تعتبر البيئة الوسط الحيوي الذي تعيش فيه كل المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات، وقد عمل البشر على الإعتداء على هذه البيئة ولايوجد أخطر مما يحدث اليوم من إتلاف لها . ولا شك أن تدخل القانون الجنائى بالتجريم والعقاب على هذا الإعتداء ينطوى على تأكيد لأهمية البيئة بوصفها من القيم الإجتماعية التى يتعين أن تكون محلاً للحماية الجزائية ، وإن كان ذلك ليس بالأمر اليسير فى نطاق الإجرام البيئى. وبالتالي فإن مواجهة التحديات البيئية الحديثة التي أفرزتها الحضارة الحديثة تتطلب خضوع هذه الحالات لقواعد قانونية خاصة متمثلة بقوانين حماية البيئة وبالتحديد ما تضمنته هذه القوانين من مواد تجريمية تجرم أشكال الإعتداء على البيئة وأخرى عقابية تحدد ما يترتب على كل من يعتدى عليها بأي شكل من الأشكال.
الكلمات المفتاحية: التلوث ، البيئة ، جريمة تلويث البيئة ، المشرع البيئي ، التشريعات البيئية .
إن مسألة تلويث البيئة من المسائل التي تطرح نفسها وتشغل عقول المفكرين ولا شك أنها تعد من المشاكل التي تمس البيئة ، والتي تهدد الإنسان في حياته.كل ذلك أدى إلى الإهتمام بإيجاد تشريعات خاصة بالبيئة ولم يكن المشرع العراقي بمنأى عن هذا الإهتمام، إذ بادر إلى إصدار تشريعات خاصة بالبيئة وحمايتها، منها قانون حماية البيئة وتحسينها رقم (67) لسنة 1986 الذي عدل بموجب قانون حماية وتحسين البيئة المعدل رقم (3) لسنة 1997 ومع ذلك لوحظ على هذه القوانين ضعفها وقصورها عن مواجهة جرائم التلويث، مما دعى المشرع إلى إلغائها بإصدار قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 رغبةً منه لتقوية التنظيم القانوني البيئي بما تضمنه القانون الأخير من نصوص تجرم العديد من أفعال التلويث .

أولاً//أهمية البحث..
تبرزأهمية موضوع البحث في أن البيئة تعد الوسط الحيوي الذي تعيش فيه المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات،وقدإعتادالبشرعلى الإعتداءعلى المواردالطبيعية لهذه البيئة،وتكييفها وتطويعها لرغباتهم حتى تجاوزوا الحدود ولا يوجد أخطر مما يحدث اليوم من إتلاف وتلويث للبيئة إلى الحد الذي جعل من الصعب إصلاحه. لذا أصبحت قضية إنقاذ البيئة تُمثّل أقصى تحديات الإنسان ، وإزاء هذه المخاطر كان من الطبيعي أن يفرض موضوع مواجهة تلويث البيئة نفسه بقوة بوصفه أحد أهم القضايا المعاصرة ، الأمر الذي حتم البحث عن حلول جذرية لحماية البشرية من خلال توفير حماية قانونية فعالة للبيئة بمختلف عناصرها  فصدرت التشريعات البيئة الملائمة للحفاظ على البيئة لتتصدى بقواعدها الملزمة وتنظيماتها لأفعال تلويث البيئة.

ثانياً// إشكالية البحث..
تتمثل إشكالية البحث في تحديد المقصود بتلويث البيئة ، ومدى إستجابة قانون حماية وتحسين البيئة العراقي لمتطلبات مواجهة جرائم تلويث البيئة والسياسة الجنائية المتبعة تحقيقاً لذلك. وليس من المستغرب القول بأن الفكر القانوني العربي لم يدرك مدى الحاجة إلى إصدار مثل هذه التشريعات المنظمة لمسألة مواجهة مشكلة التلويث البيئي جنائياً إلاّ في وقت متأخر. ونجد لذلك تطبيقاً واضحاً في التشريع العراقي إذ إن مشكلة التلويث البيئي نظمت بموجب نصوص تقليدية وردت في قانون العقوبات ولم تنظم بموجب نصوص خاصة إلا منذ وقت قريب.

ثالثاً // أهداف البحث..
تتمثل أهداف البحث في المحاور الأتية
1-            تهدف الدراسة إلى تحديد مفهوم تلويث البيئة في ضوء ما تيسر من إجتهادات فقهية ، ونصوص قانونية بيئية تعالج هذه المسألة.
2-            مناقشة مدى فعالية قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 في إيجاد نوع من الحماية الجزائية الفعَالة للبيئة وعناصرها في مواجهة أشكال التلويث المختلفة.وبالتالي الوقوف على مواطن الضعف التي يعاني منها هذا القانون والتي قد تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من تشريعه.
رابعاً// نطاق البحث..
يتضح نطاق موضوع البحث في أنه يرتكز على محورين لا يخلو أحدهما من الأهمية يتمثل المحور الأول في مواجهة قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 لأفعال تلويث البيئة بتجريم بعضها بوصفها تشكل مظهراً من مظاهر الإعتداء على البيئة . أما المحور الثاني تمثل في مواجهة هذا التشريع للتلويث بفرض جزاءاً جنائياً على مظاهر هذا الإعتداء.

خامساً// منهجية البحث..
لقد أعْتُمد في كتابة هذا البحث منهجاً تحليلياً وصفياً يقوم على إستعراض النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع وتحليلها متخذاً من أسلوب البحث سبيلاً لبيان تفاصيله كلما كان ذلك ممكناً بما توفر من مراجع وقوانين وتشريعات مقارنة خاصة بالموضوع ،معالتأكيدعلى أنناسنسلطالضوءبشكلخاصعلى قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 الذي هو محل الدراسة المقارنة ، فضلاً عنأهمالتشريعاتالتي إهتمتبمجالحمايةالبيئة. لذا ستستلزم هذه الدراسة في ضوء ما تقدم إنتهاج خطة عمادها تقسيم البحث إلى ثلاث مباحث، سيتضمن المبحث الاول دراسة مفهوم تلويث البيئة ، ولبيانه سيتم تقسيم المبحث إلى مطلبين ، سيناقش المطلب الأول مفهوم التلوث لغةً وإصطلاحاً وذلك في فرعين، أما المطلب الثاني فسوف يبين مفهوم البيئة لغةً و إصطلاحاً كذلك في فرعين ، أما المبحث الثاني فسيكون عن تجريم تلويث البيئة وذلك في مطلبين، سيتناول الأول بيان الركن المادي في ثلاثة فروع ، سيخصص الأول لمناقشة السلوك الاجرامي ، أما الثاني فسيكون عن النتيجة الإجرامية ، ويتحدث الثالث عن العلاقة السببية . أما المطلب الثاني سيكون عن بيان الركن المعنوي وذلك في فرعين يختصان في بيان أتجاهي الفقة الجنائي في تفسير غموض النص في بيان صورة الركن المعنوي في جريمة تلويث البيئة . أما المبحث الثالث فسوف يعالج الجزاء الجنائي المقرر في مواجهة تلويث البيئة وذلك من خلال تقسيمه إلى مطلبين ، يتناول المطلب الأول العقوبات السالبة للحرية وذلك في فرعين ، يختص الأول بدراسة عقوبة السجن ويبين الثاني عقوبة الحبس ، أما المطلب الثاني فسوف يعالج العقوبات المالية من غرامة ومصادرة كذ لك في فرعين ، فضلاً عن الخاتمة التي ستتضمن أهم ماسيتم التوصل إليه من نتائج بحث هذا الموضوع ، وأهم ما يمكن تقديمه من توصيات ومقترحات بشأن ذلك.وأخيراً نود إن نبين إن جهدنا هذا شأنه شأن أي جهد علمي آخر ، لا يصل إلى حد الكمال، إذ إن الكمال لله وحده وحسبنا نجتهد في عملنا هذا عسى إن نقترب من الهدف الذي نصبو إليه.

المبحث الاول //مفهـوم تلويث البيئة..
للبحث في أي موضوع بعمومياته وجزئياته ، ينبغي أولاً أن نُبيَّن مفهومه. وتلويثالبيئة هو صورةجديدةمنالجرائم التي تعبرعنمفهومحديثنسبياً ، فلم تكن هذه الجريمةمعروفةلسنواتقليلةخلتسواءمنالناحيةالتشريعيةأوالفقهيةأومنحيث التطبيق القضائي(1). ونظراً لما تمتاز به هذه الجريمة من الخصوصيةوالذاتية ، فإنالأمر يستدعىخضوعهاإلىأحكامخاصةتنطويعلى شئ من الخروجعلى القواعدالعامة(2). وللتعرف على مفهوم هذه الجريمة لابد من التعرض في البداية لمفهوم التلوث لأنه مدار المشكلات البيئية  وكذلك لمفهوم البيئة لأنها محل التلويث ، ولذلك سيتم تقسيم المبحث إلى المطلبين الآتيين :



المطلب الأول // مفهوم التلوث..
يعد التلوث أكثر صور المساس بالبيئة شيوعاً ولدراسة مفهومه سيتم تناول معناه لغةً وإصطلاحاً وذلك في فرعين وكالآتي :
الفرع الأول // المفهوم اللغوي التلوث..
للتعرف على المفهوم اللغوي للتلوث سيتم التطرق اليه في اللغة العربية وفي اللغة الانكليزية:
أولاً // التلوث في اللغة العربية..
ثانياً// المفهوم القانوني للتلوث..
لقد حرص المشرع على تحديد مفهوم التلوث في أغلب التشريعات البيئية لما له من أثار كبيرة على الانسان والبيئة، ومن هذه التشريعات قانون في شان البيئة المصري رقم (4) لسنة 1994 ، إذ  أشارت الفقرة السابعة من المادة الأولى منه إلى أن التلوث هو (( أي تغيير في خواص البيئة مما قد يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالكائنات الحية أو المنشآت أو يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية))(16). وكذلك عرفه قانون حماية البيئة وتنميتها الإماراتي رقم (24) لسنة 1999في المادة الأولى منه والمتعلقة بالتعاريف بأنه ((التلوث الناجم بشكل طبيعي أو غير طبيعي ناتج عن قيام الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر ، إرادي أو غير إرادي، بإدخال أي من الموارد والعوامل الملوثة في عناصر البيئة الطبيعية ، والذي ينشأ من جرائه أي خطر على صحة الإنسان أو الحياة النباتية أو الحيوانية أو أذى للموارد والنظم البيئة))(17).وعرفهالمشرعالليبىفىالمادةالأولىمنقانون في شأنحمايةالبيئة المصري رقم (٧)لسنة1٩٨٢بأنه((حدوثأيةحالةأوظروفينشأعنهتعرضصحة الإنسانأوسلامةالبيئةللخطرنتيجةلتلوثالهواءأومياهالبحرأوالمصادرالمائيةأو التربةأو إختلالتوازنالكائناتالحية،بمافىذلكالضوضاءوالضجيجوالإهتزازات والروائحالكريهةوأيةملوثاتأخرىتكونناتجةعنالأنشطةوالأعمالالتىيمارسها الشخصالطبيعىأوالمعنوى))(18).وعرفه المشرع الجزائري في القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستديمة رقم (03/10) لسنة 2010 في الفقرة التاسعة  من المادة الرابعة منه بأنه (( كلتغيرمباشرأوغيرمباشرللبيئةيتسببفيهكلفعليحدثأوقديحدث وضعيةمضرةبالصحةأوسلامةالإنسان والنباتوالحيوان والهواءوالجووالماءوالأرض والممتلكاتالجماعيةوالفردية))(19).أماقانونفي إنشاءالهيئةالعامةللبيئة الكويتيرقم(٢١) لسنة١٩٩٥ فقد أشار في الفقرة الثامنة من المادة الأولى منه إلى أن التلوث هو) أنيتواجدفيالبيئةأيمنالموادأوالعواملالملوثةبكمياتأوصفاتلمدةزمنيةقدتؤديبطريقمباشرأوغيرمباشروحدهاأوبالتفاعلمعغيرهاإلى الإضراربالصحةالعامةأوالقيامبأعمالوأنشطةقدتؤديإلىتدهورالنظامالبيئيالطبيعيأوتعيقالإستمتاعبالحياةوالإستفادةمنالممتلكاتالخاصةوالعامة)(20) كذلكأتجهالمشرعالسعوديفيذاتالاتجاهالذيإتبعهالمشرعالكويتي21)) ومما تقدم ومنخلالإستقراءالتعريفاتالسابقةنجد أنها ركزت في تحديدها لمفهوم التلوث المعتبر والمجرم قانوناً على فكرة إحداث تغيير سلبي طارئ على البيئة ممثلة بعناصرها (التربة ، الهواء ، الماء) وذلك بإدخال مواد ملوثة في الوسط البيئي  بواسطة عمل إنساني بطريق مباشر أو غير مباشر يؤدي إلى إلحاق أو إحتمال إلحاق الضرر بالبيئة . وعليه نجد إن حمايةكافةالعناصرالبيئية يتطلب أن يكون مفهوم التلوثالقانونيمرنومتطورومتسعليشملكلأنواعوأفعالالتلوث،بمافيذلكما قديسفرعنظهورهالتقدمالعلميوالتطورالتكنولوجي .أما قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 عرف التلوث في الفقرة الثامنة من المادة الثانية بأنه ( وجود أي من الملوثات المؤثرة في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أوغير مباشر إلى الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللاحياتية التي توجد فيها )(22). وقد سبق أن عرف الملوثات البيئية في الفقرة السابعة من المادة ذاتها بأنها (( أية مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو ضوضاء أو إهتزاز أو إشعاعات أو حرارة أو وهج أو ماشابهها أو عوامل أحيائية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى تلوث البيئة))(23). والملاحظأنالمشرع قدتوسعفيمفهومالتلوث،وذلكمنخلال الوصف الفضفاض لمصطلح التلوث بأنهوجودأي من الملوثات. كما إنه لم يشترط حصول التلوث كنتيجة مباشرة لهذه الملوثات بل إكتفى بإعتباره متحققا ًحتى لو أدت إلى حدوثه بصورة غير مباشرة . كما إنه لم يبين إن كان هذا الوجود قد تحقق بنشاط إيجابي أو تحقق نتيجة الإمتناع عن القيام بفعل أوجبه القانون. ومن خلال الإطلاع على نصوص قانون حماية وتحسين البيئة العراقي ، نجد إنه قد واجه حالات التلويث الناجمة عن تدخل نشاط إنساني أو الناجمة عن أنشطة المنشآت والمؤسسات الصناعية وذلك بحضرها وعدها جرائم يوجب القانون المعاقبة عليها . ومع ذلك نرى انه كان على المشرع أن يستخدم لفظ إيجاد أو إحداث أو إدخال وغيرها من الألفاظ التي تدل على القيام بنشاط إيجابي أو سلبي يؤدي إلى تلويث البيئة بفعل الملوثات التي حددت قانوناً ، كما نرى إنه كان على المشرع أن لايكتفي لتحقق حالة التلوث أن تؤدي الملوثات إلى تحقق الضرر بل كان يجب أن يشار أيضاً إلى حالة إحتمال تحقق الضرر بأن ينتج عن هذه الملوثات خطر يهدد الإنسان والكائنات الحية الأخرى والمكونات اللاحياتية . وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن تعريف التلوث هذا هو ذاته الوارد في قانون حماية وتحسين البيئة رقم (3) لسنة 1997 (24)، وكان الأجدر إعادة النظر في صياغته بما يخدم مواجهة آثار التغيرات والتطورات التي شهدها البلد في معظم المجالات وتحديداً حالات تلويث البيئة.

المطلب الثاني // مفهـوم البيئـة..
للتعرف على مفهوم البيئة سيتم التطرق إليه في محورين أساسيين يتمثلان  في تحديد مفهومها لغةً واصطلاحاً  .
الفرع الأول // المفهوم اللغوي للبيئة..
للتعرف على المفهوم اللغوي للبيئة سيتم التطرق اليه في اللغة العربية وفي اللغة الانكليزية ، وكالآتي:

أولاً// البيئة في اللغة العربية..
يرجعأصلالإشتقاقاللغويلكلمةالبيئةإلىالجذر (بَوَأ)والذيأخذمنهالفعل (بَاء) وهذا ما يستشف من قوله تعالى ( وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا )(25)، ويقال(تبوأ)أيحلونزلوأقام، كما في قوله تعالى) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(26) وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ )(27)، وقوله تعالى  )وَأَوْحَيْنَاإِلَىَمُوسَىوَأَخِيِهِأَنْتَبَوَّأَالِقَوْمِكُمَابِمِصْرَبيُوتاً )(28)، والاسم من هذا الفعل هو (البيئة)(29) و(المنزل) كمرادفات.(30)كماأنللبيئة في اللغة العربيةمعانيأخرىمنها (الرجوعوالإعتراف)،فيقالباءبحقه أيرجعوإعترفلهوأقره،ومنهاأيضاً (الثقل)يقالباءبذنبه أيثقل به.(31) كمايعنىبالبيئةأيضاًالحالةأيحالةالتنبؤوهيئته،فيقالباءتبيئةسوءأيبحالسوء(32).ويقال أيضاً عن البيئة أنها المحيط إذ  تعبر عن كل ما يحط بالفرد أو المجتمع ويؤثر فيهما كالبيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية والبيئة الثقافية (33) ونافلة القول أن المعنى اللغوي الشائع للفظة البيئة هو النزول والحلول والإقامة.

ثانياً//البيئة في اللغة الانكليزية..
يطلق على لفظ البيئة في اللغة الإنكليزية (Environment) وتستخدم للدلالة على مجموعة الظروف الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان مثل الهواء والماء والتربة والحيوان وكذلك مجموعة الظروف الإجتماعية المحيطة به ، كما تستخدم للتعبير عن الظروف المؤثرة على النمو والتنمية (34). بعبارة أخرى إنها تشمل كافة الظروف والأشياء المؤثرة والمحيطة بحياة الإنسان(35). وعليه نجد إن معنى لفظ البيئة في اللغة الإنكليزية  يقترب نوعاً ما من معناه في اللغة العربية إن لم يكن يتفق معه.

الفرع الثاني//المفهوم الإصطلاحي للبيئة..
تعددت وجهات النظر في هذا المجال حول بيان معنى مصطلح البيئة ، ذلك لما لهذا المصطلح من إرتباط بالعديد من جوانب النشاط البشري وله إستخداماته المتنوعة في مختلف مجالات الوجود الإنساني (36) ، وبالتالي لا يمكن تجسيد مفهوم جامع ومانع للبيئة بمعزل عن كل ذلك . ولكي يتم تفادي وجود إلتباس في مفهوم البيئة تعين تحديده وفقاً للمفاهيم الأخرىالمرتبطة به . ومما تقدم وبقدر تعلق الأمر بموضوع البحث سيتم الحديث عن المفهوم الإصطلاحي للبيئة من زاويتين هما معنى مصطلح البيئة العلمي ومعناه القانوني .
أولاً//المفهوم العلمي للبيئة..
إذ يرى البعض بأنها تعني)) المحيطالماديالذييعيشفيهالإنسانبمايشملمنماءوهواءوفضاءوتربةوكائناتحيةومنشآتشيدهالإشباعحاجاته ))(37) ، كما قيل بأن البيئة ((الوسطالذييعيشفيهالإنسانوالكائناتالحيةالأخرىويمارسفيهاأنشطتهالمختلفة))(38) أوهي ((الوسطأوالمجالالمكانيالذييعيشفيه الإنسان،بمايتضمنهمنظواهرطبيعيةوبشريةيتأثربهاويؤثرفيها))(39) ، وأيضاً هي ((الإطار الذي يحيا فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته ويمارس فيه علاقته مع بني البشر))(40).كماقيلبأنالبيئةتمثل ((كلمايثيرسلوكالفرد أو الجماعةويؤثرفيه،وكذاهي جملةالمواردالماليةوالإجتماعيةالمتاحةفيوقتماوفىمكانمالإشباعحاجاتالإنسانوتطلعاته))(41).وهي ((الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان مؤثراً ومتأثراً وهذا الوسط قد يتسع ليشمل منطقة كبيرة جداً ، أو يضيق ليتكون من منطقة صغيرة جداً ، قد لا تتعدى رقعة البيت الذي يسكن فيه)).(42)ومما تقدم نجد إن البيئة تشمل مجموعة من العوامل والظروف التي تأثر في الإنسان وتتأثر به ، وهذه العوامل والظروف منها ما هو طبيعي- حياً كان أم غير حي- ومنها ما هو وضعي تمثل  بما أقامه الإنسان  من منشآت لسد إحتياجاته.منهنايمكنالقولأنبيئةالإنسانتنطويعلىنوعينمنالعناصرأولهما العناصرالطبيعيةالتيلادخلللإنسانفيوجودها،لكونوجودهاعلىسطحالأرض سابقاًعلىوجوده،كالماءوالهواءوالتربة ،والثانيالعناصرالمنشأةأوالمضافةالتي نجمتعننشاطالإنسانوإبتكرهابغيةالسيطرةعلىالطبيعة وتلبية إحتياجاته ومتطلباته(43).
ثانياً// المفهوم القانوني للبيئة..
على الرغم من الصعوبات التي تكتنف وتحيط وضع مفهوم محدد للبيئة ، إلا أن الأمر لا يخلو من محاولات تشريعية لتعريف البيئة، بإعتبار أن الوسطالبيئيموضوعاًللحمايةالقانونية ، و بياناًلنطاقتلكالحمايةوتوفيراًللإطار اللازملها(44) ، كان لابد من وجود تعريف قانوني محدد ودقيق للبيئة يتيح معرفة كيفية حمايتها(45) .وقد لوحظ إن وجود مفهوم قانوني للبيئة له أهمية من ناحيتين تتمثل الأولى في التغلب على فكرة تأخر القانون في حماية البيئة ، والثانية تكمن في ضرورة مواكبة التحولات العالمية في مجال القانون .(46)غيرأن تحديدالمفهومالقانونيللبيئةقدتنازعهإتجاهان،أحدهمامضيقأ يجعل البيئة مقتصرةً على العناصر الطبيعية فقط ، والآخر موسعأ يجعلها شاملة للعناصر الطبيعية والمنشأة أيضاً.(47)ومن التشريعات التي سلكت الإتجاه الأول قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (3) لسنة 1997 الملغي إذ عرف البيئة في الفقرة الرابعة من المادة الثانية منه  بأنها ((المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية ))(48) وكذلكقانون حماية البيئة الليبي رقم (15) لسنة 2003، إذ عرف البيئة في المادة الأولى منه بأنها ((المحيط الذييعيشفيهالإنسان وجميعالكائناتالحيةوتشملالهواء والماءوالتربة والغذاء))(49) ، وبالتالي فإنه قصر البيئة على مكوناتها الطبيعية فقط(50)، أما الإتجاه الثاني فقد سلكته أغلب التشريعات البيئية وأولهاالإعلانالصادر عنمؤتمرالبيئةالبشريةالذيعقدفيإستوكهولم بالسويدسنة١٩٧٢، إذ أشار إلى أنها((كلشيءيحيطبالإنسانسواءكانطبيعياًأوبشرياً ))(51)، وكذلك قانون في شأن البيئة المصري رقم (4) لسنة 1994 إذ عرفها في المادة الأولى منه بأنها ((المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وما يقيمه الإنسان من منشآت))(52).أماالمشرعالكويتيفقدعرفالبيئةفيالفقرةالسادسةمنالمادةالأولىمنقانون في إنشاءالهيئةالعامةللبيئة الكويتي رقم٢١لسنة١٩٩٥بأنه ((المحيطالحيويالذييشملالكائنات الحية منإنسانوحيوانونباتوكلمايحيطبهامنهواءوماءوتربةومايحتويهمنمواد صلبةأوسائلةأوغازيةأوإشعاعاتطبيعيةوالمنشآتالثابتةأوالمتحركةالتييقيمها الإنسان))(53)، كذلك عرفت المادة الأولى من قانون حماية البيئة وتنميتها الاماراتي رقم (24) لسنة 1999 البيئة بأنها ((المحيط الذي تتجلى فيه مظاهر الحياة بأشكالها المختلفة ويتكون هذا المحيط من عنصرين:-عنصر طبيعي يضم الكائنات الحية من انسان وحيوان ونبات ، وغيرها من الكائنات الحية وموارد طبيعية من هواء وماء وتربة ومواد عضوية وغير عضوية ، وكذلك الأنظمة الطبيعيةوعنصر غير طبيعي يشمل كل ما أدخله الإنسان إلى البيئة الطبيعية من منشآت ثابتة وطرق وجسور ومطارات ووسائل نقل وما إستحدثه من صناعات ومبتكرات وتقنيات)) . وغير ذلك الكثير من التشريعات البيئية (54) التي حاولت أن تجعل أو جعلت من المدلول القانوني للبيئة واسعاً وشاملاً، سعياً منها إلى تنظيم كل ما يتعلق بها وهدفاً منها إلى شمول كل عناصرها ومفرداتها بأكبر قدر ممكن من الحماية القانونية التي لا تتحقق إلا إذا وقعت تلك العناصر والمفردات تحت نطاق القوانين البيئية المنظمة لها .ولما تقدم يمكن القول إن الإختلافبينهذهالتعاريفيرجعإلىالخلاففيإدخالبعضالعناصرأوعدم إدخالهافيمفهومالبيئة .أما قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 فقد عرف البيئة في الفقرة الخامسة من المادة الثانية منه بأنها ((المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والثقافية)).ويلاحظ على هذا النص إنه قد جاء مقتصداً في عباراته ومفرداته واسعاً وشاملاً في مدلوله فهو قد شمل العناصر الطبيعية وهذا ما يفهم من عبارة (بجميع عناصره) إضافة إلى أنه شمل العناصر غير الطبيعية بإشارته إلى ( التأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان) وبهذا التعريف يكون المشرع البيئي العراقي قد أحرز تقدماً تشريعياً فيمجالالتشريع البيئي بتوسيع نطاق الحماية القانونية للبيئة فأصبحت تشمل العناصر الطبيعية وغير الطبيعية للبيئة بعد أن كانت مقتصرة على عناصرها الطبيعية فقط . ومع ذلك نناشد المشرع بإعادة النظر في صياغة تعريف البيئة بطريقة تجعله أكثر إتضاحاً وشمولية متخذاً من تجارب التشريعات البيئية المقارنة سبيلاً لتحقيق ذلك.ومما تقدم ومن خلال الإطلاع على نصوص قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 يمكن القول أن تلويث البيئة هو( كل سلوك إيجابي أو سلبي سواء أكان عمدياً أو غير عمدي يصدر عن شخص طبيعي أو معنوي من شأنه إيجاد أو أحداث أو إدخال أي من الملوثات المؤثرة في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللاحياتية التي توجد فيها أو تشكل خطر يهدد بحدوث ذلك).

المبحث الثاني//تجريم تلويث البيئـة..
إن التلويث يشكل إعتداءاً على مصلحة يحميها القانون ألا وهي البيئة،إذ ينصرف إليها السلوك الإجرامي بالإعتداءأوالتعريض للخطروالذي يأخذ صورة فعل التلويث أياً كان شكله أومصدره ،وسواء وقع على عنصر من عناصر البيئة الحيوية أو غير الحيوية ،وقد إهتمت التشريعات البيئية في كل الدول -ومنها العراق- في الحدمن هذا الفعل وما ينجم عنه من آثارممتدة وسريعة الإنتشار،وفي هذا الشأن ولإعتبارات تتعلق بالمصلحة الجماعية المعنية بالتجريم يشمل التلويث أفعال الخطر الملموس والخطر المجرد بإعتبارأن الإعتداءعلى البيئة يمثل إعتداءاًعلى حق من الحقوق الأساسية الإنسانية (55)، وللتعرف على سياسة المشرع البيئي العراقي الجنائية في تجريم التلويث لابد من التعرف على أركان جريمة التلويث.والبناء القانوني لهذه الجريمة - وكغيرها من الجرائم – لا يمكن أن يكتمل إلا إذا توافر ركنان أساسيان ، هما الركن المادي والركن المعنوي لذا سيتعرضهذاالمبحثإلىأركانجريمةتلويثالبيئة ، وسيأتي بيانهما بالتفصيل في مطلبين وكما يأتي :

المطلب الأول // الركن المادي..
يعدالركنالماديالنشاطالخارجيالذييقومبهالإنسان،والذييعاقبعليه القانون الجنائي.إذ إنقانونالعقوباتلايعاقبعلىالنوايامهماكانتسيئةإلاإذا تجسدتفيفعل خارجي.ويقومالركنالماديعلىثلاثةعناصرهيالسلوكالإجرامي،والنتيجةالمترتبةعنه، بالإضافةإلىالعلاقةالسببيةبين هذاالسلوكوالنتيجة.

الفرع الأول // السلوك  الإجرامي..
السلوك الإجرامي هوكلحركةأوعدةحركاتعضليةتصدرمن جانبالجانيتؤدي إلى الإضرار بالمصالح المرادحمايتهاأوتعريضهاللخطر(56).وفيجرائم تلويثالبيئةيتحققالسلوكالإجراميفيفعلالتلويث ، ولما كان التلويث يشمل كل تغيير في الصفات الطبيعية أو الكيميائية أو البيولوجية للوسط البيئي المحيط ، بما يسبب تأثيرات ضارة أو خطرة على الحياة البشرية في عناصرها وموجوداتها وأنشطتها، ومع ذلك يمكن أيضاً تصور فعل التلويث من خلال سلوك إجرامي سلبي يتحقق بالإمتناع عن القيام بدور ما من أجل منع التلوث عندما يكون هناك واجب يفرضه القانون ينبغي أداؤه من أجل منع هذا التلوث(57). وهذايعنيأنالتلويثيتحقق بفعلإضافةأوإلقاءأوتسريبمواد ملوثةأوإمتناعيترتبعليهالإضراربأحدعناصرالبيئة.ومن خلال إمعان النظر في قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009  نجد إنه قد جاء مؤيداً لهذه الفكرة فمن خلال تعريف التلوث المشار إليه في المادة (2/ ثامناً) منه يمكن القول إن السلوك الإجرامي في جريمة تلويث البيئة يتحقق بإيجاد أي من الملوثات المؤثرة في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللاحياتية التي توجد فيها وقد بين هذا القانون عند بيانه لإحكام حماية عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة وكائنات حية ما يقصد بفعل إيجاد الملوثات وتحديداً في المواد (14- 18 ،20) إذ أشارت هذه المواد إلى أفعال يمنع القانون من إتيانها لما تؤدي إليه من تلويث في البيئة وعناصرها (58). كما أيد القانون المذكور إمكانية حدوث فعل التلويث بسلوك إجرامي سلبي عندما فرض في المادة (21) منه واجبات يجب على الجهة المعنية القيام بها لمنع التلوث(59).وعليه سيتم دراسة صورتي السلوك الإجرامي هاتين بشيء من التفصيل وكما يأتي:
أولاً// السلوك الايجابي..
يتحققالسلوكالإيجابيفيجرائمتلويثالبيئةبنشاطماديخارجي يصدرعنالجانييخرق به القانون(60)والفعل لا يرقى إلى مرتبة السلوك المكون للركن المادي إلا إذا كان إرادياً، ويمكن القول أن ثمة صلة سببية بين الإرادة و الحركة العضوية، فالأولى سبب الثانية ، وإذا إنتفت هذه الصلة بين الإرادة والحركة العضـــوية ، قيل أن الحــــركة العضـــوية غير إراديــــة ، ويترتب على ذلك إنتفــاء الجريمة قانوناً وإمتنــــاع المسؤولية الجنائية لمن صدرت منه هذه الحركة غير الإرادية ولو أفضت إلى حدوث النتيجة المحظورة قانوناً(61).ومن المهم القول إن إرتكاب جرائم تلويث البيئة غالباً ما يكون بسلوك إيجابي ومن ذلك الإتيان بفعل مخالف لإحكام المادة (14) من قانون حماية وتحسين البيئة كربط او تصريف مجاري الدور إلى شبكات تصريف مياه الأمطار(62)،فيكون مرتكبهذا الفعل قد خالف أحكام الفقرة (ثانياً) من هذه المادة ، ويعد مرتكباً لسلوك إيجابي مكوناً لجريمة يعاقب عليها القانون ومرتباً للمسؤولية الجزائية بحقه.
ثانياً// السلوك السلبي..
يتحقق السلوك السلبي في جرائم تلويث البيئة بإمتناع الشخص عن الإتيان بفعل أو عمل أوجب القانون عليه القيام به ،أي هناك واجب قانوني على الشخص بإتيان الفعل الذي إمتنع عنه(63)، وأن يكون في استطاعة الممتنع عنه إتيانه .وعلى ذلك فالإمتناع كيان قانوني له عناصره التي يقوم عليها ، وعلى هذا الأساس أعطي الإمتناع حكم الفعل في كل جريمة يمكن أن تقع بالإمتناع لأن كل من الفعل والإمتناع سلوك يمكن أن يكون سبباً لإحداث النتيجة، بل إن القانون يعاقب في حالة الإمتناع عن القيام بالتزام قانوني على مجرد الإمتناع دون إشتراط تحقق نتيجة معينة تحدث تغييراً في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي(64).ومن خلال إستقراء قانون حماية وتحسين البيئة العراقي نجد أن المشرع حرص على تضمينه نصوصاً تأمر بإتيان أفعال يرى ضرورة القيام بها حمايةً للبيئة من التلوث، وبالتالي يشكل الإحجام عن إتيانـــــها سلوكاً إجرامياً معاقباً عليه بمقتضى تلك النصوص ، ومن ذلك ما أشارت إليه المادة (21 ) في فقراتها (أولاً، وثانياً، وثالثاً، ورابعاً) من واجبات قانونية تقع على الجهات المعنية بإستكشاف وإستخراج الثروة النفطية والغاز الطبيعي تبعة القيام بها بغية حماية البيئة من التلوث الناجم عن عمليات الإستخراج والإستكشاف (65). فمثلاً إن إمتنعت الجهة المعنية وفقاً لأحكام هذه المادة عن إتخاذ التدابير الكفيلة للحد من الأضرار، والمخاطر التي تترتب عن عمليات الإستكشاف ، والتنقيب عن النفط ، والغاز ، وإتخاذ الإحتياطات والتدابير اللازمة لحماية الأرض، والهواء والماء، والأحواض الجوفية من التلوث والتدمير ، تكون في الحقيقة قد إمتنعت عن القيام بالتزام قانوني نصت عليه الفقرة (أولاً) من المادة (21) وتعد مرتكبة لسلوك سلبي مكوناً لجريمة مادية يعاقب عليها القانون ومرتباً للمسؤولية الجزائية .ونلاحظ في هذا الصدد إن المشرع البيئي العراقي قد توسع في مجال التجريم إذ جرم إمتناع الأشخاص أو الجهات المعنية عن القيام بإلتزامات أو إتخاذ تدابير محددة دون النظر إلى تحقق النتيجة سعياً منه لحماية البيئة من التلوث والوقاية من المخاطر التي قد تهددها ونحن بدورنا نثمنُ هذا السعي من جانب المشرع .

الفرع الثانى // النتيجة الإجرامية..
النتيجة الإجرامية هي الإعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواءأدىهذاالإعتداء إلىالإضراربالمصلحةالمعتدىعليهاأوتهديدهابالخطر(66). أي قد يتخذ الإعتداء إما صورة الضرر أو تعريض المصلحة المحمية للخطر.وبذلك فإن المسؤولية الجزائية في جريمة تلويث البيئة تتحقق فيحالةتحققنتيجةمحددة،كماقدتتحققفي حالةإرتكابالسلوكالمجردعندمايكونمنشأنهتعريضالمصلحةمحلالحمايةللخطر(67) ، دون إشتراط  تحقق الإضرار الفعلي فيها.وعليه يمكن القول إن النتيجة الإجرامية في جرائم تلويث البيئة عادةً ما تتخذ إحدى الصورتين، إذ قد يؤدي السلوك المرتكب إلى إحداث نتيجة إجرامية ضارة أو قد يؤدي إلى إحداث نتيجة إجرامية خطرة وسيتم فيما يأتي بيانها بشيء من التفصيل:

أولاً // النتيجة الضارة..
  تتحقق بعض جرائم تلويث البيئة بإعتبارها من جرائم الضرر بتحقق النتيجة الضارة فيها ، فيشترط المشرع أن يترتب على السلوك الإجرامي فيها تحققنتيجةإجرامية محددة لكي يكتمل ركنها المادي(68)، وقد حدد المشرع البيئي العراقي الضرر البيئي من خلال تعريف التلوث في المادة (2/ ثامناً) إذ جعله شاملاً كل ما قد ترتبه الملوثات المؤثرة في البيئة من أضرار تلحق بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللاحياتية الأخرى التي توجد فيها(69). وبقدر تعلق الأمر بتحديد الضرر البيئي يؤخذ على المشرع البيئي العراقي عدم الإشارة إلى عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة بصورة صريحة ، مقتصراً على الإنسان وغيره من الكائنات الحية عند تحديده للضرر البيئي .علماً إنه قد جعل منها من أهم المفردات الاساسية المشمولة بأحكام حماية البيئة المشار إليها  في الفصل الرابع منه. فالإشارة إليها يجعل التعريف منسجماًمع ما تتضمنه نصوص القانون من معالجة لبعض حالات تلويث عناصر البيئة.
وبالرجوع إلى نص المادة المذكورة نجد إن الضرر البيئي يتصف بما يأتي :
1-            ضرر عام بمعنىأنهقديصيبالإنسانأوأيكائناتحيةأخرىكمايصيب المكونات اللاحياتية التي توجد في البيئة .
2-            الضررالبيئيقديكونضررمباشروقديكونضررغيرمباشر،إذ قدلاتظهر أثارهفوروقوعهولما كانالنصالقانونيهوالأساسفيتحديدالنتيجة الضارة فيجرائمالتلويثنجد أن قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 قد أشار إلى بعض تلك الجرائم التي توصف بأنها جرائم ضرر تبعاً للنتيجة الإجرامية التي إشترط المشرع تحققها فيها، ومن ذلك نذكر ما أشارت إليه المادة (14/سادساً) من قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 بأن تمنع (أي أعمال تؤدي إلى تلوث الموارد المائية السطحية نتيجة إستغلال ضفافها إلا بعد موافقة الجهات المعنية )(70). إذ تقوم جريمة تلويث الموارد المائية السطحية متى ما أدى أي عمل يستغل ضفاف الموارد المائية السطحية بدون موافقة الجهات المعنية إلى الإضرار بها بتلويثها . فلا عقابعلىإرتكابالعملالمحظور، إلاإذاأدىإلىالنتيجة الإجراميةالمنصوصعليهاوالتيتمثلإضراراًبعنصر من العناصرالبيئيةمحلالحمايةالجزائية(71). وكذلك ما نصت عليه المادة (20/أولاً) بأن يُمنع ( رش أو إستخدام مبيدات الآفات أو أي مركبات كيماوية أخرى لإغراض الزراعة أو الصحة العامة أو غير ذلك من الأغراض إلا بعد مراعاة الشروط والضوابط المعتمدة بيئياً وبما يكفل عدم تعرض الإنسان والعناصر البيئية الأخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة آنياً ومستقبلاً لآثارها الضارة )(72). فنجد إن المشرع قد إشترط لقيام جريمة التلويث البيئي برش أو إستخدام المبيدات بدون مراعاة الضوابط المعتمدة بيئياً تحقق النتيجة الضارة المتمثلة بتعرض الإنسان والعناصر البيئية الأخرى للضرر .وكذلك المادة (17/أولاً)، إذ أشارت إلى إنه يمنع ( أي نشاط يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالتربة أو تدهورها أو تلوثها على نحو يؤثر في قدرتها الإنتاجية وعلى السلسلة الغذائية والنواحي الجمالية إلا وفقاً للتشريعات النافذة)(73). فالمشرع وفقاً لهذا النص إشترط لتجريم أي نشاط يمارس على التربة أن ينتج عنه الإضرار بالتربة أو تدهورها أو تلوثها مما يؤثر على قدرتها الإنتاجية وعلى السلسلة الغذائية والنواحي الإجمالية . فلا عقاب إن لم تنتج عن النشاط المرتكب هذه النتيجة الضارة. كذلك المادة (18/ثامناً) فقد أوجب المشرع لتجريم فعل إجراء البحوث الهندسية حصول نتيجة ضارة تتمثل بإلحاق الضرر بالبيئة والأحياء(74) .
ثانياً // النتيجة الخطرة..
تتمثل النتيجةالخطرةفي جرائم تعريض البيئة لخطر التلوث  في النتيجةالضارةالمحتملحدوثهافى المستقبل(75)، فالمشرع في هذه الجرائم يجرم الفعل المرتكب لكونه يشكل تهديداً بتلويث البيئة المحمية قانوناً  أي إن التجريم وارد لمجرد التهديد بالخطر دون إشتراط تحقق الإضرار الفعلي كما هو الحال في جرائم الضرر(76). وقد إعتمد المشرع البيئي العراقي هذا الوصف في جرائم تلويث البيئة إذ يجد المهتم بدراسة جرائم تلويث البيئة إن الغالب منها هو من جرائم التعريض للخطر ونذكر منها – على سبيل المثال لا الحصر- ما ورد في المادة (20/رابعاً) من تجريم فعل إدخال ومرور النفايات الخطرة والإشعاعية من الدول الأخرى إلى الأراضي أوالأجواء أو المجالات البحرية العراقية دون إشعار مسبق و إستحصال الموافقات الرسمية. فنجد إن إرتكاب هذا الفعل يعد كافياً لتحقق جريمة بيئية تتمثل في تعريض البيئة لخطر التلوث وإن لم تترتب عنه نتيجة ضارة فعلاً، ويهدف المشرع البيئي العراقي من خلال هذا النص إلى الوقاية من الأخطار المتوقعة التي قد يسببها إرتكاب فعل الإدخال والمرور لهذه المواد الملوثة دون إشعار مسبق وإستحصال الموافقات الرسمية دون إنتظار وصول الأمر إلى مرحلة حدوث الضرر المترتب عنه . وفي ذلك تعزيز للوظيفة الوقائية للقانون الجنائي(77).مما تقدم يمكن القول أن المشرع البيئي العراقي بتجريمه لهذا النوع من الجرائم قد أوجد حلاً للعديد من الإشكاليات القانونية التي قد تثار بصدد بعض جرائم تلويث البيئة بسبب صعوبة إثبات الضرر البيئي فيها أو إن مصدره غير محدد بدقة عند تعدد مصادر التلويث، سعياً منه لمواجهة وتفادي أثار التلوث على العناصر البيئية محل الحماية القانونية ، فبمسلكه هذا يكون قد تغلب على صعوبة إثبات العلاقة السببية بين فعل التلويث المرتكب والنتيجة الإجرامية المتوقعة الحصول كما هو الحال في التلويث بعيد المدى(78)مما يترتب عليه سهولة إثبات المسؤولية الجزائية عن إرتكاب فعل التلويث دون الحاجة لتحقق النتيجة كشرط لإكتمال الركن المادي في الجريمة (79). مما يوفر أكبر قدر ممكن من الحماية الجزائية البيئية خاصة وإن العديد من هذه الجرائم يسبب خسائر هائلة يصعب على الإنسان تداركها.(80) 

الفرع الثالث // العلاقة السببية..
ويقصد بها تلك الرابطة التي تصل بين سلوك الجاني وبين النتيجة الإجرامية ، وهي بهذا الوصف تعد عنصراً جوهرياً في الركن المادي للجريمة فإن إنتفت هذه العلاقة لا يمكن مساءلة الجاني عن جريمة تامة  وإنما تقف مسؤوليته عند حد الشروع إذا توافر لديه القصد الجرمي ، ولا يمكن مساءلته على الإطلاق عند تخلف هذا القصد(81).وفيما يتعلق بجرائم تلويث البيئة فالعلاقة السببية تجد لها تطبيقياً واضحاً في جرائم الضرر التي يتطلب فيها المشرع تحقق نتيجة ضارة بالبيئة ، إذ لا بد من توفر علاقة سببية بين السلوك الإجرامي الملوث والنتيجة الإجرامية الضارة. أما في جرائم التعريض للخطر تقوم الجريمة بمجرد تحقق السلوك الإجرامي المتمثل في تعريض حق محمي قانوناً لخطر التلوث دون حدوث نتيجة ضارة.(82)ويذهب البعض إلى القول بتوافر الفاعلية السببية للسلوك المكون لجريمة  تعريض البيئة لخطر التلويث ، إذ إن النتيجة المادية وإن لم تتحقق فعلاً ، إلا إن هناك حالة خطر ناشئة عن السلوك الذي يهدد حقاً يحميه القانون ويجعل الإضرار به محتملاً ، ويعد ذلك محققاً لنتيجة قانونية، فتعريض العنصر البيئي الذي يحميه القانون للخطر يعد نتيجة قانونية للسلوك المحظور أو المجرم(83).وعموماً فإنه قد يصعب في جرائم تلويث البيئة تحديد السبب الذي أدى إلى تحقيق النتيجة الإجرامية عندما يتأخر تحققها فيحصل في مكان وزمان مختلف عن زمان ومكان تحقق السلوك الإجرامي ، مما قد يؤدي إلى تدخل عدة أسباب في تحققها.وقدإختلف الفقه الجنائيفي تحديدمعاييرلحل هذهالإشكاليةوظهرتعدة نظريات في هذا الخصوص وهي كالآتي:
أولاً//نظريةالسببالفعال..
وبمقتضى هذه النظرية تتحقق العلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة الإجرامية في جريمة تلويث البيئة إذا كان ذلك السلوك هو السبب الأقوى أو الفعال في إحداثها، وتعد باقي العوامل التي تضافرت مع هذا السلوك مجرد ظروف ساعدت في إحداث النتيجة سواء كانت سابقة على الفعل أو لاحقة عليه، وذلك لكفاية سلوك الجاني بذاته لإحداث هذه النتيجة(84).ويؤخذ على هذه النظرية أنها تؤدي إلى حصر سبب النتيجة في عامل واحد مما يعنى إستبعاد تعدد الجناة في الجريمة الواحدة ، وهو ما يعني مخالفة أحكام القانون(85) ، وأنتقدتأيضاً لصعوبةتحديدالسببالفعالالذيأدىإلىإحداث النتيجة.(86)
ثانيا//نظريةتعادل الأسباب..
فيهذهالنظريةتتعادلجميعالأسبابالمؤديةإلىتحققالنتيجة ، إذ تكونمتساويةفيإحداثالنتيجة (87). وعلى هذا الأساس يكون فعل الجاني سبباً لحدوث النتيجة الإجرامية في جريمة تلويث البيئة إذا ساهم في إحداثها وإن ساهمت معه عوامل أخرى سواء كانت مألوفة أو شاذة وسواء كانت أفعال إنسانية أو عوامل طبيعية(88).وإنتقدتهذهالنظرية، لأنها تؤدى إلى توسع غير مقبول في العلاقة السببية ، إذ تحمل الجاني نتائج العوامل الأخرى التي ساهمت إلى جانب فعله في إحداث النتيجة ولو كان فعله ضئيل الأهمية وفي ذلك مجافاةللعدالة(89)، وكذلك تتسم تلك النظرية بالتناقض مع نفسها بإختيارها فعل الجاني من بين الأسباب التي ساهمت في إحداث النتيجة وتحمله عبء حدوث النتيجة في الوقت الذي تقر فيه بتعادل الأسباب وتكافؤها في إحداثها(90) .

ثالثاً// نظريةالسببيةالملائمة..
وبمقتضى هذه النظرية يعد نشاط الجاني سبباً لتحقق النتيجة الإجرامية في جريمة تلويث البيئة ، إذا تبين أنه صالحاً وكافياً لوحده لإحداثها وفقاً للمجرى العادي للأمور حتى ولو ساهمت معه في إحداثها عوامل أخرى سابقة عليه أو معاصرة له أو لاحقة له، مادامت هذه العوامل مألوفة ومتوقعة بمعيار توقع الشخص العادي.ويجبإستبعادكافةالأسبابالشاذةالتيلاتؤديفيالعادةإلىإحداثالنتيجة.لأنها تودي إلى إنتفاء العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية ويقف هذا الفعل عند حد الشروع إن توفر القصد بينما يتحمل السبب الشاذ تبعة النتيجة الإجرامية.(91)وبالرجوع إلى قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ، نجد إنه قد عالج معيار تحقق أو إنعدام العلاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية في المادة (29) منه ، إذ أشارت إلى أنه (لايسأل الشخص عن جريمة لم تكن نتيجة لسلوكه الإجرامي لكنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد ساهم مع سلوكه الإجرامي في إحداثها سبب آخر سابق أو معاصر أو لاحق ولو كان يجهله .2- أما إذا كان السبب وحده كافياً لإحداث نتيجة الجريمة فلا يسأل الفاعل في هذه الحالة إلا عن الفعل الذي إرتكبه)(92).ويتضح من هذا النص إن المشرع العراقي قد وضع معيار خاص مفاده السبب الكافي لإحداث النتيجة . وتطبيقاً لذلك يسأل الفاعل عن الجريمة حتى ولو ساهم مع فعله عوامل سابقة أو معاصرة أو لاحقة ، ما لم يكن السبب الأجنبي لوحده كافياً لإحداث النتيجة. (93)

الخطة الاسبوعية للصف ثالث  Cمن 17/2  إلى   2/21
الاحد
لغتي     اتصالات  - نشاطات التهئيه  التقييم مستمر في الدرس السابق بشكل يومي
رياضيات الضرب في 7 **الواجب/ ص35      
اسريه    اسبوع النظافه     
Sciences  Revision 
E+E           
الاثنين
فقه       شروط الصلاه 1  
قران     سورة القلم من 1 – 15 + سورة المرسلات من 1 – 7     
لغتي + لغتي       نص الاستماع     
توحيد    صوم رمضان     
اسريه    اسبوع النظافه     
رياضيات اختبار منتصف الفصل      
                  
الثلاثاء
لغتي     الانشوده صديقة الحاسوب حفظ 4 ابيات الاولى  
قران     تقييم سورة القلم من 1 – 15 
رياضيات         
فنــــيه  +  فنــــيه  (كراسة – مريله - الكتاب )
E+E           
الاربعاء
علوم     تابع المخلوقات الحيه تغير بيئاتها      
لغتي     اجهزة الاتصال الحديثه + اجيب + كتابة الدرس بالملزمه  
رياضيات         
+ تقييم  سورة المرسلات من 1 – 7  
حاسب   تابع الرسام ** الواجب / س1-2 ص39
اسريه    اسبوع النظافه     
نشاط             
الخميس
رياضيات         
علوم     تغيرات تؤثر في المخلوقات الحيه     
لغتي     انمي  لغتي + أقرأ والاحظ  + استخرج         
قران     تقييم سورة القلم من 16- 30 + سورة المرسلات 8 – 14

Post a Comment

Previous Post Next Post