الادراك البيئي :-
       لكي نحصل على صورة واضحة لعملية الادراك البيئي
-        يجب ان نفهم مفهوم البيئة التي تزودنا بمعلومات تفوق في وفرتها القدر الذي يلزمنا لادراك الاشياء الموجودة فيها والعلاقات المكانية القائمة بينها كما انها محيطة بنا ولايوجد شيء او فرد ما يمكن عزلهُعنها او اعتبارهُ بعيداًعنها ... من هذا المنطلق لايتم إدراك البيئة كحدث مستقل بذاته انما جزءاً من الموقف الذي يحدث فيه.
-       يرتبط ادراك البيئة بدينامية نظام البيئة ذات المكونات المتفاعلة سواء أكانت تلك المكونات:
‌أ.       فيزيقية ... كعناصر طبيعية مثل الانهار والبحيرات والحرارة والرطوبة ... الخ. أو كعناصر مشيدة من قبل الانسان. مثل المباني والاصرفة والشوارع والحدائق... الخ.
‌ب. اجتماعية ... وتشمل الافراد او المدركين وصفاتهم وسلوكهم والعلاقات بينهم.
‌ج.   ثقافية... مؤسسة كالقوانين والسياسات والاديان والاحكام... الخ.
       وهذه المكونات البيئية ليست مستقلة عن بعضها بل هي متعاونة فيما بينها وأي تغيير يحدث في احداها ينتقل الى الاخرى بدرجات متفاوتة... مثلاً المواطن الذي تضرر من جرّاء فيضان ما (مكون فيزيقي او مادي) قد يساعدهُ اصدقاؤهُ وجيرانهُ (مكون اجتماعي)، كما يتأثر بعد ذلك بحضور حكومة دولتهِ التي تبادر للسيطرة على الفيضان وآثارهِ (مكون ثقافي – مؤسسي).
·       ان خبرة الفرد وسلوكه وهو كأحد مكونات هذه البيئة يؤثر بأستمرار على مكوناتها الاخرى.
·       وقد اشارت بعض البحوث الى ان مشاعرنا وافعالنا وحالتنا الصحية تتأثر بالعالم المحيط بنا كما ان سلوكنا القصير والبعيد المدى يؤثر بدوره على هذا العالم.
·       بشكل واقعي فإننا نغير البيئة بإدراكنا لها ... فالبيئة التي نعرفها هي نتاج ادراكنا لها وليست البيئة هي المتسببة فقط في هذا الإدراك.
يُعرّف أصحاب منظور العلاقات الدينامية المتبادلة مثل اتيلسون وآخرون 1974 الادراك البيئي :- هو العملية التي يقوم بواسطتها فرد معين ويسمى المدرك الفعّال باضفاء المغزى والمعنى على الموقف البيئي المباشر الموجود بهِ منظماً إياهُ ومفسراً له في ضوء ما جمعهُ من معلومات بتأثير تركيبة توقعاتهُ الناشئة من سياق هذا الموقف ومن خبراته السابقة وحاجاته واهدافه ودوافعهُ وانفعالاتهُ.
دور المدرك في الادراك البيئي:-
1- للمدرك القدرة على التمييز الكيفي لمكونات البيئة فكثير من المعلومات المتاحة تصبح هامشية بالنسبة لهُ بينما يهتم ببعضها الآخر وهي الهامة او الرئيسية بالنسبة لهُ. فالانسان قادر على اختيار معلوماته من خلال ما يهتم به ويسعى لتحقيقهُ ويتفق مع توقعاته ومعتقداته... وفي الوقت نفسه يكون الفرد المدرك معنياًبكلية المعلومات ووحدتها فهي موجودة سواء ارادها او اهتم بها ام لا... مهمة كانت او عديمة الاهمية... ولاتقتصر قدرة الفرد على التمييز الكيفي بل ان في قدرته تعلم انواع التداخلات التي يمكنه احداثها والتنبوء بالنتائج المترتبة والممكنة الحدوث لافعاله الآتية... ويستفيد المدرك من التغذية المرتدة البيئية في علاقتها باهدافهِ وتوقعاته وحاجاته ... وعندها يتم تعديل مسارات افعالهُ.
       ومثال على ذلك... ما نقوم به من استصلاح وزراعة بعض الاماكن الصحراوية او تحويل مجرى الانهار وإقامة السدود والخزانات والبحيرات الاصطناعية... الخ والشكل التالي يوضح هذا الاسهام المتبادل.
البيئة
دور المدرك نحو اسهام المعلومات البيئية:
- يختلف ادراك البيئة باختلاف الافراد المدركين لنفس البيئة تبعاً لخبراتهم المتنوعة واهدافهم وتركيباتهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية لانهم يستخرجون معلومات متشابهة كما ان البيئات المختلفة تمنحهم انواعاً متعددة من المعلومات... وتبدو هذه الفروق جلية بين السائح لبيئة ما فادراكه يكون منصباً على الجانب الجمالي وايضاً على اوجه القصور الموجودة فيها اما المقيم فان ادراكهُ يكون معقداً الذي يعد مطلعاً على امور بيئتهِ كما ان جوانب القصور والعيوب لم تعد مرئية لهُ او متكيف معها.
ادراك وتقييم البيئة :
اولاً / ادراك المسافة والحجم والموقع.
ثانياً/ ادراك الحركة والتعود والتغيير.
ثالثاً / ادراك المخاطر الطبيعية.
اولاً / ادراك المسافة والحجم والموقع:
* اذا كنت تقرأ كتاباً عن الاحساس والادراك ربما ستجد انه يوضح الادراك عن طريق التعامل مع كل شكل من اشكال الاحساس بصورة منفصلة ... فادراك الموقع على سبيل المثال قد يتم التعامل معهُ بصورة مستقلة من حيث البصر والسمع واللمس.
* ان علم النفس البيئي يأخذ منظور خاص فيما يتعلق بالادراك البيئي... فبالرغم من ان كل عضو حسي يتحسس لشكل مختلف عن الآخر للطاقة (على سبيل المثال العيون للضوء، والاذن للصوت) نجد ان الادراك البيئي يمكن تناولهبأفضل صورة عن طريق الاخذ بنظر الاعتبار لحل مشاكل الاحساس في وقت واحد.
*  وقد شعر علماء علم النفس البيئي انه من الافضل النظر الى الصورة ككل من اجل فهم الادراك البيئي... لكن هذا لايعني ان عزل او فصل كل شكل من اشكال الاحساس لاجل الدراسة هو اسلوب غير صادق في الوصول الى الفهم.
*  ان ادراك الحجم والموقع مرتبط بادراك المسافة او العمق ويعتقد ان ادراك المسافة او العمق هو عنصر حاسم في الادراك البيئي.
1- المسافة:
       كيف تخبرنا اشكال الاحساس المختلفة المسافة عن شيء ما؟
-       بالنسبة للافراد المبصرين ربما البصر هو الحاسة الاكثر اهمية في ادراك المسافة. وتتطلب بعض رموز المسافة البصرية استخدام كلا العينين وتسمى ثنائية العين... وتتطلباخرى عين واحدة فقط وتسمى احادية العين.
-       وهناك مسافة اخرى ثنائية العين تتعلق بالتباين او التفاوت الخاص بشبكية العين... بمعنى ان اية درجة تكون الصورة في كل شبيكية مختلفة عن الاخرى.
-       بصورة عامة كلما كان التفاوت اكبر كلما ادرك الفرد العمق من خلال منظارها.
-       من خلال التباين او التفاوت الشبكي تُمكننا (اداة الاستيريو سكوب... وهو اداة بصرية تبدي الصور مجسمة للعين)... ان ترى العمق بحيث ترى كل عين صورة مختلفة قليلاً.
2- الحجم :
       يمكن ان نكتشف حجم الاشياء في البيئة من خلال عدة اشكال من الاحساس... فلاشياء الكبيرة تأخذ حيز اكبر في الشبكية من الاشياء الصغيرة التي هي على نفس البعد... كذلك تحتفظ الاشياء الكبيرة بمنظور خطي بصورة افضل من الاشياء الصغيرة على بعد مسافة.
-       من حيث السمع تعكس الاشياء الكبيرة اصوات اكثر من الاشياء الصغيرة على المسافة نفسها.
-       اذا ما لمسنا الاشياء نجد ان الاشياء الكبيرة تثير اعضاء حس مستقبلة متحسسة للضغط في الجلد اكثر من الاشياء الصغيرة.
3- الموقع :
       يتم ادراك موقع الاشياء باسلوب مشابه جدا لادراك المسافة او العمق
- ويجب ان تعد المسافة على انها بُعد من ابعاد الموقع فعلياً.
- اما البعد الآخر للموقع فهو الاتجاه... على سبيل المثال (يمين ويسار فوق وتحت وهكذا) ويتم ادراك الاتجاه بطريقة مشابهة جداً لادراك المسافة ما عدا تحويل او توجيه المستقبلات الحسية نحو الشيء يساعدني اتجاههُ نحونا.
- المستقبلات الجلدية ماهرة جداً في اكتشاف الاتجاه نحو الجسم ... بمعنى ما اذا كان الشيء يؤثر على الجانب الايمن او الايسر على الذراع او الساق وهكذا.
يتم اكتشاف اتجاه الاشياء البعيدة عن الجسم في المقام الاول من خلال البصر والسمع والشم على سبيل المثال... الاشياء في المجال البصري الايسر يتم اكتشافها عن طريق الجانب الايمن من الشبكية وتسقط صورها في الجانب الايمن من الدماغ.
- اما بالنسبة للسمع فتستقبل الاذنان الموجات الصوتية يميناً ويساراً بأوقات مختلفة بصورة طفيفة .
- الاصوات على اليسار يتم سماعها بصورة اسرع من قبل الاذن اليسرى مما من قبل الاذن اليمنى.
- الاشخاص المصابين بالصمم بأذن واحدة ليسوا ماهرين في اكتشاف موقع الاصوات ولكن يمكنهم فعل ذلك عن طريق ادارة الرأس الى ان يصبح الصوت أعلى وبهذا تكون الاذن في اتجاه مصدر الصوت.
- بصورة مشابهة لذلك يمكننا تحديد مصد الروائح بإدارة الرأس الى ان نحصل على رائحة أقوى.

ثانياً/ ادراك الحركة والتعود والتغيير:
       اذا ما اخترنا الزمن بنظر الاعتبار كتغير في الادراك البيئي تنشأ ثلاث ظواهر مهمة هي: ادراك الحركة، ادراك التعود والتكيف وادراك التغير.
1- ادراك الحركة:-
       على مستوى المُستقبل الحسي يُثار ادراك الحركة بواسطة التنبيه المتتابع للمستقبلات الحسية المتجاورة.
-       بمعنى نشعر ان البعض يسير على جلدنا لانه يثير سلسلة من المستقبلات المتحسسة للضغط وترى الحركة... لان مثيرات حسية مختلفة في الشبكية تتم إثارتها عبر الزمن والشيء المتحرك يعبر مجالنا البصري.
-       نلاحظ ان اتجاه الاصوات يتم اكتشافهُ من خلال اوقات الوصول المختلفة قليلاً للصوتالى الاذن او من خلال شدة الاصوات المختلفة قليلاً بالنسبة للاذنين.
-       عندما يصدر الشيء او يعكس صوتاً ويعبر مجالنا السمعي... فإن هذه الاوقات المختلفة والشدة المختلفة تتغير ولذلك نكتشف الحركة.
2- ادراك التعود والتكيف:-
       ماذا يحدث اذا لم يتغير مثير قابل للادراك عبر الزمن؟ يتضمن الجواب ما يعرف بالتعود أو التكيف :
-       فإذا كان المثيرُ ثابتاً فإن الاستجابة له تصبح اضعف واضعف عبر الزمن.... وتميل تفسيرات التكيف والتعود لان تكون اما معرفية او فيزيولوجية ولذلك يكون هناك تميز بين الاثنين حيث يشير التعود الى عمليةفيزيولوجية ويشير التكيف الى عملية معرفية.
-       تؤكد التفسيرات فيزيولوجية للتعود على فكرة ان المستقبلات الحسية اقل استحقاقاً للانتباه بعد التقديم المتكرر... على سبيل المثال في المرة الاولى التي نسمع فيها ضوضاء عالية فإننا نعطيها انتباه كبير لنعرف ما هي ولكي نحدد ما اذا كانت مصدر محتمل للتهديد... وعندما تعرف انها سيارة او قطار مثلاً فاننا ربما نقيمها على انها غير مهددة لنا. ولذا ننتبه لها بالمرات القادمة بدرجة أقل.
-       هناك عامل مهم في التكيف هو (القدرة على التنبؤ او انتظام المثير)... فقد يكون من الصعب جداً التكيف للضوضاء غير المنتظمة مثلاً كثقب الصخور او رائحة الدخان. حيث ان الظهور المفاجيء للضوضاء او للروائح التي تأتي على فترات منتظمة او قابلة للتنبؤ يكون التكيف لهُ أسهل من المثيرات غير القابلة للتنبؤ واكثر صعوبة في التكيف لها من المثيرات الثابتة.
-       فعندما نتكيف لمثير ما ويتوقف هذا المثير... على سبيل المثال الفترات بين توقف وظهور الضوضاء فإن تكيفنا للمثير سيشتته... علاوة على ان المثيرات غير القابلة للتنبؤ تتطلب انتباه اكثر فيما يخصص لتقييم المثيرات ما اذا كانت مهددة او غير مهددة... لذا تعد القدرة على التنبؤ متغير مهم في عملية التكيف.
3- ادراك التغيير:-
       في اي وقت يطلب منا ان نغير اسلوب حياتنا من ؟؟؟؟ الحفاظ على البيئة ستكون هناك مقاومة لذلك:
-       لكن ماذا لو كان التغيير في اسلوب الحياة صغير جداًبحيث لاتتم ملاحظته؟ عندئذ يتمكن الفرد من اجراء تغييرات دقيقة ولها تأثير كبير على البيئة... بمعنى اذا كان التغيير القابل للادراك صغير سيكون الفرد اقل مقاومة لهُ مما لو كان كبيراً.
-       علاوة على ذلك فان التغيير السريع يكون اكتشافهُ اكثر سهولة من التغيير البطيء مثال الحالة الاولى الاحتراق، ومثال الحالة الثانية النمو.
ولسوء الحظ فإن الضرر القابل للمقارنة الذي يحدث ببطء على سبيل المثال، (عندما يقتل التلوث القادم من المدن القريبة الاشجار والمزروعات) مكون أقل قابلية للملاحظة ، هذا التمييز بين السريع والبطيء يصبح اكثر اهمية في ادراك الخطر.
التأثيرات الاجتماعية والثقافية على الادراك البيئي:-
-       تلعب الخبرة والتعلم دوراً في تنظيم ادراكات الفرد... فمن اجل الحصول على ادراك دقيق للموقع الجغرافي مثلاً... يجب معرفة شيئاً ما عن الجغرافية المحلية.
بما ان العوامل الاجتماعية والثقافية كالتعرض للتصميمات الهندسية الحديثة تؤثر على ما يتعلمهُ الفرد وعند توفر فرصة المرور بها، فإن مثل هذه العوامل تؤثر على كيفية تعلم الفرد لادراك البيئة

Post a Comment

Previous Post Next Post