تطور التمويل الدولي
تمهيد :
يشتمل التحليل على تقسيم تطور التمويل الدولي إلى ثلاثة مراحل تبدأ:
المرحلة الأولى : من (1870- 1914) وهي الفترة السابقة للحرب العالمية الأولى.
أما المرحلة الثانية : من (1915- 1943) وهي الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
المرحلة الثالثة : من بعد 1944 وهي الفترة التي توافق نهاية الحرب العالمية الثانية أي من 1944 حتى الآن.
وسوف نتناول في كل مرحلة الخصائص الأساسية التي حكمت العلاقات الإقتصادية الدولية ونظام النقد الدولي الذي ساد في كل فترة بالإضافة إلى التغيرات التي طرأت على طبيعة ونوع واتجاه التحركات الدولية لرؤوس الأموال.

المبحث الأول :  التمويل الدولي في الفترة السابقة للحرب العالمية الأولى

لكي يمكن تحليل طبيعة ونوعية واتجاه التحركات الدولية لرؤوس الأموال في الفترة السابقة لعام 1914 وهو تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى فإنه يجب التعرض لطبيعة النظام النقدي الدولي الذي ساد خلال هذه الفترة .

1- نظام النقد الدولي خلال الفترة (1870- 1914) :
يمكن القول أن نظام النقد الدولي الذي ساد خلال هذه الفترة قد قام على أساس قاعدة الذهب التي جاءت إلى التطبيق بشكل تلقائي وبتوافر مجموعة معينة من القواعد هي التي مهدت الطريق لسيطرة قاعدة الذهب على النظام النقدي العالمي.
وتتمثل هذه القواعد بصفة أساسية في التزامات حكومات الدول المختلفة:
-       بتحديد قيمة ثابتة لعملتها الورقية بالنسبة لوزن معين من الذهب.
-       الالتزام بتحويل ما يقدم من عملات ورقية بالذهب عند المستوى السابق تحديده.
-       ترك الحرية للأفراد في تصدير واستيراد الذهب بكل حرية وبدون قيود.
-       والالتزام بهذه القواعد من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق ميزة هامة وهي استقرار وثبات أسعار صرف عملات الدول المختلفة.
وعلى هذا الأساس فإن مزايا تطبيق قاعدة الذهب تتلخص في:


مزايا نظام الذهب الدولي:
في ظل نظام الذهب الدولي تعتبر عملات الدول الذهبية أو التي ترتكز إلى الذهب عملات دولية قوية ذلك أنها تتمتع بالقبول على المستوى الدولي وقد كان من مزايا قاعدة الذهب الدولية ما يلي:
أ- استقرار أسعار الصرف:
إذ أن هناك علاقة ثابتة بين وحدة النقد الأساسية لكل دولة وبين الذهب ويترتب عليه  أن أسعار العملات بالنسبة لبعضها البعض لا يمكن ان تنقلب في حدود تكاليف شحن الذهب والتأمين عليه وهذا بدوره يؤدي إلى دعم حرية التجارة ونمو التبادل الدولي وتحركات رؤوس الأموال.
ب- استقرار مستويات الأسعار في الدول المختلفة:
حيث تلجأ الدول التي ترتفع فيها مستويات الأسعار بالنسبة لمستوياتها في الدول الأخرى إلى تصدير الذهب إلى الخارج, ويتم خروج الذهب منها إلى غاية عودة الأسعار فيها إلى ما كانت عليه.
ج- دعم الثقة في النظام النقدي:
وذلك للقيد الذي تفوضه آلية النظام على كمية النقود المصدرة والذي بدوره يدعم استقرار مستويات الأسعار, بمعني أن الذهب يكون موزعا بين مختلف الدول بحسب حاجة كل منها إلى الإصدار.
الإنتقادات التي تعرض لها نظام معيار الذهب الدولي وأسباب انهياره:
رغم ما تميز به النظام فقد تعرض لانتقادين:
أولهما : أن استقرار أسعار الصرف الأجنبي يكون على حساب عدم الاستقرار الاقتصادي الداخلي (كساد).
ثانيا : ينتج عن انتقال الذهب بين الدول آثار عكسية.
مثلا: دولة ما تتبع نظام الذهب وحدث فيها ما أدى إلى عدم الاستقرار السياسي, هذا سوف يؤدي إلى هروب الذهب من هذه الدولة (وبالتالي تنخفض مستويات أسعارها ويقل فيها النشاط الاقتصادي) إلى دولة أو دول أخرى, حيث ترتفع مستويات أسعار هذه الأخيرة دون الحاجة إلى ذلك (حدوث انتعاش) وهذا يؤدي إلى حدوث متاعب اقتصادية.
لكن نظام الذهب الدولي استمر تشغيله في بيئة مواتية قبلت فيها الدول المطبقة لهذا النظام التضحية باعتبارات الاستقرار الداخلي في سبيل المحافظة على الاستقرار (التوازن) الخارجي (تثبيت أسعار الصرف والعمل على إعادة التوازن إلى موازين مدفوعاتها بصورة تلقائية), واستمر هذا الوضع حتى نشوب الحرب العالمية I حيث واجه نظام الذهب عديدا من المشاكل منها أن الحرب كشفت جمود النظام وعدم قدرته على توفير المرونة اللازمة في العرض النقدي والذي تراكم الطلب عليه ليس فقط من أجل تمويل احتياجات الحرب بل لحاجة الدول المتحاربة لاحتياطاتها من الذهب لتمويل وارداتها من الخارج وقد أدى هذا لإيقاف العمل بهذا النظام.
ورغم محاولة الدول الكبرى إحياء هذا النظام غير أنها لم تستطع الاستمرار إلا لفترة محدودة سقط بعدها النظام تحت وطأة الكساد (أول دولة تمكنت من العودة إلى نظام الذهب هي الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1919 بسبب وضعها الاقتصادي المتقدم وعدم التأثر بالحرب وتزايد احتياطاتها الذهبية).


جدول رقم (1) : معدلات تبادل العملات الرئيسية في ظل قاعدة الذهب
المصدر : توماس ماير وآخرون, البنوك والنقود والاقتصاد, ص: 630.
وقد كانت العوامل المساعدة على انهيار نظام الذهب هي:
1-     زوال عصر حرية التجارة.
2-     سوء توزيع الذهب بين الدول أي تركز الذهب في خزائن بعض الدول مثل أمريكا وفرنسا, بحيث فقدت بقية الدول الأخرى جزءا كبيرا من احتياطاتها مثل ألمانيا بسبب دفع التعويضات للحلفاء, هذا العامل قضى على أحد مقومات نظام الذهب (حرية دخول وخروج الذهب).
3-     ظهور القوى الاحتكارية : وذلك بـ :
-       نمو الكثير من الشركات الاحتكارية وشبه الاحتكارية التي تتحكم في الأسعار والإنتاج.
-       ظهور الكثير من النقابات العمالية القوية التي تعمل دائما على رفع مستويات الأجور ولا تقبل أي تخفيض فيها, هذا ساعد على ضعف العلاقة بين مستويات الأسعار وكمية النقود والذهب الموجود في الدولة وهذا ما أدى إلى انهيار نظام الذهب الدولي.
4- عدم الاستقرار السياسي
والخلاصة : أن أغلب دول العالم اضطرت إلى ترك هذا النظام بعد الحرب العالمية الأولى وحتى محاولات إحيائه كانت فاشلة وانهارت بسبب الكساد العظيم في أوائل الثلاثينات حيث خرجت إنجلترا عام 1931 وتبعها بعدها العديد من الدول ثم تلاها غيرها من الدول الأوروبية في السنوات اللاحقة.
وبعد انهيار هذا النظام بدأت الدول بفرض قيود على تجارتها وفرض الرقابة على الصرف وانقسم العالم إلى عدة مناطق نقدية مثل منطقة الدولار (أمريكا), منطقة الإسترليني (إنجلترا), كتلة الذهب (فرنسا وبعض الدول الأخرى), ثم مجموعة ألمانيا و دول أوروبا الوسطى.
2- التحركات الدولية لرؤوس الأموال خلال الفترة (1870- 1914) :
في ظل سيادة قاعدة الذهب وثبات أسعار الصرف يندرج انتقال رؤوس الأموال في شقين:
الشق الأول: يتعلق بانتقالات الذهب من وإلى الدولة وفقا لحالة ميزان المدفوعات, إذا كان الميزان يتوازن بصورة تلقائية من خلال خروج ودخول الذهب بحرية, ومن هذا المنطلق يمكن القول أن تحركات رؤوس الأموال كانت تابعة لحركة التجارة الدولية ووضع موازين المدفوعات للدول المختلفة.
أما الشق الثاني لانتقال رؤوس الأموال: يتعلق بنمو حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة, وهذا نتيجة للظروف التي وفرتها أسعار الصرف الثابتة والأمان ووجود الفرص الإستثمارية المربحة في المستعمرات التابعة من ناحية وانتشار النظم الاستعمارية من ناحية أخرى.
وتعتبر لندن المركز الأساسي للتجارة والتمويل, وكان معظم التجار والبنوك في معظم دول العالم يودعون أرصدتهم المالية في لندن على شكل ودائع, وكان انتقال رأس المال من وإلى بريطانيا شديد الحساسية لتغيرات أسعار الفائدة في بريطانيا.
3- أزمات الدين الخارجي في القرن التاسع عشر :
تتشابه أزمات الدين الخارجي التي كانت خلال القرن التاسع عشر مع الأزمات التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين.
إلا أن الديون كانت في غلبيتها من مصادر الإقراض الخاصة لمختلف الحكومات في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, واتجهت الديون الخارجية إلى الإرتفاع السريع بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض ويمكن القول أن هذه الديون جاءت من مصادر خاصة في المراكز الرئيسية للمال في كل من لندن, فرنسا وألمانيا وكانت لتمويل العديد من مشروعات البنية الأساسية.



التمويل الدولي في فترة ما بين الحربين
إن الحرب العالمية الأولى قد أدت إلى خروج معظم الدول عن قاعدة الذهب وأخذت التدفقات الدولية لرؤوس الأموال في تلك الفترة تتجه إلى الضمور, كما ظهر نوع جديد من التمويل وهو القروض الحكومية وتغيرت كذلك المراكز المالية الرائدة في العالم وترك الجنيه الاسترليني مكانه للدولار الأمريكي وقامت الولايات المتحدة بدور جديد وقوي في الساحة الدولية.
ويجب أن نتعرض لطبيعة النظام النقدي والتغيرات التي حدثت خلال الفترة ما بين الحربين, بالإضافة إلى تغيرات التمويل الدولي ونوعيته واتجاهاته الأساسية.
1- نظام النقد الدولي في فترة ما بين الحربين :
بعد الحرب العالمية الأولى اختلفت قواعد اللعبة الأساسية التي تضمن بقاء واستمرار قاعدة الذهب, وانطفأت نيران الحرب في نهاية عام 1918 بعد أن خرجت كل الدول عن قاعدة الذهب وانهارت الأسواق المالية وانكمش حجم التجارة الدولية بشكل كبير وتم وقف تحويل العملات الورقية إلى ذهب ومنع عمليات استيراد وتصدير الذهب واتجهت أسعار صرف العملات المختلفة إلى التقلب المستمر حيث سادت قاعدة اللاقاعدة, وتغيرت مراكز القوة الاقتصادية في العالم بظهور الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب كأكبر دولة دائنة وذات فوائض مالية كبيرة وأرصدة ذهبية ضخمة, وظهرت كذلك مشكلة تعويضات الحرب التي فرضت على ألمانيا من ناحية ومشكلة الديون المستحقة للولايات المتحدة من ناحية أخرى.
وعليه سارعت الدول إلى عقد مؤتمر للإصلاح النقدي في بروكسل سنة 1920 وفي جنوة 1922 وكانت الدعوة آنذاك إلى العودة لقاعدة الذهب هي البديل الأفضل لتحقيق الاستقرار الإقتصادي والمالي والنقدي وتنشيط حركة التجارة الدولية وكانت العودة لقاعدة الذهب تحت شكل تطبيق نظام السبائك الذهبية, وعادت إنكلترا بالفعل إلى قاعدة الذهب سنة 1925 وحددت سعرا للجنيه الإسترليني عند نفس مستواه في الفترة السابقة للحرب, كما عادت فرنسا إلى نفس القاعدة عام 1928, أما ألمانيا فقد دمر التضخم قيمة عملتها وثقل حملها بتعويضات الحرب واضطرت إلى تغيير عملتها عام 1923, ولجأت إلى عقد قروض خارجية ساعدتها على العودة إلى قاعدة الذهب سنة 1924, وهكذا عاد عدد كبير من الدول إلى قاعدة الذهب ولفترة محدودة حيث حل الكساد الكبير سنة 1929 وخرجت الدول تباعا عن الإلتزام بقاعدة الذهب وسادت الفوضى وفرضت معظم الدول مرة أخرى السعر الإلزامي لعملتها المحلية وعمدت الدول إلى تعويم عملتها حيث عمدت بريطانيا إلى تعويم الجنيه الإسترليني وخروجها عن قاعدة الذهب سنة 1931  ويتبعها في ذلك عدد كبير من الدول: فرنسا, أمريكا مع تخفيض عملتيهما.
وهكذا فإن الخروج عن قاعدة الذهب كان مرفقا بتخفيضات كبيرة لأسعار صرف العملات المختلفة مما أثر بشكل كبير على حركة التجارة الدولية وأصبح نظام التعويم هو الأساس الذي ارتكز عليه النظام النقدي العالمي في فترة ما بين الحربين.
وبدأت الحرب العالمية II في سبتمبر 1939 وتوقفت بعد ست سنوات بعد استسلام ألمانيا في ماي 1945 واليابان في سبتمبر من نفس العام, واشتركت في هذه الحرب ما يزيد عن 61 دولة يسكنها 80% من سكان الأرض وراح ضحيتها 50 مليون نسمة, وتم تدمير القوى الإقتصادية في أوروبا وانكمش حجم التجارة العالمية بشكل كبير.
2- طبيعة التمويل الدولي فيما بين الحربين :
من أهم التغيرات في فترة ما بين الحربين ظهور الولايات المتحدة وقيامها بدور جديد في مجال الاستثمارات الخارجية, كما أن انهيار نظام أو قاعدة الذهب الدولية كان له دور كبير في انكماش الاستثمارات وضعف الثقة في كفاءة عمل الأسواق المالية وانكمش حجم الإقراض الخاص لحد كبير.
ولهذا ظهرت أنماطا جديدة من الإقراض وأهمها الإقراض الحكومي الذي حل محل الإقراض الخاص والاستثمارات المباشرة.
كما تحول مركز الريادة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية, حيث خرجت دول الحلفاء من الحرب مثقلة بالديون الكثيرة للولايات المتحدة الأمريكية, وهو ما أدى إلى انتشار أنماط الإقراض الحكومي في هذه الفترة .
وشهدت الاستثمارات الأمريكية تزايدا سريعا في دول أمريكا اللاتينية وكندا كما أن التمويل كان من إصدارات السندات طويلة الأجل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت أمريكا بمثابة الدائن الرئيسي لمعظم دول العالم وصاحبة أكبر رصيد ذهبي, ومالكة لمعظم الاستثمارات المباشرة في العالم.


التمويل الدولي بعد الحرب العالمية الثانية
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرجت معظم دول أوربا باقتصاد محطم وبنية مهدمة ولذلك تم عقد مؤتمر دولي سنة 1944 في بريتون وودز لبحث إيجاد الصيغة الملائمة لإدارة النظام النقدي الدولي وقد عقد هذا المؤتمر في مدينة نيوهاميشير بالولايات المتحدة في يوليو عام 1944 وشاركت فيه 44 دولة تمثل أغلب شعوب العالم.
1- المقدمات التاريخية لنظام النقد الدولي الراهن :
نتج عن خروج الدول عن قاعدة الذهب في فترة ما بين الحربين I وII حدوث تخفيضات متتالية للعملات الرئيسية (الجنيه الإسترليني, الدولار الأمريكي, الفرنك الفرنسي والمارك الألماني), كما ساعدت النتائج المعروفة للحرب العالمية الثانية بوقت معقول البحث عن ايجاد نظام نقدي دولي, كما ساهمت أيضا في وضع بعض الاقتراحات الخاصة بالنظام الجديد وتمثلت ملامح هذه النتائج في ضمان دول التحالف الغربي هزيمة بلدان المحور.
ودار النقاش حول طبيعة الهيمنة في داخل رأس المال الدولي, حيث كان الصراع بين رأس المال البريطاني في سبيل استبقائه على الأقل على بعض هيمنته على الاقتصاد الدولي مع رأس المال الأمريكي وهو يؤكد هيمنته على الاقتصاد الدولي فيما بعد الحرب العالمية الثانية, وبدأ تنظيم السوق الدولية بمشروعين أحدهما بلوره الإقتصادي الإنجليزي الشهير كينز وتضمن إنشاء اتحاد للمقاصة (Clearing Union) والآخر بلوره الإقتصادي الأمريكي هوايت (Hany H.White) وكيل وزارة المالية الأمريكي, وانتهى الأمر في اتفاقية بريتون وودز بغلبة المشروع الأمريكي في تحديد معالم النظام النقدي وانبثق عليه إنشاء مؤسستين تسهران على الائتمان الدولي.
·        ائتمان قصير الأجل : ويسهر عليه صندوق النقد الدولي.
·        ائتمان طويل الأجل : ويسهر عليه البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
وقد تواجدت اقتراحات فرنسية وكندية عند مناقشة الاقتراحين السابقين على اتفاقية بريتون وودز وفيما يلي أهم ما جاء في كلا المشروعين:

أ- المشروع البريطاني "مشروع كينز" (إتحاد المقاصة الدولية):
بلوره الاقتصادي الشهير كينز, وقد تميز بصدور الورقة البيضاء في افريل 1943 والتي تتضمن اقتراحات بإنشاء اتحاد دولي للمقاصة, حيث يدير هذا الأخير النقود الدولية بحجم يتفق مع تحقيق مستوى مرتفع من النشاط الاقتصادي في دول العالم.
ويهدف المشروع إلى:  
ü     توفير عملة دولية تقبلها كل دول العالم في معاملاتها الدولية مع قصر استخدامها على المستوى الرسمي.
ü     توفير طريقة ملائمة لتحديد القيم النسبية لعملات الدول المختلفة لضمان عدم لجوء هذه الدول إلى سياسة التخفيض.
ü     ضرورة توفير كميات ملائمة من النقد الدولي والتحكم فيها حسب مستوى التجارة الدولية ومواجهة حالات التضخم والانكماش على المستوى الدولي.
ü     توفير نظام دولي لاستعادة التوازن للدول التي تصاب باختلال خارجي.
ü     إيجاد خطة لتوفير كميات ملائمة من الأموال للدول التي خربتها الحرب.
ü     إنشاء مؤسسة ذات صيغة فنية ومهمتها الأساسية إدارة النظام بطريقة سليمة.
وقد ركز هذا الاقتراح على إنشاء الاتحاد الدولي للمقاصة والذي يتولى إصدار عملة دولية أطلق عليها "البانكور" (تمثل مجموعة مسحوبات الدول الأعضاء من الاتحاد الدولي للمقاصة), وتتحدد لها قيمة مرتبطة بالذهب وتقبلها سائر الدول وتحدد كل دولة قيمة ثابتة ومتفق عليها بالنسبة لعملة البانكور ولا يمكن تغييرها دون إذن مسبق من مجلس الاتحاد المذكور.
وتتحدد حصة كل دولة في الاتحاد على أساس 75% من متوسط قيمة الصادرات والواردات خلال السنوات الثلاث السابقة للحرب على أن يتم النظر في إمكانية تعديل الحصص سنويا في ضوء الوضعية الإجمالية للتجارة الدولية.
كما يمكن للدول التي تعاني من عجز الاقتراض بالبانكور من دولة ذات فائض ويمكن التفاوض مع مجلس الاتحاد لإجراء تخفيض في العملة أو فرض أي نوع من الرقابة على الصرف أو تقديم الذهب مقابل البانكور لتسوية أوضاعها الخارجية.
ويتميز هذا المشروع بجانب كبير من المرونة لأنه يعكس آراء هيئة دولية محايدة لا تتأثر في قراراتها بالقوة الاقتصادية والسياسة لدولة ما, كما أن العملة المتوقع إنشائها لا تخضع للظروف والمتغيرات الاقتصادية التي تحدث في أي دولة في العالم.
ويقوم هذا الاتحاد على مبدأ المقاصة, بحيث يجوز له فتح اعتمادات للأعضاء بالسحب من البنك في حدود معينة, ولا يحتاج الاتحاد لبدأ عمله إلى أية ودائع ذهبية أو عملات, فأصوله عبارة عن القيود الحسابية التي تقيد في حساب الدائن فيه باسم البنوك المركزية للدول المختلفة.
وقد نظم كينز في اقتراحاته قواعد البانكور على النحو الآتي:
يجوز لدولة العجز أن تسحب ربع حصتها في السنة بدون قيود, أما إذا زاد العجز عن ذلك فإن الاتحاد يجوز له أن يطلب من هذه الدولة إما تخفيض عملتها أو فرض رقابة على حركات رؤوس الأموال أو أن تتنازل للاتحاد عن جزء من احتياطاتها من الذهب والعملات الأجنبية ولم يسمح للدول بحال من الأحوال سحب ما يزيد عن حصتها, وقد تضمنت اقتراحات كينز معاملة خاصة للدولة التي تحقق فائضا بصفة مستمرة, فإذا استمر هذا الفائض لمدة طويلة فإن الحقوق المقابلة للاتحاد تلغى ويعني ذلك أن كينز يحاول أن يفرض نوعا من العقوبة على الدولة التي يستمر ميزانها في حالة فائض.
وقد قابلت الولايات المتحدة الأمريكية اقتراحات كينز بالرفض, حيث أن فيها محاولة من إنكلترا للإفادة من قدرة الاقتصاد الأمريكي مع الحيلولة دون سيطرة الدولار على المعاملات الدولية, وقدمت اقتراحات مقابلة وهي التي جاءت في المشروع الأمريكي.
وقد عكست علاقات القوة السياسية والاقتصادية وأوضاع التشابك المالي والنقدي بعد الحرب وعلى نحو واضح القبول الدولي للمشروع الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية وهو المشروع الذي يعطي للدولار الأمريكي مركز الريادة في النظام النقدي العالمي.
ب- المشروع الأمريكي "مشروع هوايت" لصندوق النقد الدولي:
أسسه "هوايت" وهو أستاذ ووكيل الخزانة في الولايات المتحدة الأمريكية وتضمن هذا المشروع إنشاء مؤسستين دوليتين هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير, حيث يهدف الصندوق لتثبيت أسعار الصرف وتقوم الدول الأعضاء في هذا الصدد بإيداع حصص تتكون جزئيا من الذهب وعملاتها المحلية وبعض أذون الخزانة, إذ تستطيع الدول ذات العجز في موازين مدفوعاتها السحب من هذا الصندوق بغرض تغطية عجزها, غير أنها لا تستطيع الاستمرار في شراء العملات الأجنبية إذا زاد ما يحوزه الصندوق من عملة هذه الدولة على 200 % من حصتها.
كما يستطيع هذا الأخير اتخاذ بعض الإجراءات التي يراها مناسبة ولم تفرض اقتراحات هوايت أية عقوبات على الدولة التي يستمر ميزان مدفوعاتها في حالة فائض لمدة طويلة على عكس ما اقترحه كينز.
أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير: فهو مؤسسة دولية تسهر على الائتمان طويل الأجل وإعادة إنشاء وتعمير ما خربته الحرب.
وقد نشرت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع في السابع من شهر أبريل 1943 وأكد المشروع  في ديباجته أن العالم سيواجه ثلاث مشاكل نقدية بعد انتهاء الحرب وهي:
     تدهور أسعار الصرف.
     إنفصال العلاقة بين عملات الدول المختلفة.
     إنهيار الأنظمة النقدية.
     إنكماش حجم التجارة الدولية.
وحل هذه المشكلات يتطلب ضرورة العمل الدولي المشترك والاقتراح هو إنشاء احتياطي نقدي لتثبيت أسعار الصرف الدولية.
ويتكون الاحتياطي من الذهب وعملات الدول الأعضاء, بحيث تقدم كل دولة عضو حصة في هذا الاحتياطي مقومة على أساس ما تمتلكه الدولة من ذهب وعملات أجنبية ومقدار دخلها القومي ومدى تقلب ميزان مدفوعاتها وتتولى الهيئة المزمع إنشائها تسيير الاحتياطي:
-       تحديد سعر الذهب بالنسبة لعملات الدول الأعضاء.
-       تحديد أسعار صرف العملات المختلفة.
-       ببيع وشراء الذهب والعملات المختلفة مع القيام بدور غرفة المقاصة لتسوية الأرصدة الدائنة والمدينة للدول الأعضاء.
وتم عرض المشروع للتداول واتخاذ القرار في عدة اجتماعات متتالية انتهت بإجماع الآراء على صلاحية المشروع الأمريكي رغم محاولة إنكلترا وبعض الدول معارضة هذا المشروع إلا أن علاقات القوى مالت لصالح القوي اقتصاديا وسياسيا وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي الفرق بين المشروعين:
المشروع الإنجليزي     المشروع الأمريكي
خلق الائتمان    الإيداع
فرض عقوبات على الدولة التي يستمر ميزان مدفوعاتها في حالة فائض       اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية دون فرض أي عقوبات
مبدأ فتح الاعتماد       مبدأ الإيداع
ورفض الولايات المتحدة الأمريكية لمقترحات كينز جاء من خوفها من وقوع التضخم بتطبيق هذا النظام ذلك أنها كانت في ذلك الوقت الدولة الوحيدة الدائنة.
مؤتمر بريتون وودز:
إجتمع في عام 1944 ممثلوا الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا بالإضافة إلى ممثلي 42 دولة أخرى في بريتون وودز في الولايات المتحدة الأمريكية لوضع نظام نقدي دولي جديد موافقا للمشروع الأمريكي وتمت صياغته في الاتفاقية.
ويقوم بريتون وودز على قاعدة الصرف بالذهب وهو يرتكز بصفة رئيسية على قابلية تحويل الدولار الأمريكي فقط إلى ذهب ومن ناحية أخرى مع تثبيت صرف العملات بالنسبة للدولار الأمريكي ومن ثم تصبح جميع العملات مربوطة بشكل أو بآخر بالذهب من خلال الدولار.
ولتوسيع حجم التجارة اقترح المؤتمرون تعاون الدول فيما بينها مع رفع الحواجز, وذلك بأن تتوقف الدول المشاركة في المؤتمر عن فرض القيود عن عمليات الصرف داخل أراضيها كالسيطرة على تحركات النقد الأجنبي, وعدم الأخذ بنظام الأسعار المتعددة والتوقف عن عقد اتفاقيات الدفع الثنائية إلا إذا كانت تهدف إلى مراقبة حركة تنقلات رؤوس الأموال, على أن لا تعرقل سير العمليات التجارية الدولية, لكن المؤتمرون اتفقوا على الاحتفاظ بحق استمرار تطبيق القيود التي فرضت أثناء الحرب على المدفوعات والتحويلات الخاصة بالعملات الدولية الجارية لمدة أقصاها سنة في أفريل 1951 بعدها تزول القيود بين الدول.
وحاول المؤتمر مراعاة عدة مبادئ أساسية نلخصها فيما يلي:
1-     سعر الصرف يعتبر من المسائل ذات الأهمية الدولية وينبغي العمل على ضمان ثبات أسعار الصرف على الأقل في المدة القصيرة مع إمكان تعديلها في بعض الظروف إذا استوجب ذلك.
2-     من المصلحة زيادة الاحتياطي من الذهب والعملات في كل دولة حتى لا تضطر الدول إلى اتخاذ سياسة قد تضر بالتوازن الداخلي لمواجهة العجز في ميزان المدفوعات.
3-     تحقيق المصلحة السياسية والاقتصادية بإيجاد نظام التجارة متعددة الأطراف وتحقيق قابلية العملات للتحويل.
4-     إن اختلال ميزان المدفوعات يعتبر مسؤولية مشتركة بين دول العجز ودول الفائض.
5-     في كثير من الأحيان ترجع الاختلالات النقدية إلى أسباب غير نقدية, وهنا يجب على المنظمات النقدية أن تتعاون مع المنظمات الأخرى لعلاج هذه الاختلالات.
6-     إن أفضل الطرق لتحقيق التعاون النقدي هو استخدام منظمة دولية ذات وظائف محددة.
7-     إن زيادة الاستثمارات الدولية أمر حيوي للاقتصاد.
ومن هنا وفي سبيل تطبيق هذه المبادئ أنشئ صندوق النقد الدولي في 25 ديسمبر 1945 ليقوم بعدد من الوظائف والمهام المشتقة من هذه المبادئ.
مر نظام بريتون وودز بمرحلتين أساسيتين هما:
-         مرحلة الاستقرار النسبي.
-         مرحلة التصدع والانهيار.
مرحلة الاستقرار النسبي:
امتدت هذه المرحلة من 1946 حتى نهاية الخمسينات وما ميز هذه المرحلة هو الاستقرار النسبي للدولار, ولقد ساعد تراكم 75% من احتياطي الذهب الرسمي في العالم لدى الولايات المتحدة الأمريكية أن تقرر هذه الأخيرة إعطاء دولارات لكل دولة تريد التخلي عن الدولارات التي تملكها مقابل الذهب فقط وليس بعملة البنك الوطنية.
أما إنجلترا فقد عادت قابلية الجنيه الإسترليني للتحويل للعملات الأخرى وليس للذهب, وقد تم ذلك خلال عام من وضع اتفاقية بريتون وودز موضع التطبيق.
        وبالنسبة للعملات الأوربية الأخرى فقد دام انتظارها 15 سنة لتكون قابلة للتحويل إلى عملات أخرى وليس إلى ذهب.
واختارت البنوك المركزية للدول المختلفة الدفاع عن أسعار التعادل الخاصة بعملاتها مقابل الدولار الأمريكي وحده, وهكذا ظل الدولار يتربع قيمة المدفوعات الدولية حتى نهاية الخمسينات.
مرحلة التصدع والانهيار:
امتدت هذه المرحلة من 1960- 1971, حيث أخذ المخزون الأمريكي في التناقص تدريجيا ذلك أن المكانة الهامة التي احتلها الدولار في نظام بريتون وودز أدت إلى مسؤولية كبرى على عائق الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يجدر بها كي تتمكن من تحويل الدولارات إلى ذهب الحد من عملية خلق الدولار (أي عدم زيادة الدولارات لدى البنوك المركزية الأجنبية زيادة مفرطة), والحد من استخدام الدولار في مبادلاتها مع بقية دول العالم.
كما كان يتعين عليها رفع أسعار الفائدة والحد من عجز ميزان مدفوعاتها غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بما تقدم ذكره, إضافة إلى ذلك فقد برزت قوى اقتصادية كبرى على الصعيد الدولي كقوى منافسة للولايات المتحدة الأمريكية في الأسواق الخارجية مثل ألمانيا واليابان وهذا أدى إلى هبوط نصيب الولايات المتحدة الأمريكية من إجمالي الصادرات العالمية وظهور المارك الألماني والين الياباني كعملتان قويتان تنافسان الدولار.
في ظل هذه الظروف اشتدت أزمة الثقة في الدولار وذلك لعدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية تحويل الدولارات التي تحتفظ بها إلى ذهب عند الطلب واشتد الطلب على الذهب, حيث اعتقد المضاربون قرب انخفاض القيمة الرسمية للدولار بالنسبة للذهب, وأخذت أسعار الذهب ترتفع في الأسواق النقدية الرئيسية العالمية, وهذا ما لم يكن في صالح الدول التي تحتفظ بالدولارات بكمية كبيرة.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق مع 06 دول أوربية لإنشاء مجمع الذهب "Gold Pool"  لتدعيم الدولار بمواجهة هذا الموقف, وقد تعهدت الدول الأوروبية بتزويد سوق لندن بالذهب بالسعر الرسمي, وبعدم تحويل أرصدتها الدولارية إلى ذهب من أمريكا.
وأدى هذا الاتفاق إلى الإبقاء على السعر السوقي للذهب في حدود سعره الرسمي, لكن هذا المجمع قد ألغي في مارس 1968 بسبب اشتداد الطلب على الذهب بغرض الاكتناز والمضاربة والذي كان نتيجة توقع انهيار الجنيه الإسترليني وانخفاض قيمته فضلا عن إعلان فرنسا الخروج من مجمع الذهب وهكذا لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية الاحتفاظ بالسعر الرسمي للدولار بالنسبة للذهب وسمح بأن يكون للذهب سعران أحدهما حر يتحدد وفقا للعرض والطلب شأنه شان أي سلعة أخرى, والآخر رسمي يتم التعامل به بين السلطات النقدية فقط.
ويمكننا الإشارة هنا إلى الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على جنوب إفريقيا لبيع إنتاجها من الذهب في السوق الحرة أي لينخفض سعره بدلا من بيعه للبنوك المركزية التي زادت احتياطاتها منه, كما عارضت كذلك تخلي جنوب إفريقيا عن الذهب الخاص بها إلى صندوق النقد الدولي.
أيضا فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على وضع نظام حقوق السحب الخاصة موضع تطبيق(1) على اعتبار أن هذه الوحدات هي التي ينبغي أن تكون العملة الدولية مستقبلا.
وتفاقم عجز ميزان المدفوعات الأمريكي بسبب تحركات رؤوس الأموال بسرعة ويعود السبب إلى الدولارات الأمريكية خارج الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت حركات رؤوس الأموال عرضة للمضاربة أو الاكتناز وتعرضت معظم العملات للخطر ذاك أنها لم تكن مرتبطة بظاهرة الدولارات الأوروبية (اليورو دولار)(2).
واستمر عجز الميزان الأمريكي إلى أن ألغت الولايات المتحدة الأمريكية تحويل الدولار إلى ذهب وسقطت بذلك قاعدة الصرف بالذهب التي قام عليها نظام بريتون وودز وانهار هذا النظام.
ومما سبق نلخص الأسباب الرئيسية لانهيار النظام فيما يلي:
-       لم يسمح النظام بأي نوع من أنواع التصحيح التلقائي للاختلال في موازين المدفوعات الدولية, هذا لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بتعديل قيمة الدولار بعد إعلان عدم قابليته للتحويل إلى ذهب بل بقيت تصر على أن الدول الأخرى هي التي يتعين عليها أن ترفع قيم عملاتها بالنسبة للدولار, وكانت تهدف من وراء ذلك إلى تحقيق مغانم تجارية حيث أن رفع قيمة العملات الأخرى يجعل أسعار الصادرات الأمريكية في وضع تنافسي أفضل.
-       معاناة النظام من تناقض جوهري بسبب سيطرة الدولار الأمريكي, فاستقرار النظام كان يتوقف على استقرار قيمة الدولار.
-       عجز الصندوق عن القيام بدور المركز النقدي في إدارة الدول حيث كان يتخذ موقفا سلبيا في تطبيق بعض مواد الاتفاق , فنجد مثلا الدول ذات الفائض الكبير في موازين مدفوعاتها لم تحاول جانبها اتخاذ إجراءات لتعديل أسعار صرف عملاتها, ومن حق الصندوق أن يعلن نص الاتفاقية –أن عملة الدولة التي لديها فائض كبير في ميزان مدفوعاتها عملة نادرة– ومن ثم يتوقف الصندوق عن تقديمها للدول المقترضة وهكذا يؤدي إلى انخفاض الطلب الخارجي عليها مما يساعد على تسوية الاختلال في ميزان مدفوعات هذه الدولة, لكن الصندوق لم يقم بهذا الحق.
-       تحركات رؤوس الأموال.
وبعد انهيار نظام بريتون وودز ساد نظام التعويم وقد كان لانهيار هذا النظام أثر على الدول النامية : زيادة حدة المديونية إلى الخارج, زيادة العجز في موازين المدفوعات, إستنزاف الاحتياطات النقدية الدولية, استيراد التضخم, انخفاض حجم التدفقات المسيرة, تدهور أسعار الصرف.
نظام التعويم المدار (نظام تعويم العملات):
في الواقع أن هذا النظام لم يقصد أحد اختياره بل فرض نفسه عند انهيار نظام بريتون وودز, وبغرض مواجهة الفوضى التي سادت أسواق الصرف الأجنبي والمضاربات التي أحدثت العديد من الاختلالات.
ويعتمد هذا النظام أساسا على أسعار الصرف المعومة وهي التي تتحول بحرية أي وفقا لقوى عرضها والطلب عليها في السوق, وهناك أنواع من التعويم:
§     التعويم النقي: ويكون عندما لا يتدخل البنك المركزي مطلقا في أسواق الصرف لمساندة سعر صرف العملة الوطنية عند مستوى معين.
§     التعويم غير النقي: عندما يتدخل البنك المركزي لمنع التقلبات في السعر من أن تتجاوز حدا معينا.
§     التعويم المستقل: وهو عندما لا يرتبط سعر صرف العملة الوطنية في ارتفاعه وانخفاضه بأسعار صرف أي عملة أو عملات أخرى.
§     التعويم المشترك: عندما تشترك مجموعة معينة من العملات معا بالنسبة لما يحدث من تغيرات في أسعار صرفها فترتفع هذه الأسعار سويا أو تنخفض سويا.
وقد عرف هذا النظام النقدي الجديد الذي أتى به اتفاق بال باسم "الثعبان النقدي" وعلى وجه التحديد الثعبان داخل النفق, ونظرا لأن أسعار صرف عملات الثعبان بالدولار تتقلب معا ارتفاعا وانخفاضا وذلك في حدود النسبة القصوى المسموح بها كهامش لتقلب هذه الأسعار, أو لابتعادها عن بعضها وهو (4.25 %) فقد عرف هذا التنظيم النقدي بالتعويم المشترك.
وفيما يلي شكل يوضح الثعبان داخل النفق مع التفسير

وخروج عملية من النفق أو انسحابها يحدث عند عدم قدرة أضعف عملة المحافظة على نسبة وجودها داخل منطقة الثعبان أو عند عجزها عن المحافظة على نسبة] 25, 4%  [كفارق بين سعر صرفها بالدولار وسعر أقوى عملات الثعبان بالدولار.
* النفق: يمثل المجال الذي يمكن أن تتحرك أسعار صرف عملة الثعبان في حدوده.
* منتصف النفق: تعادل العملة بالدولار (موضح بالخط الأفقي المتقطع).
* الثعبان داخل النفق: ارتباط أسعار الثعبان ببعضها بحيث لا يجاوز الفرق بين سعر صرف أضعف عملات الثعبان بالدولار سعر أقواها إنما يتم بمراعاة أن يكون الحد الأقصى لانخفاض سعر صرف أضعفها عن سعر تعادلها بالدولار هو ] 2,25% [, (سعر صرف أضعف عملة من عملات الثعبان هو سعر تعادلها بالدولار).
* وحتى تحافظ دول الثعبان النقدي على بقاء أسعار صرف عملاتها بالدولار داخل النفق أي في حدود ] 2,25%] من أسعار تعادلها بالدولار ارتفاعا وانخفاضا, فإن بنوكها المركزية تتدخل في أسواق الصرف مشترية الدولار وبائعة لعملاتها أو بائعة للدولار ومشترية لعملاتها بحسب الحالة.
* وحتى تحافظ هذه الدول على أسعار صرف عملاتها في داخل الثعبان نفسه (أي ما بين حدود 25, 2% ما بين سعر صرف أقوى عملة بالدولار وسعر صرف أضعف عملة به), فإن بنوكها المركزية تتدخل بائعة ومشترية لعملاتها ذاتها, إذ يعرض البنك المركزي للعملة القوية كمية من عملته في السوق في مقابل العملة الضعيفة, كما يضع كمية أخرى منها تحت تصرف البنك المركزي للعملة الضعيفة تمكنه من بيعها في السوق في مقابل عملته الضعيفة(1).
مشكلات النظام:
وتنقسم إلى مشكلات خاصة وأخرى عامة:
أولا: المشكلات الخاصة:
1-     مشكلات ترتبط بالمؤسسات: المؤسسات التي يعمل من خلالها نظام النقد الدولي نشأت بدوافع تحقيق مصلحة الدول المتقدمة أساسا.
2-     ارتباط النظام بالدولار بعد التخلي عن الذهب وهذا عرض النظام لمشاكل عديدة والتي بدورها ارتبطت بمشاكل الدولار.
3-     مشكلة السيولة الدولية والمتأتية أساسا من ندرة وشح عناصرها (الذهب, الدولار, العملات القوية) لاستخدامها كأداة للتبادل الدولي قياسا بالطلب العالمي.
4-     الإخفاق في تحديد أسعار صرف مستقرة لتبادل العملات.
5-     اختلاف معدلات التضخم السائدة في دول العالم نتيجة أوضاعها المتباينة والسياسات الاقتصادية المتبعة.
6-     اختلاف أسعار الفائدة بين الدول وما يثيره هذا الاختلاف من اضطرابات في أسواق النقد والمال من حركة رؤوس الأموال ذات الطبيعة قصيرة أو طويلة الأجل.
7-     مشكلة الديون والتي تترتب على الكثير من الدول وبالذات القاسية نتيجة العجز المستمر في موازين مدفوعات هذه الدول.
ثانيا : المشكلات العامة: من أهمها:
1-     التخصص والتقسيم الدولي للعمل.
2-     المشكلات المرتبطة بالتجارة الدولية والتي برزت في إطارها عدة مشاكل منها: ضعف حصيلة النمو المتحققة في حصيلة صادراتها نتيجة ضعف معدلات الزيادة في الطلب العالمي على هذه الصادرات التي هي غالبا منتجات دولية وذلك لأسباب تتصل باعتماد الدول المتقدمة التي تشكل أساس الطلب على هذه المنتجات في توفير منتجاتها.
3-     المشكلات المرتبطة بتوجه الدول النامية نحو التصنيع وما يواجهها في هذا الإطار من عراقيل التي يتمثل أبرزها في افتقارها لمقومات تصنيعها بالاعتماد على قدراتها المحلية.
4-     المشكلات المرتبطة بالتكنولوجيا والتي سببها السيطرة على التكنولوجيا من قبل الدول المتقدمة.
5-     المشكلات المرتبطة بالتمويل ومن أبرزها التزام الدول المتقدمة بالنسب التي يجري الاتفاق عليها في منح التمويل والمساعدات الائتمانية كنسب من دخلها القومي.
6-     مشكلة تحقيق الأمن الغذائي المرتبط بظروف التخلف القائمة في معظم دول العالم والتي تعيقها عن استخدام مواردها وإمكاناتها الزراعية بالشكل الذي تستطيع من خلاله تحقيق أمنها الغذائي المتمثل في قدراتها على تحقيق قدر أمني من المنتجات اللازمة لتلبية طلبات الأفراد من الغذاء.
7-     الموارد الطبيعية العامة والتي هي بطبيعتها ومن خلال أماكن وجودها لا تخضع لسيادة دولة معينة من الدول والتي ترجع الاستفادة منها بالدرجة الأولى للدول المتقدمة بسبب تطورها ذلك أن استخدامها يقتصر فقط على هذه الأخيرة.
محاولات الإصلاح:
إن صدور القرار الأمريكي بالتوقف عن تحويل الدولار إلى ذهب تسبب في موجات من الفوضى وتقلبات أسعار جميع العملات بما فيها الدولار ذاته, وفرض معظم أسعار الصرف عن حدود الهامش الذي حدده نظام بريتون وودز (1%) وأصبحت في الواقع عائمة أي تحدد وفقا لقوى عرضها والطلب عليها.
        واجتمع وزراء مالية الدول الصناعية العشر في معهد سميثونيان بالولايات المتحدة الأمريكية واتفقوا على ترتيبات عرفت باسم "اتفاقية سميثونيان" من أهم بنودها :
-       تعفي الولايات المتحدة الأمريكية الضريبة التي كانت تفرضها على وارداتها بنسبة 10% وهو ما يعني عمليا تخفيض قيمة الدولار بهذه القيمة وبذلك ارتفع سعر الذهب رسميا من 35 دولار للأوقية إلى 38 دولار.
-       إعفاء الو.م.أ من التزامها بتحويل الدولار إلى ذهب.
-       تسمية سعر الصرف الجديد للدولار الأمريكي بالسعر المركزي بدلا من سعر التعادل الذي كان يربط الدولار بالذهب.
-       السماح لأسعار الصرف الأخرى أن تتقلب في حدود 2.25% صعودا وهبوطا من السعر المركزي بعد ان كانت 1% حسب إتفاقية بريتون وودز غير أن هذه الاتفاقية لم تدم أكثر من 14 شهرا وتلتها تطورات أخرى منها الدستور الفرنسي, الاتحاد الأوربي وتوحيد العملة.
-       مؤتمر جمايكا الذي أقر وحده حقوق السحب الخاصة التي يتم تحديدها على أساس حصة أو نصيب الاشتراك المالي الذي قدمه العضو لصندوق النقد الدولي, ويتكون هذا النصب من ¼ ذهب والباقي من العملة الوطنية, وحقوق السحب الخاصة تمثل حق البلد في الحصول على سيولة (عملات صعبة) دولية بنسبة 15% من نصيبه في حقوق السحب الخاصة الذي هو ملزم بإعادتها لصندوق النقد الدولي.
-       إن حقوق السحب الخاصة ليست عملة ولكن يمكن من خلالها خلق عملة دولية بنسبة 85% المتبقية من المبلغ, وتحسب يوميا من خلال 05 عملات أساسية يتم توضيحها بمعامل يحدد على أساس قدرة كل عملة من هذه العملات في المبادلات الدولية.
-       وقد كانت اتفاقيات جامايكا سنة 1976 هي الإقرار القانوني والنهاية الشرعية والحقيقية لنظام بريتون وودز, والإقرار القانوني لنظام الصرف العائم والتخلي عن الذهب كمعيار نقدي.
2- نظام النقد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية :
يعتبر نظام النقد الدولي الذي ساد العالم بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لعدة سنوات من الإعداد والتفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وإنكلترا وبعض الدول من ناحية أخرى, وتم إقراره من طرف 300 شخص يمثلون 44 دولة اجتمعوا في شهر يوليو 1944 لمدة ثلاثة أسابيع بضاحية بريتون وودز في نيوهاميشير بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتم الاتفاق خلال المفاوضات التي اشترك فيها الاتحاد السوفيتي على إنشاء ص.ن.د كهيئة تابعة للأمم المتحدة وتضم في عضويتها 155 دولة حاليا.
ومن بين الأهداف التي وردت في اتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي في المادة الأولى ما يلي:
1-  تشجيع التعاون النقدي الدولي عن طريق التشاور في المسائل النقدية الدولية.
2-  تسهيل النمو المتوازن في التجارة الدولية.
3-  تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف, وتجنب التنافس بين الدول  في تخفيض قيم العملات .
4-  تجنب فرض قيود على الصرف.
5-  توفير عوامل الثقة والأمان في النظام النقدي الدولي باستخدام موارد الصندوق لمساعدة الدول الأعضاء على تصحيح الاختلالات الخارجية.
وقد حددت الاتفاقية في مادتها الرابعة سعرا لتعادل عملات الدول الأعضاء بالنسبة للذهب أو الدولار الأمريكي, وتلتزم الدول الأعضاء بالمحافظة على هذا السعر وعدم تغييره إلا في حالة إصلاح اختلال هيكلي في ميزان مدفوعاتها, وبعد التشاور مع الصندوق, وقد حدد سعر تعادل للدولار الأمريكي بمقدار 0.888671 غ  ذهب أو ما يعادل 35 دولارا للأوقية الواحدة من الذهب, وتم تحديد مدى التغير في أسعار العملات بحيث لا يزيد عن ±1% من القيمة التعادلية, وخلاصة القول: أن نظام النقد الذهبي في الفترة التالية للحرب قد قام على أساس إعطاء دور جوهري للدولار الأمريكي نظرا لما يمتلكه من الذهب وقابلية تحويله إلى ذهب.
3- طبيعة التمويل الدولي بعد الحرب العالمية الثانية :
إذا كانت الفترة السابقة للحرب العالمية II شهدت وجود أنماط رسمية للتمويل وهي التدفقات الرأسمالية الحكومية, فإن فترة ما بعد الحرب قد عرفت توسعا كبيرا في هذا النمط من التمويل بالإضافة إلى ظهور أنماط التمويل المتعدد الأطراف.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة برنامجا للإنعاش الاقتصادي وهو ما يسمى (بمشروع مارشال) سنة 1947 وتم تقديم مقدار 11 مليار دولار لأوربا الغربية خلال الفترة (1948- 1951), ومبلغا إضافيا قدره 2.6 مليار دولار خلال الفترة (1951- 1953).
وهكذا انتعشت اقتصاديات دول أوربا تدريجيا وتحسنت موازين مدفوعاتها وزادت الاحتياطات الخارجية لها, وأعلنت قابلية عملاتها للتحويل.
وبذلك بدأت أسواق المال في أوربا والولايات المتحدة تتكامل وبدأت البنوك الأوربية خاصة في لندن وسويسرا بالتعامل بالدولار منذ نهاية الخمسينات, وهكذا بدأت تنشأ أسواق الأورو دولار.
وأهم ما يميز التمويل الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية II هو تنوعه بين التمويل الرسمي والخاص والثنائي والمتعدد الأطراف والإقليمي والدولي, وقد ظهرت في تلك الفترة مؤسسة التمويل الدولي سنة 1956, وهيئة التنمية الدولية سنة 1960 وتم ظهور العديد من المنظمات الاقليمية وبنوك التنمية التي عملت في مجال منح القروض متعددة الأطراف.
وقد شهد عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين حدوث تحولين رئيسيين في مجال تحرك رؤوس الأموال الدولية وهما:
التحول من أسهم رأس المال إلى الدين, ومن التمويل الرسمي إلى التمويل الخاص وهو ما أدى إلى تراكم شديد في المديونية الخارجية لبعض الدول وانفجار الأزمة في عقد الثمانينات.


(1)  الدولارات التي تكسب صفة أوربية هي تلك الخاصة بالمعاملات التي تتم بالدولار وتقوم بها البنوك التجارية في العديد من الدول حيث تستطيع هذه البنوك أن تقرض وتقترض من بعضها البعض بالدولارات التي تبقى مسجلة في أصول البنوك الأمريكية وذلك دون أن تتحول خارج الولايات المتحدة الأمريكية, كما تستطيع هذه البنوك أيضا أن تقرض المؤسسات التي تكون بحاجة إلى الدولارات.
(2)  نعمة الله نجيب وآخرون, مقدمة في إقتصاديات النقود والصيرفة والسياسات النقدية, الدار الجامعية, مصر, 2001, ص: 53-54.
(1) المرجع السابق, ص: 138.

Post a Comment

Previous Post Next Post