قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني تطوره وطبيعته
       الفقرة الأولى: تطور قانون الإجراءات الجنائية الفلسطيني
       الفقرة الثانية: طبيعة نظام قانون الإجراءات الفلسطيني
القسم الأول
الدعاوى الناشئة عن الجريمة
       تقسيــــم
       يترتب عن كل فعل ضار إقامة دعوى ضد مرتكب هذا الفعل الضار، حيث أنه وبمجرد إتيان الفعل الضار ينشأ حق للمتضرر في المطالبة بجبر الضرر الذي نجم عن الفعل الضار، وبحكم أن الضرر الناشئ عن ارتكاب الجريمة هو ضرر عام يصيب المجتمع في معظم أركانه مهدداً أمنه واستقراره فإنه من الطبيعي أن تقوم السلطة النائبة عن المجتمع بإقامة دعوى ضد مسبب هذا الضرر وهو ما يطلق عليها دعوى الحق العام أو الدعوى الجنائية أو الدعوى العمومية كما تسميها بعض النظم القانونية، وقبل أن تهتدي مختلف المجتمعات والنظم القانونية إلى هذه الوسيلة "الدعوى الجنائية" فإن المسطرة المتبعة في القصاص من المجرم مرت بمراحل مختلفة من الانتقام والتشفي إلى الاتهام الفردي، ثم إلى الاتهام الشعبي، ثم القضائي فالاتهام العام أو الدعوى العمومية أو الجنائية.
       غير أن ارتكاب الجريمة وتسببها في ضرر يلحق المجتمع، وبالتالي مساسها بالحق العام قد يصاحبه إلحاق ضرر خاص ومباشر على من وقعت عليه الجريمة أو طالته في أحد نتائجها، ومن هنا ينشأ حق خاص لمن وقع عليه هذا الضرر في المطالبة بجبر هذا الضرر وتعويضه، وهو ما يطلق عليه دعوى الحق المدني أو الادعاء الخاص، وقد لا يتوفر ذلك في جميع أنواع الجرائم، فهناك من الجرائم ورغم مساسها بالحق العام إلا أنها لا تسبب بحال ضرر خاص، وبالتالي لا يمكن أن ينشأ عنها ادعاء خاص، كما هو أمر جرائم حيازة السلاح بدون ترخيص وجرائم التهريب والتسول .. وغيرها.
       ورغم اعتبار الجريمة وما ألحقته من أضرار هي المصدر المباشر لكلا الدعوتين إلا أنهما يختلفان عن بعضهما البعض من عدة جوانب أهمها:
       اختلاف أطراف كلا من الدعوتين: ففي حين نجد أن أحد أطراف الدعوى الجنائية السلطة العامة ممثلة في النيابة العامة، فإنهما –أطراف الدعوى- لا يخرجان عن شخصين طبيعيين مدعي ومدعى عليه في الدعوى المدنية التابعة.
       اختلاف سبب الدعوتين: السبب التي تستند عليه الدعوى الجنائية هو ما أحدثه الفعل الإجرامي من إخلال بأمن المجتمع واستقراره، في حين أن سبب الدعوى المدنية التابعة هو الضرر الشخصي الضرر يمكن أن يحدثه السلوك الإجرامي.
       من حيث موضوع الدعوتين: يتحدد موضوع الدعوى الجنائية في المطالبة بإنزال العقوبة، أو التدبير الاحترازي المناسب في حق المجرم، كإنزال عقوبة الحبس في حق السارق، بينما يتحدد موضوع الدعوى المدنية التابعة في المطالبة بتعويض الضرر الذي لحق الضحية من جراء الفعل الإجرامي، كالمطالبة باسترداد المسروق في نفس الجريمة.
       من حيث مكان إقامتهما: لا تقام الدعوى الجنائية إلا أمام قضاء جنائي مختص، بينما يمكن أن تقام الدعوى المدنية التابعة أمام نفس القضاء إذا كانت ناتجة عن سلوك إجرامي، كما يحق للمتضرر إقامتها أمام قضاء آخر هو القضاء المدني بعد ثبوت الفعل الإجرامي باستصدار حكماً جنائياً يقضي بالإدانة.
       من حيث طابعهما: تتسم الدعوى الجنائية بالطابع العام، إذ أنها تتعلق أساساً بحماية المجتمع من الجريمة وضررها، في حين لا يخرج طابع الدعوى المدنية عن محض الطابع الخاص، إذ أنها تتعلق بالمطالبة بالتعويض عن ضرر خاص أصاب فرداُ بعينه لحظة ارتكاب الجريمة، وينطلي على ذلك عدة نتائج أهمها أنه لا يجوز للنيابة العامة التخاذل أو التباطؤ في إقامة الدعوى الجنائية، كما أنه لا يحق لها التنازل عنها، أو التصالح بشأنها بعد إقامتها حتى وإن وافق المجني عليه في نفس الجريمة محل المتابعة على التنازل أو التصالح إلا في حالات محددة بنصوص القانون، في حين هذه الأمور لا مانع منها في الدعوى المدنية إذ لا يجبر المتضرر فيها على المطالبة بإقامتها، كما أنه يملك حق التصرف فيها بعد إقامتها بالتنازل عنها أو التصالح بشأنها.
       من حيث الهدف: الهدف من إقامة الدعوى الجنائية هو تحقق الصالح العام بحماية المجتمع من الأفعال الإجرامية التي ترتكب ضده أي حماية المصلحة العامة، قاصداً بذلك تحقيق الردع العام والردع الخاص، في حين لا يخرج هدف الدعوى المدنية عن تحقيق مصلحة خاصة لمن يقوم بممارستها.

Post a Comment

Previous Post Next Post