يتجلى العنف على المرأة في ثلاثة أشكال: عنف المرأة على نفسها، عنف المجتمع الذكوري، عنف النساء على المرأة.
     ا- عنف المرأة على نفسها:
     تفرض البيئة الاجتماعية والنفسية الفلسطينية عديداً من القيود على المرأة، تحيط بها وتجعلها تنظر إلى كينونتها نظرة متدنية. وبالرغم من المساحة الواسعة التي أصبحت تتمتع بها المرأة نتيجة الانفتاح على العالم الخارجي عن طريق التعليم، ووسائل الإعلام المختلفة، وشبكة الإنترنت، إلا أنها ما زالت وفي كثير من الأحيان وأمام كل ذلك المد الحضاري تقيم هي حائطاً منيعاً بينها وبين الحضارات المختلفة. تقول (فاتنة الغرة): 
كل الحضارات تمطر في/ وأنا أستنفذ قواي
لأبني سداً آخر ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، ص90 )
     وتكبح مريم الصيفي جموح نفسها بنفسها كبحاً قوياً يصل إلى اللجم، تقول:
هو اللجم في داخلي/ للخيول الجموحة/ تصهل بالاشتياق
ولكنه القلب/ يأبى الركون/ ويرخي العنان
لخطواته في السباق ( مريم الصيفي، عناقيد في سلال الضوء، لجم، ص 131)
     وإن ما يفرضه المجتمع على الرجل، وطريقة تربية الرجل أيضاً، تشعر المرأة أنه يمارس عنفاً ضدها ويؤلمها، فتكتوي غيظاً وألماً وتعذب نفسها بالرغم من أن المجتمع وطرق التربية التقليدية قد ربت الرجل على ذلك التعامل مع المرأة، تقول (فاتنة الغرة):
بيننا شارع تتخطاه لتصل إلىّ
ومدينة عامرة/ أتعثر فيها / لألتقيك
...
مشكلتي أنك تقفز لي عند كل دمعة
وأنت تحتاج بحوراً/ للخروج عن صمتك  ( فاتنة، امرأة مشاغبة جداً، ص86- 87 )
     صمت المرأة في المجتمع موضوع معروف بالنسبة للمرأة، وهي تعرف الضغوط المجتمعية التي تفرضه، ولكن ما يؤلمها بشكل أكبر هو ذلك الصمت من الرجل الذي يقابل به حبها إياه، مما يشعر المرأة بوجود مسافة كبيرة بينها وبينه. بالرغم من أن المجتمع قد أعطاه الحرية وهي التي عبرت عنها الشاعرة بعبور شارع، أما هي فأمامها مدينة عامرة بكل ما فيها من عوائق وحواجز تحول بينها وبينه حتى تقترب من محبوبها. وقد عبرت فاتنة عن ذلك بل لقد أطلقت على ديوانها الأول ( ما زال بحر بيننا).
     وفي اعترف لـ(ريتا عودة) أثناء لحظة ضعف، تعترف أحياناً بالانطوائية، والهوائية، والمزاجية، والطفولة، والحزن، والتلاشي، والانمحاء في بعض لحظات الضعف ولكنها تدعو الجميع إلى أن يسألوا أنفسهم ويحاولون استكشاف مصدر الألم وتدعوهم إلى الشفقة عليها.
ألا تحاولن/  استكشاف مصدر الألم
أم أن القاتل ../ لا يشفق .. ولو مرة
على المقتول../ بين يديه...
ألف مرة! (ريتا عودة، ثورة على الصمت، اعتراف.. أثناء لحظة ضعف!، ص28)
     هذا ومن سمات المرأة السيكولوجية النرجسية، التي إذا زادت عن حدها عند الفتاة فإنها تزيد من صعوبة العلاقات القائمة بينها وبين محيطها، ومن ثم فإنها تنطوي على نفسها، وتصبح كثيرة الشكوى من وحدتها ومن ظلم المجتمع إياها، ولعل في هذا تفسير لكثرة ما يتردد من شكوى المجتمع، ومن الوحدة وهي ظاهرة واسعة ممتدة عند الشاعرات، تقول (فاتنة الغرة):   
يضيق، يضيق
يطعنني../   "أخاف عليك"
تخنقني/     "أخاف عليك "
تقتلني/      "أخاف عليك "
سحقاً، لا مفر اليوم/ أن أمضي، بدون حقيبة الذكرى
أن أمضي، بدون وساوس الجيران
أن أمضي،/  فهذا الكون  لي وحدي
              وهذا القلب لي وحدي
             وهذا الحزن لي وحدي
             ولي وحدي/ ويا وحدي
                   سأمضي( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، تفاصيل ذات معني.. أو لا يهم، ص21 )
     ولكن الوحدة التي تعاني منها فاتنة وحدة بسبب شوقها إلى أخيها الشهيد. وهذا هم نسائي تعانيه المرأة الفلسطينية، حيث تقاسي المرأة الفلسطينية في الغالب فقد أحد أفراد عائلتها في مرحلة ما من فترات النضال.  
    وتعاني نبيلة الخطيب الوحدة، تقول:
كنا ولكن كنت وحدي .../ فأنا ... وظلي ...
وحدتي كانت تراودني/ ويسكن في سرائرها.. بقلبي..
ذلك الملعون خوف ( نبيلة الخطيب، صبا الباذان، كنا ولكن كنت وحدي، ص53)
     تصور نبيلة الخطيب هماً أنثوياً تقاسيه وهو الوحدة، فهي بالرغم من وجود الكثير من الناس من حولها عبرت عنهم (بكنا)، إلا أنها تتألم من وحدة تمتزج بالخوف، وكلها مخاوف تصيب المرأة جراء الغربة والضغط النفسي والشوق والحنين للوطن.
ب- عنف المجتمع الذكوري على المرأة:
     صورت معظم الشاعرات الفلسطينيات أشكال العنف المجتمعي، فهن يتحدثن بلسان النساء الفلسطينيات اللواتي يعانين صنوف العنف، بشكل يتطلب التعبير عن ذلك بين الفينة والأخرى للفت نظر المجتمع وتركيز بؤرة التفكير على معاونة المرأة والرجل لاتخاذ إجراءات فعلية للحد منها حيث ترفض المرأة أن تكون الضحية، تقول ريتا عودة:
      وأرفض !/ كل نظرات الشفقة
أرفض!/  كل احتمالات اعتباري " ضحية!"
فأنا امرأة../ أما وجع التجربة
فقد أجهضتني/ لكن .. عاد وأنجبني ..
داخل رحم الثقة (ريتا عودة، ثورة على الصمت، وجع التجربة، ص33)
     شعور المرأة بأنها ضحية يعكس قلقها، واكتئابها، واضطرابها، وانعدام الثقة بنفسها، والصدمة النفسية الأمر الذي قد يدفع إلى بروز أشكال مختلفة للتفكك. ويعتبر النص بوحاً أنثوياً نازفاً يعكس أكثر من زاوية لكينونة ( الأنا). ويعتمد على بنية الاستدراك (لكن) وهو استدراك يقود الدلالة باتجاه تفتيت نسقية النص المرتكز على رفض المرأة واعتبارها ضحية. 
     ولقد تحدثت (فدوى طوقان) عن سجن العادات والتقاليد، واستطاعت أن ترسم صوراً متعددة تآلفت وتآزرت وشكلت لوحة ذات إيحاء ودلالة للقهر والظلم الذي يجثم على صدر المرأة الفلسطينية ويكبلها، واستخدمت في رسم لوحتها ألفاظاً فيها إيحاء وإشعاع بالظلم والقهر عبرت بها عن شعورها المرير، ورؤيتها المرعبة لكآبة الحياة في ظل تلك العادات والتقاليد، التي تلقي بثقلها على أنفاسها، تقضي على أي شعاع في إمكانية الخلاص من سجن العادات والتقاليد([1]).
     ولم تكتف (فدوى طوقان) هنا بتمردها الفردي، بل أرادته نموذجاً لتمرد قبيلة النساء ضد قمقم الحريم وزمن الوأد، تقول في نصها (هو وهي) على لسانها:
وانطلقت أودع شعري/ خلجاتي الحرّى ونبض شعوري
وأغني الحياة أشواق روحي/ من وراء الأغلال من تحت نيري
أتحدى السجان، أسخر بالعرف/ بما شادت التقاليد حولي
من جدار ضخم مضت أغنياتي/ تتخطاه في تحد مثلي
كم فتاة رأت بشعري انتفاضات/ رؤاها الحبيسة الكتومة
كان شعري مرآة كل فتاة                            
وأد الظلم روحها المحرومة (فدوى طوقان، الديوان، وجدتها، هو وهي، ص 298-299)
     إن المعرفة هي إثارة عدم الرضا في نفس الإنسان من أجل أن يعمل على تغيير حياته إلى الأفضل. والشاعرات في ذلك التصوير يعملن على تعريف كل النساء بالظلم الواقع عليهن. ويؤكدن أن المرأة ليست مثالية كاملة الأوصاف، وإنما هي إنسان.
          وتؤكد (ريتا عودة) على رفض الصمت القاتل عند المرأة وتتحداه في نصها( الصمت القاتل!)، وفي هذا النص تقول:
أنا .. أومن../ بالمرأة.../ بكيان بشري متكامل!
أنا أومن / بحتمية تغير موقف الإنسانية / من المرأة...
وحتمية تغير موقف المرأة ../من موقفها/ من قضيتها!
أنا أومن / أن الصمت .. قاتل (ريتا عودة، ثورة على الصمت، من أنا، ص 10)
     ولعل الشرف، والعار، والعذرية تعتبر من أبرز أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة. مفهوم الشرف المرتبط في المجتمع بما يسمى " العرض " أو عذرية الفتاة قبل أن تتزوج، وإخلاصها لزوجها وطاعته بعد الزواج.([2]) تقول (ريتا عودة):
أخبرني كيف أكفر
عن حبي الذي لم أقترفه بعد فقد خبأته في بذرة برتقالة
زرعتها في تربة روحي
لكي لا ألطخ حلمي
بمخالب " شرف العائلة"..!( ريتا عودة، يوميات غجرية عاشقة، شرف العائلة، ص69)
     وتتعرض كثيرات من النساء في مجتمعات عديدة للقتل على خلفية الشرف، التي تستخدم كثيراً كغطاء لتنفيذ حكم الإعدام ضد نساء ولأسباب قد تكون كيدية وشخصية. وتسبب فكرة الشرف كثيراً من الخوف والعصاب(*[3])، عند المرأة وقد أشارت إلى ذلك (نوال السعداوي)(**[4])، تقول (ريتا عودة):
كيف لي ../ أن أحدث أنا../ ولو شقاً
في ذهن المرأة .. التي / اعتادت/ على الخوف
من نبوءة العار.. (ريتا عودة، ثورة على الصمت، محاولة لغسل عملية غسل الدماغ!، ص30)
     أما (سهير أبو عقصة داود) فإنها تصور قضية الشرف بشكل مختلف، حيث تصور الرجل الشرقي الذي تربى على فكرة الشرف والعذرية، والذي اكتشف بعد الليلة الأولى من زواجه من المرأة الجميلة التي أحبها، أن زوجته ليست عذراء. وهو يحاول أن يتقبل الأمر، ولكنه بين الفينة والأخرى يتألم من كونها قد كانت لها علاقات سابقة مع رجال آخرين. وفي لحظة ما يجد نفسه يعود إلى أصول تربيته فيقرر تركها. وبالتالي فهو لا يستطيع أن يتغير حتى لو تعلم أو اختلط بحضارات أخرى، تقول على لسان الرجل:
عذريتي ياقوتة ضاعت" قالت
ونامت فوق كتفي للصباح
"عذريتي ياقوتة ضاعت" قالت
ونامت فوق كتفي للصباح/ لم تكن عذراء
لكنني أحببتها في جرحها المبلول بالعرق المزيف
والنبيذ الذي تعتق في ضلوع آخرين
في حبها انكمش الشعور
هذا النقاء احتواه غيري
فوقه جسد معربد قد سكر
واستفيق من حنانها في فزع
فتروح تبكي/ ثم تدخل في شراييني/ فأبكي
حتى أغفو في عيونها للصباح...
حبيبتي ياقوتة أزلية ونقاء/ لكنها تلك التي أحببتها
لم تكن عذراء...( سهير أبو عقصة داود، الخطايا العشر، الخطيئة الأولى، لم تكن عذراء، ص9، 12، 15).
     ولا يقف العنف على المرأة عند القتل على خلفية الشرف، فقد يتجلى العنف في تعرض المرأة للاغتصاب، وقد يكون الاغتصاب من رجل غريب وقد يكون من الزوج وعلى فراش الزوجية. واغتصاب الزوجة من العنف الجنسي المباشر المسلط على المرأة الذي لا تستطيع التصريح به. فهو عنف مسكوت عنه ويعتبر من خصوصيات الأسرة (أسرار العائلة) التي لا يحق لأحد الإطلاع عليها، وهل ستعاقب المرأة والد أبنائها، وهل تقبل أن يسجن ثم يعود إليها، وهل يوافقها أهله أو أهلها على سجنه؟. وهو مسكوت عنه وتؤيده بعض المظاهر الثقافية المتخلفة.
     أما على مستوى المجتمع الفلسطيني فإن هذه المظاهر تعتبر من الناحية الرسمية نادرة الحدوث، ليس لقلتها ولكن لأن مثل هذه الممارسات العنيفة والمضادة للمرأة هي من الأمور التي لا يجوز البوح بها أو الإبلاغ عنها كما تتدخل العادات والتقاليد و"المقاعد" في حلها قبل أن تصل للأمن ويحال دون المعنفات وإيصال شكواهن للأمن، وإلا تعرضن لأضعاف ما يعانين ولتعددت الأزمات عندهن بدلاً من حدها وإنهائها، وهذا ما جعل من الصعب على الباحثين الحصول على إحصائيات دقيقة أو نزيهة تماماً حول تلك المواضيع الحساسة. غير أن ذلك لا يعني عدم وجود أو تكرار حدوث حالات العنف، فالعنف الجسدي النفسي والجنسي والاقتصادي والسياسي وغيره ممارس بشكل خفي أو غير معلن. الأمر الذي يجعل رصده والتصدي له أمر في غاية الصعوبة.
      و(أنيسة درويش) تصور خيانة واغتصاباً جنسياً في علاقة غير شرعية، ناتجاً عن لقاء مع رجل لا تحبه أرغمها على أن تمارس معه الحب غير مراع لمشاعرها، تقول في نصها ( ليلة شتاء):
 أتهجرني/ وفي أحلك الليلات ظلمة
وأهون عليك يجرحني/ ذاك الغريب
وفي غيابك ترتضي لي/ أن أضمه
ويطوق مني ما حلا لك/ أن تشمه
توردت وجنات/ وارتعش الحشا
رغم أني أعافه/ وأعاف لثمه
عجباً لجرأته/ أطفأ المصباح/ لفنا عتم
ويرجوني ألا أسيء/ فهمه
رفعت يدي لأصده/ وأنال لطمه
صرخت شياطين كثر/ وتكسرت النوافذ من ذعر
وراح ينهمر المطر/ بلل القنديل ووجهي والستر
غاب نجمي والقمر/ لتلفنا عتمه (أنيسة درويش، وأهون عليك، ليلة شتاء، ص31-32)
     وتبوح (ريتا عودة) في نصها بخصوصية أنثوية تتحرك داخلها، وداخل كل امرأة وهي رفض تقاليد القبيلة البالية التي تحد من حرية المرأة، وتقيدها، وترغب في مجتمع مدني، تقول:
أتحدى / وأرفض.. انتسابي إلى/ مجتمع قبلي
وأفرض .. على الكون/ مجتمعاً عصرياً
يتكافأ فيه الإنسان/ تتساوى فيه الوديان والكثبان
أتحدى (ريتا عودة، ثورة على الصمت، الصمت القاتل، ص 12)
     وترفض (فاتنة الغرة) تقاليد القبيلة المنغلقة، التي تريد أن تقتل حبها، حيث يقف رجال القبيلة في وجه حبها، وتنفذ الأم أوامرهم في قهرها فهي حارسة الأوامر الذكورية في الأسرة، تقول:
تريدوني ككبش فداء/ كي تحيا...خليلتكم
       - كبش فداء يا أمي
- غسلنا عارنا بالورد
-حييتم رجالات القبيلة
..والغواني/ في النوافذ/ تغلق الأبواب
تنتظر الفوارس/ هيت لك ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، بوابة، ص 48 )
     وتكتب (سهير أبو عقصة داود) رافضة العادات والتقاليد البالية، وتصر أنها لا تتأثر بها ولا تؤثر على عقليتها ورغبتها في التحرر، تقول:
     أكتب لك/ لأني لا أقدر أن أكون معك ولأن
وجهك المحنط/ في تابوت التقاليد/ يحزنني لكن
لا يغيرني (سهير أبو عقصة داود، الخطايا العشر، الخطيئة العاشرة، آسفة، ص95)
   وتصف (فاتنة الغرة) ما تفرضه القبيلة بصب الرخام، الذي يؤبد العادات والتقاليد، تقول:
              يصبون الرخام علي     
              ينتفضون في جلدي (فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جدا، تفاصيل ذات معنى أو لا يهم، ص10)
     وتصور (ريتا عودة) أشكال رفضها لقيود المجتمع ونظرته الدونية لها، تقول:
أتنازل / مؤقتاً.. عن/ أساوري.. وخواتمي/ عقودي .. وحلقي
أتنازل عن/ أسطورة ضعفي (ريتا عودة، ثورة على الصمت، ثورة على الصمت(2)، ص18)
     تتنازل الذات الأنثوية بشكل واع في هذا النص عن بعض الرموز الأنثوية التي تحمل دلالات الضعف في وجه التهميش، والإلغاء، والمصادرة.
     وتستغيث (فاتنة الغرة) بأمها أن تدفع عنها ذلك الهم الذكوري المتمثل في عمها، ولقد تكرر لفظ (عمي) في ديوانها (امرأة مشاغبة جداً)، (3 ) مرات، وهو يمثل الرقابة الصارمة، ويكبل حريتها، ويستلب هويتها، وهل تستطيع الأم وهي تتحدث الصوت الذكوري نفسه، الوقوف في وجه ذلك المجتمع والدفاع عن الابنة؟ تقول لأمها:
أحتاجك جداً/ كي تردى عن عيوني....حبل عمي
كي تردي عن جفوني/ كف عمي
كي تردي/ لم تردي ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، بوابة، ص50-51 )
     وصفت (فاتنة الغرة) عمها في النص السابق، والأم التي هي في الشعور الضمني لها تعتبرها أقوى رابطة يمكن أن تربطها بالماضي.
     تقول (نوال السعداوي):" وإذن فقد يكون من الخطأ أن ننكر على البنت كل نشاط (إيجابي)، ولكن ربما كان من الخطأ أيضاً أن نخلط بين (فاعلية) الولد و (فاعلية) البنت. والحق أن الفتاة لا تميل إلى مشاركة الفتيان في ألعابهم، مع ما يستتبع ذلك من تحمل للكثير من الآلام والضربات ومظاهر العنف المختلفة، لمجرد رغبتها في القيام بنشاط إيجابي؛ وإنما الملاحظ أن ميلها إلى النشاط الإيجابي لا يكاد ينفصل عن نزعتها المازوشية. وعلى كل حال فإن المجتمع سرعان ما يلزم الفتاة بالتخلي عن كل نشاط إيجابي، لكي يجعل منها مجرد " موضوع " يحكم عليه الآخرون، ويسر برؤيته الأغيار. وهنا قد تلعب الأمهات دوراً هاماً في قمع كل نشاط إيجابي تبديه الفتاة، إذ أن المرأة تريد أن تجعل من ابنتها مجرد صورة مصغرة لها، ومن ثم فإنها سرعان ما تشعرها بأن مصيرها رهن بأنوثتها، وأنوثتها إنما تقتضي التخلي عن النشاط والجرأة والعمل العدواني.
     وليس عجباً أن يختلف مسلك الأم حيال ابنها عن مسلكها حيال ابنتها، فإن احترامها لرجولته هو الذي يملي عليها ضرورة التخلي عن الحد من حريته، بينما نراها تحاول جاهدة أن تدمج ابنتها في نطاق " العالم الأنثوي " الذي جعلت له! والواقع أن الابن سرعان ما يقطع صلته بأمه (بوجه ما من الوجوه)، بينما تظل البنت مرتبطة بأمها، ويقوى اهتمام الأم بتكوين ابنتها النسوي، فنراها تحاول تلقينها واجبات المرأة، كما قد تعمد إلى تعليمها القيام بمهام البيت والتدبير المنزلي، حتى لتكاد البنت تصبح في نظرها أماً صغيرة، أو امرأة مبتدئة هي في دور التكوين!([5])
     وتقول: أما في الحالات العادية فإن البنت سرعان ما تتحقق من أن المجتمع الذي تعيش فيه هو مجتمع (رجال)، وأن المرأة لا تحتل فيه سوى مركز ثانوي. حقاً إن سلطة الأم قد تبدو لها بادئ ذي بدء سلطة كبيرة تجعل منها سيدة البيت والحاكمة المتسلطة على أمر الأسرة، ولكنها لا تلبث أن تتحقق من أن دور الأم في المجتمع لا يداني بحال دور الأب، وأن الرجال هم القوامون على نسائهم وأطفالهم([6]).
ج- عنف المرأة من النساء:
     تمارس النساء العنف ضد بعضهن لأسباب اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية، قالت فرجينيا وولف: إن النساء " قاسيات على النساء"، وتقول أنيسة درويش في نصها( نساء):
سحقاً/ لكل نساء الأرض طرا
فهن على بعض/ وبال في وبال ( أنيسة درويش، وأهون عليك، نساء، ص 92)
وتقول:
رمتني بالقبيح/ ولم تبالي
حمل/ وأثقلها لأيام/ خوالي
لا قومها قومي/ ولا هي مني
ولا نافستها بعيش/ أو بمال
حباها الله عافية ومالاً/ وتحسدني
شقائي واعتلالي
عتبي على الأقدار/ تدفعني/ إلى الوقوف/ بباب عذالي
بحثت عن الدوا/ لأصون نفسي
وأنى يدرك علتي/ من بات خالي
ولدي على كتفي/ يجثو
ومن في عمره/ بلغ الأعالي
أنوء بأحمالي/ وغزير أحمالي/ وغيري لا يبالي
لو أن خالقها/ بلاها ما بلاني/ لما نظرت
لثوبي أو جمالي ( أنيسة درويش، وأهون عليك، نساء، ص 90-91)
    تصور (أنيسة درويش) بشكل واضح وصريح معاملة المرأة للمرأة وظلمها إياها، حتى دون أن تتعمق في ظروفها وتعرف حقيقة معاناتها، فلكل إنسان همومه وآلامه وأحزانه. ومن جانب آخر تصور معاناة المرأة في حالة مرض أحد الأبناء خاصة إصابته بإعاقة(*[7]). واضطرارها إلى تحمل المشقة كلها. فوجود ابن معاق تعتبره الأسرة ويعتبره المجتمع من مهام المرأة. التي يجب أن تقوم بها على أكمل وجه فمن الواجب عليها أن تعتني بحياة أبنائها الصحية دون توان أو تذمر. وتضطر المرأة إزاء ذلك إلى إلغاء دورها في المجتمع، ومتعها الشخصية والتضحية بوقتها وصحتها ودورها من أجل أبنائها.
     " بعد مؤتمر نيروبي للمرأة عام 1985 وضعت خطة عمل لمقاومة العنف الموجه ضد النساء، وقد تم التعاون بين الحكومات والهيئات المحلية والدولية المختصة بحقوق الإنسان، وبين النساء والرجال، لإظهار مخاطر ظاهرة العنف الواقع ضد النساء وقد تم تبني استراتيجيات وأساليب عمل مختلفة حسب وقائع العنف التي يتم التعامل معها وحسب الواقع الاجتماعي والانتماء السياسي والديني. وكانت أول خطوة لمجابهة هذا العنف هي إخراجه من دائرة (الانتماء العائلي) فهناك شبه اعتقاد أو تسليم بأن العنف الموجه ضد المرأة من قبل أخ، أو زوج، أو حبيب هو عنف مقبول ولا يعاقب عليه القانون بالطريقة التي يعاقب عليها رجلاً غريباً تماماً إذا ما قام بالعمل العنيف نفسه ضد المرأة ذاتها"([8]).
     وأستطيع القول إن أشكال العنف ضد المرأة تختلف باختلاف المجتمع، والبيئة، والعادات والتقاليد. ولعل العنف الذي تناولته الشاعرة الفلسطينية في الغالب هو عنف نفسي أكثر منه جسدي أو قانوني. وإنني أعتقد أن ذلك يعود أيضاً إلى مدى صعوبة أن تتناول الشاعرة أشكالاً أخرى من العنف وبالأخص الجسدية. تجنباً لشبهة قد تلحق بهن بأنهن عرضة للعنف وإلا لما تحدثن عن موضوع لا يمت إلى حياتهن بصلة. وهذا بالتأكيد من الممكن أن يهز حياتهن الاجتماعية، وقد يزيد من العنف الواقع عليهن، وقد يجلب الإهانة لهن. مع ذلك إنني أعتقد أن الحديث عن العنف يساعد المرأة بشكل كبير على توضيح معاناتها ويساعدها في تجاوز ذلك. ويساعد المجتمع في تلمس جوانب تلك المعاناة التي بات يعتبرها أموراً عادية مع انتشارها وتكررها بشكل يومي ودائم وكبير، ولكن بشكل مسكوت عنه.
 2- الحب والجنس
    يعتبر الحب من أبرز القضايا النسوية التي تم تناولها من قبل الشاعرات الفلسطينيات، تحدثت به عن رغباتها النفسية والجسمية، وعلاقتها بمحبوبها ومعاناتها من حبها ومن محبوبها والمجتمع الذكوري المحيط، ووصفت تجربتها في علاقتها مع الرجل كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وبالبلاغة والتورية كلما وقفت السلطة الذكورية مسلطة سيفها على قلمها وحائلة بينها وبين معجمها اللفظي ومغلقة الأبواب بينها وبينه.
      ويعتقد البعض أن المرأة تجيد الكتابة في هذا الغرض بحكم عاطفتها، يقول محمد محمود خميس:" إن المرأة بطبعها أحد عاطفة من الرجل، فهي سريعة الانفعال في بغضها وحبها، ترشيها الكلمة الرقيقة الطيبة، وتقنعها الابتسامة الحلوة، والشعر النسوي مليء بالأحاسيس والمشاعر الرومانسية، والتي تشتمل على القلق والتساؤل عن هذه الحياة، وعدم رضا الشاعرة عن العصر الذي تعيش فيه والحياة التي تحياها".
     ولكن الدكتورة (نوال السعداوي) تقول: " ولسنا ندري إلى أي حد يمكن القول بأن (العاطفية) هي من الخصائص الثانوية المميزة للنساء عموماً، ولكن ربما كان من الصواب أن يقال أن وظيفة الأمومة قد اقتضت أن تكون المرأة أكثر حساسية من الرجل، وأسرع استجابة للمؤثرات الوجدانية، أما القول بأن المرأة لا تنظر إلى الحياة إلا من خلال عواطفها ووجدانها، أو أنها كثيراً ما تهتدي عن طريق شعورها وبصيرتها إلى حقائق قد لا يستطيع الرجل أن يهتدي إليها بعقله وتفكيره المجرد، فهو في نظرنا قول لا يخلو من مبالغة وإسراف، خصوصاً إذا عرفنا أن ملكة (الحدس) (L’Intuiotion) المزعومة كثيراً ما تجنح بالمرأة إلى إصدار أحكام سريعة ليس لها سند من عقل أو عاطفة، وأما إذا أنعمنا النظر فيما دأب الناس على تسميته باسم (العاطفية) المؤنثة، فقد نجد أنفسنا بإزاء (منطق) خاص أملته على المرأة طبيعة حياتها النفسية، باعتبارها مخلوقاً يتعامل في العادة مع الأفراد والأشخاص، لا مع الأفكار والمبادئ العامة! فالرجل في الغالب حريص على تطبيق المبدأ العام، وأما المرأة فإنها لا تعرف سوى الحالات الخاصة! والرجل في العادة إن طلب إليه أن يصدر حكماً لا يفكر إلا في مخالفة القانون باعتبارها واقعة تستلزم الإدانة، بينما المرأة إن وضعت موضع القضاء فإنها لن تفكر إلا في مصير فرد معين! وإذن فإن (منطق) النساء لا ينكر الوقائع كما يحلو للبعض أن يقول وإنما هو منطق يهتم بالأشخاص أكثر مما يهتم بالوقائع!"([9])
    والحقيقة إن التجربة النسوية الفلسطينية لم تتشكل إلا بعد تحرر المرأة واندماجها في الحياة الاجتماعية، وقبول الجمهور القارئ طبيعة تفاعلها الحر مع الرجل، حتى في التعبير عن نفسها في مغامرة الحب([10]) وهذا التحرر لم يحدث فعلياً إلا بعد هزيمة حزيران/ يونيو التي عرّت الثقافة العربية التقليدية المهزومة، فأتاحت بذلك المجال لنهوض عدة ثورات إبداعية، كان من بينها ظهور الشاعرات الفلسطينية في السبعينيات.
     ولقد ظهر الحب عند (هيام رمزي الدردنجي) عبر ثنائية الحب والأرض، حيث جعلت عنوان أحد نصوصها ( ثنائية الحب والأرض)([11]) وذلك في ديوانها ( بحور بلا موانيء). وحب الأرض لا يعرف الموت، ولذلك وسمت إحدى قصائدها بـ( الحب لا يعرف الموت)([12]) في الديوان نفسه.


([1] ) فدوى طوقان، الديوان، ص113، 247.
([2]) نوال السعداوي، المرأة والصراع النفسي، ص59.
(*[3]) العصاب neruoses كمرض نفسي قد لا يكون شديداً إلى الحد الذي يعطل المرأة عن عملها أو روتين حياتها اليومية، وقد لا يدفع المرأة إلى الذهاب إلى طبيب نفسي، وقد تعيش به المرأة وتموت به دون أن يدري من حولها أنها مصابة بالعصاب بل دون أن تدري هي نفسها أنها مصابة بالعصاب، أو أسباب تلك الكآبة التي تشعر بها من حين إلى حين، أو أسباب ذلك الصداع المستمر في نصف رأسها، أو ذلك الخمول والرغبة في الكسل أو النوم، أو ذلك الأرق في بعض الليالي، أو تلك الأحلام المزعجة التي تراها في نومها بعض الأحيان القليلة أو الكثيرة أو ذلك الإعراض عن الأكل أو الجنس أحياناً، أو ذلك النهم الشديد للأكل إلى حد الزيادة في الوزن بشكل ملفت للنظر، أو أو أو عشرات الأعراض البسيطة أو الشديدة المؤقتة أو الدائمة، لكنها في معظم الأحيان غير قاتلة، أو غير متعارضة مع الاستمرار في الحياة اليومية، وروتين الحياة اليومية، صحيح أن النشاط لم يعد كما كان، وصحيح أن الإقبال على الحياة لم يعد كما كان وصحيح أن هناك بعض الآلام الجسدية أو النفسية من حين إلى آخر، لكن الحياة تسير، ربما تسير ببطء أكثر، وربما تسير بغير بهجة وبغير لذة، لكنها تسير، وما دامت تسير فلا داعي للبحث عن أسباب تلك الأعراض، أو إدراك كنهها، ربما لا تكون مرضاً يستدعي العلاج (نوال السعداوي، المرأة والصراع النفسي، ص5، 20).
(**[4]) إن المازوشية تلعب دوراً كبيراً في حياة المرأة الجنسية والتناسلية معاً: لأنها من جهة تقترن منذ البداية بعقدة الخصاء، والخوف من الحيض، وعملية فض البكارة، كما تقترن من جهة أخرى بآلام الحمل والوضع والولادة والأمومة. (نوال السعداوي، المرأة والصراع النفسي، ص 20).
عن ([5] ) Simone de Beauvoir: “Le Deuxieme Sexe”، vol. Ll.، Ch. L.، pp. 26 – 28.
([6]) نوال السعداوي، المرأة والصراع النفسي، ص47-48.
(*[7]) لأنيسة درويش ابن معاق سخرت حياتها للإشراف عليه ومتابعة احتياجاته. (من مقابلة مع الشاعرة على الهاتف).
([8]) بثينة شعبان، المرأة العربية في القرن العشرين، دار المدى للطباعة والنشر، عام 2000، ص 206.
-[9]R. Allers: “The Psychology of Character” 1939، PP. 239 – 241.
نوال السعداوي، المرأة والصراع النفسي، ص29.
([10]) محمد الكتاني: الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1982، ص487.
([11]) هيام رمزي الدردنجي، بحور بلا موانيء، ثنائية الحب والأرض، ص34-35.
([12]) المصدر السابق، الحب لا يعر الموت، ص38-39.

Post a Comment

Previous Post Next Post