس من هذه الأحداث، وكذلك استنباط الأحكام الشرعية والفقهية منها، وأحياناً ربط الواقع المعاش بما استنبط من حكم ودروس وأحكام لإصلاح الواقع المعاصر. وهذا المنهج – والحق يقال – محبب للنفوس، وخاصة عند أصحاب الفكر والثقافة، حيث أنه يمس شتى مجالات الحياة السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والأخلاقية والفكرية والدعوية ..
        وتجب الإشارة هنا إلى أن هذا المنهج الرائع من كتابة السيرة النبوية جاء متأخراً عن المنهج الأول الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق.
        ولعل أهم من كتب في هذا المنهج من السابقين:  الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية أو (ابن القيم) المتوفى عام 751 ه وذلك في كتابه زاد المعاد في هدى خير العباد (صلى الله عليه وسلم).
        أما من المعاصرين: فالأساتذة الأعلام: محمد الصادق عرجون في كتابه: محمد رسول الله، ومحمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين، وصفي الرحمن المباركفوري في كتابه: الرحيق المختوم، ومحمد عبد القادر أبو فارس في كتابه: في ظلال السيرة النبوية ومنير محمد الغضبان في كتابه المنهج الحركي للسيرة النبوية، وأبو بكر الجزائري في كتابه: هذا هو الحبيب (صلى الله عليه وسلم) يا محب، وأب الحسن الندوي في كتابه: السيرة النبوية، ومحمد الغزالي في كتابه: فقه السيرة، ومحمد سعيد رمضان البوطي في كتابه: فقه السيرة، وعماد الدين خليل في كتابه: دراسات في السيرة النبوية، وراجح الكردي في كتابه: شعاع من السيرة في العهد المكي، والسيرة النبوية للأساتذة: همام سعيد ومحمد أبو فارس وراجح الكردي وإبراهيم زيد الكيلاني، وعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم لعباس محمود العقاد.
أهم كتب هذا المنهج:
أ‌.                   فقه السيرة لمحمد الغزالي(8):
معلوم أن الشيخ الغزالي من كبار الدعاة إلى الله في هذا العصر ومن قدامى الكتاب الإسلاميين المعاصرين، امتاز بحسن الأسلوب وجمال التعبير وروعة العرض وقوة العارضة وحرارة العاطفة ... وكتابه هذا في السيرة من أجود وأهم ما كتب وفيه فوائد كثيرة ... ومع ما في هذا الكتاب من إيجابيات – أهمها صدق العاطفة ومحاربة الجمود والتقليد، والدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، إلا أنه وقع في سلبية المعتزلة (تحكيم العقل في النقل) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
ب‌.              فقه السيرة لمحمد سعيد رمضان البوطي(9):
أراد المؤلف من هذا الكتاب التأكيد على أن السيرة النبوية نبراس يستهدي به المؤمن في حياته العملية كلها؟، منها يستلهم موقفه وبها يهدي خطوه، فعرض السيرة حية لينة واقعية لا مجرد ذكرى تاريخية ...
ويمتاز الكتاب بذكر العبر والدروس المستفادة من السيرة النبوية، وهو عميم الفائدة وسهل العبارة، ولكنه يحتوي على بعض الأحاديث الضعيفة، وفيه هجوم على شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث إن المؤلف محسوب على التيار الصوفي المذهبي!. (11)
ج.     في ظلال السيرة لمحمد عبد القادر أبو فارس(12):
أورد المؤلف في كتابه أحداث السيرة متسلسلة يقف عند كل حدث ويطيل التأمل والتدبر فيه، يقوم بتحليله واستخلاص الدروس والعبر واستنباط الأحكام الشرعية منه، ويربط الأحداث بالواقع المعاصر، وكان يوثق المعلومات قبل تحليلها واستخراج العبر منها. واطلع المؤلف على مراجع السيرة القديمة والحديثة، وحاول  أن يستفيد منها ويقتبس ويناقش(13).

د.      خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم) لمحمد أبو زهرة(14):
سلك المؤلف في كتابه هذا المنهج التحليلي، فكان يحلل الأحداث ويستنبط منها العبر والعظات والدروس والأحكام، ويقارن بينها وبين الواقع الذي يعيشه المسلمون المعاصرون، وينتقد من ثم هذه الأوضاع، كما أنه تعرض لشبهات المستشرقين والمستغربين ورد عليها... وقد امتاز هذا الكتاب باختيار عناوين كثيرة، وكل عنوان يعبر عن حكمة أو فائدة أو عبرة(15).
ه.      دراسات في السيرة لعماد الدين خليل(16):
هذه الدراسات عبارة عن كتاب أكاديمي رائع، أراد منه مؤلفه عرض وتحليل الهيكل الأساسي المتفق عليه لأحداث السيرة، متجاوزاً منطق الدفاع لكي يجعل من الحقائق المجردة نفسها تشكل في ذهن القارئ النسق الحقيقي للسيرة النبوية، رافضاً الجنوح صوب الخيال أو التهويل الأسطوري في الحوادث، أو التطرق صوب النظرة المادية التي تقتل روح السيرة أو تطمس شخصيتها. وقد خالف المؤلف ما اعتاده القراء المعاصرون لدى مؤرخي السيرة من التزام الخط الزمني لأحداثها، واختار منهجاً آخر هو تقسيم وقائع السيرة إلى وحدات متجانسة خصصت لكل واحدة منها مساحة مناسبة في البحث، استقصيت فيها سائر جوانبها وحللت معظم دلالاتها، وقد رد المؤلف على المستشرقين وأصحاب التفسير المادي للتاريخ.
وقد اعتمد المؤلف على أسلوب المعالجة الهادئة المنطقية ومقارعة الرأي بالرأي والحجة بالحجة، وتقديم التفسير الإسلامي للسيرة مستنداً إلى أدلة وحجج قوية. والحق يقال: إن الغيرة الدينية واضحة في كتابه هذا ولكنها لم تفقده العدل والإنصاف، ولم تحمله على التعصب أو مجافاة المنطق ولم تبعده عن البحث الموضوعي الهادئ، وهذا الكتاب يقدم فكرة كاملة عن السيرة النبوية بشكل حي متكامل(17).
و.      الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري(18):
للأهمية التي تحتلها السيرة النبوية في حياة المسلمين على امتداد التاريخ وفي حياتهم الحاضرة، فقد وضعت كتب كثيرة اختلفت نظراتها للسيرة ومناهجها في تناولها، ولكن كانت هناك بعض الكتب في هذا المجال امتازت بشمولها وكمالها ودقة منهجها، بما يعين القارئ المعاصر العادي على أن يتناول السيرة النبوية بسهولة ويسر، يعينه على فهمها فهماً شاملاً واستيعابها دونما نقص أو خلل. وكان هذا الكتاب (الرحيق المختوم) من الكتب المتفردة في السرد التاريخي التحليلي، والذي امتاز بمنهجه الواضح الرائع وشموليته الجامعة في عرض السيرة المطهرة عرضاً عميقاً يسيراً خالياً من الشوائب والأباطيل التي ألحقت ببعض كتب السيرة.
وامتاز هذا الكتاب كذلك في كونه معيناً لكل قارئ أو باحث أو يجد بغيته منه. ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب فاز بالجائزة الأولى لمسابقة السيرة النبوية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
والحق يقال: إن هذا الكتاب جهد رائع وعمل مشكور.... وقد كان إقبال الناس عليه عظيماً شديداُ، وثناؤهم عليه عطراً.
ويلخص المؤلف منهجه في هذا الكتاب فيقول:
ومن منهجي في هذا الكتاب أنني قررت سلوك سبيل الاعتدال متجنباً التطويل الممل أو الإيجار المخل، وقد وجدت المصادر تختلف فيما بينها حول كثير مما يتعلق بالأحداث اختلافاً لا يحتمل الجمع أو التوفيق، فاخترت سبيل الترجيح(19).

Post a Comment

Previous Post Next Post