الحكاية الشعبية شأت أولاً على أيدي رواة متأدبين، ثم أهملتها الطبقات الخاصة، إلا أن العامة تلقفتها واحتفظت بها بعد أن هضمتها، ومنحتها طابعها الشعبي فاستقرت هذه الحكايات في الحياة الشعبية، ومما يشجع على هذا الاعتقاد أن الحكاية الشعبية ما هي إلا رافد من روافد الذهنية الشعبية التي أبدعت المرويات القولية، والفنون اليدوية الشعبية، وهذه جميعاً تنطبق عليها فرضية أن ما تتخلى عنه الطبقات المثقفة، تتلقفه الطبقات الشعبية وأوضح ما يكون ذلك في ميدان الأزياء الشعبية(3).

إن الحكاية الشعبية من هذه المنطلقات تعني سيرة بطل، عبر الأحداث، يحملها مشافهة الراوي، أو القاص، أو الإخباري، وقد حوت جعبة الإخباريين في مختلف العصور العربية، صوراً من سير الأبطال، وحوادثهم، ونقلها الإخباريون على شكل قصص شعبية مثيرة للعامة، بأساليب مشوقة، عكست الحياة الاجتماعية العربية، ومثلت نفسية الأمة العربية، ومما يدل على وعي مبكر في تقويم الخرافات والأساطير الشعبية أن ابن خلكان (يروي)، أن الخزرجي ادعى إرضاع الجن، وزعم لهارون الرشيد، أنه بايع الجن لولي عهده، فقربه (الرشيد)، وكان الخزرجي يضع على الجن والشياطين والسعالي، أشعاراً حساناً فقال له الرشيد: "إن كنت قد رأيت ما ذكرت فقد رأيت شيئاً عجباً، وإن كنت ما رأيته فقد وضعت أدباً"(4).

 ولعل من نافلة القول، أن ندرك أن الحكاية الشعبية ليست مقصورة على الأمة العربية دون غيرها من الأمم، فالقصص الشعبية توجد في جميع المجتمعات البشرية، مع أن درجة الانتشار والتداول تختلف من مجتمع لآخر، وحتى داخل المجتمع نفسه، وتنشأ هذه الحكايات من
تكامل ثقافة المجتمع عبر حقبه التاريخية المختلفة، لتلبي احتياجات نفسية، وعاطفية، وهذه الاحتياجات موروثة في الطبيعة البشرية، ولكن شدتها تتراوح تبعاً للتغيرات في الأحوال الاجتماعية، والمادية التي تمس قدرة النظام الاجتماعي على تلبية احتياجات أفراده الطبيعية، والاجتماعية والنفسية والعاطفية ويبدو أن الأقاصيص أكثر استجابة من بقية الأشكال الأدبية لهذه التغيرات(5).

فالحكاية الشعبية إذن نسيج يحيكه البطل بفاعليته، وما يواجه تلك الفاعلية من عوامل مساعدة أو معوقة(6) عبر حقبة تاريخية، ثم ينتقل هذا النسيج مشافهة لجيل حقبة تاريخية تالية، مع ما يسود هذا النقل من تحريف، أو تبديل، أو تغيير، مع الاحتفاظ على خط سير البطل من البداية للنهاية. ويستمر النقل لأجيال تالية، ليصبح البطل، كأنه مادة كيماوية في مختبر، يجرب عليه كافة المؤثرات التي تنضج تجربته، وتصنع منه المثل.. وغير هذه الامتدادات التاريخية القصصية، تصور الحكاية أسس البناء الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، والنفسي، والبيئي، للبطل ومواطنيه عبر الحقب التي عاشوها.

لذلك نجد في القصص الشعبية –اليوم- أكداساً من تراث الأجيال المتعاقبة، والعصور الحضارية المختلفة"، وليس عجيباً أن نجد فيها رواسب الوثنية والسحر، والمردة، والشياطين، والرقى، والشعوذات إلى جانب الملائكة والأنبياء والصديقين، وأبطال العصور المتأخرة(7). وهكذا التقت أذواق العصور المختلفة من تاريخنا حول تعبير قصصي شعبي، إننا نجد الإنسانية وقد تجلت على سجيتها وعلى طبيعتها الفطرية مكشوفة في تلك الألوان المختلفة لذلك التراث الشعبي القصصي، حيث تبدو هناك بكل غرائزها، ونزعاتها، وكل معتقداتها ومقدساتها، وتصوراتها وأوهامها عن الكون والحياة.

يعتبر علماء التراث، أن الفنون القولية، هي موقع القلب من التراث، والحكاية الشعبية هي رأس الفنون القولية، لما لها من ميزات، الأثر والتأثير في المتلقى، وطريقة السرد والوصف، التي تكشف كنه النفس البشرية في أوضح صورها، كذلك فإن فاعلية البطل عبر الحدث، تعكس صراع الإنسان مع واقعه، وتفاعله مع هذا الواقع، وهذا يفيد في الدراسات الأنثروبولوجية، والاجتماعية، والاقتصادية لتلك الحقب التاريخية التي عاشها البطل.

وللحكاية الشعبية مدى تعبيري غير اعتيادي، لأن الحكاية تشترك مع الفنون الشعبية الأخرى، في حقيقة كونها عملاً وتكويناً إبداعياً فذاً قادراً على تشكيل صورة مرئية خيالية.

فالقصة تشارك المسرح، لأن المسرح ما هو إلا قصة، أو قصة ممسرحة، والحكاية تتفاعل مع الرقص، في القدرة على الإيحاء بالحركة، وتشارك الموسيقى في قدرتها على الإبداع الإيحائي والجمالي، من خلال القدرة على التأليف في إطار الإيقاع المتناغم(7)، من هنا تتضح لنا مركزية الحكاية في الأدب الشعبي، لما لها من مشاركة وتفاعل وتأثير في باقي الفنون القولية خاصة، وفي فروع التراث المختلفة عامة.
أنواع الحكاية الشعبية:
         اختلفت وجهة نظر باحثي الحكاية الشعبية حول أنواعها، وأقسامها، وكان هذا الاختلاف نتيجة اختلافهم في المحاور التي انطلقوا منها لتقسيم الحكاية، فمنهم من اعتمد مسألة طول الحكاية وقسمها تبعاً لطولها، وآخرون اعتمدوا وظيفة الحكاية في المجتمع، وقسم ثالث اعتمد مقدار الواقعية والخيالية في الحكاية، ومهما اختلفت وجهات النظر هذه، إلا أنها ليست مشتتة بقدر ما تلقي الضوء على تاريخ الحكاية، ووظيفتها، وتفاعل الأجيال مع موروثهم الشعبي. ففي دراسته للبطل في الحكاية الشعبية يحدد "علي الخليلي"(8) ثلاثة أنماط من الحكايات:
أ- الحكاية الأسطورية: وهي الحكاية التي تدور حول الآلهة، والأحداث الخارقة، وتشرح بمنطق العقل البدائي ظواهر الكون والطبيعة، والعادات الاجتماعية، ولنتأمل هذه الحكاية الملخصة التي تمثل أسطورة نشأة القرد.
يحكي: "أن امرأة كانت تخبز، وحولها طفلها يلهو، ويلعب، فغاط الولد على ملابسه، فكرت المرأة بطريقة تنظف بها ولدها، ولم يكن بحوزتها ماء، فأنزلت الآلهة لها، مناديل جميلة من السماء، أعجبت هذه المناديل المرأة، فاحتفظت بها، وأخذت قطعة من الخبر، وبدأت تنظف بها "غائط الولد"، فما كان من الآلهة إلا أن غضبت عليها، فمسختها قردة، ومسخت ابنها قرداً أيضاً.
ب- الخرافة: حكاية تقصد أي مغزى أخلاقي، من خلال أشخاص، غالباً ما يكونون وحوشاً أو جمادات. مثل قصة (إجبينة) .. ومناجاتها للطيور:-
يا طيـور طايــرة              يا مية(1) يا ســايرة(2)
سلمي ع(3) أمي وبوي(4)                   وقوليلهم(5) إجبينه راعية
ترعى غنم، ترعى بقر              وتقيل(6) تحت الداليـة(7)
وتروح هذه الطيور، وهذه المياه، وتسلم على والدي الست (إجبينه)، وتعلمهم بحالها. في هذه الحكايات يتمثل الشجر، والحجر، والحيوان، والجماد، بطلاً في مقدوره أن يقوم بجميع مهام البطل الإنساني.
ج- الحكاية الشعبية: حكاية تتمحور حول الإنسان الشعبي، وتستخدم في محاورها، ما يفيدها من عناصر أسطورية، وخرافية، ثم تتطور هذه الحكاية، فتنبذ كل ما له صلة بالأساطير والخرافات، لتتجذر حول هموم الإنسان مباشرة.

ولعل حكاية "شيخ جمزو" مثل للحكاية الشعبية: فملخص القصة يدور حول شيخ ظالم غاشم، يأخذ أتاوات من فلاحي قريته، حضرته الوفاة، فجمع أهل البلدة، وطلب منهم أن يسامحوه عما بدر منه، ففعلوا، وطلب منهم أن يربطوه بحمار، ويجروه في كل أركان القرية، وذلك تكفيراً لمعاملته السيئة لهم.. غادر الرجال، وبعد مغادرتهم، طلب من زوجته أن تذهب وتحضر (الجندرمة) التركية، حال وفاته، وجرجرته في البلدة.. وهكذا كان.. مات الرجل، وربطه الفلاحون بحمار، وإذ بالجندرمة التركية تطوقهم بعد إعلام زوجته لهم.. ويكيلون للفلاحين صنوف الأذى، والتعذيب، والتنكيل، والسجن.. وهكذا أساء الشيخ لبني بلده حياً وميتاً..
أما الباحث نبيل علقم(9) فيقسمها إلى حكايات:
·       خرافية خيالية: وهي التي تخرج أحداثها عن حد المعقولية، وتجافي منطق الأشياء، حتى لو كانت حدثت بالفعل.
·       حكاية هزلية: وهي حكاية المرح، والتسلية، والإمتاع.
·       حكايات الأولياء والقديسين: حكايات يكون أبطالها من الأولياء، أو يكون هؤلاء الأولياء عوامل مساعدة لإنقاذ البطل من ورطته، أو حل مشاكله.
·       حكاية الواقع السياسي والاجتماعي: وهي الحكاية التي تعكس الواقع السياسي لفترة حياة البطل، وتعكس سمات المجتمع الاجتماعية مثل: التقاليد والعادات والمعايير..

ويربط "توفيق زيّاد" في دراسته صور من الأدب الشعبي الفلسطيني(10) أنواع الحكايات الشعبية بوظيفة تصويرها لكفاح الأمة العربية ضد المحتلين، الأتراك، والإنجليز، والصهاينة، كذلك يرى أن هناك أنواعاً من الحكاية تصور الكفاح للتحرر من العبودية الاجتماعية، المتمثلة بعبودية الأغنياء والإقطاعيين والمالكين وصراعهم مع سواد الشعب والفلاحين.

وهناك قصص ذات إطار سياسي، ومضمون وطني مثل (قصة ممدوح وميثا)، التي تصور خلال قصة حب، كفاح جيل عربي ضد العبودية التركية، وقصة (محمد الملحم) التي تصور كفاح الشعب العربي السوري ضد الفرنسيين، وقصة (حسين العلي) التي تصور كفاح الشعب العربي الفلسطيني ضد الاستعمار الإنجليزي.. ويجمل (زيّاد) قوله: إن تراثنا الشعبي الفلكلوري، غني وزاخر، بقدر ما هو غني وزاخر، كفاح شعبنا على مر العصور والأحقاب، وأبطال هذا الأدب المختلفون هم وجوه متعددة للبطل الأساسي –الشعب كمجموع . أما من حيث الطول فتقسم إلى :
 1- الحدوته : نشأت مع الإنسانية في طفولتها الأولى ، يوم أن كان الإنسان، حيواناً جوالاً يعيش في جماعة قليلة العدد محصورة الأفراد، وعلى هذا الوضع الفطري الساذج، عاشت الحدوتة في بيئة الأطفال، وفي حدود إدراكهم ومستواهم، وهي أقصر أنواع الحكايات.
2- الحكاية: وهي محاكاة الواقع، واسترجاع له، وتزحزحت هذه المحاكاة للإيهام بحدث قديم مرت الدهور عليه، وهذا النوع أطول من الحدوتة.
3- الأسطورة: وهي حكاية الخوارق، وأبطال أنصاف الآلهة، أو الآلهة، وهي أطول من الحكاية.ومهما اختلفت هذه التقسيمات، إلا أنها تعطي مفهوماً واحداً للحكاية، يتمثل في بطل وحدث، تنتقل سيرته مشافهة من جيل للجيل الذي يليه.
بنية الحكاية الشعبية:
يتطرق الدكتور "عبد اللطيف البرغوثي" إلى بنية الحكاية الشعبية، فيرد هذه البنية إلى نسق واحد، مهما اختلفت نوعية الحكاية، أو تسميتها، ويحلل هذا النسق التقليدي، إلى مكونات ثلاثة هي(11):-
         أ. البداية.        ب. العرض.              ج. النهاية.
أ- البداية: يلجأ إليها القاص حسبما يراه مناسباً لخدمة أغراضه القصصية، مثل لفت نظر الحضور، إلى أنه سيبدأ حديثه حتى يتهيئوا للاستماع إليه.. ويمكن للحكاية الشعبية أن تأخذ أشكالاً متنوعة من البدايات مثل:
القاص: كان يا ما كان، يا سامعين الحكي والكلام، انخرف ولاّ أنام؟..
الحضور: إنخرّف.
ما يطيب الحديث إلا بالصلاة على النبي.
اللهم صلي على سيدنا محمد.
القاص: كان هانا خير.
الحضور: خير إنشا الله. (إن شاء الله).
ب- العرض: وهو مجمل الأحداث، والعقد والمشاكل، التي تصادف البطل، ويجتازها البطل عادة بنجاح.
ج- الخاتمة: وهي خاتمة تقليدية أيضاً مثل:-
هذي خريفة الطير عجاج.
وطار الطير الله يمسيكم بالخير.
رحت وخليتهم ما عدت أريتهم.
وهذي خريفتي وعلى فلان بدالها..
ويلاحظ أن هذه البدايات والنهايات التقليدية ليست في صلب بناء الحكاية، بدليل أننا نستطيع حذفها بسهولة دون أن تتأثر الحكاية بشيء، بل نحن في الواقع نحس بوجوب حذفها، حتى نتفادى ما قد يحدثه تكرارها في الجلسة الواحدة من ملل ثقيل، كذلك فإن القاص لا يستخدمها إلا في الحكاية الأولى إذا كان سيسرد أكثر من حكاية في الجلسة الواحدة، وبناءً على ما تقدم فإن هذه الأنماط لا يجوز أن تعتبر بدايات ونهايات حقيقية للحكاية، وإنما هي بدايات ونهايات شكلية ظاهرية، غايتها فقط إدخال الجمهور إلى جو الحكاية أو إخراجهم منه.

ويبرر "علي الخليلي" هذه البدايات بتعلق الناس بالدين، ونتيجة لعقيدتهم الإسلامية بشكل عام(12).. يقول الخليلي: "في هذه البدايات، يتكرس الدين مهما كانت الحكاية، بل إن الراوي يرفض ويخاف ربه، إن نطق بكلمة واحدة دون الصلاة على النبي، واستجابة السامعين لهذه الصلاة، وهذه البداية لا تشذ عن السائد مكتوباً كان أم محكياً، كما يمكن أن نلاحظه في افتتاحيات الكتب المدرسة والتقليدية مثل: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين"، وكما هو في كل أناشيد تغريبة بني هلال، كحكاية شعبية مكتوبة، ومحكية، "أول ما نبدى نصلي ع النبي..".

هذا عن البداية والنهاية التقليديتين، ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما هما البداية والنهاية الأصليتان؟ أو الحقيقيتان؟ وكيف تنطلق الرواية من بداية لتمر في حبكة أو عقدة، أو عرض وتختتم بنهاية أو خاتمة.

بداية تتحدث الحكاية عن بطل، إنسان عادي، وأحياناً اقل من العادي، وعند وضع هذا البطل على مسرح العرض، فإنه يواجه تحديات متعددة، وصراعات مختلفة، تتمثل هذه التحديات، في مواجهة البطل مع العوامل البيئية، كالبرد الشديد، أو قطع البحور، أو قد يواجه أصحاب قوة وسلطان كالملوك مثلاً، والجبارين، ويمكن أن تبالغ الحكاية فتذهب إلى (الميتافيزيق)، وتواجه البطر أشكال وألوان من الجن، والغيلان، والسعالي، والمردة، والشياطين. وهذه المواجهة تأخذ شكل الصراع بين قوتين: قوة بطل القصة، والقوة الأخرى المعاكسة، وتميل معظم الحكايات الشعبية إلى جعل قوتين متصارعتين معاً في وقت واحد، قبل أن ينتقل البطل إلى مشهد آخر.. وفي النهاية يميل حل الصراع لصالح البطل غالباً، وهو الطرف الذي خلق الأسطورة، أو الوسط الذي أوجدها، وفي هذا الحال يكون الحل أشبه بتحقيق أمنية. وحتى في النهاية المأساوية نجد أنها تكون ممزوجة بدعابة سوداء ساخرة لتفريج هم السامع، والتنفيس عنه(13).

فلو أخذنا مثلاً حكاية (نص انصيص)، نجده إنساناً معاقاً (نصف إنسان)، يحترم والده أخوته ويدللهم ويعطيهم أسلحة للصيد، بينما يحتقره والده نتيجة إعاقته، يصبح أخوته فرساناً على ظهور خيول مطهمة لا تأكل إلا الشعير المنقى، بينما يركب (نص انصيص) ماعزاً جرباء، يطعمها نخالة.. ويثبت البطل (نص انصيص) كفاءته في الصيد، وفي صراعه مع الغولة التي همّت بالتهام أخوته.. ويقتل الغول، بدهائه وحكمته، ويحرقها، ويحتل منازلها وثرواتها.

إن بطل هذه الحكاية المعاق، استطاع أن يقوم بأدوار كثيرة خطيرة، فشل أخوته الأصحاء، وبدعم كل قيم ومعايير المجتمع لهم –القيام بها، وحقق النجاح، له، ولأسرته، وانتصر على الشر، فأعاد الناس احترامهم له، واستطاع (نص انصيص) أن يثبت ذاته ويحققها، كما فعل عنترة بن شداد في سيرته.. فما عنترة بن شداد إلا (نص انصيص)، ناضل ضد التمييز القائم على اللون، ونجح، وحقق ذاته.
الحكاية الشعبية كنظام:
النظام: هو الكل المكون من عناصر متعددة، لكل عنصر من هذه العناصر سماته الذاتية، وترتبط هذه العناصر ببعضها في علاقات شبكية متبادلة، وتتفاعل هذه العناصر مع بعضها لإنتاج مهمة أو وظيفة معينة..ويتكون النظام من:
·       مدخلات: وهي العناصر البشرية، والمادية، والبيئية قبل التفاعل.
·       العمليات: مجمل التفاعلات بين العناصر.
·       المخرجات: وهي المدخلات بعد مرورها بعمليات التفاعل.

إن الحياة التي نعيشها، نظام دقيق، وصور الحياة المختلفة تشكل أنظمة أيضاً، فالحياة الاجتماعية نظام، مدخلاته: الإنسان والقيم، وعملياته: تفاعل الإنسان مع أخيه الإنسان في منظومة القيم. ومخرجاته: إنسان يراعي قيم مجتمعه، ومعاييره. كذلك فإن عملية التعليم والتعلم نظام أيضاً. عماده: الطالب قبل تحقيق أهداف التربية. وعملياته: الدرس والتعليم والتعلم، ومخرجاته: الطالب وقد تحققت الأهداف التعليمية التعلمية فيه.

انطلاقاً من مفهومنا للنظام، وهذه الأمثلة المختلفة، هل نستطيع أن نعتبر الحكاية الشعبية نموذجاً لنظام؟ لنتأمل ثانية حكاية (نص انصيص)، ونحاول تحليلها إلى عناصرها الأولية:
_ بطل معاق، أب يقسو على البطل، يدلل اخوته، معايير اجتماعية لا تحترم المعاق.
_ (نص انصيص) ينجح في الصيد بينما يفشل أخوته، يغتال الغول. ويحصل على مكاسب مادية باستيلائه على ثروة الغول، ويحقق ذاته اجتماعياً، ويحترمه الآخرون.

بكل بساطة نستطيع القول أن البند الأول يمثل مدخلات النظام، والثاني يمثل العمليات، والبند الثالث ما هو إلا مخرجات النظام. ولو استقرأنا حكاية (ست اليدب)، نرى نظاماً آخر: بنت فقيرة، تتزوج ثريا، يخطف الغول كل أسرتها، وولديها، ويهجرها زوجها ويحاول أن يتزوج بأخرى غيرها. بعدها تنجح في استعادة ولديها، وأسرتها وفي استعادة زوجها لها.

إن النظام في الحكاية الشعبية مكون من عناصر محددة، بينها علاقات متفاعلة، ونتيجة لهذا التفاعل تكون الوظيفة أو مهمة الحكاية، كتحقيق الذات في حكاية (نص انصيص). من هنا نجد أن البطل في الحكاية (قبل مرحلة العبور)، -العبور هنا هو انتقال البطل من حال لآخر-، هو أهم مدخلات النظام، والبطل الذي اجتاز المرحلة وحقق الفوز، أهم المخرجات.

إن النظر للحكاية الشعبية كنظام، يقود لتحليلها إلى عناصرها، وجزئياتها الأولية، مما يمكن من إلقاء الضوء عليها، ووضعها تحت المجهر النقدي، لاستخلاص ما تعكسه الحكاية من أنواع حياة ثقافية، واقتصادية، واجتماعية، سادت وتطورت عبر الحقب التاريخية.


(1) مية: ماء                (2) سايرة: جارية.
(3) ع: على               (4) بوي: أبي.
(5) قوليلهم: قولي لهم.    (6) تقيل: تجلس.           (7) الدالية: معرش العنب 

Post a Comment

Previous Post Next Post