نظريات البيئة – السلوك 
(نظريات حديثة في مجالات حديثة) :-
       احدى الصعوبات التي تواجه علم النفس البيئي هي ندرة وجود اتاجه موحد في البحث في هذا المجال. وبما ان احدى وظائف النظريات الجديدة هي إعطاء تركيز على البحوث فقد عمل عدد من علماء النفس البيئيين جهوداً لبناء نماذج ونظريات حول علاقات البيئة – السلوك.
       وعلى اية حال فان النظريات الموسعة التي تلائم معايير التنبؤ الجيد والتعميم وتوليد البحوث ليست ملائمة على الاقل لسببين:-
الاول / هو ان مجال علم النفس البيئي حديث العهد جداً. بحيث انهُ في حالات عديدة لم تجرى ملاحظات كافية ولم تجمع بيانات كافية تجعل الباحثين واثقين ومتأكدين من المفاهيم والعلاقات.
الثاني / هو كون المفاهيم المثبتة والعلاقات الموجودة فعلاً متباعدة جداً (على سبيل المثال تميل لان تختلف من جزء لآخر من البحث) وتكون صعبة التعريف بدرجة التحديد المطلوبة في النظرية.
       وبما ان النظريات الموسعة ليست ملائمة جداً في علم النفس البيئي فإن النظريات الأقل توسعاً والمقتصرة كل واحدة منها على ميدانها الخاص بها قد تم تطويرها ضمن هذا المجال.
أولاً:- نظرية الضغوط البيئية :
* ان احد التوجيهات النظرية واسع الاستخدام في علم النفس البيئي هو بحث عناصر عديدة في البيئة مثل الضوضاء والحرارة  والاشياء التي تولد الضغوط النفسية.
* وبصورة تقليدية يعد ما يولد الغوط مثيراً منفراً. فالضغط هو متغير وسيط يُعرف على انهُ رد الفعل لهذا المثير، ويفترض ان ردود الافعال تتضمن عناصر انفعالية وسلوكية وفسيولوجية. (المثير = العنصر البيئي)
* يقتصر بعض الاحيان مصطلح (الضغوط) على الاحداث البيئية بالاضافة الى مصطلح (الاجهاد)الذي يستخدم لوصف العنصر العضوي (داخل الكائن الحي) وسيتم استخدام مصطلح الضغط للاشارة الى موقف المثير – الاستجابة الكلي.
* ما يشير او يولد الضغوط للاشارة الى العنصر البيئي فقط.
       وكجزء من الاستجابة للمثير الضاغط، لاحظ (سيلاي Sely عام 1956) في وصفهِ لحالات الضغط ثلاثة مراحل:-
1. المرحلة الاولى في عملية الضغط هي رد الفعل الاولي:
       ما يولد الضغوط هو رد فعل على شكل إنذار والذي تُسرع منه العمليات الاوتوماتيكية، مثل زيادة معدل ضربات القلب وافراز الاردينالين وغيرها.
2. المرحلة الثانية في عملية الضغط هي مرحلة المقاومة:
       تبدأ ايضاً مع بعض العمليات الاوتوماتيكية والتي تستخدم فيها استراتيجيات مختلفة للتعامل مع ما يولد الضغط، فإذا كانت الحراة هي ما يولد الضغط فسيحدث التعرق اما اذا كانت البرودة فقد يبدأ الارتجاف اي مرحلة التصدي للضاغط.
3. المرحلة الثالثة هي الاجهاد والانهاك:
       في حالة اخفاق هذه الميكانزمات استعادة التوازن الحيوي – ان مفهوم الضغط لا يتضمن فقط علاقة مثير – استجابة اتوماتيكية بسيطة. ولكنه يضم عدداً من العناصر او المكونات المعرفية المهمة كذلك ليس كل المثيرات الضاغطة هي منفرة بحد ذاتها لتثير لإنذار الاوتوماتيكي واستجابات المقاومة .
       ولكي تبدأ عملية الضغط يجب ان يكون هناك تقييم معرفي للمثير على انهُ مهدد مثلاً، فالمثير لم يتغير ولكن تقييم الفرد لهُ على انهُ مهدد او غير مهدد هو الذي تغير.
       وقد اقترح (لازاروسLazarus عام 1966) ان هذا التقييم المعرفي هو دالة على العوامل النفسية الفردية مثل (الوسائل او الحيل العقلية والمعرفية والخبرة السابقة والدافعية) والجوانب المعرفية لموقف المثير لمحدد مثل (السيطرة على المثير والقدرة على التنبؤ بالمثير وفورية المثير او الوقت الذي يستغرقهُ الى ان يحدث التأثير).
       فكلما امتلك الفرد معرفة اكثر عن الجوانب النافعة لمصدر الضوضاء او كلما امتلك الفرد السيطرة اكثر على الضوضاء من حيث تجنبها او القضاء عليها كلما كان الفرد اكثر احتمالاً لان يقيّم ذلك المثير على انهُ مهدد وكلما كان موقف أقل احتمالاً لان يصبح ضاغطاً.
       عندما يتم تقييم المثير على انهُ مهدد فإن عوامل معرفية اخرى تبدأ بالعمل – كما أشار (سيلاي) الى رد فعل الانذار (في المرحلة الاولى) وميكانزيمات التعامل الاتوماتيكية للمقاومة (في المرحلة الثانية).
       ففي مرحلة المقاومة الكثير من عمليات التعامل تكون معرفية لذلك يجب على الفرد ان يقرر استراتيجية تعامل سلوكية وهذه الستراتيجية على وفق رأي (لازاروس) هي دالة على العوامل الفردية والموقفية وقد تتألف من استراتيجيات مثل (الهروب او الهجوم البدني او اللفظي او اي نوع من الحل الوسط).
       ويرتبط مع عملية التعامل المعرفية هذه عدد من الانفعالات كالغضب او الخوف ومثال على ذلك رد الفعل الضاغط للازدحام الشديد في مدينة ما قد تكون من تقييم الازدحام على انهُ مهدد وذو آثار فسيولوجية وخوف وهروب الى اقل ازدحاماً.
       واذا كانت استجابات التعامل غير كافية للتعامل مع ما يولد الضغط فالفرد سيدخل مرحلة الانهاك عندما تنفذ كل طاقات التعامل. وغالباً ما يحدث شيء آخر قبل ان يحدث الانهاك. ففي أغلب المواقف عندما يتم تقييم مثير منفر مرات عديدة فان رد الفعل الضاغط له يصبح أضعف وأضعف نفسياً حتى يحدث التكيف لان التحسس العصبي الفسيولوجي للمثير يصبح اضعف لذا فإن الشك بما يولد الضغوط يقل او لأن ما يولد الضغوط يتم تقييمه معرفياً على انهُ اقل تهديداً.
       كل الاحداث في الحياة تقريباً تتضمن درجة من الضغوط وبهذا المعنى فعملية التكيف للضغط تكون نافعة للكائن الحي: والسبب في ذلك:-
1- ان الفرد الذي قد تعرض للضغوط قد تعلم ان يتعامل معها وتكون قدرتهِ افضل على التعامل مع الحدث الضاغط القادم في الحياة.
2- الضغوط البيئية احياناً تحسن الاداء لان الاثارة المرتبطة بالضغط تسهل الانجاز
       الا ان التعرض للاحداث الضاغطة والتكيف لها قد يكون مكلف ايضاً. فإذا كان مجوع كل الضغوط في وقت معين يتجاوز قابلية الفرد للتعامل معها او التعرض لما يولد الضغوط المتزايدة الطويلة الامد فسيؤدي بالنتيجة الى :
‌أ.       الاضطرابات السايكوسوماتية وتناقص المقاومة للأشياء الأخرى التي تولد الضغوط.
‌ب. الثقل المعرفي الناتج ... فالقابلية على معالجة المعلومات تصبح محملة جداً بضمنها الافراد والمثيرات ذات الصلة بأداء العمل والامان والصحة.
‌ج.   تنافص وضعف الاداء والارهاق الفسيولوجي.
‌د.     الاحباط وضعف الوظائف العقلية.
‌ه.      الانهيار البدني او العقلي الحتمي تقريباً.
تصنيف الضواغط:
       تصنف الى ضواغط جامحة وضواغط خفيفة ،
الضواغط الجامحة/ تحدث فجأة ولا تقدم تحذيراً وتكون نوعين:
أ‌.       بيئية (كالفيضانات والزلازل والكوارث والحروق).
ب‌. شخصية (المرض او الموت المفاجئ لشخص)
الضواغط الخفيفة/ هي متكررة وروتينية كالضوضاء والتلوث والازدحام المروري ...الخ
 (نموذج الضغوط السيلايولازاروس)
ثانياً: نظرية الإثارة:-
       ذكرنا سابقاً ان احد تأثيرات التعرض للأشياء التي تولد الضغوط هو الإثارة المتزايدة والتي تقاس فسيولوجياً بالفعاليات الذاتية اللاإرادية المضاعفة مثل زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس وافراز الادرينالين وغيرها. او تقاس سلوكياً عن طريق زيادة النشاط او الفعالية الحركية او عن طريق التقرير الذاتي للفرد.
       ومن المنظور الفسيولوجي العصبي يرى ان الإثارة هي زيادة نشاط او فعالية الدماغ بواسطة مركز الاثارة في الدماغ والذي يسمى (التكوين الشبكي Reticular Formation).
       وقد شخّص (بيرلاين 1960) الإثارة على انها تقع على متصل مستمر احد طرفيه النوم والطرف الآخر أعلى نشاط او إثارة مضاعفة اثناء اليقظة ويفترض ان الاثارة متغير وسيط في كثير من انماط السلوك... ولذلك اهتم كثير من علماء نفس البيئة بهذا المفهوم واستخدموهُ ليفسروا آثار البيئة على السلوك.
       بالرغم من ان الاثارة هي إحدى تأثيرات التعرض لما يولد الضغوط فإن الكثير من السلوكيات يمكن تفسيرها عن طريق الإثارة فقط بدون مفهوم الضغط... وهذا التمييز يصبح واضحاً عندما نأخذ بنظر الاعتبار ان نموذج الضغوط يتضمن تقييم معرفي للمثير على انهُ تهديد... في حين ان المثير لا يحتاج ان يكون مهدداً لكي يزيد من الاثارة.
       ان الاثارة تؤدي بأصحابها الى البحث عن معلومات عن حالاتهم الداخلية اي يحاولون تفسير طبيعة الاثارة واسبابها.
- هل هي سارة ام غير سارة؟ كما ان المثيرات غير السارة تزيد الاثارة فإن المثيرات السارة تعد إثارة ايضاً.
- هل تعزى الى المحيطين بهم أم الى تهديد مدرك؟
- هل تعزى الى بعض جوانب البيئة ؟
       نحن نفسر الاثارة وفقاً للانفعالات التي تظهر على الآخرين حولنا فضلاً عن ذلك فإن الاسباب التي تعزى الاثارة اليها لها آثار ذات مغزى على سلوكنا.
العلاقة بين الاثارة والأداء :
       هناك علاقة مهمة بين الاثارة والأداء حسب نظرية (لهل – سبينس) وعلى وفق هذه النظرية يكون لدينا في وقت معين عدد من بدائل الاستجابة المتيسرة لنا ، فعند التعرض للاثارة المتزايدة فإن الاستجابة الاكثر أهمية وهيمنة، ستكون الاكثر احتمالاً للحدوث.
       وعلى وفق هذه الفكرة فان الاثارة المتولدة بيئياً ستسهل او تزيد من شدة الاستجابة المهيمنة.
       للاثارة نتيجة هامة بالنسبة للأداء وفقاً لقانون (بركس –دودسن) حيث يكون الاداء عند حده الامثل عند المستويات المتوسطة من الاثارة ثم يسوء تدريجياً اذا انخفضت الاثارة او ارتفعت عن هذا المستوى ، وفضلاً عن ذك فإن علاقة الحرف U المقلوب بين الاثارة والاداء تتفاوت بتفاوت تعقيد العمل.
-       فالمستوى الامثل للاداء يحدث بالنسبة للاعمال المعقدة او المركبة عند مستوى اقل من الاثارة مقارنةً بالاعمال البسيطة.
-       ويتوقع ان تؤدي الاثارة البيئية الناتجة من الازدحام والضوضاء وتلوث الهواء الجوي تحسين الاداء او تدهورهُ ويتوقف هذا على استجابة الشخص المتأثر منها لمستوى الاثارة الأمثل سواء عندهُ او أعلى أو أقل منهُ بالنسبة لعمل معين.
-       وحيث ان الانسان عموماً يسعى لمستوى متوسط من الاثارة ، وان الافراد او التفريط فيها غير مرغوب فيها.
       فاثارة المنخفضة لا تشجع على الاداء الامثل والاثارة العالية المفرطة تعوقنا عن التركيز على العمل الذي نقوم به.

Post a Comment

Previous Post Next Post