تعريف الفلكلور

إن أول من استعمل مصطلح الفلكلور هو الإنجليزي "وليم تومز" ويتألف المصطلح من شقين (folk) يعني العامة أو الشعب، والثاني (Lore) ويعني المعرفة، وبهذا يكون المعنى الحرفي للمصطلح معارف العامة،  وقد شرح "تومز" في مقالاته في صحيفة "ذي أثينيوم" ما عناه بمعارف العامة، وبيّن أنها: المعتقدات والأساطير والعادات، وما يراعيه الناس، والخرافات والأغاني الروائية والأمثال الخ… التي ترجع إلى العصور السالفة(4) ومن خلال التدقيق في هذا التعريف، نلاحظ أن "تومز" حاول الإحاطة بفروع الفلكلور، لكنه لم يقدم تعريفاً جامعاً مانعاً له.

         ويتطور تعريف المصطلح على يد "الفردنت" في قاموس "مصطلحات الأثنروبولوجيا والفلكلور"، فيعرف الفلكلور بأنه: أنثروبولوجيا تتعلق بالإنسان البدائي، وتعكس هذه الأنثروبولوجيا مجموعة من المعارف والخبرات والفنون، عبّر الإنسان بواسطتها عن أحاسيسه، ورغباته وتجربته، وجعلها هادياً له في تنظيم أموره الحياتية والاجتماعية، ويحافظ المجتمع على نقلها من جيل إلى الجيل الذي يليه(5). ولعل هذا التعريف الإجرائي هو خلاصة نقاشات ودراسات طويلة، في جمعيات الفلكلور، ومدارسه المختلفة.

الفلكلور العربي وتعريب المصطلح:

                  تأخر اهتمام العرف بالفلكلور إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويرد "الدكتور عبد اللطيف البرغوثي" في محاضرة له، أسباب هذا التأخير إلى وقوع العرب بين خوفين هما:
الأول: الخوف من طغيان العامية على الفصحى، وبالتالي على القرآن الكريم والتراث الكلاسيكي العربي، خصوصاً في ظل الدعوات الإقليمية التي كانت تنادي بإحلال العامية محل الفصحى، وموجهها في ذلك الاستعمار، وظاهرة الاستشراق المرتبطة به.
والثاني: الخوف على المأثور الشعبي أن ينقرض أو يتغير كثيراً وهو غير مدون، فيضيع بذلك مصدر من أهم المصادر لدراسة عادات الشعب وحياته وتقاليده، وعندما رجح الخوف الثاني على الأول بدأ الناس يقدمون على تدوين المأثور الشعبي(6).

         بدأت دراسة المأثور الشعبي العربي بجهود فردية غير منظمة، حيث تركزت هذه الدراسات الفردية في ملاحظات عامة، وفي جمع بعض الجوانب من المادة الفلكلورية، ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بكتابات أحمد تيمور (الأمثال العامية)، وخيال الظل، واللعب والتماثيل المصورة، ولوقتنا هذا، لم تحتل دراسات التراث المكانة اللائقة بها، إلا أن هناك مؤشرات إيجابية، تدفع باتجاه الاهتمام بدراسة الفلكلور ليحتل المكان اللائق، ومن هذه المؤشرات:
·       الرسائل العلمية الجامعية التي يتقدم بها أصحابها لنيل درجاتهم العلمية في الدراسات العالية في التراث الشعبي.
·       الأبحاث والدراسات التي أصبحت تظهر في المكتبة العربية كمؤلفات أو أبحاث في المجلات المختلفة.
·       ظهور الفرق الشعبية التي أخذت تتسابق في عرض واستلهام الفنون الشعبية.
·       عقد المؤتمرات الثقافية والتي يكون الفلكلور محورها أو أحد موضوعاتها.

ومن مظاهر اهتمام الدارسين العرب بقضية الفلكلور أن ظهرت عدة مصطلحات تقابل مصطلح فلكلور؛ مثل الأدب الشعبي، التراث الشعبي، المأثورات الشعبية، وهذا الأخير هو المصطلح الذي أقره المجمع اللغوي في القاهرة. والمأثور لغة؛ هو المنقول قرناً عن قرن، ولعل هذا المصطلح أقرب مصطلحاتنا العربية للدلالة على الفلكلور(7).


تشير المؤلفات القديمة إلى أن الاهتمام بالفلكلور ليس حديثا،ً فكتب الرحلات والتاريخ والأدب ـ منذ أقدم الأزمنة وحتى العصور الحديثة ـ غنية بالمادة الفلكلورية بمفهوم الفلكلور الحديث، فالمؤرخ اليوناني هيرودوت نقل كثيرا من الأساطير والعادات في اليونان، ومصر القديمة، وفارس، كذلك فإن الوثائق العديدة المكتشفة في بلاد ما بين النهرين، ومصر، واليونان وغيرها من المناطق التي كانت مسرحاً للحضارات القديمة فيها مواد فلكلورية هامة؛ خاصة تلك التي تتعلق بالمعتقدات الدينية: كالترانيم والطلاسم السحرية، أو الفنون كفن التجميل أو الوشم أو الصناعات اليدوية (1)، أما في العصور الوسطى، فتبدو المؤلفات العربية القديمة، ككتب الرحالة والأدب والتاريخ والجغرافيا والسير، حافلة بالحديث عن بعض جوانب الحياة التقليدية في تلك العصور، ومنها على سبيل المثال: "أغاني الأصفهاني"، و"تاريخ الطبري"، وبعض مؤلفات الجاحظ "كالحيوان"، و"رحلات ابن بطوطة"، وابن جُبير، و"كليلة ودمنة" وغيرها.

         ولكن هذا الاهتمام، سواء أكان في تدوين المادة الفلكلورية أم في فحصها والوقوف على أثرها وأهميتها، لم يكن الهدف منه – في الماضي- إبراز هذا التراث كجانب مستقل له أهميته الخاصة، كما كان الاهتمام بالشعر أو التاريخ أو العلوم الأخرى، وإنما كان يروى غالباً لارتباطه بجوانب أخرى من اهتمام أصحاب هذه المؤلفات.

لقد ظهر الاهتمام الجاد بدراسة الفلكلور في عصر النهضة بالذات، حين بدأت تباشير التحرر الفكري والديني بالظهور، وبدأ الشعور القومي يحل محل الشعور الديني في أوروبا، وأخذت اللغات القومية الخاصة بكل شعب تنبثق من اللاتينية… وأصبحت هذه اللغات القومية، لغات فكر، وأدب، وعلم، بالإضافة لكونها لغة حديث العامة من الناس، وهم كثرة الشعوب الأوروبية، وأخذ الشعراء يتغنون بفضائل لغتهم القومية.

         أما في القرن التاسع عشر فيظهر مؤثران قويان يدعمان التوجّه نحو تأسيس علم الفلكلور، والاعتراف به، وهما:
أ- الحركات القومية الأوروبية: إذ أصبح الاهتمام بالفلكلور يسير بخط موازٍ لحركات التحرر القومي، وبدأت الشعوب نفسها تحس بكياناتها القومية، وترى في تراثها الشعبي هويتها القومية.
ب- الحركة الرومانسية: التي ثارت على الظلم والاستبداد، وخرجت على كل ما هو كلاسيكي، فتحوّلت باهتماماتها من الآداب المدونة إلى الشفاهية، ومن المدينة إلى الريف، وتترجم اهتمامها بالشعب(2) في محاولات جمع الأغاني الشعبية، وتقديس كل ما هو وطني.

         ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون بداية الدراسات الشعبية على يد الرومانسية، في ألمانيا بالذات؛ حيث مؤسس الحركة الرومانسية وملهمها هيرور، الذي اهتم بجمع الأغاني الشعبية من أفواه أفراد الشعب؛ ليثبت أصالة الألمان وعبقريتهم، ويقوم الأخوان "جرايم" بجمع النصوص الشعبية خوفاً من ضياعها ولتأكيد الهوية القومية.

Post a Comment

Previous Post Next Post