مصطفى لطفي المنفلوطي .
مولده ونشأته:
هو مصطفى لطفي المنفلوطي المولود في بلدة منفلوط المصرية في السنة 1877م. كان والده قاضيًا شرعيًا لبلدته ونقيبًا لأشرافها وزعيمًا لأسرته. حفظ القرآن في التاسعة من عمره ثم التحق بالأزهر الشريف حيث أمضى عشر سنوات تلقى خلالها عن مشايخه ثقافة علمية واسعة، وبفضل حبه للأدب والأدباء انصرف إلى تحصيل ما أتيح له منه، فلم يترك ساعة يخلو فيها بنفسه إلا انصرف إلى القراءة فاستطاع أن ينمي ذوقه الأدبي وأن يجمع ثقافة أتاحت له الشهرة التي بلغها في مجال الأدب، حيث أقبل يتزود من كتب التراث في  
عصره الذهبي، جامعًا إلى دروسه الأزهرية التقليدية قراءة متأملة واعية في دواوين شعراء العصر العباسي مثل أبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضي، كما قرأ للكتاب الناثرين مثل عبد الحميد وابن المقفع وابن خلدون وابن الأثير، وأكثر من مطالعة الأغاني والعقد الفريد وزهر الآداب وغيرها، وقد أمدته المطالعات العميقة بزاد ثقافي صقل موهبته في الكتابة الأدبية فكتب مقالاته في الصحف مثل المؤيد حيث نشر مقالات بعنوان نظرات جمعت في كتاب تحت الاسم نفسه على ثلاثة أجزاء.
كان من أبلغ الكتاب في العصر الحديث من حيث رشاقة العبارة ورقة التعبير وتصوير الحوادث تصويرًا حقيقيًا، وهو صاحب القلم البديع الجذاب المتفوق في جميع الأغراض والمقاصد حتى لقب بحق "أمير البيان"، وقد كان لأسلوبه تأثير خاص على النفوس كأنه يكتب بكل لسان ويترجم عن كل قلب.
صفاته وأخلاقه:
عن أخلاق المنفلوطي يقول الأديب الناقد حسن الزيات في كتابه تاريخ الأدب العربي: "إنه كان مؤتلف الخلق، متلائم الذوق، متناسق الفكر متسق الأسلوب، سليم الفكر وهو إلى ذلك رقيق القلب عَف الضمير، سليم الصدر، صحيح العقيدة، موزع الفضل والعقل والهوى بين أسرته ووطنيته وإنسانيته".
سياسته:
وقد ذكر محمد عبد الفتاح في كتابه أشهر مشاهير أدباء الشرق: ليس له حزب خاص ينتمي إليه ولا جريدة خاصة يتعصب لها وليس بينه وبين جريدة من الجرائد علاقة خاصة حتى الجرائد التي كان يكتب فيها رسائله لم يكن بينه وبينها أكثر مما يكون بين أي كاتب 
يكتب رسائله، وكانت له مطلق الحرية في اختيار أي صحيفة يتوسم بأن تنشر آراءه وأفكاره فإن لاقاها في شيء من مبادئها ومذاهبها لاقاها مصادفة واتفاقًا، وإن فارقها في ذلك فارقها طوعًا واختيارًا.
كان المنفلوطي يرى أن كل المفاسد الأخلاقية تأتي من تقليد الغرب، فيقول: (أصبحت أعتقد أن مفاسد الأخلاق والمدنية الغربية شيئان متلازمان، وتوأمان متلاصقان، لا افتراق لأحدهما عن صاحبه)1
ويترجم المنفلوطي رسالة الأدب معبرا عن الأدب الكاذب بقوله:
(كُنّا وكانَ الأَدَبُ حالاً قائمةً بالنَّفسِ تَمنعُ صاحبَها أَنْ يُقْدِمَ على شرٍّ، أو يُحدِّثَ نفسَه به، أو يكونَ عَوْنًا لفاعليه. فإن ساقَتْهُ إليه شهوةٌ من شهواتِ النَّفسِ، أو نزوةٌ من نزواتِ العَقْلِ، وَجَدَ في نَفسِه عند غشيانِه من المضَضِ والامتعاض ما ينغّصُه عليه ويُكدِّرُ صفوَه وهناءَه.
ثُمَّ أصبحنا، وإذا الأدبُ صُوَرٌ وَرُسومٌ، وحركاتٌ وسكناتٌ، وإشاراتٌ والتِفاتاتٌ، لا دخلَ لها في جوهرِ النَّفسِ، ولا علاقة لها بشعورِها ووجدانِها . فأحْسَنُ الناسِ عند الناسِ أدبًا وأكرمُهم خُلُقًا، وأشرفهُم مذهبًا، من يكذبُ على أن يكونَ كذبُه سائغًا مُهَذَّبًا، ومن يخلفُ الوعدَ على أن يُحسِنَ الاعتذارَ عن إخلافِه، ومن يبغضُ الناسَ جميعًا بقلبِه على أن يُحبَّهم جميعًا بلسانِه، ومن يقترفُ ما شاءَ من الجرائمِ والذُّنوبِ على أن يحسنَ التَّخلُّصَ من نتائجِها وآثارِها.
وأفضلُ من هؤلاءِ جميعًا عندهم أولئك الَّذين برعُوا في فنّ ((الآداب العالية)) أي فنِّ الرِّياءِ والنِّفاقِ، وتفوَّقوا في استظهارِ تلك الصورةِ 
الجامدةِ التي تواضعَ عليها ((جماعة الظُّرفاء)) في التحيّة والسَّلامِ، واللِّقَاءِ والفِرَاقِ، والزّيارةِ والاستزارةِ، والمجالسةِ والمنادمةِ
وأمثال ذلك مما يرجعُ العلمَ به غالبًا إلى صغرِ النَّفسِ وإسفافِها، أكثر مما يرجِعُ إلى أدبِها وكمالِها؛ فكأنَّ الناسُ لا يستنكرون من السَّيِّئَةِ إلاَّ لونَها؛ فإذا جاءَتْهُم في ثوبٍ غير ثوبِها أَنِسُوا بها وسَكَنُوا إليها؛ ولا يعجبُهم من الحسنةِ إلاَّ صُورتُها؛ فإذا لم تأتِهم في الصُّورةِ الَّتي تُعجِبُهم وتروقُهم عافُوها وزهدُوا فيها، أي أنّهم يُفضِّلون اليدَ الناعمةَ الَّتي تحملُ خِنْجَرًا، على اليدِ الخشنةِ الَّتي تحملُ بَدْرَةً، ويُؤثِرون كأسَ البلّورِ المملوءةَ سُمًّا على كأسِ الخزفِ المملوءةِ ماءً زلالاً.
ولقد سمعتُ بأُذنيَّ من أخذَ يعدُّ لرجلٍ من أصدقائِه من السيّئاتِ ما لو وُزِّعَ على الخلقِ جميعًا لَلَوَّثَ صحائِفَهُم ثمّ ختمَ كلامَهُ بقولِه: وإنّي على ذلك أحبّهُ وأجِلّه، لأنّه رجلٌ ((ظريفٌ))!
وأغربُ من ذلك كلِّه أنّهم وضعُوا قوانينَ أدبيَّةً للمغازلةِ، والمعاقرةِ، والمقامرةِ، كأنّ جميعَ هذه الأشياء فضائلُ لا شكَّ فيها، وكأنَّ الرذيلةَ وحدَها هي الخروجُ عن تلك القوانين الَّتي وُضِعَت لها، وما عهدُنا ببعيد بذلك القاضي المصريّ الذي أجمعَ الناسُ في مصر منذ أيَّامٍ على احتقارِه وازدرائِه، لا لأنَّه لعبَ القمارَ، بل لأنَّه تلاعبَ بأوراقِ اللّعبِ في أحدِ أنديةِ القمارِ، وسَمَّوْه لِصًّا دنيئًا، والقمارُ لصوصيّة من أساسِه إلى ذُرْوَتِه!  
مؤلفاته:
كتب المنفلوطي الكتب التالية:
1- النظرات.
3- تحت ظلال الزيزفون (مجدولين).
4- الفضيلة.
5- الشاعر.
6- العبرات.
7- أشعار ومنظومات رومانسية كتبها في بداية نشأته الأدبية.
8-
مختارات المنفلوطي.. وهي مختارات شعرية ونثرية انتقاها المنفلوطي من أدب الأدباء العرب في مختلف العصور.
مكانته الأدبية:
لاقت روايات المنفلوطي وكتبه الأدبية شهرة واسعة في جميع الأقطار العربية فطبعت مرات متعددة وتهافت الناس من كل الأعمار والأجناس على قراءتها.. لكن صاحبها لم يسلم من النقد ومن ألسنة النقاد وأقلامهم إذ انقسم الناس حوله بين مؤيد ومعارض وهذا شأن جميع الكبار في ميادين الأدب والفن والسياسة وغيرها.
وكان الأديب اللبناني عمر فاخوري من أشد الناس قسوة على المنفلوطي، فقد قال: إن مذهبه الأدبي غامض وآراءه في صنعة الأدب مبهمة، وإلى جانب هذا النقد الجارح، اتفق مؤيدوه على أن إنشاءه فريد في أسلوبه، وأن ما كتبه كان له أثر كبير في تهذيب الناشئة أخلاقًا ولغة وسلوكًا، فالدكتور طه حسين يقول إنه كان يترقب اليوم الذي تنشر فيه مقالات المنفلوطي الأسبوعية في جريدة المؤيد ليحجز لنفسه نسخته منها وكان يقبل على قراءتها بكل شغف. وقال  
عنه العقاد إنه أول من أدخل المعنى والقصد في الإنشاء العربي، وفي أدبه برزت (نزعته الأصلية للإصلاح، وغيرته الشرقية).2
لقد أجمع الذين عرفوا المنفلوطي وعاشروه على أنه متحلِ بجميع الصفات التي كان يتكلم عنها كثيرًا في رسائله وأن أدبه النفسي وكرم أخلاقه وسعة صدره وجود يده وأنفته وعزة نفسه وترفعه عن الدنايا وعطفه على المنكوبين والمساكين ورقة طبعه ودقة ملاحظاته ولطف حديثه إنما هي بعينها كتبه ورسائله لا تزيد ولا تنقص شيئًا.
فالمنفلوطي (ارتقى بالمضمون أو المغزى رقيًا أدبيًا وخلقيًا، اختلف عن السيل الهادر من القصص الرخيص الذي نقله المترجمون أو وضعه المؤلفون) 3
وفاتـه:
لم يعمر المنفلوطي طويلاً.. فقد وافته المنية يوم الخميس 10 ذي الحجة سنة 1342 هـ يوم جرت فيه محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول حيث نجا من تلك المحاولة لكنه جرح جرحًا بليغًا فانشغل الناس بتلك الحادثة ولم يلتفتوا إلى أديب العربية الكبير.
وحين أبلغ سعد زغلول بوفاة الأديب الكبير حزن عليه أعمق الحزن وذرف عليه الدموع السخية.

أما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم فقد رثياه في مأتم مهيب أقيم له في وقت لاحق ولحق بهما كثير من شعراء الأقطار العربية في العراق والشام ولبنان فرثوه بأعذب الأشعار وأرق الكلمات.4

Post a Comment

Previous Post Next Post