الحرية
     ناضلت المرأة من أجل التحرير والتحرر، فشاركت مع الرجل يداً بيد في داخل فلسطين وفي الشتات. ولكنها كانت تلاحظ في كل مرحلة عملية تأجيل فكرة تحررها من ربقة القهر والقمع المجتمعي إلى ما بعد التحرير. وقد اقتنعت بداية بذلك، حيث كان الهم الوطني يسطير عليها هي أيضاً، ويسلبها الوقت والرغبة في التفكير في أية أمور خاصة. ثم وبمرور الوقت واستمرار الاحتلال جاثماً على صدور الجميع، لاحظت تدهور الوضع الاجتماعي وخاصة ما يتعلق بالمرأة، واستمراء المجتمع الذكوري إعطاءها الوعود، فكان لا بد من انتفاضة اجتماعية، تأخذ بالسياسي والاجتماعي مع بعضهما البعض لإعداد المرأة لمرحلة ما قبل إعلان الدولة. وتهيئتها لأخذ الدور الذي يليق بنضالها في مرحلة الدولة القادمة (إن شاء الله)، في كافة المؤسسات وعلى كافة الصعد.
     والمجتمع يطالب الفتاة بأكثر مما يطالب الفتى، ولذلك تكون الفتاة مضطرة إلى ضبط نفسها والضغط على أعصابها، ومن ثم فإنها سرعان ما تفقد تلقائيتها الطبيعية وتصبح في حالة توتر مستمر، حتى إنها لا تستطيع التصريح بصورة واضحة ويلاحظ ذلك من عدم القدرة على التعبير بصورة واضحة، وإن تظاهرت بقوة الشخصية أو صلابة الموقف.
     أما عن الشاعرات فلقد كتبت (سهير أبو عقصة داود) في إهداء ديوانها (برتقال المدى الأسود) " أهديك مدى الحب، لكني أبداً لن أستطيع أن أهديك ما لا أملك: مدى الحرية". وقد قسمت ديوانها إلى قسمين الأول مدى الحرية، والآخر مدى الحب. تناولت في الأول العديد من الظروف والأحوال التي تفتقد فيها المرأة الحرية حيث يسلبها إياها المجتمع الذكوري المتنفذ صاحب السلطة المسلطة على رقاب النساء.
     وتتأسف (سهير أبو عقصة داود) أنها كانت تتنازل عن حريتها بإرادتها، فتبكي أو تصمت. وهي بذلك في الحقيقة تحكي مشكلة شريحة كبيرة من النساء اللواتي يعتبرن الدموع والسكوت أسلحة المرأة التي تعبر بها عن ذاتها وأنها لا يحق لها أن تستبدلها، تقول:
آسفة/ أني بكيت
في كل مرة/ كان علي أن أصرخ
وأني صمت/في كل مرة
كان علي/أن أقول/ كفى (سهير أبو عقصة داود، الخطايا العشر، الخطيئة العاشرة، آسفة، ص94)
     وتتساءل (فاتنة الغرة) عن الفرق بين أن تكون جميلة براقة، وبين أن تكون حرة. والفرق بينهما كبير جداً بالنسبة للمرأة ويمثل هماً أنثوياً يأخذ مساحة كبيرة من حياة ووقت المرأة، فالمجتمع الذكوري يريدها باقة ورد، لؤلؤة جميلة يستطيع أن يزين بها ركناً من الأركان. وتريد هي كامرأة حرية حقيقة، تقول:
ما الفرق بين أن أعيش فراشة
أو لؤلؤة (فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، ص74 )
     وفي سبيل الحرية توضح (ريتا عودة) بعض أشكال التمييز ضد المرأة وترفضها، وتؤكد أن المجتمع حينما أعطى للمرأة شيئاً من الحرية جعلها تتكلم ضمن حدود رسمها لها فكان صوتها مبحوحاً، فهل تستطيع أن تقول به (لا)، تقول:
...في هذا المجتمع!/ أحاول
أن أستعيد صوتي/ المبحوح
على مر الزمن/ لأقول " لا"
لكل عمليات القمع..
أحاول/ أن أوضح للرجل
أن الحرية التي../  أنعم بها.. علي..
وأنا مقيدة../ داخل قوانين " الجيتو"
لا تكفيني! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، من وجوه التمييز(1)، ص19)
     صورت (ريتا عودة) في نصها السابق وجهاً من أوجه التميز، تجلى بحقها في أن تحصل على الحرية التي تريدها، وتتوافق مع رؤيتها وتطلعاتها. وأن تقول (لا) حين ترفض ما يقيدها داخل (الجيتو) الذكوري الذي يمثل السلطة المسيطرة.
     وتصور ريتا عودة المرأة التي تقول (لا)، في هذا المجتمع الذكوري. الذي قالت عنه أنه يرفض حتى (لا) المبحوحة من المرأة، تقول:
كل امرأة / تقول .."لا"!
تصبح في نظر أهل الكهف/ مستهترة!
تتحد جميع قبائل عصر الظلمة/ ضدها..
لا يؤمن برسالتها../ إلا الطيور السانحة
لا يؤمن/ ببداية وجودها/ إلا السماء..
الغاضبة! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، المرأة المبشّرة بالفرح، ص8)
     ويصطرع ويغلي في أعماق (روز شوملي) كثير من اللاءات على العديد من المرفوضات في حياتها، التي تغضبها، تقول:
     وفي عمق أعماقي/ تثور لاءاتي عليّ
ولو نزعت فتيل الصمت/ عن مرجل القلب
لانفجر الغضب المتعاظم
والغضب سيف .. ذو حدين (روز شوملي، للحكاية وجه آخر، القرار، ص 29)
     أما (فاتنة الغرة) فلقد وجدت أن هذا المجتمع برجاله ونسائه، ما زال غير مهيأ لاستيعاب صوت المرأة، تعبر عن رأيها في ظل مجتمع قاهر قامع، سواء أقالت (نعم) أم (لا)، وحتى لو قات رأيها في قضايا تتعلق بها شخصياً، تقول:
عندما قلت لا أحب الرجال/ قطعت النسوة عيني
وعندما قلت أحبهم/ اقتلعن لساني
أي ضجة تلك التي أثيرها / أي فوضى داخلي وأي فوضى
تلك التي تعوي خارج العباءة
أن أكون جميلة يعني/ أن أقول نعم!!!
وعندما أقول لا .. تطردني الآلهة المزيفة
خارج سلطتهم الذاتية
أن أكون أنا/ تعاجلني الصفعات
كل الرجال حمقى .. أو أغبياء ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، امرأة مشاغبة جداً، ص 26 )
     والملاحظ في النص السابق أن كل ما كان يصدر من المرأة لم يكن يتجاوز القول أي الحكي، ولكنها أمام أقوالها كانت تعنف بأفعال قوية.
     ولقد لجأت الشاعرة إلى تراسل الحواس، للتعبير عن اللوثة التي أصابتها نتيجة شدة الضغط والقهر المجتمعي. ولما كانت وعلى كل الوجوه ستفقدها فلقد أعطت لكل حاسة وظيفة الأخرى، فهي ترى أن قيود المجتمع قد حرمت العين واللسان من أن يعملا. قيود جمة جعلتها تخترق في نهاية النص (تابو) الرجال القامعين المتربصين بكينونتها. لكي تعمم في حكمها عليهم.
    ومن المطالبة بالحرية أن تطالب المرأة بالمساواة. فهي تريد أن تكون مع الرجل وليس وراءه، تقول (عطاف جانم) في قصيدة بعنوان (معك):
أحب أن أظل دائماً معك/ أن أستظل قامتك
أن أسمعك.. وأسمعك.. وأسمعك
من خلف هذا الطود أو أن/ أصعد الطود معك. (عطاف جانم، بيادر للحلم ... يا سنابل، معك، ص 59)
     يعتبر التمييز ضد المرأة انتهاكاً لمبدأي المساواة في الحقوق، واحترام كرامة الإنسان. ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويعوق نمو ورخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانيات المرأة في خدمة بلدها والبشرية، إيماناً منها بأن التنمية التامة والكاملة لأي مجتمع، تتطلب مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل أقصى مشاركة ممكنة في جميع الميادين.
     ولذلك تتحدث (ريتا عودة) في ثلاث قصائد تحت عنوان ( من وجوه التميز،1، 2، 3)، من أجل المساواة وعدم التمييز وللمشاركة على قدم المساواة مع الرجل في إدارة المجتمع والحياة العامة. المشاركة عبر إتاحة الفرصة للمرأة للمساهمة في صناعة القرار واتخاذه وتنفيذه، حتى لا يكون هناك أي سلوك تمييزي تجاه المرأة.
     حيث إن "استبعاد المرأة من نسق القيم، ومن مواقع صنع القرار هو نفسه استبعاد للمرأة من أن تكون (ذات)! أو بمعنى آخر المنع لها أن تكون واعية بذاتها.. وهذا كله من قبيل التحيز والتهميش – ضدها- الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على صورة الذات/ الهوية.. التي تظل مجرد انعكاس وامتداد للصورة السائدة عنها"([1]).
     أما (أنيسة درويش) فهي تؤمن بالمساواة وتقول:
كيف لم يخطر ببالي/ أنت من بعض الرجال/ وأنا امرأة
فينوس أم فيحاء/ نوار .. امتلكت/ لم أبالي
وأنا التي كنت أنادي/ بتحرير النساء/ بالمساواة
وكسر القمقم والغطاء
لملمته بيدي/ جرحت/ لم أبالي ( أنيسة درويش، وأهون عليك، أقدار السماء، ص 55)
     وتصور (روز شوملي) في نصها ( وكان مساء) صديقهم د. حنا ميخائيل ( أبو عمر) والذي أهدته النص يسعد عندما يعطي للمرأة حقوقها وعندما يشعر بمساواتها للرجل، بل بتفوقها تقول:
سلام إلى الرجل/ الذي أجلس المرأة في كفة
ووضع نفسه في الكفة الأخرى
فلما رجحت كفتها/ ثمل وانتشى ( روز شوملي، للحكاية وجه آخر، وكان مساء، ص11)
     والحقيقة أن الرجل المتوازن اجتماعياً يتألم كذلك إذا فقد حقاً من حقوقه، أو إذا تم التعدي على حريته، أو على حرية المرأة، أو أي حق من حقوقها على حد سواء. والنص السابق مثال لذلك ولقد حكى الشاعر الفلسطيني (أحمد دحبور) عن تلك الإشكالية، قال:" ما عرضت مرة لهذه الإشكالية إلا تذكرت شطراً من طفولتي. فقد كنت أتنافس، على علامات الدراسة، أنا وإحدى قريباتي. وكانت تتفوق عليّ دائماً، إلى أن منعها أهلها من استكمال تعليمها. ومنذ تلك الواقعة الأليمة توقفت عن منافستها، فالشرط الاجتماعي غير العادل رجح كفتي، مع أن كفتها هي الأكفأ والأثقل. وقد استمر حجم الجناية التي أوقعتها سياسية العسف الذكوري على فرص المرأة في الحياة"([2]).
     ومن نماذج الرغبة في التحرر كانت صرخة المرأة الفلسطينية ضد فرض الحجاب عليها ولذلك صرخت (فدوى طوقان) في وجه السجان والسجن المفروض عليها في قصيدة ( من وراء القضبان)، تقول:
بنته يد الظلم سجناً رهيباً

لوأد البريئات أمثاليه
وكرت دهور عليه وما زال

يمثل كاللعنة الباقية
وقفت بجدرانه العابسات

وقد عفرت بتراب القرن
وصحت بها: يا بنات الظلام

ويا بدعة الظلم والظالمين
لعنت؛ احجبي نور حريتي

وسدي علي رحاب الفضاء
ولكن قلبي هذا المغرد

لن تطفئي فيه روح الغناء
                                  (فدوى طوقان، الديوان، وحدي مع الأيام، من وراء الجدران، ص 113)
     ولقد أخذ الحجاب قسطاً كبيراً من تاريخ المرأة العربية وهي تناضل للتخلص منه ومن العديد من القضايا التي تفرض عليها أن تبقى حبيسة المنزل، ومرت الكثير من الفترات على الحجاب بين أخذ ورد. حتى كتبت العديد من المؤلفات حول الحجاب والرغبة في التخلص من قهر المجتمع الذي يفرض على المرأة الكثير من الحجب.
     يقول (نزيه أبو نضال): "في حالتنا نحن فإن حصار جسد المرأة هو عنوان لحصار كامل تخضع له المرأة وتسن لتقنينه وتأبيده القوانين والنواميس والأعراف والشرائع..إنه إحكام مطبق علي جسد المرأة وعقلها وروحها، وعليها أن لا تخضع له فقط بل أن تؤمن به وتدعو إليه كذلك ولأن أداة الجريمة المحتملة هو الجسد فلا بد من إحكام السيطرة عليه داخل معتقل الحرملك، أما إذا بات هذا الجسد مضطراً للخروج إلى الطريق فلا بد من تكفينه من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، هناك من يغطون الوجه ويسدلون الستائر أو البرادي فوق العيون، وهؤلاء ينظرون إلى من تغطي شعرها فقط وتكشف وجهها باعتبارها خارجة عن الأدب والأخلاق. والبعض يلجأ إلى ختان الإناث خشية استجابة أجسادهن لمقتضيات الطبيعة"([3]).
     ويرى (محمد محمود قنيطة) أن: "من الأشياء التي قامت عليها حركات تحرير المرأة في البلاد العربية، الثورة على الحجاب وخلعه، وقد كانت فدوى طوقان من أكثر الرافضين له، وأشد الثائرين عليه، وقد صورته كسجن أقيم لوأد الجمال والحرية عند المرأة، ورسمت له صورة كئيبة، وهي تعلن رفضها للحجاب، وتمردها عليه، وترسم له صورة كريهة، حيث ترمز له بالسجن، بكل ما في هذه اللفظة من إيحاءات ودلالات..." ([4]).
     ولم يكن رأي الشاعرة (فدوى طوقان) يحمل رأي كل الشاعرات وكل النساء. ففي مقابل رأيها الرافض للحجاب، والمتمرد على القيم الاجتماعية، وجدنا (جوهرة السفاريني) تدعو المرأة الفلسطينية إلى التمسك بالحجاب، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وبالقيم الدينية بما تبثه من عفة وطهر للمرأة، وحفظ لها من الأذى، كما تشن حملة شديدة على التبرج، والتهتك وتقليد الغربيين في عاداتهم وسلوكياتهم التي تتعارض مع قيمنا الإسلامية، تقول الشاعرة في نص ( نصائح في الحجاب) ([5])
إيه أخية والزمان يضيمنا

بيديه والذكرى ندى الأحياء
إن التحلي بالفضيلة مغنم

وبفضلها نرقى إلى الجوزاء
إن الحياء رداؤكن وإنني

فيكن ألقى رفعة الآباء
واغضضن من أبصاركن فإنه

حفظ لكن أعف للشرفاء
إن البساطة والنقاء من التقى

أما التبرج قمة الأخطاء
ليس الحضارة أن نزين جيدنا

بقلائد من زينة ورواء
ونعب من دنيا تلوث بئرها

بالزيف واستشرى قبيح الداء
الله ما جعل الحجاب فريضة

إلا ليحفظنا من الدخلاء
فلكم حمى ذاك الحجاب خريدة

مما تذاب في دم السفهاء
عودي إلى الدين الحنيف فإنه

نور يضيء لنا الطريق النائي
                                                   (جوهرة السفاريني، نداء الأرض، ديوان مخطوط ).
     لجأت (جوهرة السفاريني) إلى القصيدة التقليدية، وإلى مفردات من مثل (الحياء، الفضيلة، الأردية، الرفعة، غض البصر، الشرفاء، البساطة والنقاء، التبرج، الحجاب، فريضة، الدخلاء، خريدة، الدين الحنيف، الطريق النائي). لبث صورة لما يريده المجتمع الذكوري للمرأة وللذي اعتاد المجتمع تلقينه إياها، حتى تدور في دائرته تماماً ولا تخرج عن إطاره.
     ولكن (سمية السوسي) وجدت نفسها مدفوعة بسبب كثرة العوائق التي تعيق تحرر المرأة إلى أن تطلق على ديوانها الثاني عنوان( أبواب)، وجعلت من الأبواب نقطة التبئير التي يدور حولها الديوان كله. وفيه تتناول كافة الأبواب التي تقام كسدود في وجه المرأة منذ طفولتها. 
     أما (فاتنة الغرة) وهي تتمنى وتتخيل أن الأبواب قد زالت، تقول:
طق..طق..طق..
 لا أبواب بعد الآن
لهذه المدينة ( فاتنة، امرأة مشاغبة جداً، ص65 )
     ولقد ترتب على القيود المفروضة على المرأة ورغبتها في التحرر، أن طالبت في فضائها الشعري، بالثورة على الصمت ( Silence)(*[6]) أو الإسكات أو التكميم الثقافي، فأهدت (ريتا عودة) ديوانها كما تقول:
إلى حروف الأبجدية ..
التي ..كتبت معي.. ثورتي على الصمت! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، الإهداء)
     تلك الحروف التي تجعل صمتها صارخاً، وتثور (ريتا عودة) في نص آخر على أن تكون منقادة للرجل، وتنبثق ثورتها من خلال مفارقة رسمتها بين العربة المجرورة والمرأة. وترفض أن يشتري لها الرجل ما تلبسه، ويفرض عليها متى تتكلم ومتى تصمت. فقد قررت أن تثور على الصمت وكافة أشكال القيود، تقول:
لماذا كطفل/ يجر خلفه عربة
تجر خلفك أنت../ امرأة!
تأمرها../ أن تجلس ..أن ترحل..
ألا تتكلم/ تبتاع لها الخواتم .. والأحمر../والأخضر...
وتقذف صورتها../ داخل ظلام الليل../ وترحل؟
لا!/ لن أغار../ كما أني/ لن أشعل ناراً
فأنا أعلنت/ ثورتي/ على / قيودي
وعلى / صمتي! ( ريتا عودة، ثورة على الصمت، نساؤه(3)، ص64 )
     أعلنت (ريتا عودة) في نصها السابق الثورة على القيود وعلى إسكات المرأة، وتشير (كاميرون) كذلك إلى أساليب الرجل في إسكات المرأة وذلك عن طريق " التحريم المباشر، باستخدام الحظر التقليدي للحديث النسائي في النصوص الدينية والسياسية مثلاً، ولكن يمكن أيضاً إسكاتها من خلال الاستهزاء بما تقول باعتباره ثرثرة فارغة أو حديثاً لا معنى له، وتقول (ديل سبيندر) في كتابها ( اللغة صناعة الرجل، 1980) "إن المرأة نظراً لعدم وجود صوت مسموع لها في إطار الثقافة فإنها لم تستطع أن تنقل ثقافة من المعاني النسائية إلى العالم"([7]).
     وفي نص (الصمت) ترفض (سهير أبو عقصة داود)، أن يبقى صوتها معدوماً، وأن يستمر الصمت حليفها حتى مع مرور الزمن، تقول:
منذ عرفتك/ تحفظه صمتي/ ولا تعرفه صوتي
ترسمني / بحدود هندسية
تحولني إلى ك
                س
                   و
                      ر
                                  ( سهير أبو عقصة داود، الخطايا العشر، الخطيئة العاشرة، آسفة، 91)
     ويكشف نص (سهير أبو عقصة داود) عن رجل، ومجتمع ذكوري لم يترك للمرأة أية مساحة ليظهر صوتها الذي سيحدد هويتها، فلقد كتب عليها الصمت، وحددت خطواتها بمنتهى الدقة، ولكنه تحديد دمر المرأة وكتب على شخصيتها أن تبقى تنحدر وهي تتشظى إلى قطع صغيرة حتى تلغى وتكون في هامش النص.
     وترفض (فاتنة الغرة) تلك القناعات القديمة، وترفض أن يبقى القانون المسيطر على المرأة في المجتمع هو قانون الصمت، تقول:
هي لحظه للموت
ترسو ..فوق أشلاء/ القناعات السخيفة
كي يظل الصمت قانونا/ يكبل دفتري..قلمي
و..كي.. / تمحي السنون..بصرخة ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، لغة جديدة، ص 17-18)
      والصمت متوافر وبكثرة خاصة في ديوان (ريتا عودة) الأول (ثورة على الصمت) منذ عنوان الديوان، وفي عناوين القصائد الداخلية وألفاظها ودلالاتها، ولذلك فلديها قصائد بعنوان: (الصمت القاتل، صليب الصمت، ثورة على الصمت (1)، ثورة على الصمت(2). وتقول في ثورتها على الصمت:
منذ الآن/ أصبح حزنك / حزني
أصبح صمتك/ صمتي!
منذ الآن../ أتسلم مفاتيح النبوة
وامضي.../بحثاً عن شوك/غير مرئي!
منذ الآن/ أتسلم مفاتيح البشارة/ وآمرك أن
تحملي سريرك ../ وتمشي! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، ثورة على الصمت(1)، ص17)
     وتعتبر (ريتا عودة) نفسها ثائرة، ولكنها ثورة تقول أن الآخرين يطلقون عليها اسم (ثورة أنثوية)، وهي لا تهمها التسمية ولكن ما يهمها هو أنها ليست ثورة فردية، ولكنها تعتبر نفسها فيها أنها تتحدث بصوت المرأة المقهورة في كل زمان ومكان، وتتساءل في سؤال تقريري " من أنا" وهو عنوان نصها:
أنا../ لست وجودية/ لست عقلانية
لا!/ ولا مثالية
في ثورتي التي / تسمونها .." أنثوية"!
وثورتي/ ليست كما تظنون
ثورة .. " فردية"!
أنا/ أحاول أن أكون/ إنسانة../ واقعية..
أنا../ أحاول أن أكون
نظرة واقعية/ في موقف الإنسانية
مني .. بصفتي امرأة
أنا../ أحاول أن .. أثير ولو للحظة
هدوء المرأة الصامت / صمت المرأة القاتل
جبال رضوخها/ شمس قناعتها/ بنصيبها! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، من أنا، ص 9-10)
     وما سؤال وبوح (ريتا عودة) في نصها ( من أنا) إلا كينونة أنثوية نازفة من عدة زوايا، تلفت من خلالها نظر كل النساء لأن يرفضن الصمت والهدوء والرضا بالنصيب.
    ولكن هل استطاعت المرأة أن تغير من الرجل والمجتمع المحيط بها، تقول (سهير أبو عقصة داود):
آسفة/ لأني لم أستطع / أن أغيرك
وأنزع عن جلدك/ غطاء التماسيح
وأورق في قلبك
ربيعاً سماوياً أزرق ( سهير أبو عقصة داود، الخطايا العشر، الخطيئة العاشرة، آسفة، ص 93)
     وفي النهاية أقول إن كسر حاجز الصمت المفروض أمر ضروري للمرأة حتى تتكلم بصوتها وتعلن عن هويتها الذاتية الكامنة في (لا وعيها) وليس هوية السلطة المسيطرة.


([1]) سوسن ناجي رضوان، الوعي بالكتابة في الخطاب النسائي العربي المعاصر، (دراسات نقدية) المجلس الأعلى للثقافة، 2004.
([2]) فتحية إبراهيم صرصور و ميّ عمر نايف، صالون نون( محاضرات في أدب المرأة)، محافظة غزة، غزة فلسطين، ط1، 2005.
([3]) نزيه أبو نضال، تجليات الأنثى المتمردة في القصيدة النسوية العربية، ص 105.
([4]) محمد محمود قنيطة، المرأة في الشعر الفلسطيني المعاصر، رسالة دكتوراه، 2000، ص 214-216، (مخطوطة).
([5]) جوهرة السفاريني، نداء الأرض، ديوان (مخطوط). عن محمد محمود قنيطة، المرأة في الشعر الفلسطيني المعاصر، ص 215.
(*[6]) تعرف ديبورا كاميرون عالمة اللغويات النسويات الصمت بأنه" غياب الأصوات والاهتمامات النسائية عن الثقافة الرفيعة. (سارة جامبل، النسوية وما بعد النسوية، ص479).
([7]) سارة جامبل، النسوية وما بعد النسوية، ص479-480.

Post a Comment

Previous Post Next Post