نظريات النمو
في استعراضنا لعلم النفس الارتقائي ان من اهم نقط التحول في مسيرة هذا العلم حركة القياس العقلي التي بدأها بينيه بمحاولته قياس الذكاء , وان علم النفس الارتقائي ارتمى في احضان حركة القياس خلال فترة العشرينيات وتأثر بالجدل حول الوراثه والبيئه الذي تفجر في هذه الفتره فأخذ يتجه اتجاهاً بيولوجياً, فمن الطبيعي ان تتولد عن ذلك نظرية بيولوجية قياسية للنمو  ناموسية , اي تحاول وضع متوسطات لنمو الطفل ككائن حي في معظم ان لم يكن جميع نواحي نموه ويمثل هذا الاتجاه جيزل الذي حاول ان يعطينا متوسطات للنمو لكل سنه من سنوات العمر في النواحي الجسمانية والعقلية والاجتماعية.
ثم ذكرنا ان دراسة طرق التنشئه في سنوات العمر الاول كالرضاعة والفطام, وما اليها تحتل نقطة تحول آخر, وان الدراسات في هذا المجال تأثرت بنظرية فرويد في التحليل النفسي. وبالتالي فأن نظرية فرويد عن مراحل النمو الجنسي نظرية لها مكانها.
ولما ظهر الاتجاه المتأثر بالنواحي الثقافية امدنا الفرويديون المحدثون وخاصة اريكسون وهاري ستاك سوليفان بهذا الاتجاه ولعل اهم النظريات التي تغطي اهمية الثقافه هي نظرية هاري ستاك سوليفان.
وممن كانت لهم اسهاماتهم في تطور علم النفس الارتقائي جان بياجيه الذي يسود اتجاهه حالياً في دراسة النواحي المعرفية, لذا كان من الضروري ان تأخذ نظريته مكانها. وسوف نستعرض كلاً من هذه النظريات بأختصار في هذا الفصل , على ان نشير للخصائص التي اعطاها البعض لكل مرحلة عند الحديث عن كل مرحلة من المراحل.
1ــ اتجاه جيزل:
ان اتجاهه كما ذكرنا اتجاه بيولوجي ارتقائي اذ يؤكد مفهوم النضج , يعتبر جيزل وزملائه اصحاب الفضل في تحديد خصائص النمو وانماطه بتسلسل سنه بعد سنه, غير انه على الرغم من ان كتابات جيزل تفيض بالتحذيرات من عدم التعميم وضرورة مراعات الفروق الفرديه بين الاطفال في اي سن, هناك نزعة بين كثير من الاباء وكثير من المعلمين الى اعتبار هذه الخصائص ثابتة وحتمية ومن الضروري ان تنطبق على كل طفل. والواقع ان اسلوب تحديد خصاص لكل سنه من سنوات العمر كثيراً ما اسيئ فهمه, اذ ينزع الآباء الى البحث عن العمر الذي يتفق وعمر ابنائهم ثم يقومون بتطبيق الخصائص المبينة عليهم واحده واحده متناسين ان جيزل وزملائه بتحديدهم لهذه الخصائص يهدفون الى اعطاء اطار عام لمستويات النمو واتجاهاته واشكاله لأن كل طفل كما يقرر جيزل ينمو طبقاً لنمطه الفريد الخاص به بشكل يختلف في قليل او كثير عن النمط العام , وهذا النمط العام هو الذي يعطيه لنا جيزل.
فليس من الضروري على سبيل المثال ان يكون كل اطفال سن الخامسة سواء في الخصائص المحدده لهذه السن الذي يبينه لنا جيزل. ويجب ان لا ننسى ان دراسة جيزل تنتقد في ان العينه فيها كانت صغيرة نسبياً وتدور حول ابناء اسر من اهل الحضر مرتفعة نسبياً في مستواها الاقتصادي والاجتماعي كانت مهتمه بالدراسة, وهذا يؤكد ضرورة الحر من تعميم نتائجه. فالعينه في دراسته لا تمثل كل القطاعات في امريكا واا كان الحذر ضرورياً في تعميم نتائجه على الاطفال الامريكيين, فالأولى ان نكون اكثر حذراً في تعميم هذه النتائج على اطفالنا في المجتمع المصري. ومن المؤسف انه لم تتم اي دراسة مماثله في مصر حتى يمكن ان نستند الى نتائجها في التطبيق على ابنائها وليس لنا تحت هذه الظروف الا الاعتماد على هذه الدراسات التي تمت في ثقافات مختلفة مع اتخاذ الحذر اللازم.
2ــ اتجاه فرويد:
ان نظرية فرويد في اصلها لم تكن نظرية في علم النفس الارتقائي, اذ انها نشئت في احضان الطب وبالذات في مجال الطب العقلي , ونكتفي هنا بالاشارة الى ان نظريته اثرت في كثير من مجالات العلوم السلوكية, وابرزت لنا اهمية الخبرات الاولى في حياة الطفل بتفاعله مع افراد الاسرة والمجتمع الخارجي, وان كثيراً من خبرات الطفوله تقمع وتنسى اي تكبت ولكنها تظل تعمل فيما يسمى باللاشعور وتؤثر في السلوك. وان اهم ما يكبته الطفل هو الدوافع الجنسية والدوافع العدوانية, واهم مراحل النمو الجنسي عنده هي كما يلي:
1-    المرحلة الفمية المبكرة: ومركز اللذه في هذه المرحلة هو الفم. فالفم هو سبيل الطفل لأشباع حاجته واتصاله بالعالم الخارجي, وتشبه حالة الطفل بعد الرضاعة والشبع منها والاسترخاء الذي يليها, حالة الاسترخاء التي تلي الانهاء من العملية الجنسية عند البالغ, ويشعر الطفل ــ في خبراته الفميه ــ بالاتحاد مع ما ابتلعه عن طريق الفم.
ومما يلاحظ ان كثيراً من مظاهرها يستمر حتى النضج والبلوغ. فالقبلة واللعق والتدخين وشرب الخمر وتعاطي المخدرات والهم, كلها مظاهر فيها لذه عن طريق الفم , وفيها استمرار لمظاهر المرحلة الفمية. ويمكننا ان نلخص مصادر اللذه في هذه المرحله في عملية الابتلاع والشعور بلذة الاتحاد مع ما يبتلعه الفرد.
2-    المرحلة الفمية الثانية: وتظهر هه المرحله حوالي نهاية العام الاول في ميلاد الطفل حين يبدأ ظهور الاسنان, وتبدأ معها اللذه في العض والقضم وقيام الطفل بدور ايجابي غير سلبي. فبعد ان كان نشاطه قاصراً على عمليات المص والادخال والبلع, اصبح يجد لذه اضافيه في قضم الاشياء والتعلق بأسنانه بثدي الام وجذبه وتصاحب ذلك ايجابية في الحواس الاخرى اذ يصبح الطفل قادراً الان على ان يحدد بصره ويدير عينيه متتبعاً الاجسام المتحركة كما ان حاسة السمع اصبحت تميز الاصوات وتحدد مكانها وتتبعها وبعد ان كانت وضيفتها سلبيه قاصره على الاستقبال واصبح في مقدور الطفل ان يمد ذراعه وان يقبض بيده على الاشياء ومن عادات السلوك الاجتماعي التي تغرس بذورها في هذه المرحله السرعه في الاخذ والرغبة في الحصول على الاشياء.
فأذا ما مرت بالطفل في هذه المرحله والمرحله السابقه خبرات غير ساره كالحرمان من العطف والحنان ــ مما قد يؤثر في عدم انتظام عملية الرضاعة والشعور بالطمأنينه الذي يصاحبها فأنه قد تثبت مع الطفل انماط من السلوك تتميز بها هذه المرحلة ويصعب عليه الانتقال الى المرحله التي تليها.
3-    المرحلة الشرجية: ومنطقة اللذه في هذه المرحلة هي فتحة الاست والمستقيم. ولا شك ان اللذه الشرجيه كانت موجوده في المرحلتين السابقتين, الا انه يبدو انه في السنه الثانيه من العمر تحتل هذه المنطقه مكاناً خاصاً متميزاً في مراحل اللذه عند الطفل, وتكون هذه اللذه مصاحبة لعملية الاخراج(التبرز) وتكون قاصرة على مجرد الاخراج في اوائل هذه المرحله من النمو, وفي اواخرها يؤدي نضح عضلات هذا الجزء من الجسم الى عمليتين يشعر معهما الطفل بالقدره على السيطرة هما: الاخراج والقبض, وهما تؤديان الى بدء شعور الطفل بذاته.
ولما كانت بعض الثقافات ــ مثل ثقافتنا والثقافه الغربية ــ تعطي اهميه خاصة لهذه العملية , ويتحتم تدريب الطفل على التحكم فيها في سن مبكره, فأن الطفل يستغل انماط السلوك المصاحبه لهذه العملية للتعامل مع الغير, فالتبرز في اي مكان في المنزل لا يرضى عنه الوالدان, قد يكون وسيلة يلجأ اليها الطفل لمعاقبتها والسيطرة عليهما كما قد يكون الامساك وسيلة ترمى الى هذا الهدف.
والتخلص من البراز عمليه يضطر اليها الطفل ويشعر بأنه يفقد جزءاً منه او جزءاً من ذاته, فيصحب عملية اخراجه شعور بفقدان شئ عزيز, وقد يجمد هذا النمط من السلوك في الفرد فيعز عليه العطاء, ويلذ له الاخذ, فيتحول الى شخص اناني في معاملاته مع الآخرين , وقد يصبح بخيلاً ينحصر همه كله في الاستحواذ على المال.
واذا كان تمرين الطفل على تنظيم عملية التبرز مشوباً بالقسوه والتعنت فقد ينكص الى المرحله الفميه السابقه, فيمص اصابعه ويقضم اظافره , او تكثر مطالبه ورغباته, او قد يتحول الى معتد فيستغل البراز كذخيرة يعتدي بها على الوالدين وارادتهما ليثبت ذاتيته.
4-    المرحلة القضيبية: يصبح القضيب مركزاً للذه حوالي السنة الثالثة من العمر لكل من الصبي والبنت. فالبظر في البنت يحل محل القضيب في الولد. واللذه الجنسية في هذه المرحلة لذة ذاتية , اي انها لاتتجه الى شئ او فرد في الخارج, فيجد الطفل لذته في العادة السرية , اي اجتلاب اللذة باللعب في اعضائه التناسلية.
ويرى فرويد ان عقدة اوديب ــ ويقصد بها ميل الطفل جنسياً نحو امه ورغبته في التخلص من ابيه , وميل الفتاة الى ابيها جنسياً ورغبتها في التخلص من الام ــ تكون في هذه المرحلة. ويصاحبها في الذكر الخوف من فقدان العضو التناسلي فيما يسمى بعقدة الخصى, ويقابلها في الفتاة الغيرة من الولد لوجود قضيب له حرمت منه.
ويرى فرويد ان عقدة اوديب تنتهي بفقدان الطفل اهتمامه بعضوه التناسلي لعدم نضجه, ولعدم فهمه فهماً كافياً لدلالته, ولخوفه من الخصى, وخوفه من افكاره نحو موت الاب, بينما تطول هذه المرحلة مع الفتاة لأنها ليست مهددة بفقدان عضو لاتحمله اصلاً كالولد.
ويتميز سلوك الذكر في هذه المرحلة بطابع الاختراق. فالقضيب يرمز الى القوة والى القدرة على عملية الاختراق والولوج. فالطفل يجري مخترقاً الهواء, وقد يصرخ ويصيح ويستعمل الالفاظ النابية وكلها مما يخترق الاذن, كما يخترق مجاهل الاماكن التي تدعو الى حب الاستطلاع.
5-    مرحلة الكمون: وتستمر هذه المرحلة ما بين السادسة والسابعة حتى المراهقة, وفيها يخمد الدافع الجنسي وتقل حدته, فلا يظهر في سلوك الطفل ما قد يميز الدافع الجنسي عنده. ويميل الاولاد الى اللعب والاختلاط بأولاد من جنسهم , كما تميل البنات الى اللعب مع بنات مثلهن. والميل الجنسي للأفراد من نفس الجنس مما تتميز به هذه المرحلة.
6-    مرحلة المراهقة والنضج الجنسي: يؤدي التغير الجسماني ونشاط الغدد التناسلية في سن المراهقة الى ان يبحث المراهق عن هدف يشيع حاجته الجنسية. ويرى فرويد ان التعلق بالوالدين واتجاه الدافع الجنسي نحوهما يظهر ثانية في بداية هذه المرحلة, الا ان هذا لا يستمر طويلاً بحكم التقاليد التي تحول دون اشباع هذا الدافع مع المحارم. فيستمر المراهق في سعيه حتى يجد من يشبع هذه الحاجه معه. وهو عادة فرد من الجنس الآخر, اللهم الا اذا كان هناك جمود على هذه المرحلة من المراحل السابقه, او خبرات غير سارة تؤدي الى النكوص الى احدى هذه المراحل. ويتخذ الشاب في هذه المرحلة طريقه نحو الرجولة, كما تتخذ الفتاة طريقها نحو الانوثه الكاملة مدركة اهمية عضوها التناسلي في عملية الاخصاب والانتاج.
وقد انتقدت هذه النظرية في انها تعزو التطور الجنسي الى تطور بيولوجي بينما تعزي بعض هه التطورات الى اثر الثقافة, كما انه اعطى معنى جنسياً لكل تطور بيولوجي علماً بأن بعض العوامل البيولوجية مع ضرورتها كعناصر عامة في النمو فليس من الضروري ان يكون لها معنى جنسي.

1-    اتجاه اريكسون:
وان كان الاساس في هذا الاتجاه فرويدياً الا انه يعطي الاهمية للعامل الثقافي, ويمثل هذا الاتجاه مراحل النمو في عملية التنشئة الاجتماعية, اذ يحدد ثماني مراحل لعملية النمو. ويعتبر الطفل متكيفاً اذا تميز سلوكه بالنواحي الايجابية في المرحلة التي يمر بها دون النواحي السلبية. وهذه المراحل هي:
1-    مرحلة الثقة ونقيضها عدم الثقة: فأذا تمت رعاية الطفل في بدء حياته ورضاعته في اشباعه من ثدي الام مضيفة عليه حرارة الالتصاق بها بحب وحنان نشأ الطفل وقد غرست فيه الثقة والشعور بالامان . واحسن دليل على ذلك هو استطاعة الطفل ان يتحمل غياب الام عنه دون شعور بالقلق لثقته أنه يتمكن من الاعتماد عليها في اشباع حاجته, ويمكننا حينئذ القول بأن الطفل قد مر بهذه المرحلة بسلام. اما اذا اسيئت معاملة الطفل في السنة الاولى من حياته, فأنه ينشأ فاقداً للشعور بالأمن وبالثقة في الناس وفي نفسه . وتقابل هذه المرحلة المرحلة الفهمية عند فرويد.
2-    مرحلة الاستقلال الذاتي ويقابله الشعور بالعار والشك: وتقابل هذه المرحلة المرحلة الشرجية عند فرويد والتي يتم فيها تدريب الطفل على ضبط المعدة. وقد رأينا اختلاف الاساليب بين المجتمعات بل بين الطبقات في المجتمع الواحد في التدريب على هذه العملية . فأذا اتسم التدريب باللين والتقبل والسماحة نشأ الطفل وهو يشعر بأستقلاله الذاتي, اما اذا اسيئت معاملته واتسم التدريب بالشدة والقسوة ينشأ الطفل يظلله دائماً الشعور بالعار والحساسية لنقد المجتمع والشك في نفسه وفي قدراته.
3-    مرحلة المبادأة في مقابل الشعور بالذنب: وتمتد هذه المرحلة من سن 3-5 تقريباً, وفيها يتعلم الطفل السليم صحياً مهارات مختلفة اذا يتعلم كيف يتعاون مع الآخرين وكيف يكون تابعاً او قائداً. اذ يبدأ الطفل في اكتشاف البيئه حوله وفي التجريب لمعرفة كيف يسيطر على اعضائه وعلى حركاته وعلى بيئته , فأذا تم تشجيع الطفل على ذلك نشأ ولديه صفات المبادأة والمبادرة , اما اذا حيل بينه وبين ذلك , بأشعاره دائماً بخطأه فيما يفعل نشأ وهو معذب بشعوره الدائم بالذنب.
4-    مرحلة الاجتهاد في مقابل الشعور بالنقص: وتطابق هذه المرحلة دخول المدرسة وفيها يتعلم الطفل كيف يحصل على التقدير لأنه يستطيع الانتاج اذا نجح في تعلم القراءة والكتابة والحساب, او نال التشجيع والاعجاب اذا انتج بيديه . ومدارسنا وللأسف رغم انها انشئت لبناء شخصية الطفل , الا ان فشل كثير من الاطفال في الارتفاع الى المستوى الذي تطلبه المعلمه وعقابها له يؤدي الى قتل الاجتهاد فيه ويشعره بالنقص بين زملائه وقليل من التلاميذ من ينجو من ذلك.
5-    مرحلة الذاتية في مقابل تشتت الدور: سوف نبين في التنشئة الاجتماعية انها تعد الطفل لدوره كولد والبنت لدورها كبنت وفي سن المراهقة يتحقق ذات الولد بأن يكون ولداً رجلاً , وتتحقق ذات البنت بأن تكون بنتاً . اذا أن على كل منهما ان يهيأ ليلعب الدور المعد له في المجتمع. لقد ترك كل منهما مرحلة الطفولة خلفه , وعلى الفرد ان يجد له مكاناً الآن في مجتمعه او يجد له هوية ومفهوماً للذات يتفق وفكرة الآخرين عنه. تشتت الدور هو عدم تأكد الفرد من هويته في المجتمع, وبالتالي عدم معرفته للسلوك المناسب.
6-    مرحلة التآلف في مقابل العزلة: يكون الفرد في هذه المرحلة مستعداً لأيجاد التآلف في علاقة حميمة مستمرة كالصداقات او الزواج. فأذا كان الفرد قد مر بالمرحلة السابقة بسلام فأنه يصبح متأكداً من ذاتيته وهويته , اذ يستطيع ان يتجاوز ذاته في المواقف التي تتطلب ذلك دون خوف من فقدانه لذاته. فالزواج فيه اخذ وعطاء وفيه اندماج لذاتيتين (م3 ـــ الطفولة والمراهقة) في ذات واحدة دون ان يفقد كل منهما ذاته في الآخر. ويؤدي عدم المرور بالمراحل السابقة مروراً سليماً الى خوف دائم من فقدان الذات فيضرب المرء على نفسه العزلة.
7-    مرحلة التوالد في مقابل الجمود: ويعني التوالد تحمل مسؤولية انجاب الاطفال والرغبة فيهم واضفاء الحب والرعاية عليهم, فالأزواج الذين ينبذون انجاب الاطفال تعوزهم القدرة على الخلق والانتاج يعني هذا فساد التنشئة في المرحلة السابقة.
8-    مرحلة تكامل الأنا او الذات في مقابل الشعور باليأس: وتعتبر هذه المرحلة قمة مراحل الحياة السابقة وتكملة لها. ويعني التكامل هنا مجابهة الحياة بنظرة واقعية وتقبلها فالشخص الناجح هو الذي كون فكرة عن نفسه يتقبلها , ويكون سعيداً بدوره في الحياة وبأنتاجيته فيها.

2-    اتجاه سوليفان:
يعتبر هاري ستاك سوليفان ممن يعطون اهمية للتفاعل الثقافي والتفاعل المتبادل او التواصل. ومن العجيب ان اتجاهه لم يحظ بعناية هو جدير بها, وقد يعزى هذا كما يقول احد الكتاب الى انه كتب قليلاً , وكانت لغته في مستوى فني عالٍ, كما كافة افكاره متشابكة ومختصرة ومضغوطة. فهو يرى ان سلوك الانسان يهدف في النهاية الى امرين متداخلين هما:
1-    الاشباعات:- ويدخل في ذلك النوم والمأكل والمشرب واشباع الرغبة الجنسية على الشعور بالوحدة وكلها تتصل اتصالاً وثيقاً بتنظيم جسم الانسان . وهو يدخل الشعور بالوحده هنا لأن لدينا جميعاً الرغبة في التلامس وان نكون قريبين جسمانياً من بعضنا البعض.
2-    الشعور بالأمن:- وهذا يتصل مباشرةً بالثقافة التي يعيش الانسان فيها. وهو يقصد بالشعور بالأمن الشعور بالرضا, وفي حالة طيبة فكل ما يدخل تحت الحركات والافعال والكلام والافكار والمقدسات ومااليها انما يتصل بالثقافة التي تشربها الانسان ولا صلة لها بتكوينه الجسماني او غدده, ومتصل اتصالاً مباشراً بالشعور بالأمن. وعملية ان يكون الانسان انساناً هي مرادف لعملية التنشئة الاجتماعية اي ان يكون الفرد عضواً في مجتمعه.
ومراحل نمو الشخصية عنده كما يلي:
1-    طفولة المهد وتمتد حتى نضج القدرة على السلوك اللغوي.
2-    الطفولة وتمتد حتى القدرة على معايشة القرناء.
3-    فترة الصبا وتمتد حتى القدرة على الارتباط الحميم بأفراد من نفس الجنس.
4-    ما قبل المراهقة وتمتد حتى نضج ديناميكيات الشهوة الجنسية.
5-    المراهقة المبكرة حتى يتم وجود نمط للسلوك الجنسي.
6-    من المراهقة المتأخرة حتى النضج.

1-    طفولة المهد: يعتمد الطفل بعد الولادة اعتماداً كلياً على الام وبتفاعله معها يجد ان بعض اتجاهات الام تضع قيوداً على الدافع لديهم نحو القوة . ويتكون لديه صورتان للأم هما الام الطيبة التي تشبع حاجات لديه تبعث على الراحة, والام الرديئة التي تقيد من حريته وتعطيه الشعور بالقلق تمتزج الصورتان تدريجياً لتقتربا من الصورة الحقيقية للأم . وطيلة حياة المرء اذا ما صادفه الهم فأنه يسلك طبقاً لما لديه من الصورتين عن الام. وتبدأ الذات في التبلور في نهاية طفولة المهد.
2-    الطفولة: تبدأ في هذه المرحلة عمليات التنشئة والتدريب المقصودة مصحوبة اما بالثواب او بالعقاب. وينمو نسق الذات سريعاً في هذه المرحلة. ففي هذه المرحلة يتم تدريب الطفل على عادات النظافة وما اليها وكل العناصر التي تشربها الآباء من ثقافتهم, ويسير التدريب جنباً الى جنب مع تعلم اللغةوتظهر حاجة الطفلفي هذه المرحلة الى وجود متغيرين, فيتعلم كيفية اثارة الانتباه, اي يستغل ما لديه من مهارات مكتسبة لأستغلال الآخرين وتحريكهم.
ويبدأ الطفل في هذه المرحلة التعبير عن التقزز اما بالكلمات او الافعال نتيجة لعمليات التنشئة . فيتم الاعلاء لأندفاعات معينة. ويمثل الاعلاء في هذه المرحلة جزءاً كبيراً من التعلم الاجتماعي. وبالأعلاء يتحكم في غضبه وفيما يثير القلق عنده, وتنمو في هذه المرحلة التخيلات واحلام اليقظة.
3-    مرحلة الصبا: عندما تبدأ الحاجة للقرناء اي صحبة من يماثلون الطفل تبدأ هذه المرحلة. اذ يبدي الطفل تحولاً من الرضا ببيئة يتسلط فيها الكبار وتمتلئ بالنماذج اللاشخصية كالحيوانات الاليفه والدمى الى بيئة فيها اشخاص يماثلونه. فأذا تواجد هؤلاء القرناء اصبح لحياته معنى آخر. فأذا عز تواجدهم خلقهم في خياله, وبوجود القرناء تظهر سمات كالتعاون والتنافس والتراضي.
ويدخل الطفل المدرسة في هذه المرحلة وهي خبرة لها مضامينها الخطيرة, فالطفل في البداية ينظر الى المعلم على انه شخص غريب يمثل خطورة ويختلف عن الابوين, وهو شخص احط منهما. ولصعوبة الخبرات التعليمية والخبرة بالمعلم يحاول نبذها. ولكن زملائه الآخرين الذين يمثلون اهمية عنده ينصاعون ويتقبلون الأمر, فيبدأ تدريجياً وتدريجياً جداً في تقبل الامر الواقع فتتسع ذاته لتقبل هذا الواقع. وهذا تحصيل صعب.
ويتطلب التعلم المدرسي انماطاً اشرافية على الذات لمراجعتها, فيظهر ما يسمى بالمستمع الداخلي او الكاتب الناقد. وهذا الناقد الداخلي هو تنظيم فرعي لتنظيم الذات.
وتزداد الحساسية لما يحدث في علاقات التواصل او العلاقات المتبادلة ولما كانت الحاجه للألتصاق والحاجه للمتفرجين قد ظهرتا في المرحلة السابقة فأنهما تزدادان قوة في هذه المرحلة. ويظهر في هذه المرحلة الخوف من العزلة. والخوف من العزلة له جذور في العملية التعليمية بما يبديه الملمون من تجاهل. وهذا سلاح يستخدمه الآباء في تعليمهم للأبناء, فينشأ الخوف من الشعور بالحطة والضعة. ويقال ان مجتمع الصبية هو المجتمع الذي يبلور الذات في شكل السمعة التي يكتسبها الطفل وتنمو هذه المرحلة نحو الجماعات.
4-    ما قبل المراهقة: تبدأ مرحلة ما قبل المراهقة ما بين الثامنة والنصف من العمر تقريباً حتى سن الثانية عشرة, وتنضج في هذه المرحلة القدرة على الحب. وفي رأي سوليفان ان الحب يتواجد اذا ما كانت الاشباعات والشعور بالأمن لدى المحبوب او المحبوبة لها اهميتها عند الفرد تماثل اهميتها بالنسبة له. ولا يوجد الحب تحت اي ظروف اخرى تخالف ذلك رغم الاستعمالات الدارجة للحب.
ولابد من توافر عوامل معينة في البداية منها التماثل, وتوازي الاندفاعات والنمو الجسماني. وتهيئ مثل هذه العوامل الى شعور الصبية بالراحة مع صبية مثلهمدون البنات. وهذا الشعور بالتوحد مع افراد الجنس او وضوح الهوية يميز مرحلة ما قبل المراهقة. ومن الطبيعي ان ينمو الحب بين فردين من نفس الجنس في هذه المرحلة في البداية. ويبدأ الصبي هنا في رؤية نفسه من خلال عيون الآخرين. ويبدأ تفتح الصبي على العالم الخارجي ويشعر بأنسانيته فيجد المتعة في العلاقات الاجتماعية وتتحقق انسانيته بالأنتماء الى الآخرين والعالم اجمع الذي يحاول اكتشافه.
5-    المراهقة:تتطور الشخصية في نموها تدريجياً مرحلة بعد مرحلة ويتوقف تطور اي مرحلة من المراحل على التحقيق الناجح لتطور المرحلة التي سبقتها. كما يتوقف كذلك على توفر النضج اللازم بالمرحلة. ويتم النضج في الوقت المناسب اذا توفرت الظروف البيئية واذا لم تتوفر الخبرات المناسبة لتحقيق الكفائة للحياة مع الآخرين في هذه المرحلة من النمو, تقل فرصة النجاح في العلاقات الاجتماعية في المستقبل.
فأذا مرت مرحلة المراهقة بسلام يخرج منها الفرد بأحترام للذات يناسب كل موقف. وان كان يبدو ان معظم الافراد يمرون بهذه المرحلة بسلام. الا ان سوليفان يؤكد ان هذا غير حقيقي . فمعظم الافراد شبو وكبروا ولم يتجاوزوا مرحلة ما قبل المراهقة لذا اصبحوا كاريكاتورات منحطة لما كان يجب ان يكونوا عليه. فمن الامور الضرورية للأشباع الناجح لديناميكية الشهوة العضوية هو العلاقة الحميمة. ويقصد سوليفان بالعلاقة الحميمة بالشعور بالتقارب والرقة نحو الشريك الجنسي. وهو لا يعتبر الناحية الجنسية تمثل نواة لتكوين الشخصية كما هو الحال في نظرية فرويد.

5- اتجاه بياجيه:
نظراً لما تحتله نظرية النمو المعرفي عند بياجيه فأننا نسوق هنا المراحل التي توصل اليها نتيجة لتجاربه الطويلة.
ثبت ان الاطفال يطيلون التطلع الى الاشياء المعقدة اكثر من تطلعهم الى الاشياء البسيطة , ولعل ذلك يعود الى ان الاشياء المعقدة تحتوي على معلومات اكثر وتتطلب المزيد من التذكير. وتتطلب البيئه التي يولد فيها الطفل المزيد من التفكير. وفي خلال فترة قصيرة بعد الولادة يأخذ في اكتسابها بعينه وبأصابعه وبلسانه وبكل حاسة يستطيع استخدامها, ويكون شغله الشاغل اكتشاف بيئته بالاضافة الى الاكل والشرب وغيرهما من الوظائف التي تبقي على حياته.
لقد قضى جان بياجيه حياته في دراسة تفاعل الاطفال مع بيئتهم وتكوينهم للمهارات التي يتناولون بها البيئة. وفي رأيه ان القدرات العقلية كلها تقوم على هذه الخبرات المبكرة وتتكون منها.
لقد بدأ بياجيه دراسته بملاحظته لأطفاله في اكتشافهم للبيئة الطبيعية وفي التجارب التي يقومون بها ليتبينوا الطريقة التي تعمل بها الاشياء, والاخطاء التي يرتكبونها في احكامهم, والمنطق الذي يستخدمونه في معالجتهم للمشاكل التي قدمها.
ويطلق على اسلوب بياجيه الاسلوب الأكينيكي الوصفي لأنه توصل الى نتائجه بملاحظة وسؤال اطفال فرادى. وقد طبق هذا الاسلوب على مظاهر سلوكية كثيرة مثل الوعي بالواقع, والتفكير, واللغة, وحل المشكلات, والقيم الخلقية, والمفاهيم الاجتماعية, والنطق, ويرى بياجيه ان النمو المعرفي يتم في اربع مراحل اساسية هي:
1- المرحلة الحسية الحركة:
وتمتد هذه المرحلة من الميلاد الى حوالي سن18 شهر. ويهم الطفل في هذه المرحلة بتعلم الطريقة التي يوجه بها حركات جسمه ويتحكم فيها والكيفية التي يستخدم بها المادة التي تسوقها اليه حواسه فهو يتعلم مثلاً المدى الذي يتطلبه الوصول الى لعبة معينة , واين ينظر ليقرر من اين يأتي الصوت الصادر خلفه.
2- مرحلة ما قبل القيام بعمليات:
وتمتد من سن 18شهراً الى حوالي سن السابعة. ويسمى بياجيه الجزء الاول من هذه المرحلة الذي يمتد حتى سن الرابعة تقريباً بمرحلة ما قبل تكوين المفاهيم. ويصبح الطفل خلال هذه الفترة قادراً على تناول الاحداث رمزياً اما عن طريق صور عقلية او عن طريق بدائل لغوية. وتنمو القدرة مرتبطة بحل مشكلات صغيرة. والطفل في هذه المرحلة يتمركز حول ذاته, ويعجز عن الاخذ بوجهة نظر الآخرين, اذ يقوم بتصنيفات تعسفية, ويجد صعوبة في اصدار الاحكام المبنية على الواقع. فالمنزل بالنسبة له قد يكون منزله, ولم يكون منازل الاطفال الآخرين. فهي في نظره ليست منازل.
وهكذا مما يعوق التفكير المنطقي في هذه المرحلة التمركز حول الذات, والعجز عن اخذ وجهة نظر الآخرين او لعب ادوارهم, وكذلك التركيز الجزئي اي نزعة الطفل الى تركيز انتباهه على مظاهر ادراكية محددة. وعدم قدرته على ادراك التحويلات, وعلى ادراك النضاد.
ويطلق على الجزء الثاني من هذه المرحلة مرحلة الالهام او الحدس. اذ يبدأ الطفل في هذه المرحلة رؤية العلاقات بين الاحداث, اذ يتعلم ان كمية الماء التي تصب من زجاجة طويلة تظل كما هي اذا ما صبت في زجاجة مفلطحة ويبدأ في التخلص من الاعتقاد ان الدمى فيها حياة وما الى ذلك.


3- مرحلة العمليات المحسوسة او العينية:
وتمتد من سن السابعة حتى سن 11 سنة. وتتميز بالقدرة على استخدام الاستنتاجات لحل المشكلات المحسوسة , اذ يتعلم التقديرات والتقريبات ويتمكن من استخدام مفاهيم مثل الحجم النسبي والوزن والطول. ويتمكن من تصنيف الاشياء تبعاً للحجم وغيره من الخصائص ويرتبها بأنتظام.
4- القدرة على التفكير المجرد:
لا تنمو القدرة على حل المشكلات والتفكير المجرد الا في فترة من سن 11سنة الى 15سنة . وتسمى هذه المرحلة ايضاً بمرحلة العمليات الشكلية.
اذ يتمكن الطفل في هذه السن من تكوين المفاهيم وينظر الى الاشياء بوجهات نظر مختلفة , ومعالجة عدة اشياء في وقت واحد لحل المشكلات.
ولعل من احسن ما قام به بياجيه تجاربه حول ما يسمى بالأحتفاظ.
فالقدرة على الاحتفاظ بالواقع في جوهرها نوع من البصيرة في الخصائص الفيزيقية للأحجام والفراغ والوزن والكمية والشكل وما شابه.
فالأطفال قادرون على الاحتفاظ لن يظللهم القائم بالتجربة. فأذا اراهم كرة من الصلصال ثم فلطحها فلن يخدعهم ذلك من ناحية الحجم اذ سوف يعرفون ان الحجم لم يختلف ويبدو ان الاساس في عملية الاحتفاظ هو اكتساب القدرة على التمييز بين المظاهر والواقع الذي يستمر ثابتاً على الرغم من التغيير المظهري ولا تكون هذه القدرة الا في الفترة الثانية من المرحلة الثانية.

Post a Comment

Previous Post Next Post