الركن المعنوي. للجريمة
الركن المعنوي للجريمة هو الأصول النفسية لها والتي تتمثل في الإرادة الإجرامية، ومصدر الصفة الإجرامية للإرادة هو إتجاهها إلى ماديات غير مشروعة(94).وجريمة تلويث البيئة شأنها شأن الجرائم الأخرى التي قد يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجرمي فتكون الجريمة عمدية ، أو يتخذ صورة الخطأ غير العمدى فتكون الجريمة غير عمدية . ولكن بالرغم من إمكانية تحقق هاتين الصورتين إلا أنه يلاحظ على صياغة نصوص قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 ، أنها جاءت خالية من أي تحديد لهما فقد كانت غامضة بهذا الخصوص. وقد إختلف الفقه الجنائي في تفسير هذا الغموض إلى إتجاهيين وهو الأمر الذي يسوغ معه تناول هذه المسألة من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فرعين :

الفرع الأول //القصد الجرمي أساس قيام الجريمة ..
إن الركن المعنوي عادةً مايتخذ إحدى صورتين ، فقد يكون قصداً جرمياً أو قد يكون خطاً غير عمدياً ، وقد عرفت المادة (33/1) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 القصد الجرمي بأنه (توجيه الفاعل إرادته إلى نتيجة الجريمة التي وقعت أو أي نتيجة جرمية أخرى )(95). أما الخطأ غير العمدي  فقد وردت الإشارة إلى صوره في المادة (35) من القانون ذاته ، إذ أشارت إلى أنه ( تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو رعونةً أو عدم إنتباه أو عدم إحتياط أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر )(96).ويرى أنصار هذا الإتجاه إن سكوت المشرع عن تحديد طبيعة جريمة تلويث البيئة ما إذا كانت عمدية أو غير عمدية يتطلب تطبيق القواعد العامة ، والتي تقضي بأنه لاعقاب على إرتكاب الجريمة إلا إذا تعمد الفاعل إرتكابها مالم ينص القانون على المسؤولية غير العمدية ، ذلك إن القاعدة هي العمد ولاعقاب على الخطأ غير العمدي إلا بنص القانون(97).وتطبيقاً لذلك إذا لم تتضمن التشريعات البيئية تحديد لصورة الركن المعنوي لجرائم تلويث البيئة تعد عندئذ تلك الجرائم جرائم عمدية لايسأل مرتكبها إلا إذا تعمد إرتكابها .

الفرع الثاني//المساواة بين القصد الجرمي والخطأ غير العمدي..
يرى أنصار هذا الإتجاه إن سكوت المشرع البيئي يختلف عن سكوت المشرع في إطار قانون العقوبات وبالتالي لايمكن أن يُفسر سكوته وفقاً للقواعد العامة ، إذ غالباً ما يأتي النص الخاص بجريمة تلويث البيئة خالياً من تحديد صورة الركن المعنوي فيها ، ويعني ذلك رغبة المشرع البيئي في المساواة بين القصد الجرمي والخطأ غير العمدي في قيام تلك الجريمة ، فيقرر عقوبة واحدة عن مخالفة الأحكام البيئية سواء وقعت عن عمد أو عن إهمال.(98) ومما تقدم يمكن القول إن المشرع البيئي العراقي لم يرغب في التفرقة بين أن تكون جريمة تلويث البيئة قد إرتكبت بصورة عمدية أم غير عمدية . فقد ساوى بين التلوث العمدي والتلوث غير العمدي حينما ذكر جرائم التلويث البيئي في المواد (14- 25) من قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009. ويظهر ذلك جليناً في أحكام التعويض والأحكام العقابية ، إذ يُعد مسؤولاً عن التعويض بموجب المادة (32 / أولاً) من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 ( كل من سبب بفعله الشخصي أو إهماله أو تقصيره أو بفعل من هم تحت رعايته أو رقابته أو سيطرته من الأشخاص أو الأتباع أو مخالفته القوانين والأنظمة والتعليمات ضرراً بالبيئة... )(99). كما لم تفرق النصوص العقابية في مقدار العقوبة فتقرر عقوبة واحدة عن مخالفة الأحكام البيئية سواء وقعت عن عمد أو عن غير عمد ، وإذا كانت صياغة نصوص قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 لم تفصح عن طبيعة الركن المعنوي في جرائم تلويث البيئة فان من التشريعات البيئية المقارنة ما قد شارك وأيد التشريع البيئي العراقي في إتجاهه ذلك كقانون البيئة الأردني رقم (52) لسنه 2006 ، فقد جرمت نصوصه فعل تلويث البيئة بكافة صوره إلا إنها جاءت خالية من بيان إمكانية أن ترتكب أفعال التلويث هذه بصورة عمدية أو غير عمدية محملاً مرتكبها ذات المسؤولية الجزائية أياً كانت صورة إرتكابه لها(100) . في حين نجد تشريعات بيئية أخرى وإن أغفلت في غالبية نصوصها تحديد ذلك إلا أنها قد أشارت في بعض منها إلى طبيعة الركن المعنوي في جرائم تلويث البيئة من ذلك التشريع البيئي المصري والجزائري (101). إذاً يتعين أن تتقرر حماية جزائية فعالة للعناصر البيئية من الإنتهاكات العمدية أو الناجمة عن إهمال أو مخالفة قواعد الحيطة والحذر التي يتطلبها القانون، إذ تترتب المسؤولية الجزائية أياً كانت الحالة المعنوية للجاني .(102)


المبحث الثالث//الجزاء الجنائي لتلويث البيئـة..
تثير مسألة الجزاء الجنائي في مجال جرائم تلويث البيئة حيرة بالغة في التشريعات البيئية المعاصرة ، وذلك من حيث إختيار أنسب الجزاءات التي يمكن أن تتصدى لهذه الطائفة الجديدة من الجرائم(103) ، فمن التشريعات من ضمن الجزاءات الجنائية عقوبات أصلية متنوعة بدءاً بالعقوبات البدنية المتمثلة بالإعدام ومروراً بالعقوبات السالبة للحرية متمثلة بعقوبة السجن والحبس وإنتهاءاً بالعقوبات المالية المتمثلة بالغرامة(104)، في حين غالباً ما إقتصرت تشريعات أخرى على الأخذ بالعقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية كعقوبات أصلية ، دون الإشارة إلى عقوبة الإعدام في نصوصها كجزاء جنائي مترتب على إرتكاب جرائم التلويث البيئي(105).هذا فيما يتعلق بالعقوبات الأصلية . أما في إطار العقوبات التكميلية فلا يخلو الأمر من تفاوت ونسبية ، فقد تنوعت هذه العقوبات في بعض التشريعات البيئية بين المصادرة(106)،ونشر الحكم بالإدانة(107)وغلق المنشأة(108)، وحظر ممارسة النشاط(109)، وتفرض بحكم قضائي إلى جانب العقوبة الأصلية وقد ينص عليها القانون بوصفها عقوبة إختيارية في حين يوجب في حالات أخرى فرضها ، بينما نجد من التشريعات البيئية من جاء خالياً من أي نص يشير إلى مثل هذه العقوبات  أو مصنفاً بعضها – كعقوبة غلق المنشأة - على أنها جزاءاً إدارياً تتخذه جهات إدارية محددة قانوناً في مواجهة مرتكب فعل التلويث وهذا هو إتجاه قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 وهذا مما يؤخذ عليه ذلك لأهمية هذه العقوبات وماترتبه من أثر رادع في مجال جرائم تلويث البيئة (110)، وقد إختلف تبعاً لذلك الباحثين في مجال تصنيف الجزاءات الجنائية ، فمنهم من صنفها إلى عقوبات أصلية وأخرى تكميلية (111) ، بينما تناول البعض الأخر تقسيمها إلى جزاءات عقابية بحتة سواء كانت (بدنية أو سالبة للحرية أو مالية) وإلى جزاءات وقائية تتمثل بتدابير إحترازية وغالباً ما تكون هذه التدابير ذات صفة تبعية أو تكميلية.(112)وعلى الرغم من ذلك فأنه يمكن القول أنه لما كان من بين أحكام قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 أحكام تحضر وتجرم التلوث لذا فإن مخالفتها يوجب إيقاع العقوبة المقررة قانوناً، ووفقاً للقانون المذكور تتنوع العقوبات الجنائية في نطاق جرائم تلويث البيئة ، ويمكن أن تتخذ صورتين، تكون في الأولى سالبةً لحرية المدان بجريمة التلويث على شكل عقوبة سجن أو حبس بينما تكون في الثانية ذا صبغة مالية أي ترد على ذمته المالية على شكل غرامات  أو مصادرة وإن كانت السياسة التي ينتهجها المشرع البيئي في جرائم تلويث البيئة تتجه نحو التوسع في العقوبات المالية والإقلال من العقوبات المقيدة للحرية إلا أن النوع الأخير لاغنى عنه في ردع مخالفي قوانين البيئة(113) وفيما يأتي بيان لذلك في المطلبين الأتيين :

المطلب الأول //العقوبات السالبة للحرية..
العقوبات السالبة للحرية هي العقوبات التي يفقد فيها المحكوم عليه حريته الشخصية بإيداعه في إحدى المؤسسات العقابية وخضوعه فيها لبرنامج يومي إلزامي. والعقوبات السالبة للحرية في التشريع العراقي هي السجن المؤبد والسجن المؤقت والحبس الشديد والحبس البسـيط(114)، وتحتل هذه العقوبات مكاناً بارزاً في النظام العقابي المقرر في جرائم تلويث البيئة ، فتعد من أهم العقوبات المجدية والمؤثرة في حماية البيئة، إذ يتجه المشرع نحو توظيف هذه العقوبات في مواد التلويث البيئي لتمثل رد فعلٍ أساسيٍ لمخالفة الانظمة والأحكام الخاصـة بحماية البيئة من التلوث(115)، وذلك على النحو الآتي:

الفرع الأول//عقوبة السجن..
 إستعمل المشرع البيئي العراقي عقوبة السجن في مجال الجزاء الجنائي المقرر لجرائم التلويث البيئي إلا إنه جعل هذا الإستعمال في حدود ضيقة تقتصر على ماورد في المادة (35) من قانون حماية وتحسين البيئة إذ أشارت إلى إنه ( يعاقب المخالف لأحكام البنود (ثانياً) و(ثالثاً) و (رابعاً) من المادة (20) من هذا القانون بالسجن ويلزم بإعادة المواد أو النفايات الخطرة أو الإشعاعية إلى منشئها أو التخلص منها بطريقة آمنة مع التعويض).و مما تقدم يلاحظ من خلال نص هذه المادة إن المشرع البيئي العراقي جعل أفعال التلويث المرتكبة خلافاً لأحكام المادة (20) بفقراتها المذكورة دون غيرها جرائم من نوع جناية معاقب عليها بعقوبة السجن المؤقت . كما يلاحظ إن المشرع لم يحدد مدة السجن بحد أدنى أو أعلى بل جاءت عقوبة السجن مطلقة وهي سياسة حكيمة تتيح للقاضي مهمة إختيار المدة الملائمة في ضوء ظروف كل جريمة وتبعاً لجسامة الإعتداء أو الضرر المرتكب ضد البيئة.(116)وعموماً لم يتطرق قانون حماية وتحسين البيئة العراقي لعقوبة السجن المؤبد كونه لم يعالج حالات الإعتداء البيئي التي تستوجب فرض هذه العقوبة مخالفاً في ذلك ما ذهبت إليه التشريعات المقارنة كالتشريع المصري في المادة (95/2 ) من قانون في شأن البيئة المصري رقم (4) لسنة 1994، فقد اعتمد بموجبها عقوبتي السجن المؤبد والسجن المؤقت كجزاء مقرر لارتكاب جريمة تلويث البيئة في صورتها المشددة وذلك عندما تقترن بظرف مشدد معين. إذ أشارت إلى أنه ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من ارتكب احد الأفعال المخالفة لأحكام هذا القانون إذا نشأ عنه إصابة احد الأشخاص بعاهة مستديمة يستحيل برؤها وتكون العقوبة السجن إذا نشأ عن المخالفة إصابة ثلاثة أشخاص أو أكثر بهذه العاهة فإذا ترتب على هذا الفعل وفاة إنسان تكون العقوبة السجن المشدد .وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا ترتب على الفعل وفاة ثلاثة أشخاص فأكثر ) .(117)

الفرع الثاني //عقوبة الحبس..
الحبس هو سلب حرية المحكوم عليه وذلك خلال المدة التي يحددها الحكم القضائي.والحبس هو العقوبة السالبة للحرية لجرائم الجنح وقد يحكم بها في بعض الجنايات إذا توافرت لها ظروف قضائية مخففة . ويعد الحبس العقوبة المقررة لمعظم جرائم تلويث البيئة المنصوص عليها في مختلف التشريعات البيئية إذ  يتم توظيفها في مواد التلويث البيئي توظيفاً متنوعاً ومتدرجاً بحسب جسامة الجريمة ودرجة خطورتها.(118)
 إن المشرع البيئي العراقي قد إعتمد عقوبة الحبس كجزاء لجرائم تلويث البيئة. وذلك في المادة (34/ أولاً) من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 التي توقع عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر على كل من يخالف الأحكام الواردة في القانون المذكور والأنظمة والتعليمات الصادرة في ظله . وبينت الفقرة ثانياً إن هذه المدة تضاعف في كل مرة يتكرر فيها إرتكاب المخالفة .(119) ويلاحظ أن المشرع العراقي بتحديده لعقوبة الحبس بحد أدنى لايقل عن ثلاثة أشهر قد أكد على إعتباره لجرائم تلويث البيئة الواردة في هذا القانون من قبيل جرائم الجنح  ، كما و يلاحظ إنه بإيراده حداً أدنى دون أن يحدها بحد أعلى جعل إمكانية القول إن الحبس قد يكون حبساً بسيطاً أو حبساً شديداً تبعاً لجسامة حالة التلوث أمراً بديهياً. كما يلاحظ على هذا النص أن المشرع العراقي جعل من عقوبة الحبس شاملة لكل الجرائم البيئية الناتجة عن مخالفة أحكام هذا القانون من دون أن يأخذ بالحُسبان جسامة الجريمة والأضرار الناتجة عنها ، وكان من الأفضل النص على المواد التي تعد مخالفة أحكامها جريمة تطبق عليها هذه العقوبة كما فعلت التشريعات البيئية السابق الحديث عنها ، ونرى ضرورة تضمين قانون حماية البيئة نصوصاً تتبنى التنوع في العقوبات السالبة للحرية بما يتناسب مع أهمية المصلحة التي تشكل هذه الجرائم اعتداء عليها. أما بالنسبة لأحكام التشريع البيئي المقارن فإنه يأخذ بهذه العقوبة كجزاء لبعض جرائم تلويث البيئة ، فمثلاً التشريع البيئي المصري تضمن النص على هذه العقوبة إلا إنه إنتهج أساليب عديدة في تحديده لهذه العقوبة. إذ تارةً نجده قد نص عليها بصفة مطلقة من دون بيان لحديها الأدنى والأعلى إذ يكون للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بمدة الحبس التي يراها (120)وتارةً أخرى نجده يتولى تحديد الحد الأدنى لهذه العقوبة المقررة لجرائم تلويث البيئة (121). وفي أحوال أخرى يكتفي المشرع بتحديد الحد الأقصى لعقوبة الحبس المقررة لجرائم تلويث البيئة (122).وبالنسبة للمشرع الإماراتي، نجد هو الآخر نص على عقوبة الحبس جزاءً جنائياً مقرراً لجرائم الاعتداء على البيئة وبأسلوب مشابه لما نص عليه المشرع المصري، ومن ذلك نصه في المادة (73) من قانون حماية البيئة وتنميتها رقم (24) لسنة 1999 على أنه ( ...تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات...والغرامة ...أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من خالف أحكام المادتين (18)(58) من هذا القانون...)(123)،ونص كذلك في المادة (74) منه على أنه (يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة...كل من خالف أحكام المادتين (24) و(26) من هذا القانون)(124).ومما تجدر الإشارة إليه أن العقوبات السالبة للحرية نادرة التطبيق عملياً في نطاق جرائم تلويث البيئة إذ تفضل السلطات القضائية العراقية عادة اللجوء إلى تطبيق جزاءات جنائية أخرى كالعقوبات المالية إعتقاداً منها بأنها أكثر ملائمة لهذه الجرائم وخاصة في الأحوال التي لا يؤدي فيها فعل التلويث إلى ضرر ملموس كالوفاة أو الإصابة بعاهة وكذلك في الحالات التي يتم فيها إرتكاب الجريمة عن طريق الشخص المعنوي ويتعذر تحديد الشخص الطبيعي المسؤول داخل المنشأة . ويلاحظ أن بساطة العقوبات السالبة للحرية المقررة عن إرتكاب هذه الجرائم تعطي للفرد الإنطباع ببساطة واقعة التلوث البيئي وقلة أهميتها داخل المجتمع فضلاً عن إفتقار هذه العقوبة للفاعلية كجزاء رادع بعدم تناسبها مع أهمية المصالح الخاصة والعامة التي تشكل هذه الجرائم الإعتداء عليها .ونتفق مع من يرى إنه من الضروري أن تتضمن قوانين حماية البيئة النص على عقوبات سالبة للحرية متنوعة ومتدرجة في شدتها ضمن النظام العقابي المقرر لجرائم تلويث البيئة لتتناسب مع أهمية المصالح الفردية والإجتماعية التي تمثل هذه الجرائم عدواناً عليها بحيث تتقرر العقوبات الطويلة المدة منها للجرائم الأشد خطراً إذ  لا يمكن إنكار دور هذه العقوبات في مكافحة هذا النوع من الجرائم وكذا مجابهة الأضرار والأخطار الفادحة الناجمة عن إرتكابها.(125)

المطلب الثاني//العقوبات الماليـة..
لقد إتجهت معظم التشريعات الجنائية البيئية نحو تغليب الجزاء المالي بخصوص جرائم تلويث البيئة، إذ يترتب على إيقاعها إنقاص الذمة المالية للمحكوم عليه بها (126) دون المساس في جسمه أو حريته أو منزلته الاجتماعية، وقد حاول المشرع البيئي تحقيق التنوع والتفرد في توظيف العقوبات المالية توظيفاً يكفل – بقدر المستطاع–تحقيق الردع بشأن هذه النوعية من الجرائم وذلك بتطبيقها في صور مختلفة (127) ، وتعد عقوبتي الغرامة والمصادرة من أهم العقوبات المالية المقررة في مواجهة جرائم التلوث البيئي.وذلك على النحو الآتي



الفرع الأول // عقوبة الغرامة..
الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من المال يقدره الحكم إلى خزينة الدولة ، أو يتم تخصيصه للغرض الذي ينص عليه القانون(128)، ولقد عرف قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 عقوبة الغرامة في المادة (95)منه بأنها (إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى الخزينة العامة المبلغ المعين في الحكم وتراعي المحكمة في تقدير الغرامة حالة المحكوم عليه المالية والإجتماعية وما أفاده من الجريمة أو كان يتوقع إفادته منها وظروف الجريمة وحالة المجني عليه).(129) .وبقدر تعلق الأمر بجرائم تلويث البيئة تحتل عقوبة الغرامة مكانة بارزة في مجال الحماية الجنائية المقررة للبيئة وذلك لملاءمتها للجرم والجاني على حد سواء، فهي تتلاءم مع الجرم، إذ أن أغلب الجرائم البيئية تتصل بالمال بطريقة أو بأخرى، إذ تحدث بمناسبة ممارسة نشاط إقتصادي فتكون الغرامة بالنسبة لها من جنس العمل ، ومن جهة أخرى فإن الغرامة تتلاءم مع الجاني، فالجرائم البيئية غالباً ما تسند إلى أشخاص معنويين ، فتكون عقوبة الغرامة مناسبة لطبيعة مرتكبيها.(130)وقد تأخذ الغرامة أشكالاً مختلفة ، فقد تكون محددة بمقتضى النص كما هو متبع في تقدير الغرامات بصفة عامة ، وقد تكون نسبية بحيث تقدر دون الإعتماد على المعيار الكمي المحدد بالنص بل وفقاً للإضرار الناتجة عن الجريمة وأهمية المصلحة محل الحماية الجزائية موضوع الإعتداء وأحياناً ما تتصاعد هذه الغرامة تصاعداً تراكبياً في ضوء إستمرار المخالفة وتصاعد الفائدة المترتبة عليها (131)، بمعنى أخر يرتبط  تقديرها بمقدار الضرر الفعلي أو المحتمل للجريمة أو يرتبط تقديرها بالفائدة التي حققها الجاني أو أراد تحقيقها(132)، وقد أخذت بهذا النوع من الغرامات أغلب التشريعات البيئية وحرصت على التوسع في إقرارها في مجال جرائم تلويث البيئة كونها أكثر إستجابة لإعتبارات الردع والإصلاح والتعويض التي تتطلبها هذه الجرائم.ومن تلك التشريعات قانون الغابات والمشاجر العراقيرقم (30) لسنة 2009 ، إذ أشار في المادة (20) منه إلى أنه ( يعاقب بغرامة مقدارها (100000) مئة ألف دينار عن كل دونم من الغابة ويعد جزء الدونم دونماً وإلزامه بإزالة المخالفة من قبله أوعلى نفقته)(133)، كما نصت المادة (23) من القانون المذكور إلى أنه (يعاقب بغرامة مقدارها (2500) ألفان وخمسمائة دينار عن الأضرار التي تصيب كل شجرة أو شجيرة من الغابة من قام بالرعي خلافاً لأحكام هذا القانون والتعليمات الصادرة بموجبه(134)،وكذلك القانون الأردني رقم (14)لسنة 1987 الصادر بشان الطاقة الذرية والوقاية الإشعاعية الذي أشارفي المادة(33)منه على إنه : ( أذا أدت مخالفة أرتكبت لأي من أحكام هذا القانون إلى وفاة أي شخص أو إلى إصابته بعجز كلي فيعاقب المخالف بالسجن مع الأشغال الشاقة وبغرامة لا تقل عن خمسة عشر ألف دينار ولا تزيد على ثلاثين ألف دينار عن كل شخص توفي أو أصيب بالعجز الكلي نتيجة المخالفة )(135) ، وكذلك المادة (27/2) من قانون البيئة السوري رقم (50) لسنة 2002 إذ أشارت الى (كل من ارتكب اى مخالفة من المخالفات المشمولة بأحكام الفقرة (1) من هذه المادة ولم يقم بإزالتها خلال المدة التي حددها له الوزير أو من يفوضه بذلك فللوزير أن يحيل المخالفة إلى القضاء لإصدار العقوبة المقررة إلزامه بإزالة المخالفة خلال المدة التي تحددها له وتغريمه مبلغاً من خمسة ألاف ليرة سورية إلى عشرة ألاف ليرة سورية عن كل يوم يتخلف فيه عن إزالته المخالفة بعد المدة المحدودة لإزالتها)(136).ونلاحظ في هذا الخصوص إن قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 قد جاء خالياً من هذا النوع من الغرامات و لم يعتمده كعقوبة مقررة في مواجهة جرائم تلويث البيئة بصورة واضحة وصريحة ماعدا ما نص عليه في المادة (33/ثانياً) منه فيما يتعلق بتكرار عقوبة الغرامة شهرياً على المخالف حتى إزالة المخالفة ، فيمكن عد الغرامة المكررة غرامة نسبية تتناسب مع الزيادة في الأضرار البيئية المتحققة من إستمرار المخالفة . بيد إنه لابد من الإشارة إلى أن عقوبة الغرامة المشار إليها بموجب هذه المادة لا تعد جزاءاً جنائياً بل يمكن تصنيفها بأنها جزاءاً إدارياً منحت صلاحية إيقاعه لوزير البيئة أو من يخوله ممن لاتقل وظيفته عن مدير عام ، ومع ذلك ووفقاً لما تناوله قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 وتحديداً في الفصل التاسع منه المتعلق بالأحكام العقابية نجد أن المشرع البيئي إعتمد عقوبة الغرامة جزاءاً مالياً - سواء أكان ادارياً أو جنائياً- كعقوبة بسيطة تارة و كعقوبة مشددة تارةً أخرى.
أولاً // الغرامة كعقوبة بسيطة..
وعقوبة الغرامة البسيطة تأتي أحياناً بمفردها كعقوبة أصلية مقررة على فعل اﻟتلويث المجرم ، وأحياناً ترد كعقوبة مالية أصلية مضافة إلى عقوبة الحبس وفيما يلي بيان لهذين الصورتين:
1-      الغرامة بمفردها..
لم ترد عقوبة الغرامة كعقوبة أصلية منفردة في قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 إلا في مادة واحدة وهي المادة (33) منه ، وتحديداً في الفقرة (ثانياً) منها إذ أشارت إلى إنه ( مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في البند أولاً من هذه المادة للوزير او من يخوله ممن لاتقل وظيفته عن مدير عام فرض غرامة لاتقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (10000000) عشرة مليون دينار تكرر شهرياً حتى إزالة المخالفة على كل من خالف أحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه) (137) ونعود ونذكر في هذا الخصوص ، إن عقوبة الغرامة هنا لاتعد جزاءاً جنائياً بل تعد جزاءاً ادارياً نسبةً إلى الجهة المخولة بفرضها، ومع ذلك يمكن إعتبار عقوبة الغرامة الواردة بموجب نص المادة (34) عقوبة أصيلة منفردة ، إذ أشارت إلى أنه (مع عدم الإخلال بعقوبة أشد ينص عليها القانون يعاقب المخالف لإحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه بالحبس لمدة لاتقل عن (3) ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (20000000)عشرين مليون دينار ....).فنلاحظ إنه بالرغم من إن عقوبة الغرامة قد جاءت إلى جانب عقوبة الحبس إلا أن النص جاء بصيغة التخيير، فللقاضي أن يحكم بها وحدها كعقوبة أصيلة منفردة دون عقوبة الحبس . ولأهميةعقوبة الغرامة في مواجهة المخالفات البيئية وزيادةً في فرص المواجهة الجنائية لهذه المخالفات ، نجد ضرورة النص على هذه العقوبة بمفردها في مواد التلوث البيئي كعقوبة أصيلة تعين السلطة القضائية وتوسع من أفق خياراتها في تحقيق أفضل نتائج للمواجهة الجنائية لمظاهر التلويث البيئي. مسايراً بذلك التشريع البيئي العراقي ما إعتمدته أغلب التشريعات البيئية المقارنة ، ومنها قانون في شأن البيئة المصري رقم (٤) لسنة ١٩٩٤ وذلك في المادة ( ٨٤ ) والتي نصت على أن (يعاقب كل من خالف أحكام المادة ( ٢٨ ) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه مع مصادرة الطيور والحيوانات المضبوطة وكذلك الآلات والأدوات التي أستخدمت في المخالفة )، وكذلك الحال في المادة ( ٨٦) من ذات القانون والتي نصت على أن (يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من خالف حكم المادة (٣٦) من هذا القانون ، كما يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه كل من خالف حكم المادة(٣٩  من هذا القانون وللمحكمة أن تقضي بوقف الترخيص لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على ستة أشهر  ...)(138).وكـذلك قانون حمايــة البيئــة وتنميتهــا الإماراتـي رقــم (24) لسـنــة 1999 وذلـك في المـواد
(79 -82).وقانون البيئة السوري رقم (50) لسنة 2002 في المادة (24،25/2)وكذلك قانون حماية البيئة الجزائري رقم (83-03) لسنة 1983 في المادة (72) منه. وغيرها من التشريعات البيئية.
2-      الغرامة المقترنة بعقوبة سالبة للحرية..
عاقب المشرع البيئي في المادة (34 / أولاً) من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي بالغرامة كعقوبة أصلية بجانب عقوبة أخرى سالبة للحرية كعقوبة أصلية أيضاً ، إذ أشارت إلى أنه (مع عدم الإخلال بعقوبة أشد ينص عليها القانون يعاقب المخالف لإحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه بالحبس لمدة لاتقل عن (3) ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (20000000) عشرين مليون دينار أو بكلتا العقوبتين )(139).ويلاحظ على نص هذه المادة إن القانون بموجبها قد ترك الأمر للقضاء في الحكم بأي من العقوبتين أو الحكم بهما معاً. وعليه فإن الحكم بمقتضى هذا النص قد يجعل من عقوبة الغرامة عقوبة أصلية واردة بمفردها أو كعقوبة مقترنة بعقوبة الحبس. وقد ساير في ذلك أحكام التشريع المقارن كقانون في شأن البيئة المصري في المادة (85) والتي نصت على أن ) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنةوبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتينالعقوبتين كل من خالف أحكام المواد (٣٣،٣١،٣٠) من هذا القانون (،وقد أخذ المشرع الكويتي بفكرة الغرامة كعقوبة مضافة لعقوبة سالبة للحرية ، فقد نصت المادة ( ١٣ ) من قانون إنشاء الهيئة العامة للبيئة الكويتي رقم (٢١) لسنة ١٩٩٥ على أنه (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف النظم والإشتراطات المنصوص عليها في المادة الثامنة أو خالف قرار الوقف المنصوص عليه في المادة العاشرة من هذا القانون..)(140). وكذلك قانون البيئة السوري رقم (50) لسنة 2002 في المادة (26)(141) منه ، والقانون الجزائري رقم (83/03) لسنة 1983 في المادة (122)(142) ، وكذلك قانون حماية البيئة وتنميتها الإماراتي رقم (24) لسنة 1999 في المادة (83) منه (143).

ثانياً // الغرامة كعقوبة مشددة..
حرص المشرع البيئي العراقي على تشديد عقوبة الغرامة في مجال جرائم البيئة ، وذلك في حالة العود ، فقد أكدت الفقرة (ثانياً) من المادة (34) على ذلك بقولها (تضاعف العقوبة في كل مرة يتكرر فيها ارتكاب المخالفة ). وبما أن عقوبة الغرامة  واردة في الفقرة الأولى من هذه المادة فهي مشمولة بالتشديد أيضاً بالإضافة إلى عقوبة الحبس ونجد تطبيقاً واضحاً لتشديد عقوبة الغرامة في القوانين المقارنة فنجد مثلا ً قانون في شأن البيئة المصري رقم (٤) لسنة ١٩٩٤ قد أشار في المادة (91/2) إلى أنه (....تزداد الغرامة بمقدار المثل في حالة العود..)(144). وكذلك قانون البيئة السوري رقم (50) لسنة 2002 في المادة(25 /1)(145) والمادة (27/3)(146)منه ، وقانون حماية البيئة الجزائري رقم (83/03) لسنة 1983 في المادة (129)(147) منه ، وقانون حماية البيئة وتنميتها الإماراتي رقم (24) لسنة 1999  في المادة (88)(148) منه.وأخيراً لابد من الإشارة إلى ما لوحظ على قانون حماية وتحسين البيئة العراقي في إطار الأحكام العقابية إذ نجده قد إعتمد عقوبات موحدة تنطبق على جميع المخالفات التي قد ترتكب بحق أحكام هذا القانون، ونجد أن هذه العقوبات إن كانت مجدية كجزاء مقرر في مواجهة بعض المخالفات فهي ليست كذلك بالنسبة لمخالفات أخرى تتطلب لمواجهتها عقوبات أكثر شدة وصرامة لكي تحقق الغاية التشريعية المتمثلة بتحقيق حماية قانونية للبيئة ، وكان من الأجدر أن ينتهج ما إنتهجته التشريعات البيئية المقارنة في هذا المجال ، بتحديد قيمة الغرامة وفقاً لحجم التلوث والأثر البيئي الناجم عن مخالفة أحكام قانون حماية البيئة ، إذ نجد قانون في شأن البيئة المصري رقم (4) لسنة 1994 قد إعتمد الملائمة بين جسامة المخالفة وشدة العقوبة المفروضة في مواجهتها ، فإتسم بتنوع أحكامه العقابية وكذلك الحال بالنسبة لقانون البيئة الجزائري وقانون حماية البيئة وتنميتها الإماراتي رقم (24) لسنة 1999 وقانون حماية البيئة السوري رقم (50) لسنة 2002.كما إن المشرع البيئي قد أغفل النص على المسؤولية التضامنية فيما بين المساهمين في الجريمة لسداد الغرامات التي توقع عليهم تنفيذاً لأحكامه ، في حين نجد لهذه المسؤولية تطبيقاً في التشريعات المقارنة ، فقد نصت المادة (٩٦) من قانون في شأن البيئة المصري رقم (٤) لسنة ١٩٩٤ على أن (يكون ربان السفينة أو المسؤول عنها وأطراف التعاقد في عقود إستكشاف وإستخراج وإستغلال حقول البترول البحرية والموارد الطبيعية الأخرى بما في ذلك وسائل نقل الزيت وكذلك أصحاب المحال والمنشآت المنصوص عليها في المادة (٦٩) كل فيما يخصه مسؤولين بالتضامن عن جميع الأضرار التي تصيب أي شخص طبيعي أو إعتباري من جراء مخالفة أحكام هذا القانون  وسداد الغرامات التي توقع تنفيذاً له وتكاليف إزالة أثار تلك المخالفة ).

الفرع الثاني // المصـــادرة..
تعتبر المصادرة من العقوبات المالية أيضاً، وهي نزع ملكية من صاحبها جبراً وإضافته إلى ملكية الدولة دون مقابل ، وحلولها محله في المقابل (149)، وهي عقوبة إختيارية تكميلية في الجنايات والجنح ، إلا إذا نص القانون على غير ذلك ، فلا يجوز الحكم بها إلا على شخص ثبتت إدانته وقضى عليه بعقوبة أصلية. وغالباً ما ينص عليها وجوباً عندما يتعلق الأمر ببعض الأشياء الخطرة التي يقدر المشرع أن حيازتها وتداولها يعد جريمة لما تمثله من خطورة (150) . إذ يتعين على القاضي الجنائي إصدار حكمه بمصادرة المواد الملوثة كالمواد المشعة والأجهزة التي يصدر منها هذا التلوث بوصفها مواد يعد صنعها وإستعمالها أو حيازتها جريمة في حد ذاته متى إنتفت مشروعية ذلك (151) . وبالرجوع إلى قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 نجده قد أغفل إعتماد هذا النوع من العقوبات المالية المهمة في مواجهة جرائم تلويث البيئة وهذا مما يعاب على هذا القانون في حين نجد المشرع البيئي العراقي قد إعتمد عقوبة المصادرة في تشريعات بيئية أخرى كقانون تنظيم صيد وإستغلال الأحياء المائية العراقي رقم (48) لسنة 1976 في المادة (28/ثالثاً) إذ أشارت إلى أنه (يجوز مصادرة عدد الصيد أو سفنه أو الأحياء المائية المعدة للتصدير أو المستوردة عند تكرار المخالفة)(152) .ومما تقدم نلاحظ إن المشرع البيئى قد جعل المصادرة عقوبة جوازية بينما نجده في مواضع أخرى إعتمدها كعقوبة تكميلية وجوبية ، إذ نصت المادة (22) من قانون الغابات والمشاجر العراقي (30) لسنة 2009 على أن ( يعاقب بغرامة مقدارها (50000) خمسون ألف دينار كل من قطع شجرة من غابات الدولة والقطاع العام أو المشاجر الإصطناعية و (25000) خمسة وعشرون ألف دينار من الغابات الخاصة مع مصادرة الأدوات)(153). وفي المادة (28/أولاً) من قانون تنظيم صيد وإستغلال الأحياء المائية العراقي رقم (48) لسنة 1976 ( يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بغرامة لاتزيد على مئتي دينار أو الحبس لمدة لاتزيد تسعة أشهر أو بهما معاً مع مصادرة الصيد )(154). ونص المشرع البيئي المقارن على هذه العقوبة في العديد من النصوص بنوعيها الجوازي والوجوبي فنجد قانون في شأن البيئة المصري رقم (4) لسنة1994فقد أشار إليها بنوعها الوجوبي في المادة (84) منه فنصت على أن ( يعاقب كل من خالف أحكام المادة ( ٢٨ ) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه مع مصادرة الطيور والحيوانات المضبوطة وكذلك الآلات والأدوات التي أستخدمت في المخالفة) ، وكذلك في المادة (٩٨) منه (155).وكذلك قانون حماية البيئة وتنميتها الإماراتي رقم (24) لسنة 1999 في المادة 83 منه(156).

الخاتمــة..
1-        تبين إن القوانين البيئية المقارنة تتباين بشأن تحديد مفهوم البيئة بين إتجاه مُضيق لمعنى البيئة بقصر معناها على العناصر الطبيعية فقط ، وآخر موسع لها لتشمل العناصر الطبيعية والصناعية معاً.
2-      إن المشرع العراقي أخذ بالإتجاه الموسع لمفهوم البيئة الذي يشتمل على العناصر الطبيعية والصناعية معاً ، وذلك في الفقرة خامساً من المادة (1) من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 .
3-      أيضاً تم ملاحظة إختلاف القوانين البيئية المقارنة في شأن تحديد مفهوم التلوث، إلا أنها تكاد تتفق على إحتواء تعريف التلوث على ثلاثة عناصر أساسية تعد لازمة وضرورية لتحققه وهي :- حدوث تغيير في البيئة ، وحدوث هذا التغيير بفعل شخص قانوني (طبيعي) أو(معنوي) ، وتسبب هذا التغيير في الإضرار بالبيئة أو إحتمال الإضرار بها.
4-      لاحضنا إن المشرع البيئي العراقي قد توسع في مجال التجريم إذ جرم إمتناع الأشخاص أو الجهات المعنية عن القيام بإلتزامات أو إتخاذ تدابير محددة دون النظر إلى تحقق النتيجة سعياً منه لحماية البيئة من التلوث والوقاية من المخاطر التي قد تهددها ونحن بدورنا نثمنُ هذا السعي من جانب المشرع .
5-      توصلنا إلى أن المشرع العراقي في قانون حماية وتحسين البيئة لم يقر بفكرة مادية الجرائم البيئية، أي ان المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم لا يقوم على أساس مادي فالجريمة البيئية كأي جريمة تنهض على ركنين أساسيين ركن مادي وآخر معنوي وهذا الأخير يستوي لتحققه ـ في إطار الجريمة البيئية ـ أن يتخذ صورة القصد ألجرمي أو الخطأ غير ألعمدي . وباستقراء الجزاءات الجنائية التي أقرها قانون حماية وتحسين البيئة العراقي، يتبين لنا أن الجريمة البيئية هي جريمة عمدية، إذ إنه لم يفرق في العقاب بين العمد والخطأ. فقد ساوى بين التلوث العمدي والتلوث غير العمدي حينما ذكر جرائم التلويث البيئي في المواد (14- 25).
6-      أكد البحث أنه على الرغم من تنوع العقوبات القانونية التي تضمنها قانون حماية البيئة وتحسينها العراقي رقم (27) لسنة 2009 إلا انه لايزال يوصف بالقصور في هذا المجال، إذ لا يتناسب أغلبها مع نوعية الجرائم البيئية التي نشهدها حالياً ، ومع حجم الأضرار الناجمة عنها.كما إنه لم يفرق بين أغلب المخالفات البيئية من حيث العقاب ، ماعدى مانصت عليه المادة 35 منه والمتعلقة بالعقاب على المخالفات البيئية الواردة في الفقرة الثانية والثالثة والرابعة من المادة (20)
7-      لاحظناأن مبالغ الغرامات التي نصت عليهاأغلب التشريعات الجنائيةالبيئيةقليلة،ولاتنتاسب مع حجم الضرر الذي أحدثه مرتكب الجريمة البيئية مما يجعل المخالفين يدفعونها طواعية وبرغبتهم، وكأنها جزء من تكاليف الإنتاج الاعتيادية المألوفة لديهم، ومن ثم فإنه يصبح فرضها عليهم من الناحية الواقعية والعملية لا قيمة له.
ثانياً// التوصيات..
1-      نقترحإعادة النظر في صياغة تعريف التلوث بأن يشار فيه أيضاً إلى حالة إحتمال تحقق الضرر إضافة إلى حالة تحققه فعلاً وذلك عندما يقتصر أثرالملوثات على  الخطر – دون الضرر- الذي يهدد الانسان والكائنات الحية الاخرى والمكونات اللاحياتية ، وذلك بما يتلائم مع ما أشارت إليه نصوص قانون حماية وتحسين البيئة عند تنظيمها لحالات التلوث ، و بما يخدم مواجهتها لأثار التغيرات والتطورات التي شهدها البلد في معظم المجالات وتحديداً حالات تلويث البيئة ،هذا بالإضافة إلى تعديلات أخرى تجعل من التعريف أكثر شمولية وإتساعاً على النحو الآتي  (أي تغيير تحدثه الملوثات المؤثرة في البيئة وعناصرها بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أوغير مباشر إلى الإضرار أو إحتمال الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللاحياتية التي توجد فيها )  .
2-      نقترح على المشرع البيئي العراقي الإشارة إلى عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة بصورة صريحة عند تحديده للضرر البيئي محققاً بذلك إنسجاماً مع ما أشار إليه في الفصل الرابع من قانون حماية وتحسين البيئة المتعلق بأحكام حماية البيئة .  
3-      نقترح على المشرع البيئي ملاحظة الغرامة اليومية والنص عليها، لما لها من أثر إيجابي ملموس، لأنها تحقق الردع، كما أنها أكثر عدلاً لمراعاتها أصحاب الدخول الصغيرة .
4-      نقترح على المشرع العراقي إفراد نص لعقوبة الغرامة كجزاء جنائي اصيل يزيد من فرص التنوع العقابي بما يخدم متطلبات المواجهة الجنائية لاكبر قدر ممكن من أفعال التلويث البيئي. 
5-      إعتماد عقوبة المصادرة الوجوبية التي تحقّق ردعاً إضافياً يسهم في حماية البيئة بشكل فاعل ومؤثر، ويزيل مصادر التلوث البيئي كّلها.
6-      تعديل نص المادة (35) من قانون حماية البيئة وتحسينها العراقي رقم (27) لسنة 2009 وذلك بتوسيع نطاق عقوبة السجن لتشمل  جرائم تلويث أخرى وتشديدها عند اقترانها بظرف مشدد كحالة العود إلى ارتكاب الفعل الملوث ذاته بما يتلاءم مع طبيعة الجرائم البيئية.
7-      كما ندعو الى ملاحظة ان افعال العدوان على البيئة ليست كلها ذات خطورة واحدة لذا يجب التفريق في العقوبة وتفريد كل عقوبة بما يتناسب وخطورة الفعل المجرم فندعو المشرع البيئي العراقي إلى ضرورة تضمين قانون حماية البيئة نصوصاً تتبنى التنوع في العقوبات السالبة للحرية بما يتناسب مع أهمية المصلحة التي تشكل هذه الجرائم اعتداءً عليها. كما ندعو الى تشديد العقوبة في حالة حصول إصابة أو وفاه قد تنجم عن إرتكاب فعل تلويث نتيجة لمخالفة أحكام قانون حماية وتحسين البيئة .إتفاقاً مع ماذهبت إليه بعض التشريعات .
8-      النص على المسؤولية التضامنية فيما بين المساهمين في الجريمة لسداد الغرامات التي توقع عليهم تنفيذاً لاحكام قانون حماية وتحسين البيئة وتكاليف إزالة أثار تلك المخالفة.

Post a Comment

Previous Post Next Post