الشرعية الإجرائية أداة تنظيم دور الشرطة القضائية في التحقيق

45- تمهيد وتقسيم :
     أناط القانون بحسب الأصل مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى (المادة 21 إجراءات) ، ومن ثم ينحسر عنهم الاختصاص باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق. وتكمن العلة في ذلك في أن إجراءات التحقيق لها طابع القهر والجبر وتمس بالحرية الفردية وما يتوجب للحياة الخاصة من حرمة. على أن المشرع قد ارتأى – ولضرورة وبصفة استثنائية - تخويلهم سلطة القيام ببعض إجراءات التحقيق ، إما لتوافر فرض التلبس بالجريمة ، وإما ندباً من سلطة التحقيق. وتبنى الحالتين على فكرة "الملائمة الإجرائية" ، إذ أن سلطة التحقيق قد تكون بعيدة عن موقع الجريمة ، وقد يكون انتقالها إليه مقتضياً وقتاً ، فيخشى إذا تطلب الشارع - على وجه حتمي – قيام سلطة التحقيق بجميع أعمال التحقيق ، أن تضيع المصلحة من اتخاذ بعض هذه الأعمال في وقتها الملائم[1].

46- أولاً : دور الشرطة القضائية في أحوال التلبس :
     يوجب توافر إحدى حالات التلبس المنصوص عليها قانوناً الخروج على القواعد العامة في الإجراءات الجنائية ، بغية الإسراع في اتخاذ الإجراءات للمحافظة على أدلة الجريمة حتى لا تطمس أو يتلاعب بها ، وبغية القبض الفوري على المتهم قبل مغادرته مكان الجريمة أو قبل تمكنه من الهرب. فضبط الجريمة في حالة تلبس تنفي – إلى حد بعيد - مظنة الخطأ في التقدير ، فالجريمة واضحة وأدلتها ظاهرة شاهدة على صحة وقوعها ونسبتها إلى المتهم مما يستبعد معه احتمال الكيد أو التعسف معه من قبل مأمور الضبط القضائي[2]. غير أن المشرع قد حصر حالات التلبس ، وأوجب له شروط معينة ، ثم رتب على توافر شروطه الصحيحة آثاراً تتصل بما يجوز لمأموري الضبط القضائي اتخاذه من أعمال التحقيق.

47- أ : التعريف بالتلبس وبيان خصائصه :
     يمكننا تعريف التلبس بكونه حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها تتعلق باكتشافها دون أركانها القانونية[3]. وقد حرص المشرع في قانون الإجراءات الجنائية على إبراز صفة التلبس وانصراف هذه الصفة للجريمة في المادة 30 حيث نصت على أن "تكون الجريمة متلبساً بها...". ويبين من هذا النص أن الجريمة المتلبس بها لا تخرج عن كونها الجريمة التي تكشف حال ارتكابها أو عقب الانتهاء من ارتكابها ، أو تلك التي تبدو بعد وقوعها بنتائجها المادية الظاهرة أمام الجميع.
وهكذا فإن التلبس إما يبني على المشاهدة الفعلية ، أي تلك الحالة التي يفاجأ فيها الجاني حال ارتكاب الجريمة ، فيؤخذ في إبان الفعل وهو يقارف إثمه ونار الجريمة مستعرة ، أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة ، وإما أن تكتشف عقب ارتكابها بوقت قريب وأدرك وقوعها ، بأدلتها وآثارها المادية الظاهرة أمام الجميع[4]. ويصف الفقه[5] الحالة الأولى بأنها حالة تلبس حقيقي La flagrance proprement dite ، أما الحالة التي تكتشف عقب ارتكابها بوقت يسير ، خلاله كان المجني عليه يتبع مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح أو إذا وجد مرتكبها حاملاً الأدوات المستعملة لتنفيذ الجريمة أو وجدت به آثار أو علامات تفيد أنه فاعل أو شريك فيها ، فيتعارف الفقه على تسميتها بالتلبس الاعتباري أو الحكمي Infraction réputée flagrante.

وإذا كان التلبس يقتضي بحكم المنطق عدم مرور فاصل زمني كبير بين وقوع الجريمة وبين مشاهدة مأمور الضبط القضائي لها أو لأثارها ، إلا أن المستقر عليه أنه لا ينفي قيام حالة التلبس كون رجل الضبط قد انتقل إلى محل وقوعها بعد مقارفتها بزمن ، مادام أنه قد بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة ، ومادام أنه شاهد آثار الجريمة بادية[6].

وللتلبس خصائص ، منها أن أحواله إنما وردت على سبيل الحصر ، بما يقطع الطريق على مكنة القياس. ولا ترجع علة هذا الحصر إلا لكون التلبس يخول مأمور الضبط القضائي صلاحيات استثنائية في التحقيق ، الأمر الذي يقتضي عدم التوسع في هذه الصلاحيات خوفاً من التعسف وإساءة استعمالها ، وحتى لا تتعرض حريات وحقوق الأفراد للانتهاك دون ضوابط. وتكشف أحكام النقض بجلاء عن تلك الصفة الاستثنائية للتلبس وحصره في أضيق نطاق. فقد قضي بأنه "إذا كان المتهم قد أخرج ورقة من جيبه عند رؤيته لرجال البوليس ووضعها بسرعة في فمه ولم يكن ما حوته تلك الورقة ظاهراً حتى يستطيع رجال البوليس رؤيته فإن هذه الحالة لا تعتبر حالة تلبس بإحراز مخدر"[7]. وكذا قضي بأن "سقوط اللفافة عرضاً من الطاعن عند إخراج بطاقته الشخصية لا يعتبر تخلياً منه عن حيازتها ، بل تظل رغم ذلك في حيازته القانونية ، وإذا كان الضابط لم يستبين محتوى اللفافة قبل فضها فإن الواقعة على هذا النحو لا تعتبر من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر في المادة 30 إجراءات"[8].

ويتصف التلبس بكونه ذو طابع عيني لا شخصي ، بمعنى أنه حالة عينية تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها. وبناء على ذلك قضي بأن "التلبس وصف ينصب على الجريمة لا على مرتكبها فيمكن أن تشاهد الجريمة دون أن يشاهد فاعلها"[9]. ويترتب على كون التلبس حالة تلازم الجريمة ، أن الرؤية بذاتها ليست هي الوسيلة الوحيدة لكشف حالة التلبس ، بل يكفي أن يكون الضابط أو الشاهد قد حضر ارتكاب الجريمة وأدرك وقوعها بأية حاسة من حواسه ، سواء كان ذلك عن طريق السمع أو البصر أو الشم ، متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكاً[10]. كما يترتب على عينية التلبس صحة إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء كان فاعلاً أو شريكا ، شوهد في مكان وقوعها أو لم يشاهد[11].

ولا يشترط لقيام حالة التلبس أن يؤدي التحقيق إلى ثبوت الجريمة قبل مرتكبها. ذلك أنه يكفي لتحقق حالة التلبس بالجريمة تحقق أحد عناصر الركن المادي فحسب ، سواء شاهد مأمور الضبط القضائي تحقق هذا العنصر أو أحس بوقوعه بطريقة لا تحتمل الشك ، ولا يشترط التثبت من توافر الأركان الأخرى للجريمة[12].

ولما كان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ، فإنه من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة[13].

48- ب : أحوال التلبس :

     أبانت المادة 30 إجراءات جنائية أربع حالات للتلبس بالجريمة : إما مشاهدة الجريمة حال ارتكابها ، وإما مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة ، وإما تتبع الجاني مع الصياح في أثر وقوعها ، وإما مشاهدة الجاني بعد وقوع الجريمة بوقت قريب حاملاً أشياء أو به آُثار يستدل منهما على أنه فاعل أو شريك في الجريمة.

49- مشاهدة الجريمة حال ارتكابها :
     يمثل تلبساً حقيقياً مشاهدة الجريمة حال ارتكابها ، أي في ذات اللحظة التي يرتكب الفعل أو الأفعال التي يتكون فيها الركن المادي للجريمة. وتتميز هذه الحالة بالتعاصر الزمني بين مقارفة الفعل ومشاهدة الجاني أثناء ارتكابه لهذا الفعل ، حيث يفاجأ بالمجني عليه أو بالشهود أو برجال السلطة العامة أثناء ارتكابه الجريمة.

وتعني المشاهدة في هذه الحالة إدراك الأفعال المادية المكونة للركن المادي للجريمة أو أي منها. غير أن المشاهدة وإن كانت أغلب ما تكون عن طريق الرؤية البصرية ، إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة لكشف الجريمة المتلبس بها ، بل يكفي أن يدرك وقوعها بإحدى الحواس كالشم والسمع. ومن ثم قضي بأنه "ليس في القانون ما يمنع المحكمة - في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى - من الاستدلال بحالة التلبس بناء على ما استخلصته من أقوال الشهود من شم رائحة المخدر منبعثة من السيارة التي في حوزة المتهمين"[14]. وبأنه "إذا كان الضابط قد شاهد جريمة إحراز المخدر متلبساً بها عندما اشتم رائحة الحشيش تتصاعد من المقهى ، فإن من حقه أن يفتش المقهى ويقبض على كل متهم يرى أن له اتصالاً بالجريمة"[15].

على أنه ينبغي أن يكون هذا الإدراك بطريقة يقينية بطريقة لا تحتمل شكاً. فإّذا كان هناك شك من قبل مأمور الضبط في وقوع الجريمة فلا يمكن أن تتوافر حالة التلبس. لذلك قضي بأن "رؤية المتهم وهو يناول شخصاً آخر شيئاً لم يتحقق الرائي من كنهه بل ظنه مخدراً استنتاجا من الملابسات ، ذلك لا يعتبر من حالات التلبس كما هو معرف به في القانون"[16]. غير أنه لا يؤثر في اعتبار الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها إذا كانت قد بدأت فعلاً في تاريخ سابق على اكتشافها ، إذا كانت الجريمة متتابعة الأفعال يقتضي المضي فيها تدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه كلما أقدم على ارتكابه[17].

وقد توسعت محكمة النقض في مدلول مشاهدة الجريمة حال ارتكابها فلم تشترط مشاهدة الركن المادي للجريمة ، بل استقر قضائها على أنه يكفي لقيام التلبس وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة ، وأن تقدير كفاية هذه المظاهر أمر موكول لمحكمة الموضوع. وتطبيقاً لذلك قضي بأنه "لا يشترط في التلبس بإحراز المخدر أن يكون من شاهد هذه المظاهر قد تبين ماهية المادة التي شاهدها ، بل يكفي في ذلك تحقق المظاهر الخارجية بأي حاسة من الحواس متى كان هذا التحقق بطريقة يقينية لا تحتمل شكاً، يستوي في ذلك أن يكون المخدر ظاهراً أو غير ظاهر"[18].

والحق أنه لا يمكن مسايرة محكمة النقض فيما انتهت إليه من أن التلبس يقوم بمجرد المظاهر الخارجية التي تنبئ عن وقوع الجريمة ، إنما يتعين أن تكون تلك المظاهر جزء من الركن المادي للجريمة حتى يمكن القول بوقوع الجريمة. أما المظاهر التي تنبئ  عن وقوع الجريمة فهي لا تعدو أن تكون مجرد دلائل كافية على ارتكاب الجريمة. وهذه الدلائل الكافية لا تخول مأمور الضبط القضائي سوى التحفظ على المتهم ، وأن يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمرا بالقبض عليه ، وذلك في الأحوال الواردة في المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية[19].

50- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة :
     يتحقق التلبس ولو لم تنصرف المشاهدة إلى الأفعال المادية للجريمة ، متى انصبت على ما تخلف عن الجريمة من آثار وأدلة تفيد أنه لم يمض على ارتكاب الجريمة غير وقت قصير. مثال مشاهدة جثة القتيل تقطر دما ، أو مشاهدة المجني عليه متأثراً ما وقع عليه من إكراه في السرقة بالإكراه ، أو مشاهدة الجاني يجري مسرعا عقب وقوع الجريمة مباشرة.

ولدينا أن حالة التلبس تلك لا تقوم إن لم يشهد مأمور الضبط القضائي أثراً من آثار الجريمة ومظهراً من مظاهرها يكشف عن وقوعها منذ برهة يسيرة ، ومن ثم فإنه لا يكفي لقيام حالة التلبس الادعاء بوقوع سرقة أو شروع في قتل ما لم يكن هناك أثر يشاهده مأمور الضبط بنفسه أو يدركه بإحدى حواسه ، كأن يشاهد الجاني وهو يخرج مسرعاً من مكان الجريمة ، أو سماع العيارات النارية من الجهة التي شوهد المتهم قادماُ يجري منها عقب ذلك مباشرة.

وإذا كان القانون لم يحدد الزمن الفاصل بين ارتكاب الجريمة ومشاهدتها ، إلا أن عبارة "عقب ارتكابها ببرهة يسيرة" تدل على وجوب أن يكون المشاهدة في الزمن التالي لوقوع الجريمة مباشرة. وتقدير الفترة الزمنية بين وقوع الجريمة وبين كشف أمرها بمعرفة رجال الضبط القضائي أمر لا يمكن وضع معيار زمني محدد له ، ولذلك فإن لمحكمة الموضوع تقدير هذا الزمن دون معقب عليها من محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً ومنطقياً[20].

51- تتبع الجاني إثر وقوع الجريمة :
     نصت المادة 30 إجراءات جنائية على أن تكون الجريمة في حالة تلبس " إذا تبع المجني عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح إثر وقوعها". ويقصد بعامة الناس هنا أي فرد ولو كان واحداً حيث لا يستلزم التعدد ، فقد يشاهد شخص الجاني يرتكب الجريمة ثم تابعه وحده بصياحه ، فهذا يكفي لجعل الجريمة في حالة تلبس.

ولا يعتد بالتتبع والملاحقة إذا لم يصحبهما صياح , لأن هذا الصياح أو الصراخ هو الذي يعبر عن إيجاد علاقة بين الجاني والجريمة. فلا يكفي إذا التتبع مجرداً من الصياح حتى ولو كان على إثر إشاعة عامة بأن أحد الأشخاص هو مرتكب الجريمة. فالإشاعة العامة لا تقوم بها حالة التلبس ، وإن كان من شأنها تنبيه السلطات إلى وقوع الجريمة فتدفعها إلى الاستدلال والتحري[21]. ولا يلزم في المتابعة مطاردة الجاني والجري وراءه ، بل تكفي المطاردة بالصياح والإشارة بالأيدي دون الأجسام. على أنه يلزم أن يكون التتبع والصياح ذا مدلول يفهم منه توجيه الاتهام إلى المتهم بارتكاب الجريمة. كما يلزم أن يكون التتبع والصياح على أثر وقوع الجريمة وليس في فترة لاحقة على وقوعها ، وتقدير هذه الفورية يستقل بتقديرها محكمة الموضوع[22].

52- مشاهدة الجاني حاملاً أدلة الجريمة :
     عبرت المادة 30 إجراءات عن تلك الحالة بقولها "تعتبر الجريمة متلبساً بها...إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل الجريمة أو شريك فيها ، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك. وعلى ذلك تفترض هذه الحالة مشاهدة أدلة الجريمة التي يستدل منها على أن المتهم فاعل أو شريك في الجريمة. وهذه الأدلة إما أن تكون الأِشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة كالسلاح المستخدم في القتل أو الشروع فيه ، وإما أن تكون أشياء تحصلت من الجريمة كالمسروقات أو وثائق أو مستندات. والتمثيل الذي أورده المشرع لتلك الأشياء لم يأت على سبيل الحصر ، وآية ذلك ما تضمنه النص من عبارة "أو أشياْء أخرى" وقد تكون هذه الأدلة في صورة آثار أو علامات توجد على جسم المتهم أو ملابسه ، كالخدوش والجروح والدماء على ملابس الجاني ، والتي قد تنشأ من مقاومة المجني عليه أو تلتصق بملابسه من دماء المجني عليه ذاته. وقد يوجد به آثار مقذوف ناري حديث أو يعلق بملابسه خصلات شعر المجني عليه.

ونرى ضرورة دمج الحالتين الثانية والرابعة في فقرة واحدة فكلاهما يعالج مشاهدة الجريمة من خلال أدلة ارتكابها. غير أن الفارق بينهما أنه في هذه الحالة يجب أن توجد الآلات أو الأدوات مع فاعل الجريمة أو الشريك فيها ، وكذلك الآثار يجب أن توجد على جسمه أو ملابسه أو أية أمتعة منقولة يحملها ؛ بينما في الحالة الثانية توجد هذه الآثار مجردة عن شخص الجاني فقد توجد على المجني عليه أو على مسرح الجريمة ، وهذا كله أمر غير ذي بال نظراً لأن التلبس حالة عينية فيجب تقديرها بغض النظر عن مشاهدة مرتكبها وقت الجريمة أو عقب ارتكابها[23].

أما بالنسبة لفترة الوقت الفاصلة بين وقوع الجريمة وضبط المتهم ومعه الأدوات أو عليه الآثار والعلامات فقد نص عليها القانون بأنها "الوقت القريب" ، دون أن يحدد نهاية هذا الوقت القريب. ويرى الفقه أنه يكفي ألا يكون قد مضى على وقوع الجريمة مدة من الزمن ينتفي معها القول أن هناك صلة بين وجود هذه الأشياء معه وبين وقوع الجريمة[24]. والمسألة في مجملها تقدرها محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض مادام استخلاصها سائغاً وفق العقل والمنطق.


53- ج : شروط صحة التلبس :

     يلزم كي يكون التلبس صحيحاً منتجا آثاره القانونية في تخويل مأمور الضبط القضائي سلطة اتخاذ إجراءات التحقيق ، فضلاً عن توافر حالة من الحالات السابقة ، أن يكون مأمور الضبط القضائي قد شاهد حالة التلبس بنفسه ، وأن تكون هذه المشاهدة قد تحققت عن طريق مشروع.

54- مشاهدة التلبس من قبل مأمور الضبط القضائي :
     لما كانت حالات التلبس مذكورة على سبيل الحصر ، وكونها تمنح مأمور الضبط القضائي سلطات استثنائية ، وبالجملة من أجل تأكيد ضمانات لأفراد في صيانة حرياتهم الشخصية ، استقر قضاء النقض على أنه يجب أن يكون مأمور الضبط القضائي قد شاهد بنفسه الجريمة لا أن يتلقى نبأها عن الغير. وعلى ذلك فقد قضي بأن "حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بإحدى حواسه ولا يغنيه عن ذلك أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن الشهود طالما أن تلك الحالة قد انتهت بتماحي آثار الجريمة والشواهد التي تدل عليها"[25].

وإذا شوهدت الجريمة حال ارتكابها من قبل أحد رجال السلطة العامة أو أحد الأفراد العاديين ، فيجب إبلاغ مأمور الضبط القضائي بوقوع الجريمة فوراً ، حتى يتمكن من الانتقال لموقع الجريمة في الحال لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ولا تعتبر الجريمة في حالة تلبس ما لم يشاهد مأمور الضبط إحدى الحالات التي تكفي لاعتبار الجريمة متلبسا بها. وبناء عليه قضي بأنه "إذا كان الثابت أن الذي شاهد المتهم وهو في حالة التلبس بالجريمة - وهي جريمة بيع المواد المخدرة - هو المرشد الذي أرسله الضابط لشراء المادة المخدرة، فلما حضر الضابط إلى المنزل لم يكن به من الآثار الظاهرة لتلك الجريمة ما يستطيع ضابط البوليس مشاهدته والاستدلال به على قيام حالة التلبس ، فلا يمكن عند حضور الضابط اعتبار هذا المتهم في حالة التلبس ، ولا يمكن اعتبار ورقة المادة المخدرة التي حملها المرشد إلى الضابط عقب البيع أثراً من آثار الجريمة يكفي لجعل حالة التلبس قائمة فعلا وقت انتقال الضابط ، لأن الآثار التي يمكن اتخاذها أمارة على قيام حالة التلبس إنما هي الآثار التي تنبئ بنفسها عن أنها من مخلفات الجريمة والتي لا تحتاج في الإنباء عن ذلك إلى شهادة شاهد"[26].

والواقع فإن اتجاه محكمة النقض اتجاه محمود[27] ذلك أن ممارسة السلطات الواسعة في التحقيق التي خولها القانون لمأمور الضبط القضائي مرهون بمشاهدة حالة التلبس بنفسه ، حتى ولو أخطر بها من الغير ، وإذا قيل بغير ذلك لأدى الأمر إلى ثبوت التلبس عن طريق الرواية في كل جريمة ممن شاهدها ، وفتح باب الكيد والاختلاق والاستنتاج الخاطئ المتسرع. ولا يمكن التعلل لنقد هذا القضاء بالقول بأن بعض الجرائم لا تترك آثاراً حتى يشاهدها مأمور الضبط القضائي عند انتقاله بعد تلقى البلاغ عن وقوع الجريمة ، أو أن القانون لم يستلزم المشاهدة الشخصية ، ذلك أن المشاهدة كما استبان لنا من قبل كما تعني مشاهدة مأمور الضبط القضائي للركن المادي للجريمة وقت مباشرته بنفسه ، فإنها تعني أيضا مشاهدة الجريمة من خلال أدلة ارتكابها سواء كانت هذه الأدلة مجردة عن شخص مرتكب الجريمة أم مقترنة به ، هذا إذا كان قد تلقى نبأها ممن شاهد الجريمة سواء من رجال السلطة العامة أو أحد الأفراد.

55- مشاهدة حالة التلبس بطريق مشروع :
     يتعين لقيام حالة التلبس ، فضلاً عن مشاهدة مأمور الضبط القضائي الجريمة بنفسه ، أن تكون المشاهدة قد تمت من خلال طريق مشروع. وتتأتي هذه المشروعية إذا شاهد مأمور الضبط القضائي الجريمة عرضاً أثناء تأدية واجبه[28] ؛ أو شاهدها عرضاً أثناء استيقافه المشروع للمتهم الذي وضع نفسه بإرادته واختياره موضع الريب والشبهات[29] ؛ أو شاهدها بناء على حقه في دخول الأماكن العامة لمراقبة تنفيذ القوانين[30] ؛ أو إذا شاهدها عند دخوله أحد المساكن بناء على رضا حائزه بالتفتيش[31].

وترجع علة اشتراط مشروعية المشاهدة إلى أن حالة التلبس تبيح لمأمور الضبط القضائي مباشرة السلطات الواسعة في التحقيق التي خولها له القانون في هذه الحالة ، والمشروعية شرط عام في ممارسة كل سلطة ، لذلك فإنه يتعين أن يكون أساس مباشرة هذه السلطات إجراءات مشروعة. ومن ناحية أخرى أن هذه السلطات المخولة لمأمور الضبط القضائي تنطوي على افتئات على حقوق الأفراد ، لذلك يجب أن يكون هذا الافتئات بناء على سند من القانون. فإذا أتى مأمور الضبط القضائي بفعل إيجابي يتصف بعدم المشروعية أو المساس بحقوق الأفراد فإن ما يسفر عنه من قيام حالة التلبس يعتبر باطلا، وتبطل الإجراءات التي اتخذها استناداً إلى ما أوجده لنفسه بغير الطريق القانوني ، ولا يترتب على ذلك الآثار القانونية للتلبس.

ويمكن أن يمثل لذلك بالمشاهدات التي يختلسها مأمور الضبط القضائي أو أعوانه من خلال ثقوب أبواب المساكن ، لما في ذلك من المساس بحرمة المساكن. ومن ثم قضي بأنه "إذا كان الثابت هو أن مشاهدة الخفير للمتهمين وهم يتعاطون الأفيون كانت وسيلته التجسس من ثقب الباب ، وأن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة التي كانوا فيها على هذه الحالة حتى اقتحمها الخفير وضبط المتهمين وفتشهم فعثر معهم على المخدر ، فإن حالة التلبس لا تكون ثابتة ، ويكون القبض والتفتيش باطلين"[32]. ومثال المشاهدة غير المشروعة أيضاً مشاهدة مأمور الضبط القضائي لجريمة ترتكب داخل منزل عن طريق دخوله إلى هذا المنزل بوجه غير قانوني[33].

كما تكون مشاهدة غير مشروعة إذا كانت وليدة قبض في غير الأحوال الجائز القبض فيها قانوناً. ولذلك قضي بأنه "إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهم لم يتخل عما معه من القماش المسروق إلا عندما هم الضابط بتفتيشه دون أن يكون مأموراً من سلطة التحقيق بهذا الإجراء ، فإنه لا يصح الاعتداد بالتخلي ويكون الدليل المستمد منه باطلاً". ذلك أنه "يشترط في التخلي الذي ينبني عليه قيام حالة التلبس بالجريمة أن يكون قد وقع عن إرادة وطواعية واختيار، فإذا كان وليد إجراء غير مشروع فإن الدليل المستمد منه يكون باطلا لا أثر له"[34].

وكذا لا يقوم التلبس إذا كان الكشف عنه نتيجة تعسف مأمور الضبط القضائي في تنفيذ إذن التفتيش أو تجاوز حدود الغرض منه. وهكذا قضي بأنه "إذا أذن مأمور الضبط بتفتيش مسكن للبحث عن أسلحة غير مرخص بها فهذا لا يخوله تفتيش محفظة من الجلد عثر عليها بين طيات فراش المتهم ، فإذا عثر فيها على ورقة فضها فعثر فيها على مادة مخدرة فإن حالة التلبس لا تكون قائمة، إذ أن البحث عن الأسلحة لا يستلزم تفتيش المحفظة لا يعقل أن تحتوي على شيء مما يجري البحث عنه"[35].

كما يكون التلبس غير مشروع إذا كان نتيجة لتدخل رجال الشرطة في خلق فكرة الجريمة (التحريض الصوري) لدى الجاني بطريق الغش والخداع أو التحريض على مقارفتها. لأن مثل هذا السلوك من شأنه التأثير في إرادة الجاني تأثيراً يعيبها. مثال تحريض المتهم على بيع المخدرات لضبطه أثناء البيع. ولكن ذلك لا يحول دون اتخاذ الحيل من أجل ضبط الجريمة في الحدود التي تترك مهالا إرادة الجاني حرة[36]. وهكذا قضي بأن " مهمة مأمور الضبط القضائي بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها ، فكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره ما لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها ، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة ، فلا تثريب على مأمور الضبط أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة"[37].

56- ج : آثار التلبس :

     إذا ما توافرت حالة من حالات التلبس حق لمأمور الضبط القضائي سلطة اتخاذ بعض الإجراءات. تلك الأخيرة قد تكون مجرد أعمال استدلال لا تتحرك بها الدعوى الجنائية ، وقد تكون على النقيض محض أعمال تحقيق ماسة بالحرية منحت سلطة اتخاذها لمأمور الضبط القضائي بصفة استثنائية بناء على الملائمة الإجرائية.

57- إجراءات الاستدلال في أحوال التلبس :
     نصت المادة 31 إجراءات جنائية على أنه "يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فوراً إلى محل الواقعة. ويعاين الآثار المادية للجريمة و يحافظ عليها ، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص ، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة ، ويسمع أقوال من كان حاضرا أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة ومرتكبها. ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فورا بانتقاله. ويقصد بانتقال مأمور الضبط القضائي المبادرة إلى التوجه لمكان الجريمة بمجرد إبلاغه بحدوثها دون اعتبار للوقت الذي يكون قد مضى بين وصوله وبين وقت ارتكاب الجريمة[38]. وهذا الانتقال واجب مفروض على مأمور الضبط القضائي حتى في الأحوال العادية , إلا أن المشرع نص عليه صراحة بصدد حالة التلبس ، نظرا لأهميته في إثبات آثار الجريمة ، وهو أمر قد يتوقف عليه كشف حقيقة الجريمة وتحديد المسئول عنها. والالتزام بالانتقال الفوري قاصر على الجنايات والجنح دون المخالفات. ويشترط ألا يكون مكان الجريمة مما يعتبر قانوناً مسكناً ، ذلك أن المساكن تتمتع بحرمة خاصة لا تبرر حالة التلبس الخروج عليها.

ويقصد بإثبات حالة مكان الجريمة أن يقوم مأمور الضبط القضائي بوصف مكان الجريمة ، وبيان ما إذا كان هذا المكان داخل مساكن البلد أو في مكان خارجها ، وطبيعة الأرض التي ارتكبت عليها الجريمة. أما إثبات حالة الأشياء المتخلفة عن الجريمة فيقصد بها السلاح المستعمل في الجريمة ، والأدوات التي استخدمت في كسر الأبواب. أما إثبات حالة الأشخاص فيعني قيام مأمور الضبط القضائي بوصف حالة المجني عليه ، حياً أو ميتاً ، درجة الوعي لدية ، الإصابات التي في جسده ، أوصاف الجثة إن كان المجني عليه ميتاً ، وتقدير سن صاحبها علة وجه التقريب ، وموضعها الجغرافي بالنسبة للرأس والأقدام وما إذا كانت مسجاة على بطنها أو ظهرها أو جنبها ، وما إذا كانت هناك دماء في موقع الحادث.

وعلى مأمور الضبط القضائي واجب المحافظة على آثار الجريمة ، بأن يمنع كل شخص من الاقتراب من المكان ، أو يمنع رفع أو تحريك أي شيء من مكانه ، وله حق تعين حارس على المكان ، كما له حق وضع الأختام على الأماكن التي بها أثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة.

وقد خولت المادة 32 إجراءات مأمور الضبط القضائي عند الانتقال إلى مكان الواقعة ، فضلاً عما سبق ، سلطة منع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه حتى يتم تحرير المحضر ، وحق استحضار من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة.

والأمر الذي يصدره مأمور الضبط القضائي بمنع الحاضرين من مبارحة مكان الواقعة أو الابتعاد عنه ، لا يعد قبضاً أو استيقافاً ، فهو مجرد إجراء تنظيمي قصد به أن يستقر النظام في هذا المكان حتى تتم المهمة التي حضر من أجلها ، على اعتبار أن هذا الإجراء هو من قبيل الإجراءات التنظيمية التي تقتضيها ظروف الحال تمكينا له من أداء المأمورية المنوط بها.

وقد مال البعض إلى القول بأنه يجوز لمأمور الضبط القضائي استخدام القوة أو القهر لحمل الحاضرين على عدم مبارحة مكان الواقعة أو الابتعاد عنه. وذلك استنادا إلى أن هذا الإجراء ليس من جنس أعمال الاستدلال العامة التي يجوز لمأمور الضبط القضائي القيام بها ، وأن لهذا الإجراء طابع الإكراه ، لاحتمال وجود أهم الشهود أو وجود المتهم نفسه بين الحاضرين[39].
ولدينا أنه لا يجوز لمأمور الضبط القضائي استخدام القوة أو القهر لإلزام الحاضرين بالبقاء في مكان الواقعة ، فذلك ليس مما أجازه النص ، وكل ما لمأمور الضبط القضائي عند مخالفة الأمر الذي يصدره أن يحرر محضراً بذلك يثبت فيه المخالفة ، ويحكم على المخالف بغرامة لا تزيد على ثلاثين جنيها (م.33/1 إجراءات جنائية).

وإذا كان المشرع قد خول مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس سلطة الاستحضار في الحال لمن يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة ، إلا أنه لا يملك أي وسيلة لحمل الأفراد على الاستجابة لدعوته بالحضور ، فذلك يتم دون استخدام أية وسيلة من وسائل القهر والإكراه طواعية من قبل الأفراد. فإذا امتنع أحد مما دعاهم بالحضور ، عد ذلك مخالفة ، وجاز أن تحكم فيها المحكمة الجزئية بغرامة لا تزيد على ثلاثين جنيها (م.33 إجراءات جنائية).

58- إجراءات التحقيق (الماسة بالحرية) في أحوال التلبس :
     منح المشرع مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس سلطة مباشرة بعض إجراءات التحقيق ما كانت تتم في الظروف العادية إلا بمعرفة سلطة التحقيق أو بناء على إذن منها ، وذلك استجابة لاعتبارات الملائمة الإجرائية وللضرورات العملية ولانتفاء مظنة الكيد والتعسف قبل المتهم. وهذه الإجراءات بينها قانون الإجراءات الجنائية في المواد 34 ، 35 فيما يتعلق بالقبض على الأشخاص والتحفظ عليهم ، والمواد 45 ، 46 فيما يتعلق بتفتيش الأشخاص والأماكن ، والمادة 55 فيما يتعلق بضبط الأشياء.

وفي الخلاف حول طبيعة الإجراءات الماسة بالحرية التي يباشرها مأمور الضبط في حالة التلبس ، مال البعض[40] إلى القول بأن تلك الإجراءات تعد أعمال تحقيق بالمعنى الفني الدقيق ، حيث تتماثل الإجراءات الماسة بالحرية (القبض والتفتيش) التي يباشرها مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس مع ذات الإجراءات التي تباشرها سلطة التحقيق. نعم ، أنه من الناحية الشكلية تعتبر هذه الإجراءات من أعمال الضبط القضائي ، ولكن العبرة دائماً هى بجوهر الإجراءات لا بشخص من باشرها. يؤيد ذلك أن المادة 34 إجراءات جنائية حين خولت مأمور الضبط القضائي سلطة القبض اشترطت فضلاً عن حالة التلبس توافر دلائل كافية على اتهام المقبوض عليه. فهذه الدلائل ، بالإضافة إلى التلبس تشير بوضوح إلى أن المقبوض عليه أصبح في مركز المتهم بالمعنى القانوني.

ولدينا أن هذه الإجراءات التي خولها المشرع لمأمور الضبط القضائي في تحقيق الجرائم المتلبس بها وإن كانت أعمال تحقيق ، إلا أنها ليست أعمال تحقيق حقيقية ، وإنما أعمال تحقيق متميزة خولت استثناء لمأمور الضبط القضائي ، فهى تظل إجراءات سابقة على الدعوى الجنائية. وبناء على ذلك فإنه لا يترتب عليها الآثار التي يرتبها القانون على أعمال التحقيق الحقيقية ، ومن أهمها تحريك الدعوى الجنائية ، إلا بعد إقرارها من سلطة التحقيق الأصلية سواء كانت النيابة العامة أو قاضي التحقيق[41]. وما يؤكد ذلك أن القانون لم يخول تحريكا لدعوى الجنائية إلا للنيابة العامة ، ومن منح هذه السلطة استثناء ، وليس من بين هؤلاء مأمور الضبط القضائي ، لذلك لا يمكن اعتبار أعمال مأمور الضبط القضائي في جرائم التلبس تحريكاً لدعوى الجنائية. يدل على ذلك أنه إذا لم تقر سلطة التحقيق هذه الأعمال ، ورأت عدم السير في الدعوى ، فإنها تصدر أمراً بالحفظ وليس بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية[42].


[1] د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص522.
[2] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص353 ، د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ، ص58 ، د. عبد الرءوف مهدي ، المرجع السابق ، ص238.
[3] نقض 10 نوفمبر 1983 ، مجموعة أحكام النقض ، س34 ، رقم 187 ، ص940.
[4] د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ، ص61.
[5] د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص540 ، د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص356.
[6] نقض 25 مارس 1973 ، مجموعة أحكام النقض ، س24 ، رقم 80 ، ص373. وقد جاء في قضاء النقض أنه "ليس في مضي الوقت الذي مضى بين وقوع الجريمة وبين التفتيش ما تنتفي به حالة التلبس كما هي معرفة به في القانون ما دام أن تقدير الفترة الزمنية بين وقوع الجريمة وبين كشف أمرها بمعرفة رجال الضبط القضائي مما تستقل به محكمة الموضوع. نقض 17 مايو 1979 ، مجموعة أحكام النقض ، س30 ، رقم 124 ، ص584.
[7] نقض 15 ديسمبر 1947 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج7 ، رقم 453 ، ص419.
[8] نقض 18 أبريل 1984 ، مجموعة أحكام النقض ، س35 ، رقم 97 ، ص428. في ذات المعنى ، نقض 3 مارس 1958 ، مجموعة أحكام النقض ، س9 ، رقم 61 ، ص213.
[9] نقض 9 يونيو 1959 ، مجموعة أحكام النقض ، س9 ، رقم 162 ، ص138.
[10] نقض 10 نوفمبر 1983 ، مجموعة أحكام النقض ، س34 ، رقم 187 ، ص940 ، نقض 31 يناير 1984 ، مجموعة أحكام النقض ، س35 ، رقم 19 ، ص95.
[11] نقض 30 أبريل 1979 ، مجموعة أحكام النقض ، س30 ، رقم 109 ، ص514.
[12] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص355 ، د. محمد عيد الغريب ، الرجع السابق ، ص63.
[13] نقض 9 يناير 1977 ، مجموعة أحكام النقض ، س28 ، رقم 10 ، ص48 ، نقض 25 مايو 1983 ، مجموعة أحكام النقض ، س34 ، رقم 138 ، ص687 ، نقض 26 نوفمبر 1984 ، مجموعة أحكام النقض ، س35 ، رقم 187 ، ص829.
[14] نقض 14 ابريل 1960 ، مجموعة أحكام النقض ، س11 ، رقم 61 ، ص308.
[15] نقض أول نوفمبر 1955 ، مجموعة أحكام النقض ، س6 ، رقم 375 ، ص1282.
[16] نقض 10 يناير 1949 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج7 ، رقم 787 ، ص750.
[17] وهكذا جاء في قضاء النقض أنه "لمأمور الضبط القضائي –الذي يرافق مندوب إدارة الغاز والكهرباء-عند مشاهدته ما يدل على السرقة أن يقوم بالتفتيش دون حاجة إلى إذن من سلطة التحقيق ، إذ أن كل ما يظهر له من جرائم في أثناء ذلك الفحص يجعل الجريمة في حالة تلبس. ولا يؤثر في هذه الوجهة من النظر أن تكون السرقة قد بدأت فعلاً في تاريخ سابق على هذا الإجراء ، لأن جريمة السرقة وإن كانت جريمة وقتية تتم وتنتهي بمجرد ارتكابها ، إلا أنها في صورة الدعوى جريمة متتابعة الأفعال". نقض 23 نوفمبر 1959 ، مجموعة أحكام النقض ، س10 ، رقم 193 ، ص943.
[18] نقض 15 فبراير 1957 ، مجموعة أحكام النقض ، س8 ، رقم 50 ، ص173 ، نقض 15 مارس 1970 ، مجموعة أحكام النقض ، س21 ، رقم 88 ، ص355 ، نقض 31 يناير 1984 ، مجموعة أحكام النقض ، س35 ، رقم 19 ، ص95.
[19] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص358 ، د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ، ص68.
[20] نقض 19 مايو 1961 ، مجموعة أحكام النقض ، س12 ، رقم 119 ، ص622 ، نقض 10 ديسمبر 1978 ، مجموعة أحكام النقض ، س29 ، رقم 189 ، ص910 ، نقض 17 مايو 1979 ، مجموعة أحكام النقض ، س30 ، رقم 124 ، ص584.
[21] د. عبد الرءوف مهدي ، المرجع السابق ، ص245.
[22] نقض 22 يناير 1951 ، مجموعة أحكام النقض ، س2 ، رقم 202 ، ص537 ، نقض 9 يناير 1977 ، مجموعة أحكام النقض ، س28 ، رقم 10 ، ص48.
[23] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص360 ، د. عبد الرءوف مهدي ، المرجع السابق ، ص246.
[24] د. عبد الرءوف مهدي ، المرجع السابق ، ص245 ، د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ، ص72.
[25] نقض 30 ديسمبر 1963 ، مجموعة أحكام النقض ، س14 ، رقم 184 ، ص1011 ، نقض 9 نوفمبر 1983 ، مجموعة أحكام النقض ، س34 ، رقم 186 ، ص934. وكذا قضي بأنه "لا يكفي لقيام حالة التلبس بجريمة الرشوة أن يكون مأمور الضبط القضائي قد تلقى نبأ الجريمة من الغير ما دام هو لم يشهد أثراً من آثارها". نقض أول مارس 1966 ، مجموعة أحكام النقض ، س17 ، رقم 24 ، ص221.

[26] نقض 27 مايو 1935 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج3 ، رقم 381 ، ص483.
[27] في تأييد هذا القضاء ، د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص544 ، د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص355 ، د. عبد الرءوف مهدي ، المرجع السابق ، ص247 ، د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ن ص75.
[28] نقض 5 مايو 1958 ، مجموعة أحكام النقض ، س9 ، رقم 124 ، ص457.
[29] نقض 20 أبريل 1959 ، مجموعة أحكام النقض ، س10 ، رقم 96 ، ص437.
[30] نقض أول نوفمبر 1987 ، مجموعة أحكام النقض ، س38 ، رقم 169 ، ص917.
[31] نقض 4 أبريل 1960 ، مجموعة أحكام النقض ، س11 ، رقم 61 ، ص308.
[32] نقض أول أبريل 1940 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج5 ، رقم 89 ، ص161.
[33] نقض 18 يناير 1961 ، مجموعة أحكام النقض ، س12 ، رقم 14 ، ص79.
[34] نقض 21 فبراير 1966 ، مجموعة أحكام النقض ، س17 ، رقم 32 ، ص175.
[35] نقض 27 نوفمبر 1950 ، مجموعة أحكام النقض ، س2 ، رقم 84 ، ص217.
[36] نقض 18 يناير 1970 ، مجموعة أحكام النقض ، س21 ، رقم 24 ، ص94. ولمزيد من التفصيل ، د. سامي صادق الملا ، استعمال الحيل لضبط الجناة وحجيتها أمام القضاء ، مجلة الأمن العام ، ع54 ، ص23.
[37] نقض 15 أبريل 1968 ، مجموعة أحكام النقض ، س19 ، رقم 38 ، ص438. 
[38] نقض 17 أكتوبر 1961 ، مجموعة أحكام النقض ، س11 ، رقم 130 ، ص192.
[39] د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص555.
[40] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص373.
[41] وهذا ما قالت به محكمة النقض في قضائها ، نقض 5 فبراير 1968 ، مجموعة أحكام النقض ، س16 ، رقم 26 ، ص148 ، نقض 4 نوفمبر 1968 ، مجموعة أحكام النقض ، س19 ، رقم 178 ، ص899 ، نقض 11 ديسمبر 1975 ، مجموعة أحكام النقض ، س26 ، رقم 167 ، ص755.
[42] د. محمد عيد الغريب ، المرجع السابق ، ص85.

Post a Comment

Previous Post Next Post