الكويكبات
         الكويكبات asteroids أجرام صغيرة، صخرية عادة تدور حول الشمس. يقطن معظمها ضمن الطوق الكويكبي، وهو منطقة تقع بين مداري المريخ والمشتري وتبعد عن الشمس بحوالي 2 إلى 4 واحدات فلكية، ويعود اكتشاف أول جمهرة من هذه الأجرام إلى غيوسيب بيازي Piazzi عام 1810 أثناء بحثه عن "الكوكب المفقود" الذي توقع وجوده على بعد 2.8 وحدة فلكية من الشمس بمقتضى قانون بود. وقد أطلق على النجم الذي اكتشفه اسم سيريز Ceres تمجيداً لإلهة وطنه صقلية. وتلا ذلك العثور على آلاف الكويكبات إلا أن سيريز بقي أكبرها. وعلى الرغم من العدد الكبير من الكويكبات فإن مجموع كتلتها صغير جدا قد لا يصل 1/1000 من كتلة الأرض.

أحجام الكويكبات وأشكالها
         يصعب قياس أقطار الكويكبات لأن جميعها صغيرة جدا بحيث تبدو من خلال التلسكوبات الأرضية وكأنها نقاط ضوء، أضف إلى ذلك أن كمية الضوء المنعكسة من كويكب ما لا تكفي لمعرفة حجمه لأن درجة سطوع جرم كبير ضعيف العاكسية تبدو للناظر مساوية لدرجة سطوع جرم صغير ذوي عاكسية عالية. ولهذا السبب فإن الإشعاعات تحت الحمراء هي أفضل طريقة لقياس قطر الكويكب، إذ تطلق الأجسام الكبيرة إشعاعات تحت حمراء أكثر من الأجسام الصغيرة عند تماثل درجة الحرارة. فمن خلال تلك القياسات وجد العلماء أن الكويكبات تتفاوت كثيرا في قياس أقطارها بدءا من سيريز الذي يبلغ قطره حوالي 1000 كم (أي أقل من 1/10 قطر الأرض) وانتهاء بأجرام لا يتعدى قطرها كيلو مترا واحد وحتى أقل من ذلك. فمثلا، يبلغ قطر الكويكب الصغير BA 1991 الذي اقترب لمسافة 170000كم من الأرض (أي أقل من نصف المسافة إلى القمر) في شهر كانون الثاني عام 1991 أقل من تسعة أمتار.
         إن معظم الكويكبات ذات أشكال غير منتظمة مثل الكويكب غاسبرا والذي التقطت صورته مركبة الفضاء غاليلو أثناء رحلتها إلى كوكب المشتري، وهناك مثال آخر هو كويكب توتاتيس Toutatis الذي له شكل قطعتين منفصلتين قطرهما حوالي  4كم و2.5كم (حوالي 2.5 و 1.6ميل) مرتبطتين بفعل جاذبيتهما الضعيفة. وقد التقط الفلكيون صورة لهذا الكويكب بواسطة الرادار، عندما مر على بعد 3.5 مليون كيلومتر من الأرض.       وليس من بين الكويكبات سوى سيريز وبضعة كويكبات أخرى كبيرة هي ذات أشكال كروية تقريباً، لأن القوى الثقالية في هذه الأجرام الأكبر مرتفعة جدا بدرجة تكفي لسحق موادها، وإكسابها الشكل الكروي. أما في الأجرام الصغيرة فقوة الثقالة فيها ضعيفة لذلك تبقى غير منتظمة الشكل إضافة إلى أن الاصطدامات التي تتعرض لها هذه الكويكبات تدمر أجزاء منها وتجعلها كثيرة الحفر وتصبح الشظايا المنفصلة عنها كويكبات صغيرة بحد ذاتها.
وإذا كان الفلكيون لا يستطيعون التقاط صور مباشرة لمعظم الكويكبات فإنهم يستطيعون مع ذلك استنتاج أشكالها من خلال سطوع ضوء الشمس المنعكس عن سطحها، ومن خلال الإشعاعات تحت الحمراء التي تطلقها كذلك. ولدى دوران كويكب غير منتظم الشكل حول الشمس فإننا نرى نهايته الصغيرة تارة ونهايته الكبيرة تارة أخرى الأمر الذي يغير السطوع المنعكس عنه. أما الأجرام الكبيرة ذات الأشكال شبه الكروية فلا تبدى مثل تلك التموجات أثناء دورانها.

تركيب الكويكبات
         عندما يسقط ضوء الشمس على كويكب ما فإن المعادن الموجودة على سطحه تولد ملامح امتصاص في طيف الضوء المنعكس والذي نستطيع من خلاله تحديد وتركيب الكويكب. وتدل تلك الأطياف على أن الكويكبات تنتمي إلى ثلاث مجموعات رئيسية مماثلة لتركيب الأحجار النيزكية وهي: الأجسام الكربونية والأجسام السيليكاتية والأجسام المعدنية (حديد ونيكل) ولا تختلط هذه المجموعات مع بعضها بشكل عشوائي في كافة أرجاء الطوق الكويكبي، فكويكبات الطوق الداخلية غنية بالسيليكات في حين أن كويكبات الطوق الخارجية غنية بالكربون.

منشأ الكويكبات
         إن ما درسناه حتى الآن من خصائص الكويكبات (تركيبها وأحجامها ومكانها بين المريخ والمشترى) يعد بمنزلة معالم تقود إلى معرفة منشئها ويعزز فرضية السديم الشمسي في منشأ المنظومة الشمسية. وقد تقدم لنا أن الكويكبات هي على الأرجح شظايا نوى كوكبية، وهي الأجرام التي تكونت منها الكواكب فيما بعد.
         تقضي فرضية السديم الشمسي بأن تركيب الأجرام التي تكثفت داخل الطوق الكويكبي يختلف عن تركيب تلك التي تكثفت خارجة. فالطوق الداخلي بحكم حرارته أغنى بالسيليكات والمواد الحديدية (وهي مواد سهلة التكثف) ويحتوي على كميات أقل من المواد الغنية بالكربون (التي يصعب تكثفها) وهذا ما يلاحظ فعلا.
         وقد يتراءى للوهلة الأولى أن وجود كويكبات حجرية وحديدية دليل على عدم صحة فرضية السديم الشمسي، إذ كيف يمكن لكتلة دوامة من الغاز والغبار أن تنفصل لتكون أجساما بعضها صخري وبعضها حديدي؟ إن مثل عملية الانفصال هذه لتشبه تفكك قطعة من الكعك إلى مكوناته من البيض والدقيق والسكر واللبن بمجرد رجها. على أننا عرفنا في الفصل الثالث أن فصل العناصر الكيميائية بعضها عن بعض ممكن بعملية التفريق أو الفصل differentiation ويعتقد علماء الفلك أن قشرة الأرض الصخرية ولبها الحديدي قد تكونا نتيجة الأنصهار بحيث غاز الحديد فيما بعد إلى اللب على حين طفا الصخر، الأخف إلى السطح كذلك انفصلت الكويكبات ويبدو أن بعضها قد انتابته اندفاعات بركانية وهي نشاطات مع أنها اليوم هاجعة منذ زمن طويل يستدل عليها من دراسة الأطياف التي تظهر وجود البازلت وهو صخر بركاني. يعد الانفصال سبب التصادم مع الكويكبات المجاورة تفتت معظم الأجسام الكبيرة وإن ما نراه اليوم ليس إلا الشظايا التي تنتج عن حوادث التصادم تلك فتصبح أجزاء القشرة كويكبات حجرية، في حين تصبح الأجزاء الداخلية كويكبات حديدية. ولكن لكي نفصل جسما ما يجب أن يكون كبيرا جدا بحيث ينصهر بالحرارة المتحررة بداخله نتيجة النشاط الإشعاعي. وهكذا فإن وجود كويكبات حجرية وأخرى حديدية دليل قوي على أن النظام الشمسي البدائي قد احتوى على أجرام متوسطة الحجم أي نوى كواكب.
         تفيد فرضية السديم الشمسي في تقديم تفسير لتمركز الكويكبات بين المريخ والمشترى إذ يتعين على كل كوكب صغير هناك أن يتنافس في المادة مع كوكب المشترى ذي الثقالة التي من شأنها أن تسبب اضطرابا في عملية التنامي accretion وتحول دون نمو الكوكب.


الكويكبات غير الاعتيادية
         يؤثر المشتري حتى اليوم في طرق الكويكبات ويبين الشكل إحصاء جزئياً لعدد الكويكبات الموجودة ضمن الطوق وبعدها عن الشمس. ويمكن رؤية فجوة واضحة على بعد 2.5 واحد فلكية، ولكن التركيز يزداد على بعض 3.4 و 4.0 وحدة فلكية. أما المناطق التي تبدو فارغة في طرق الكويكبات فتسمى فجوات كيرك وود Kirkwood gaps التي تولدها العملية نفسها التي تولد الفجوات في حلقات كوكب زحل، وهي قوى ثقالية لجرم بعيد. فأقمار زحل (ولا سيما ميماس) هي التي تحدث الفجوات في حلقاته كما يحدث المشتري فجوات كيرك وود، فإذا كان لكويكب ما دور مداري يساوي دور المشتري (إذا ضرب بعدد صحيح) فإن الكويكب يصبح عرضة لقوة تراكمية تجعله ينزاح إلى مدار جديد. ويرجع سبب حدوث الفجوة التي تبعد 2.5 واحدة فلكية إلى أن الدور المداري لكويكب عند ذلك البعد ووفقا لقانون كلبر الثالث يكون مساويا لثلث الدور المداري للمشتري. وهذا يعني أن الكويكب عند كل دورة ثالثة له حول الشمس سيتلقى قوة الشد نفسها من المشتري. وبمرور الزمن ينزاح الكويكب نحو مدار جديد مخلفا فجوة. هذا ولا تتواجد جميع الكويكبات في الطوق الرئيسي، بل إن عدد قليلا منها وهي المسماة كويكبات طروادية تدور حول مدار المشتري في سربين بزاوية أمامية قدرها 60 درجة وخلفية قدرها 60 درجة أيضا كما يبينه الشكل. علما بأن لكوكب المريخ عائلة مشابهة أيضا.
         يوجد وراء الطوق الرئيسي كويكبات أبولو Apollo asteroids التي تنقلها مداراتها نحو المنظومة الشمسية الداخلية عبر مدار الأرض. ولحسن الحظ فليس ثمة إلا 700 جرم من هذا النوع، لذا فإن احتمال اصطدامها بالأرض ضعيف. ولكن تبين احصائيا أن جسما واحدا من ذلك النوع يصطدم بالأرض مرة كل 10000 عام.  يبلغ قطر كويكبات أبولو حوالي كيلو متر واحد أو أقل من ذلك، وفيما عدا الكويكبات "الميتة" منها، فقد تكون ذات صلة بالمذنبات التي انزاحت إلى مدارها الخاص بفعل القوى الثقالية التي يمارسها المشتري عليها، وجردت من الغاز والجليد بحكم دورانها المتكرر حول الشمس.
         شيرون Chiron كويكب آخر غريب الأطوار، يمتد مداره من داخل مدار زحل ويكاد يصل إلى أورانوس، أي أبعد بكثير من الطوق الكويكبي الرئيسي. وبالإضافة إلى مداره الغريب فإن سطوع شيرون يتغير أيضا تغيرا غريبا إذ إنه يتوهج أحيانا ويحرر غازا. هذا السلوك هو أشبه ما يكون بسلوك مذنب، وليس بسلوك كويكب "طبيعي" وإذا ما عد مذنبا فهو ليس مذنبا طبيعاً فقد استنتج علماء الفلك قطره من خلال ضوئه على أنه يساوي 180كم (أي حوالي 112 ميلا) وبذلك فهو أكبر حجما من معظم المذنبات التي تندرج في النظام الشمسي الداخلي. وأغلب الظن أن شيرون ليس كويكبا ولا مذنبا وإنما نواة كوكب جليدي بقي حيا.ً

Post a Comment

Previous Post Next Post