أهمية السوق لتنشيط التجارة  ومزاولة البيع والشراء :

*يقول في المعجم الوسيط :السوق :الموضع الذي يجلب إليه المتاع السلع للبيع والابتياع  تؤنث وتذكر وجمعه أسواق .وسوق القتال أو العراك موضع أشتباك المتحاربين .[1]

*ماورد من الأدلة بشأن السوق :
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :(كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله )        ليس عليكم جناح ( [2] الآية 198 سورة البقرة .وكان e  يذهب بنفسه أحيانا إلى السوق ويمشي فيه وما ذلك إلا إقرار منه بهذا السوق ومايجري على أرضه من المعاملات التجاريه .
*فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه قال :(كان النبي e في السوق فقال رجل :يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي e
فقال :إنما دعوت هذا فقال النبي
e : "سموا باسمي ولاتكنوا بكنيتي "[3]
فوجه الدلالة من الأحاديث أن الأسواق كانت موجودة في عهده  e  وأنه مشى فيها وأقر المعاملات التجارية فيها .
*ماورد في الأسواق :
قال ابن بطال :أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للفضلاء والشرفاء .وأن حديث "أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغضها إلى الله الأسواق  "[4] .أنه خرج مخرج الغالب ؛وليست قاعده عامة .
وماورد في ذكرالسوق في عهده e ففيه دلالة على أن السوق كان موجوداً في عهده . وكان يرتاده فضلاء الصحابة لتحصيل عيشهم .[5]
المطلب الرابع  :
(مشروعية الشركات وأثره على تنشيط التجارة )
تمهيد  :لكي يدفع الإسلام التجارة إلى الأمام ؛حتى يزداد الإنتاج وتكثر الخيرات وتتاح الفرصة لكل من يعجز عن مباشرة التجارة بنفسه ألا يشح عليها بماله .
ومن هنا شرعت الشركات بأنواعها في الإسلام تشجيعا للتجارة ودفعاً لها إلى الأمام . ولامانع أن نلقي الضوء على أدلة مشروعيتها ؛وبيان أنواعها من واقع كلام الفقهاء عليهم رحمة الله .
*مشروعية الشركة من السٌنة :
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه –قال :قال رسول الله e :قال الله تعالى :) أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه فأن خانه خرجت من بينهما ( [6]

فقد دل الحديث على مشروعية التشارك مع عدم الخيانة والتحذير منه معها [7].




*وعن السائب المخزومي –رضي الله تعالى عنه –(أنه كان شريك النبي   r قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال :مرحباً بأخي وشريكي )[8].
فدل الحديث على أن الشركة كانت ثابتة قبل الإسلام ؛ ثم أقرها الشارع على ماكانت [9]؛لما فيها من الفوائد والمصالح المتبادلة بين المسلمين .
وقد بعث r والناس يتعاملون بالمضاربة بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم إليها[10] .
** فعل الصحابة :
ذكرالسرخسي : أن عثمان بن عفان –رضي الله عنه –كان يدفع ماله إلى رجل مقارضة[11] .
وماروي عن العباس بن عبدالمطلب –رضي الله عنه –كان إذا دفع مضاربة شرط على المضارب أن لايسلك به بحراًولاينزل وادياًولايشتري به ذات كبد رطب .فإن فعل ضمن  فبلغ ذلك رسول الله r  فاستحسنه [12].
وكان حكيم بن حزام يمارس المضاربة ويشترط على العامل فعل مثل شروط العباس .[13]
يقول الشوكاني :أن هذه الآثار تدل علىأن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكان ذلك إجماعا منهم على الجواز [14] .
(وقصة عبدالله وعبيدالله عندما مرا بأبي موسى الأشعري وربما بالعراق فأعطاهما مالاً للمسلمين واشتريا به وربحا ؛ثم لما قدما على عمر رضي الله عنه قال : المال والربح للمسلمين فتكلم عبيدالله وقال : لو خسرنا لضمنا ؛فتوسط بعض المسلمين بأن يجعل مضاربة ؛لهما نصف الربح وللمسلمين النصف الآخر ؛ فقبل عمر وأقرهم على ذلك  )[15].
وروي عن القاسم أنه كان لهم مال ؛وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تدفعه مضاربة [16].وكان عمررضي الله عنه يدفع مال اليتيم مضاربة [17].



* ماقاله الفقهاء في المضاربة :
يقول الكاساني في بدائع الصنائع (أنه كان القياس يقتضي عدم مشروعيتها لأنها في الحقيقة ليست سوى إجارة على عمل مجهول بأجر مجهول معدوم .ومن هنالاينازع أحد أنه عند فسادها تقدر إجارة ؛لكن وجودالأدلة والتيسير على الناس خولف لأجلها القياس )[18].
وتنقسم الى قسمين :
مطلقة ومقيدة . والمطلقة التي تقيد بقيد معين في زمان أو مكان أونوع من التجارة أو نوع من الأشخاص [19].
والمقيدة :كاشتراط البر أو البحر أو مدة سنه ونحو ذلك كنوع معين من أنواع التجارات .[20]
*يقول صاحب المبسوط [21]:(أنه إذاأسلم رأس المال المضارب فهو أمين فيه كالمودع ) وإذا تصرف فيه فهووكيل في في ذلك يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال كالوكيل .
فإذا حصل الربح كان شريكه من الربح ؛وإذا فسد العقد كانت إجارة فاسدة حتى يكون للمضارب أجر عمله ؛وإذا خالف المضارب ماقاله صاحب المال كان غصباً ضامناَ للمال .
*وأما حكمة مشروعيتها :
فلأنها تشجع على التجارة وتساعد على تحريكها للصالح العام.وتدفع بالأموالالمكدسة لتغزو المجتمع وتدفع
الجهود الخاملة لتحريها في البناء والتنمية فيحصل النفع الخاص والعام .
*يقول في مجلة الأحكام العدلية (فبعض الناس مع كونهم أغنياء يعجزون عن التصرف في أموالهم وتنميتها ؛كما أن بعضهم مقتدر على التصرف في الأموال .فلذلك توجد ضرورة لهذا النوع من التصرف لتنظيم مصالح الغبي والذكي والفقير والغني )[22] .
وذلك لكي يتحرك دولاب الاقتصاد في الدولة الإسلامية ؛ليزداد النماء في سائر القطاعات من تجارية وزراعية وصناعية .
ثم يقول :(إن الشركة طريق لابتغاء الفضل ؛وهو مشروع لقوله تعالى لى )وابتغوا من فضله ([23].إذ إنه يوجد لبعض الناس رأس مال لكن يجهل طريق التجارة كما أنه لايوجد للبعض منهم رأس مال لكنه يعلم أصول التجارة فإذا عقد كلاهما شركة بينهما فيستفيد أحدهما من علمه وسعيه والآخر من رأس ماله[24]


*ويقول السرخسي في المبسوط :
(ولأن بالناس حاجة إلى هذا العقد ؛فصاحب المال قد لايهتدي إلى التصرف المربح والمهتدي إلى التصرف قد لايكون له مال .والربح إنما يحصل بهما يعني بالمال والتصرف ؛وفي جواز عقد المضاربة يحصل مقصودهم )[25].
*ومن الشركات في الإسلام مايسمى (شركة الأبدان ):
وهي جائزة وهي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونة بأيديهم كالصناع ؛يشتركون علىأن يعملوافي
صناعتهم ؛فما رزق الله تعالى فهو بينهم .كجمع الحطب والثمار والمعادن ؛وقد نص عليها أحمد فقال (لابأس أن يشترك القوم بأبدانهم وليس لهم مال ؛ مثل الصيادين والنقالين والحمالين ). ولها سند من السنة .
حيث أشرك e بين عمار وسعد وابن مسعود .فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشيء )[26]
والربح في شركة الأبدان على مااتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل لأن العمل يستحق به الربح ويجوز
  تفاضلهم في العمل [27].
وقدسئل الأمام مالك :أرايت الصباغين أوالخياطين إذا اشتركواعلى أن يعملوافي حانوت واحد وبعضهم أفضل عملاً من بعض أتجوز الشركة بينهما؟ قال الأمام مالك :إذا اشتركوا على أن يعملوا في حانوت واحد فالشركة جائزة .
*وقد قال ابن القاسم : والناس في الأعمال والأبدان يكون بعضهم أفضل عملاً من بعض [28]؛ومامن شك أنها من الوسائل التي تنمي التجارة وتزيد في الإنتاج حيث طابع الشركة التعاون فيما بين شريكين وصاعداً.
*ومن أنواع الشركات المشهورة في الإسلام :(شركة العنان) :
يقول ابن قدامة في المغني :(هي أن يشترك اثنان بماليهما على أن يعملا فيها بأيديهما والربح بينهما .وشركة
العنان مبنية على الوكالة والأمانة فكل منهما يأمن صاحبه ويأذن له في التصرف [29].
وقد حكى ابن رشد في بداية المجتهد الإجماع على مشروعيتها [30].
*ومن الشركات الجائزة في الإسلام :(شركة الوجوه ):
يقول ابن قدامه :(هي أن يشترك أثنان فيما بينهم يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال؛على أن ما اشتريا بينهما نصفيين أو ثلاثاً أو أرباعاً ويبيعان ذلك بما قسم الله تعالى فهو بينهما .فهي جائزة سواء عّين أحدهما لصاحبه مايشتريه أم لم يعين شيئاً من ذلك .بل قال ماشتريت من شيءفهوبيننا)[31] .


*يقول ابن قدامه في المغني [32]:وأما شركة المفاوضة فنوعان :
أحدهما :أن يشتركافي جميع أنواع الشركة ؛مثل أن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان ؛فيصح ذلك ؛لأن كل نوع يصح على انفراده ؛فصح مع غيرة .
الثاني :أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث ويجده من ركاز أولقطة .
ومن تشجيع الإسلام لهذة الشركات ودفعها إلى الأمام ؛إن فسح المجال للمسلم أن يشارك غيرالمسلم وأن
يشارك المسلم الرجل المرأة المسلمة .وإليك ماقاله فقهاء الشريعة في ذلك .
*مشاركة الرجل للمرأة والعكس :
سُئل الأمام مالك عن شركة الرجل للمرأة والعكس فقال :(أنه لابأس بذلك وكذلك شركة النساء للنساء )[33] .
*عقد الشركة بين المسلم والكتابي :
مادام الذمي ملتزماً بالعهد الذي بينه وبين المسلمين ؛ويحمل التابعية الإسلامية بوجوده على أرض الدولة
الإسلامية ؛فأن أكثر الفقهاء يرون جواز الشركة بين المسلم والمعاهد سواءكان يهودياً أو نصرانياً ؛لأن هذة الأموال لدى هذا الذمي أو الجهود ستتحرك لتحرك الدورة الاقتصادية  في الدولة الإسلامية .
*قال الأمام أحمد –رحمه الله :(يشارك اليهودي والنصراني ولكن لايخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون هوالذي يليه لأنه يعامل بالربا )[34].
وأما كون أموالهم غير طيبه ؛فيردّه (أن النبي r عاملهم ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله )[35].
*معاملة أهل الذمة :
يقول ابن رشد في مقدماته :(ويجوز معاملة أهل الذمة وإن كانوا يستحلون بيع الخمر والخنزير ويعملون بالربا
.لأن الله تعالى قد أباح أخذ الجزية منهم وقد علم مايفعلون .ولأنهم لوأسلموا لأحرزوا مابأيديهم من الخمور والخنازيروغيرهاولكن لايجوز التعامل بين المسلم والذمي إلامثل مايجوز بين المسلم والمسلم .فإن تعاملا بما لايجوز بين المسلمين فلا يصح ذلك )[36] .
*جاء في معالم القربة :(أما الكافر فتجوز معاملته لكن لايباع منه المصحف وكتب الحديث وكذلك السلاح إن كان من أهل الحرب )[37].
*ويقول صاحب المبسوط :
(ولابأس أن يأخذ المسلم من النصراني مالاً مضاربة إنه من نوع التجارة والمعاملة أو توكيل من رب المال إياه بالتصرف فيه ؛ولابأس للمسلم أن يلي البيع والشراء للنصراني بوكالته )[38].

*رأي الأمام مالك :
وسئل الأمام مالك :أتصلح شركة النصراني للمسلم واليهودي للمسلم ؟قال:لا؛إلا أن يكون لايغيب النصراني واليهودي على شيء في شراء ولابيع ولاقبض ولاصرف ولاتقاضي دين الإبحضرة المسلم معه ؛فإن كان يفعل
 هذا الذي وصفت لك والا إفلا.[39]
*ومن أقوال العلماء :نلمس حرص الشريعة على زيادة نمو التجارة ودفعها إلى الأمام ؛حيث أباحت التعامل مع الذمي وخلط أمواله مع أموال المسلمين عن طريق مثل هذه الشركات .وأخيراًفإن معالجة فقهاء الإسلام لهذة الشركات والكلام على شروطها وبيان أركانها مماهو مفصل في كتبهم الفقهية لدليل على سعة هذه الشريعة ومعالجتها مشاكل المجتمع المسلم في كل مكان وزمان ومكان .وذلك يفتح مجال التعاون والمشاركة بمثل هذه الشركات المتقدمة حتى يزداد النماء وتسرع عجلة التقدم ويتحرك دولاب الاقتصاد بتحريك أموال الناس وأبدانهم ؛مما يستفيد منه المجتمع كله .
إذعادة ماتصب هذة الشركات في مشاريع إنمائية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة أو الحرف المفيدة ؛
كالرعي والتجارة والحدادة ونحوها مما يفيد الفرد والمجتمع .
ويقابل شركة المضاربة في القوانين الوضعية :(مايسمى بشركة الاستثمار ). وهي :
(عبارة عن شركة هدفها الوحيد هواستثمار أموالها في مجموعة واسعة من الشركات الأخرى ؛وهي تصدر أسهماًلتكوين رأسمالها الذي تستثمره ؛كما تستطيع إصدارسندات ذات فائدة محدودة .وهي تقوم بتجميع
مدخرات الأفراد ثم تقوم باستثمارها في السوق المالية الدولية في أوراق محلية وأجنبية )[40].وأن القوانين الوضعية بتشريعها الشركات المتعددة من شركة توصية وشركة ضمان وشركة مساهمة وشركة استثمار لم تأت بجديد ؛
فقد سبقهم فقهاء الإسلام بهذه التقسيمات المتعددة .مما يثبت تفوق الشريعة الإسلامية على القوانين في كل
زمان ومكان .
وأن الفقه الإسلامي لقادر على حل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية لوعدنا إلى البحث في أصوله وقواعده واستخراج أقوال الفقهاء لتطبيقها على المعاملات المعاصرة .
*المطلب الخامس (تشريع السلم وأثره في تشجيع التجارة ):
ليس كل الناس يملك نقود في كل لحظة ؛فقد تكون النقود في يديه وهوليس بحاجة إليها ؛وقدلاتكون في يديه
وهو بحاجة إليها للقيام بمشروعة الزراعي أو الصناعي أو التجاري ونحوذلك .
ولماكانت القاعدة العامة في الشريعةالإسلامية تحريم البيوع المبنية علىالغرروالجهالة.فقد نهى النبي(عن بيع الغرر )[41]
ونهي عن بيع الإنسان مالايملك فقد استثني من دائرة البيوع المنهي عنها.ولأن الرسول r وضع له من الشروط بحيث يخرج عن دائرة الغرر؛فمتى توافرت شروط السلم بأن كان معلوماًفي مقداره وأجله "فأين الغرر في ذلك ؟"[42]
وفي التعامل بالسلم تسهيل لمعاملةالمسلم مع أخيه المسلم حتى نعطي المعاملات التجارية والزراعية دفعاً إلى الأمام ليزداد النماء وتكثر الخيرات .
تعريف السلم :يقول في مختارالصحاح :السَلَم بفتحتين ؛السلف .والسلف من سلف الأرض أي سواها بالسلفةومايسوي به الأرض ؛والسَلَف بفتحتين نوع من البيوع يعجل فيه الثمن وتضبط السلعة بالوصف إلى
أجل معلوم  .[43]
شرعاً: عقدعلى مايصح بيعه موصوف بما ينضبط في ذمة ملتزم ؛مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد .[44]
*مشروعية السلم من السُنة :
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي r قدم المدينة وهم يسلفون الثمار السنة والسنتين .فقال r:"من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "[45] .
*يقول ابن هبيرة في الإفصاح :
(أنهم اتفقوا على جواز السلم المؤجل بستة شروط :
      1.        كونه من جنس معلوم .
      2.        وصفة معلوم .
      3.        ومقدار معلوم .
      4.        وأجل معلوم .
      5.        ومعرفة مقدار رأس المال .
وزاد أبوحنيفة شرطاً سادساً وهو تسمية المكان الذي يوفيه فيه ؛إن كانت له حمل ومؤونة .وهذا الشرط لازم
عند الباقين وليس بشرط .[46]
*جاء في بداية المجتهد :
(أجمعوا على جوازالسلم في كل  مايكال أويوزن ؛لحديث ابن عباس :عندما قدم r المدينة وهم يسلمون في التمر السنتين والثلاث فقال r :"من أسلف فليسلف في ثمن معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "[47] .
واتفقوا على امتناعه فيما لايثبت في الذمة :كالدور والعقار وأما سائر العروض والحيوان فمنعه أهل الظاهر
أخذاً بظاهر الحديث المتقدم .
أما الجمهور فأجازوه في العروض التي تنضبط بالصفة والعدد ؛أما الحيوان والرقيق فذهب مالك والشافعي والأوزاعي إلى جواز السلم فيها .
أما أبوحنيفة والثوري :فلم يجيزا السلم في الحيوان [48] .والراجح في نظري جواز السلم في العروض والحيوان ؛لأن ضبطها ممكن عن طريق الصفة ونحو ذلك .ولأن في ذلك توسعة على الناس وتيسيراً لمعاملاتهم الاقتصادية .
وقد نقل صاحب المغني عن ابن المنذر :(الإجماع عن أهل العلم على جواز السلم ؛لأن المثمن في البيع أحد
عوضي العقد ؛فجاز أن يثبت في الذمة كالثمن.ولأن بالناس حاجة إليه؛لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليهالتكمل وقد تعوزهم النفقة ؛فجوزلهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم الذي دفع مال السلم بالاسترخاص.ويرى الحنابلة أن كل ما ضبط بصفة فالسلم فيه جائز )[49].
*فوائد المعاملة بالسلم :
                        1.               تتحرك أكبر كمية من الجهود الخاملة بحيث إذا وجدت النقود تحركت واستفادت وأفادت .
                        2.               تحريك أكبر كمية من النقود المكنوزة ؛بحيث يخرجها أصحابها ويضعونها في أيدي المستلفين ؛ نظراً لما تدره عليهم من أرباح مستقبلية ؛فبتحركها تفيدهم وتفيد المجتمع .
                        3.               يزداد الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري في الدولة الإسلامية ؛بسبب هذا النهرالذي يصب في حقل التعامل التجاري بين المسلمين .
(المطلب السادس :في تشريع الوكالة والحوالة ):
 وهناك معاملات كثيرة غير ماتقدم ؛تدفع بالتجارة إلى الإمام وتشجيعها وتحرك دولابها وتجعل المسلم خلية نحل ؛كل ميسر لما خلق له :
وسأتكلم عن أهم المعاملات باختصار وهي :
      1.        الحوالة .
      2.        الوكالة .
لغة :من أحال فهو محيل .يقال أحال عليه بدنيه .والاسم الحوالة [50] .
 شرعاً:تحوي الحق من ذمة إلى ذمة .
*الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع :
أما من السنة :ماروي أن الرسول  r قال :"مطل الغني ظلم ؛وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع "[51].-متفق عليه .
وأجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة ؛واشتقاقها : من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة . ولابد فيها من محيل ومحتال ومحال عليه .ثم يقول: (ومن أحيل بحقه على من عليه مثل ذلك الحق فرضي فقد برئ المحيل أبداً .)[52]
*واشترط الحنابلة لصحتها أربعة شروط :
أولاً :  تماثل الحقين من الجنس والصفة والحلول والتأجيل .
ثانياً :  أن تكون الحوالة على دين مستقر .
ثالثاً :  أن تكون الحوالة بمال معلوم .
رابعاً:  أن يحيل برضائه لأن الحق عليه فلايلزمه أداؤه من جهة الدين الذي على المحال عليه ؛فمتى ما اجتمعت شروط الحوالة برئت ذمة المحيل في قول عامة الفقهاء .[53]
**رأي الشافعي في الحوالة :
قال الشافعي في الأم :( أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال "مطل الغني ظلم ؛وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع ")[54] .
*يقول الشافعي : ( إن في الحديث دلالة على أن الحق يتحول على المحال عليه ويبرأ منه المحيل ؛فلا يرجع أبداً ولو كان المحال غنياً أو فقيراً أفلس أو مات ) [55] .
**أثر الحوالة على الإنتاج :
وحتى لاتتعطل المعاملات التجارية ولأجل أن تكون السرعة طابعها ؛سهل الإسلام طريقة التقابض في الديون بين البائعين والمشترين ؛عن طريق الحوالة ليسهل التعامل بين الناس .
*الوكالة :
الاسم من وكل اسم مصدر بمعنى التوكيل .وفي الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقاً أو مقيداً [56] .
*يقول ابن قدامة في المغني :
الوكالة جائزة بالكتاب والسُنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى )إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ([57] .فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين .[58]
*ودليل مشروعيتها من السُنة :
ماورد في البخاري :عن علي رضي الله عنه قال : (أمرني رسول الله r أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها )[59]   .
 وقد وكل r رجلاً على الميزان في خيبر . فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما (أن رسول الله r استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال:أكل تمر خيبر هكذا فقال :إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ؛فقال :لاتفعل ؛بع بع الجمع بالدراهم؛ثم ابتع بالدراهم جنياً ).وقال في الميزان مثل ذلك   .[60]
 وأجمعت الأمة على جواز الوكالة لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لايمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه فدعت الحاجة إليها؛وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلاً أو امرأة أو عبداً مسلماً كان أوكافراً.

ويجوز التوكيل في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق ؛والعتق والطلاق حاضراً كان الموكل ام غائباً [61] .
ويقول في المقنع (وتصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن وكل قول أوفعل يدل على القول) [62].
*يقول في مختصر المزني :
(فللناس أن يوكلوا أموالهم وطلب حقوقهم وخصوماتهم ويوصوا بتركاتهم ؛ولاضمان على الوكلاء ولاعلى الأوصياء ولاعلى المودعين ولاعلى المقارضين إلا أن يتعدوا فيضمنوا ).
ويجوز التوكيل من كل رجل وامراة  –لرجل وامرأة [63] .
*حكمة مشروعية الوكالة :
                              1.         تساعد في القضاء على البطالة ؛إذ تحرك بعض الناس الذين يتولون الوكالات عن الناس بأجورتدفع إليهم.
                              2.         تحرك كثيراً من المشاريع الزراعية والتجارية والصناعية إذ بواسطتها يستطيع صاحب العمل أن يفرق مشاريعه المتعددة على كثير من الوكلاء ؛فيزداد النماء وتكثر الخيرات والإنتاج مما ينعكس أثره على الفرد والجماعة .
                              3.         تخرج النقود إلى حيز الوجود ليتعامل بها الناس ؛إذ الوكالة تساعد في القضاء على الكنز المذموم .


[1] المعجم الوسيط ج1 ص 464

[2] انظر فتح الباري -كتاب البيع – الباب 35- ج4-ص321.
[3] انظر فتح الباري –كتاب البيع – الباب 49-ج4-ص339 .
[4] رواه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد -ج2 -ص132 .
[5] فتح الباري –ج2-ص339-340 .
[6] رواه أبود اود في البيوع –ج3-ص256 الناشر :دار إحياء السنة – وصححه الحاكم –انظر نيل الأوطار للشوكاني
6حاشية الدهلوي –على بلوغ المرام –حسن الدهلوي –ج2-ص67 –المكتب الإسلامي .


[8] رواه أحمد-ج3-ص435-ورواه أبوداود –ج4-ص260 –وابن ماجه –وصححه الحاكم –انظر نيل الأوطار –للشوكاني –ج5 –ص297.
[9] ينظر حاشية الدهلوي –على بلوغ المرام –أحمد حسن الدهلوي –ج2-ص67 –ط: المكتب الإسلامي .ط : أولى .
[10] المبسوط _للسرخسي –ج22-ص19
[11] المبسوط –للسرخسي – ج22-ص18-وفي موطأ مالك –ص480 وفي نيل الأوطار ج5- ص300 .
[12] المبسوط –للسرخسي –ج22-ص18- أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف –والطبراني في نيل الأوطار -ج5 –ص300 .
[13] المبسوط-للسرخسي –ج22-ص18 –وقوى الحافظ ابن حجر إسناده –نيل الأوطار –ج5-ص300 .
[14] نيل الأوطار –الشوكاني –ج5-ص300 .
[15] المبسوط –للسرخسي –ج22-ص18 وانظرموطأ مالك ص479 –رواية يحيىالليثي قال الحافظ :إسناده صحيح–نيل الأوطار ج5-ص300
[16] السرخسي المبسوط –ج22-ص18 –وفي موطأ مالك –ص167-رواية يحيى الليثي .
[17] انظرالمبسوط –ج22-ص18 وانظر موطأ مالك –-وكذلك المغني –ج5-ص26 –وفي موطأ مالك أنه بلغه (أن عمر قال اتجروا في أموال اليتامى لاتأكلها الزكاة )-وفي الموطأ –ص176 رواية يحيى اليثي –وفي نيل الأوطار للشوكاني –ج5-ص300 .
[18] بدائع الصنائع –ج4-ص79
[19] تبيين الحقائق –ج5 ص69 .
[20] الفتاوى الهنديه –ج4-ص334- وبدائع الصنائع ج6-ص80 .
[21] المبسوط –للسرخسي –22-ص19
[22] ينظر مجلة الأحكام العدلية –ج2-ص449 .
[23] سورة النحل –آية 14 .
[24] شرح مجلة الأحكام العدلية –علي حيدر –ج3 –ص1 –وكذلك المغني لابن قدامه ج5 –ص 26/271 .
[25] المبسوط –للسرخسي –ج22-ص19 .
[26] ينظر ابوداود –كتاب البيوع –29-ص257-ج3-ورواه النسائي وابن ماجه –وقال عنه الشوكاني إن الحديث منقطع –انظر نيل الأوطار -ج5 –ص5 .
[27] المغني –لابن قدامة –ج5-ص5
[28] المدونة الكبرى –مالك-ج4-ص23
[29] المغني –لابن قدامة –ج5-ص16 ط:مكتبة الرياض الحديثة . وأيضا المقنع ؛لابن قدامة –ج2-ص163 .
[30] بداية المجتهد ونهاية المقتصد –ج2-ص210
[31] المغني –لابن قدامه ج5 –ص14-15 .وشرح منتهي الإرادات ؛البهوتي –ج2-ص338-ط:دار الفكر .وكذلك المقنع ؛لابن قدامة ج2 –ص182 –ط:الثالثة .
[32] المغني –لابن قدامة –ج5-ص29 .
[33] المدونة –مالك-ج4-ص38 .
[34] المغني والشرح الكبير –ج5-ص110 .
[35] فتح الباري –شرح صحيح البخاري –ج4-ص302 .
[36] مقدمات ابن راشد –على هامش المدونة الكبرى –مالك-ج3-ص352-ط:دار الفكر –بيروت .
[37] معالم القرية في أحكام الحسبة –محمد القرشي –ص109 .
[38] المبسوط –السرخسي –ج22-ص125 .
[39] المدونة الكبرى ؛الإمام مالك –ج4-ص38-دار الفكر بيروت –1398 هجري .
[40] موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية –عبدالعزيز فهمي كامل –ص448-دار النهضة- بيروت .
[41] رواه مسلم في صحيحه –كتاب البيوع-الحديث الرابع –ج5-ص3 .
[42] ينظر كتاب ؛التعامل التجاري في الشريعة الإسلامية ؛يوسف قاسم ؛ص257 .

[43] مختار الصحاح ؛ص309 .
[44] ينظر منتهى الإرادات –منصور البهوتي –ج2 –ص 214- وينظر  الروض المربع .
[45] انظر –فتح الباري شرح صحيح البخاري –كتاب السلم –الباب الأول-ج4-ص428 –ورواه مسلم في صحيحه –ج5-ص55 .
[46] الإفصاح –ابن هبيرة –ج1-ص363 .
[47] بداية المجتهد- لابن رشد-ج2-ص68 –دار الفكر .
[48] بداية المجتهد ونهاية المقتصد ؛ابن رشد –ج2-ص68-دار الفكر .
[49] المغني –لابن قدامة –ج4-ص304 .
[50] المغني.لابن قدامة –ج4-ص304 .
[51] انظر فتح الباري -شرح صحيح البخاري –كتاب الحوالات ؛الباب الأول –ج4-ص464-ط:السلفية- انظر مسلماً في صحيحه ؛كتاب المساقاة –ج5-ص34 .
[52] المغني –ج4-ص576 .
[53] المغني –ج4-ص577 ومابعدها بتصرف .
[54] المغني –ج4 –ص577 ومابعدها بتصرف .
[55] مختص المزني على مذهب الشافعي –ص107 –ط:الثانية .
[56] القاموس الفقهي –387 .
[57] سورة التوبة -آية 60 .
[58] المغني –لابن قدامة ج5-ص87 .
[59] فتح الباري –شرح صحيح البخاري –ج4 –479 .
[60] فتح الباري –شرح صحيح البخاري –ج4-ص481.
[61] المغني-لابن قدامة –ج5 –ص87-88 .
[62] المقنع-لابن قدامة-ج2-ص148 –ط:الثالثة.
3مختصر المزني –ص110- ط:الثانية .


Post a Comment

Previous Post Next Post