الخصائص النمائية للطفل والمراهق

    سنحاول أن نتعرف وبتركيز على الخصائص النمائية الذهنية للطفل مع بياجي وعلى النمو الوجداني للطفل مع فرويد على النمو الاجتماعي للطفل،  وسنحاول تقديم  هذه الخصائص النمائية في علاقتها مع سن التمدرس لدى الطفل/ة .

* النمو الذهني/ العقلي :

المرحلة النمائية الأولى ، وهي مرحلة ما قبل التمدرس والتي تمتد من الميلاد إلى حوالي السن السابعة ، وتنقسم إلى مرحلتين جزئيتين هي :

المرحلة الحسية الحركية [0ـ2]: وتنقسم بدورها إلى ستة أطوار : الطور الأول ، يتميز بسيادة الارتكاسات الفطرية التي تؤدي إلى التدرج في التكيف الابتدائي الاعتباطي مع المحيط ؛ الطور الثاني : تبتدأ فيه الاستجابات الدائرية الابتدائية وهي عبارة عن نشاطات اعتباطية غير قصدية متكررة تنشأ عنها أفعال بسيطة ؛ الطور الثالث : هنا يبدأ نوع من الوعي بالعام الخارجي ، ويبدأ الطفل في معالجة الأشياء واستمرار الاستجابات الدائرية ؛ الطور الرابع : وتظهر فيه سلوكيات القصدية وبداية التناسق بين الخطاطات الأولية كوسائل لبلوغ هدف معين ؛ الطور الخامس : ويبتدأ ما بين الشهر 12 والشهر 18 ، حيث يبدأ الطفل في البحث عن الوسائل والتجارب لبلوغ الأهداف ويتجه نحو الكشف عن العلاقات بين الوسائل والغايات عن طريق الاستجابات السلوكية المتكررة ويبني عدة صيغ سلوكية ؛ الطور السادس : يمتد من الشهر 18 إلى سنتين، وهنا يبدأ الطفل في استعمال رموز ذهنية كتعويض عن أشياء غائبة ، كالمحاكاة ...وعلى العموم ، يتميز ذكاء هذه المرحلة ـ أي الذكاء الحسي الحركي ـ بكون نشاطاته لا تتجه إلا إلى الإشباع التطبيقي العملي وليس إلى المعرفة كما هي ، ولا يشتغل هنا الطفل سوى على الوقائع ، ويتميز كذلك ذكاء هذه المرحلة بعمله فقط على الأشياء الموجودة في الحيز البصري أو المدركة حسيا في لحظتها ،أي أن عمله ونشاطه يتجه نحو إشباع الحاجيات  اللحظية ، كما نلاحظ غياب التمتلاث والصور الذهنية في ذكاء هذه المرحلة ، وفيها لا يستطيع الطفل تأسيس الأشياء كوجود موضوعي ، أي لها ماديتها وجودها المستقل خارج الذات ، بل غالبا ما تعتبر جزء من الذات ومنصهرة معها وتابعة لها .

المرحلة القبل ـ إجرائية : وتنقسم إلى طورين : الطور القبل ـ مفهومي préconceptuel ويمتد من سنتين إلى 4 سنوات ، حيث يبدأ الطفل في استثمار قدراته اللغوية المكتسبة وبناء الرموز عن طريق التوظيف الذاتي للصور الذهنية والكلمات والأشياء توظيفا رمزيا ،أي الإحالة على الحدث أو الواقعة موضوع الرمز أو التعويض الرمزي ، مثلا ، المكنسة قد ترمز إلى الحصان... وفي هذا الطور الطفل لا يستطيع التصنيف ضمن مجموعة ، وتفكيره يميل إلى الأنوية ، أي التمركز حول الذات . الطور الثاني ، هو الطور الحدسي intuitif ويمتد من 4 سنوات إلى 7 سنوات ، وفيه يسيطر الإدراك بالحواس ويبدأ الطفل في الوعي بأسباب الوقوع الحدث ، لكن غالبا ما يخضع تصوراته إلى نوع من الإيحائية َAnimisme  ، ويمكن للطفل هنا .أن يجري بعض عمليات التصنيف على أسس حسية ويبقى الطفل كذلك ، غير قادر على الربط المنطقي وعلى العكس ، ويتجه تفكيره نحو بناء المفاهيم بشكل أولي، كمفهوم المجموعة ولكن بصورة حسية.

المرحلة النمائية الثانية، وهي مرحلة التمدرس ، وتنقسم إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة التمدرس الأولي[7-12] حيث يسود الذكاء المشخص، ومرحلة التمدرس الثانية [12-17] أي مرحلة العمليات الصورية أو الذكاء المجرد ، لنرى كلا من المرحلتين:

مرحلة العمليات المشخصة أو الذكاء المشخص: هنا نشهد لدى الطفل بداية تشكل الإجراءات المنطقية الرياضة ولكن اعتمادا على معطيات ووسائل حسية،و يبدأ الطفل في تعرف وبلورة خصائص الظواهر والأشياء، ويصبح قادرا على استعمال قابلية العكس (الاحتفاظ)، حيث يمكنه من تشكيل بعض المفاهيم والقيام بالتجمع والتمييز بين الكل والجزء والعلاقة بينهما، وتصبح له القدرة على استخدام منطق التفاضل والسببية (المقارنة..)وعلى إقامة علاقات السلسلة الترتيبية للأشياء على أساس محددات كمية.   

مرحلة العمليات الصورية أو الذكاء المجرد :[11/12-17] : هنا يتحرر الطفل (المراهق)من معيقات التفكير المشخص لينتقل إلى إدراك المبادئ والنظريات عن طريق اختبار الفرضيات، وتفكير هذه المرحلة يقتضي التحليل المنطقي ، إنه تفكير قضوي ،أي أن الطفل يصبح قادرا على إجراء عمليات مجردة على العمليات المنطقية (تفكير بين ـ قضوي) كما أن الطفل يصبح قادرا على التحليل التوفيقي ، حيث يوفق بين وضعيات وقضايا لتركيب الجديد، والواقع في هذه المرحلة يصبح نسقا افتراضيا.

* جدول يلخص العمليات أو الأنشطة الذهنية الممكنة والقابلة للممارسة من طرف المتعلم حسب كل مرحلة نمائية :

الأنشطة والعمليات الذهبية       الأنشطة التعليمية      نوعية الذكاء السنوات

مهارات حركية وحسية متنوعة حركات بسيطة ،حركات منسقة ومركبة، تكرار خبرات حركية حسية في أوضاع متشابهة (الشيمات)      * التدرب على تنسيق أفضل للحواس مع الحركات.

* التدرب على إقامة علاقات عملية بين الخيرات العملية والحركات المختلفة.

* معالجة يدوية متنوعة للأشياء         ذكاء عملي (حسي حركي)   من الولادة آلي السنة الثالثة

 

0ـ 2

التعبير اللغوي على التجارب والخبرات الحركية والحسية .

تكوين صورة وتمثلاث ذهنية حول العالم.

قدرة هائلة على التعلم بواسطة المحاكاة والحدس ، اللعب ، واللعب الرمزي .        * كيفية تمثيل العالم الخارجي بواسطة الكلمات والرموز.

* فسح المجال للأنشطة الحركية المتنوعة والرفع بالمثل إلى التعبير عنها بصورة دقيقة     ذكاء ماقبل عملياتي لغوي بالأساسي   من السنة الثانية إلى 6/7

 

 

  2ـ 16/17

* عملية التصنيف ( تكونت من الأشياء انطلاقا من عناصر تتشابه فيما بينها، إدراك بناء المفاهيم )

* عمليات الترتيب (إقامة علاقات عدم التساوي بين الأشياء انطلاقا من عناصر الاختلاف فيما بينها ) .

* تبسيط عمليات القياس المختلفة.       *بناء المفاهيم المختلفة شريطة أن تكون مستقاة من الوقائع والأشياء الحسية .

*بناء العدد ومفهوم المجموعة الرياضية .

*تطبيق قواعد ومبادئ وعمليات متنوعة انطلاقا من التأثير حركيا على الأشياء .

*إدراك بعض القيم الأخلاقية كالتعاون والعدالة .

* إدراك مفاهيم الوزن والحجم والطول والكم ، والزمان والمكان .    ذكاء عملياتي حسي   من 7 سنوات إلى 11 /12

* القدرة على ممارسة التفكير واستنباطي

*القدرة على ممارسة التفكير الاستقرائي

*ممارسة التفكير على الأشياء والعبارات اللغوية والعلاقات ...

*التركيز على بنيات المعارف وعلى كيفية انتظامها في انساق : التحليل والتركيب وإعادة الصياغة من جديد .

* تشجيع الإنتاجيات الشخصية .                 * ممارسة العمليات المنطقية والرياضة المختلفة في بناء مختلف المعارف سواء بالانطلاق من الأشياء أو من الأفكار والتصورات المجردة.

* بناء أوإعادة بناء الانساق والنظريات والمبادئ المجردة      ذكاء عملياتي صوري        من 11/12

إلى مافوق

 

(في طرق وتقنيات التعليم... )

 

    * النمو الوجداني حسب فرويد:

يولد الطفل حسب فرويد، كتلة من الطاقة الغريزية، ذات الدفاعية القوية ، وهي تتجه نحو البحث عن إرضاء حاجاتها ورغباتها تحقيقا لمبدأ اللذة وتجنبا للأم ، وهذه الطاقة يسمها فرويد اللبيدو Libido والتي تعتبر النواة الطفلية للاشعور الإنساني ، وهي تتمركز طيلة فترة النمو في مناطق الجسد ، وتسمى المناطق الشبقية Les zones érogènes  و تتغير حسب التقدم في السن .ولقد قسم فرويد مراحل النمو الوجداني العاطفي (affectif) حسب تطور تموضعات الطاقة الليبدية في مناطق العضوية البيولوجية للطفل والمواقف السلوكية التي تنتج عنها في إطار التفاعل بين الأنا الطفلي والمحيط الاجتماعي . ويمكن أن نقسم المراحل النمائية الوجدانية للطفل .حسب فرويد إلى أربعة مراحل أساسية (تصادف مرحلة ما قبل التمدرس):

المرحلة الفمية stade oral    : وهي تمتد من الميلاد إلى السنة الأولى ، وتتميز بتمركز الدوافع اللبيدية في منطقة الفم الذي هو مصدر الغذاء والتعرف والتواصل مع العالم الخارجي. ويعتبر الطفل ،في هذه المرحلة ، ثدي الأم وباقي العالم الخارجي امتداد لذاته (عدم التمايز) وتعتبر الأم في هذه المرحلة حاسمة في تأثيرها على شخصية الطفل الوجدانية. وتنتهي هذه المرحلة بالفطام .

المرحلة السادية – الشرجية  stade sadique-anal    وتمتد من السنة الثانية إلى السنة الثالثة حيث يستقبل الطفل ولأول مرة أخلاقيات سلوك التخلص من الفضلات والتربية على النظافة وتتشكل بذلك النواة الأولى للأنا الأعلى ، وتعتبر هنا منطقة الشرج هي المنطقة الشبقية التي من خلالها يستثمر الطفل طاقاته اللبيدية ، وقد سميت هذه المرحلة بالسادية لأن الطفل يمارس فيها بعض النزعات السادية تجاه أمه بواسطة عملية التبرز التي قد تسبب مشاكل للأم...

المرحلة القضيبية S.phalique  : وتمتد من السنة الرابعة إلى السنة الخامسة حيث تعتبر هذه المرحلة بداية اكتشاف العضو التناسلي الخاص بالطفل والتعرف على الجنس الآخر ويبدأ الطفل الإدراك الأولي لوظائف هذا العضو مما يدخله في تجارب جنسية استيهامية، وفي هذه المرحلة يعيش الطفل تجربة الإخصاب والتساؤل عن عدم وجود القضيب عند الأنثى ، وهذه التجربة هي المدخل الحاسم لانتقال الطفل إلى تجربة الأوديب .

المرحلة الأوديبية S.oedepien    وتبتدئ من حوالي السنة الخامسة أو السادسة إلى السنة السابعة وبعدها أحيانا ، هنا يعيش الطفل الذكر صراع امتلاك الأم كموضوع لبيدوي ، وامتلاك الأب بالنسبة للأنثى كموضوع رغبة جنسية كذلك ، حيث يتم اشتغال وبناء اواليات الثماهي والتقمص التي تحدد السيمات السيكولوجية للهوية الجنسية للذكر والأنثى. وفي هذه المرحلة تتطور الطاقة الليبدية نحو الانفصال عن الجسد الطفلي للتمركز في الخارج (مواضيع خارجية) والنزوع لتبني نماذج جنسية خارجية .

وبعد هذه المرحلة الرابعة  من النمو الوجداني للطفل تأتي المرحلة الموالية وهي مرحلة المراهقة التي تصادف مرحلة التمدرس والتي يمكن تقسيمها إلى فترتين : 

فترة التمدرس الأولي  : وتمتد من السنة السابعة إلى السنة الثانية عشر، حيث ترى مدرسة التحليل النفسي أن الطفل يأتي إلى المدرسة وهو يحمل مخلفات الصراع الأوديبي، ويعتبر المعلم وخصائص شخصيته وجنسه (ذكر أو أنثى) عاملا حاسما في إخصاب نزوعات الطفل الوجدانية وثمثله للسمات الجنسية لذاته وللجنس الآخر بأبعادها الجنسية والاجتماعية والأخلاقية. وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة عند حدود  أواخر السنة السابعة لتبدأ مرحلة الكمون Phase de la tence والتيتمتد من أواخر السنة السابعة إلى المراهقة. وتتميز هذه المرحلة بتضاؤل النزوعات الجنسية والدوافع الليبدية ، التي ظلت تتفاعل وتعمل طيلة المراحل السابقة ، مقابل إعطاء الاهتمام والانسياب من طرف الطفل تجاه الالتزامات العائلية والمدرسية والدينية والسوسيوـ ثقافية عامة. والطفل ، خلال هذه الفترة، يعيش حالة شبه توقف أو وضعية خمود الطاقة الغريزية (Libido) باتجاه تغليب منطق الواقع على منطق الهو(مبدأ اللذة) .ويكون الجهاز النفسي خلال هذه المرحلة في وضعية تنظيم وترتيب المكونات الداخلية، التي تستمر في تشكيل القاعدة الأساسية لشخصية مرحلة النضج.

فترة التمدرس الثانية : وتسمى بمرحلة المراهقة وتمتد من سن 11/12 إلى حوالي سن 17 ،حيث يرى فرويد بأن الطفل المراهق يصل خلال هذه الفترة (المراهقة) إلى مرحلة نضج التموضعات الغريزية للطاقة الليبدية في علاقتها بالمواضيع الحقيقية . وقد سمى فرويد هذه المحطة النمائية بعتبة النضج الجنسي، إذ يتحول الموضوع الجنسي من البعد الاستيهامي إلى البعد الحقيقي ( الواقعي).ويحاول هنا المراهق أن يحقق أكبر قدر ممكن التوازنات بين اندفاعات رغبات الهو والالتزامات الضاغطة للواقع.(سلسلة التكوين التربوي عدد1  1994)

* مراحل النمو الاجتماعي :

يعرف سيلامي sillamy   الوسط الاجتماعي بأنه الحيز الذي تحدث فيه الثأثيرات الطبيعية والسوسوـ اقتصادية والتربوية ،وما يترتب عنها من تفاعلات سيكوـوجدانية بين الأفراد. ويقسم الدارسون السيرورة التكوينية للأنا الاجتماعي عموما، إلى ثلاث مراحل كبرى:

المرحلة الأولى : مرحلة الطفولة الأولى وتنقسم إلى طورين :الطور الأول ،ويمتد من الولادة إلى السنة الثالثة ويسمى أيضا طور اللاتمايز ،وذلك لعدم تمييز الطفل ذاته وجسمه عن المحيط الخارجي ، وينحصر شعور الطفل هنا في الاحساسات الحشوية والسطحيةالتي تستثيرها المثيرات الموضوعية الخارجية، وأهم الاستجابات الانفعالية للطفل الرضيع خلال هذا الطور تنحصر في البكاء والصراخ كتعبير عن طلب الغذاء أو الراحة الجسمية ، أو في بعض أشكال التعابير الوجهية، كالانتباه ،الابتسام...وخلال السنة الثانية من هذا الطور ،تبدأ الأنا الطفلي في التشكل النفسي، حيث تتسع دائرة التفاعل الاجتماعي لدى الطفل (الأسرة الأخوة...) ؛أما الطور الثاني من هذه المرحلة وهو الطور بناء الأنا الاجتماعي فيبدأ من السنة الثالثة ويمتد إلى حوالي السنة السادسة ، إذ في هذا الطور يعيش الطفل العلاقات الاجتماعية بشكل اختباري عملي ومباشر وهو يحيا حياته الاجتماعية بدون أن يفكر فيها، ولهذا سيكون سلوكه الاجتماعي عبارة عن حالات تكيف خارجية لحظية ومؤقتة ، محدودة بالزمان  والمكان والموقف أو الوضعية ..ومن أهم المؤثرات التي تساهم هنا ، في تكوين ردود الفعل الاجتماعي لدى الطفل نجد : المحاكاة أو لعبة التقمص ، حيث يتجه الطفل نحو تقليد وتمثيل أدوار الراشدين، ومن بين عوامل تكون الأنا الاجتماعي للطفل، خلال هذا الطورنجد اللغة ،إذ أنها الأداة التي تمكن الطفل من تمثل وإدراك مواقع وأسس ورموز التواصل البينـفردي ،فمن خلال أشكال التواصل اللغوي مع الطفل، .يتجه إلى بناء لحظة الانفصال بين نفسه وبين الآخر  من جهة، وبين كلا هذين  البعدين والواقع من جهة أخرى .إن طفل السنة الخامسة والسادسة يؤسس إدراكه الاجتماعي الأول لذاته وموقعها ، وللآخرو مواقعه المحتملة ، وللواقع وتجلياته  وتمظهراته .

المرحلة الثانية : وتمتد من حوالي السنة السابعة إلى بداية المراهقة، حيث طفل السابعة أو الثامنة ليس لديه إلا تصور مشوش عن القيم العلائقية والمجتمعية ، وعن السلوكات والمواقف. ويصبح طفل هذه المرحلة ، فعلا أكثر قدرة على ضبط المواقع الاجتماعية والأدوار والسمات السطحية للشخصيات، كما أنه يتمكن من ضبط الإيجابي والسلبي من السلوكات ولكن بدون تحليل منطقي  أو تحليل قيمي أخلاقي ، إنه مقترن ومرتبط تمثليا بنتائج الفعل وليس  بعلل وأسباب الفعل . كما أن الطفل في هذه المرحلة يحكم على المشخص ولايقدر على بناء أو استنباط المجرد كقيمة تحكم الفعل الاجتماعي .وحوالي سن التاسعة ،يبدأ الطفل في عقلنية علاقاته المؤسساتية وضبط حدود سلوكاته تبعا لقيم الأمر والنهي والعقاب، ويصبح أكثر قدرة على تفضيل القيمة تبعا لمبدأ المعايرة ، الذي يؤهله لوعي رمزية أدواره في البيت والمدرسة ، ووعي بعض سمات شخصيته ، كالجنس والسن في علاقتهما بطقوس وضوابط مجتمع الراشد . وحوالي سن العاشرة أو الحادية عشر يصل الطفل إلى مستوى الضبط والسببية الواقعية والقيمية لبعض السلوكات  والمواقف ، حسب ما ينبغي أن يكون وليس حسب ما هو كائن.

المرحلة الثالثة : وتمتد من السنة الثانية عشر إلى نهاية المراهقة ، حيث يعيش الطفل أزمة المراهقة كنتيجة للتغيرات الفزيولوجية النمائية(والوجدانية) لجسد المراهق، وما تحدثه من تأثيرات على إدراكه لذاته وللمحيط الاجتماعي والموضوعي حوله، فأزمة المراهقة ، حسب فالون Wallon ، ترجع إلى تطور عاملين : عامل بيولوجي مرتبط بالنضج الجنسي والجسدي عامة؛ وعامل إجتماعي يتكون من المواقف التي يفرزها النضج البيولوجي والفزيولوجي على المستوى الاجتماعي عموما والعلائقي  خاصة .وفي هذه المرحلة يصبح الطفل كذلك قادرا على تمثل قضايا النسق القيمي المجتمعي على أساس نفي التصور الاعتباطي للموقف أو العلاقة مع الآخروبناء مرجعية تفسيرية أكثر وضوحا ومنطقا على مستوى استقلالية التبرير والتحليل .وفي الأخير ، وكما يرى كولبيوج Kohhberg  .نجد أن المراهق يتجه اجتماعيا خلال هذه المرحلة نحو بناء مفهوم الواجب والقيم بربطها بالبعد المؤسسي أو الكوني ( سلسلة التكوين التربوي، عدد 1 . 1994)

بعدما رأينا أهم الخصائص النمائية المعرفية والوجدانية والاجتماعية لشخصية الطفل، والتي تعدمعرفتها ضرورية في أي فعل تربوي أو تعلمي ، سنحاول في المحور التالي ، معرفة مفهوم الشخصية وأنماط المعارف التي من الممكن أن يتعلمها الطفل خاصة والفرد الإنساني عامة .

الشخصية وأنماط التعلمات

1ـ الشخصية

 إن معرفة مفهوم الشخصية(شحصية الكائن الإنساني عامة)،تبقى من الامور الهامة، في ممارستنا التربوية و التعليمية، حيت هناك تلازم ما بين خصائص هذه الشخصية و المواضيع المعرفية المفروض تعلمها عند الفرد . وكما هو معروف فإن الا دبيات النفسية تزخر بعدة تعاريف لمفهوم الشخصية ، سنقتصر فقط على ثلاثة مقاربات لمفهوم الشخصية ، نعتبر ها شاملة ، إلى حد ما:

يعرف Sheldon  الشخصية باعتبارها تركيب دينامي لمظاهر فيزيولوجية من جهة ، ومظاهر حركية ووجدانية ومعرفية من جهة أخرى [1976 ،P.Fraise] أما الشخصية حسب جان كلود فييو J.C Filloux فهي تتميزبأربع خصائص أساسية : إنها فريدة من نوعها ، هي عبارة عن نظام متكامل ،إنها زمنية ترتبط بشخص يعيش تاريخا معينا، وأخيرا، إنها بمثابة متغير وسيط ، وليس مجرد ارتباط ميكانيكي

بين المثيراث والاستجابات ، حيث تتأكد كأسلوب من خلال وبواسطة التصرف[ 1980، Filloux ] ، أما بالنسبة لـ روبير كانيي Robert M.Gagné   فإن الشخصية من حيث تصرفاتها و إنجازاتها تتحدد من خلال خمس قدرات:الإخبار اللفظي، المهارات العقلية،

 المواقف، وأخيرا، المهارات الحركية. وإن الشخصية ، في آخر تحليل،هي تركيب دينا مي بين عدة مكونات معرفية/ذهنية ووجدانية وحس-حركية (فيزيولوجية)؛ حيت على أي تدخل تربوي تعليمي أن يراعي هذه المعطيات والأبعاد الثلاث في شخصية الفرد الإنساني.وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال التعرف على المعطيات المعرفية الممكن تعلمها واكتسابهما حسب صنافة بلوم و السيكولوجية المعرفية، ومن خلال التعرف على صنافة الأهداف الوجدانية لكراتوول، وأخيرا التعرف على صناعة الأهداف الحسـ حركية لـ هارو Harrow .

2- أنماط المعارف الممكن تعلمها :

يقدم لنا بلوم مع جماعة من الباحتين الأمريكين، صنافة المجال المعرفي التي تشمل أهم المهارات المعرفية والذهنية،وقد حددث في 6 مهارات ذهنية: المعرفة/ التذكر : وهي خاصة بتخزين المعلومات والمعطيات المختلفة وتقييم هذه المهارة تربط بالقدرة على استرجاع تلك المعلومات والمعطيات وتشمل ثلاث مقولات جرئية : تذكر المعطيات الخاصة(مصطلحات ، أحداث خاصة) تذكر الوسائل والطرق التي تمكن المتعلم من استعمال معطيات خاصة( مقاطع ، تصنيفات ، مناهج، معايير...).

تذكر المعارف والمعطيات المجردة(  مبادئ ، قوانين ، نظريات...)أما المهارة الثانية ، فهي مهارة الفهم،  وهي مهارة عقلية تمكن المتعلم من معرفة ما يتلقاه  من المحيط الخارجي من أفكار ومعلومات وإشارات....وتضم ثلاث مقولات صغرى كذلك وهي : التحويل Transposition  ،أي تحويل ما تعلمه المتعلم من صيغته الأصلية إلى صيغة أخرى مماثلة في المعنى ، ثم التأويل، أي استعمال المعارف والمعلومات والمعطيات التي  ثم تعلمها في إطار أو تنظيم مخالف للإطار أو التنظيم التي وردت فيها (أي من زاوية نظر جديدة)؛ وأخيرا ، مقولة التعميم Extrapolation  وهو الانتقال  بنظرية أو مفهوم أو مبدأ من إطارها الأصلي إلى  إطارأوسع أو سحبه على معطيات أخرى مخالفة ؛ والمهارة الثلاثة هي مهارة التطبيق: وتعني استعمال التصورات المجردة في حالات خاصة وملموسة، ويمكن أن تأخذ هذه التصورات شكل أفكار عامة ، قوانين إجراءات ، مبادئ نظريات ... المهارة الرابعة هي مهارة التحليل : وتعني عزل العناصر والأجزاء المكونة لرسالة /معرفة ما ، بحيث تتضح تراتبية الأفكار والعلاقات بين الأفكار، وذلك من أجل توضيح وشرح مضمون الإرسالية المعرفيةو تنظيمها ، وكذلك توضيح واستخراج الأسس التي بنيت عليها ،وتقسم مهارة التحليل إلى ثلاث مقولات جرئية كذلك وهي تتجسد في: البحث عن العناصر التي تكون الرسالة أو الموضوع، البحث عن العلاقات الرابطة بين العناصر، ثم البحث عن المبادئ المنظمة للموضوع  ككل ؛ والمهارة الخامسة هي مهارة التركيب ، التي تمكن من الجمع والتوليف بين مجموعة من العناصر أو الأجزاء لتشكيل نسق يتسم بالكلية والنظام . وتنقسم بدورها إلى ثلاث مقولات جزئية : إنتاج عمل شخصي، بناء خطة عمل ، اشتقاق مجموعة من العلاقات المجردة ؛ والمهارة السادسة الأخيرة هي مهارة التقييم Evaluation التي تمكن من صياغة أحكام حول قيمة المواد و الطرق المستعملة لأجل تحقيق غرض محدد، وهي إما أحكام كيفية أو كمية تحدد مدى تلاؤم الطرق والمواد مع المعايير المحددة ، وتتم عملية التقييم حسب بلوم من خلال نوعين من المعايير : معايير داخلية ،وتتم من خلال إصدار أحكام انطلاقا من معايير تنتمي للموضوع نفسه ، ثم هناك معايير خارجية والتي تبني أحكاما انطلاقا من معايير خارجية عن الموضوع .( في طرق وتقنيات التعليم...)

هذه أهم المعارف التي يمكن تعلمها كمهارات حسب بلوم ، أما مع السيكولوجيا المعرفية سنرى أولا ،أهم مميزات المعارف الممكن تعلمها واكتسابها ، وثانيا سنرى المعارف التي يمكن اكتسابهما  والتي هي ضرورية للأنشطة الذهنية من تفكير وحل المشكلات وتعلم.

إن السيكولوجيا المعرفية تولي اهتماما لأنواع المعارف وبنيتها و وظيفتها ، لذلك فهي تميز بين :المعارف الملموسة والمعارف المجردة (بياجي) وبين المعارف الخاصةو المعارف العامة (Glxzer,Minsky ) وبين المعارف والميتا معارف (Brown-Flavell ) وبين المعارف العلمية والمعارف التصورية(Mounoud ) ،وبين المعارف الإجرائية والمعارف التصريحية(Anderson Wingard) وبهذا الصدد يمكن اعتبار نموذج مونو لاكتساب المعارف، يشكل نموذجا مميزا لكونه يعتبر أن المعرفة لها جانب عملي وجانب صوري ، وهما جانبان متفاعلان ومتزامنان بدرجة متفاوتة.وهو نموذج صالح للتطبيق في حالة النمو والتعلم ، وفي حالة الإشتعال المعرفي وحل المشكلات كذلك ؛ كما أنه على مستوى الإشتغال المعرفي يمكن أن نميز بين المعرفة التصريحية C.dédarative  والتي تهتم بالأحداث ، والمعرفة الاجرائية C.Procédurale وهي فعلية أو مهارية Savoir- Faire  سواء أكانت حس ـ حركية أو ذهنية ،والتي يكتسبها الإنسان والضرورية لكل الأنشطة الذهنية من تفكير وحل المشكلات وتعلم ...و تتحدد حسب السيكولوجيا المعرفية في ثلاثة أنواع أساسية :

العمليات الذهنية : يعرف بياجي العمليات بأنها أفعال كيفما كان نوعها ، والفعل هنا بمعنى عمل ملموس يحدث أثارا معينة ، ويكون دائما أصله حركيا أو إدراكيا أو حدسيا.أما العمليات الذهبية فهي الأفعال الملموسة التي استدمجها الفرد داخليا وأصبحت ذات طبيعة تمثلية ويوظفها في ميادين مختلفة، فهناك العمليات المنطقية التي تكون الفئات أو العلاقات والعمليات الحسابية والعمليات الهندسية والعمليات الميكانيكية والفزيائية... وقياسا بالأفعال فإن العمليات الذهنية هي عمليات تحويل تتخذ صيغة مبادئ وقواعد تطبيقية وتنفيذية تهذف إلى تحقيق مهمة ما .أما نظرية معالجة المعلومات فتتحدث عن الإجراءات (procédures) عوض العمليات، وتعرف الاجراءات بأنها مجموع العمليات المنظمة فيما بينها والقابلة للتنفيذ في شروط معينة للوصول إلى هذف محدد. ونظرا لتعقد المهام والظروف المحيطة بها فإن الأمر يتطلب القيام بأكثر من عملية وإجراء وتعدد العمليات يتطلب تنظيما وتنسيقا بينها لتكون فعالة. وبهذا المعنى يصبح الإجراء قريبا من مفهوم الاستراتيجية، بل أصبح يستعمل مرادفا لها في السيكولوجية المعرفية الحديثة.والاستراتيجية تختلف نسبيا عن الإجراء وبالضبط في كونها إجراءا واعيا ومراقبا، بخلاف الإجراء الذي يكون آليا وغير مراقب.

المفاهيم : تعرف نلسون(Nelson) المفهوم بكونه معلومة منظمة غير تابعة مباشرة للمدى الإداركي وقابلة للتسمية؛ وحسب هذا التعريف يشكل المفهوم مجموعة من الخصائص التابتة التي تميز شيئا عن الآخر والمجردة التي ترتبط بكلمة معينة . وتتعلق المفاهيم بالأشياء والأحداث والأفعال وحتى بالعلاقات ،هذه النوع الأخير ( العلاقات) أصعب في تكونها وتعلمها لأنها لاتعرف بخصائص ثابتة، بل بعلاقاتها بمفاهيم أخرى مما يجعلها أكثر  تجريدا وتعقيدا  من غيرها ويقربها من المفاهيم العلمية (السرعة، الطاقة، الزمان، المكان..)

وقد ارتبطت دراسة المفاهيم في علم النفس بموضوع الفئات التصورية (Catégories conceptuelles) والفئات الطبيعية .والفئة هي صنف يتكون من مجموعة من المعلومات المستقرة والمبنية والممثلة في الخصائص المميزة التي تحدد مدى انتماء عنصر ما لهذه الفئة.

وحسب روش Rosh فإن  الفئات أ والأصناف تتلخص في نموذج أ صلي(Prototype) يعتمد مرجعا لتحديد ما إذا كانت حالة خاصة تنتمي أم لالهذه الفئة .كذلك فإن المفاهيم تأخذ شكل خطاطات ( shémas) كبنيات لتنظيم الأشياء أو سيناريوهات (script) لتنظيم الأحداث والأفعال.فكل مفهوم يمكن اعتباره في آن واحد فئة وخطاطة.وبحكم ارتباط وتداخل الفئات والخطاطات بشكل تراتيبي فإن المفاهيم هي عبارة عن عقد  دلالية داخل شبكة واسعة من الفئات والخطاطات.

الأنظمة الرمزية :  إن المعرفة تحتاج إلى رموز لتمثيلها والتعبير عنها وتكون بمثابة امتداد لها .وبصفة عامة  فإن كل نظام معرفي لمعالجة المعلومات المعرفية يحتاج إلى  أنظمة رمزية و لايمكن أن يشتغل بدون رموز للتواصل وحل المشكلات.فالأنظمة الرمزية أدوات ضرورية للمعرفة لصياغتها وتصورها وتبليغها للآخرين .وهي إنتاج اجتماعي ثقافي يتوزع إلى عدة أنماط : الرموز الحركية ، و الرموز الصوتية والرموز الخطية.

  فإن المعارف التي يمكن أن يكتسبها الإنسان هي العمليات الذهنية والمفاهيم والأنظمة الرمزية  ، وكل تحول معرفي يشمل بالضرورة هذه الأنواع الثلاث من المعارف وتبقى العلاقة بينهما وأهمية كل واحدة في هذا التحول موضوع خلاف حسب الاتجاهات النظرية والمقاربات المعرفية .(أحرشاو،الزاهر،مجلة العتوم التربوية و النفسية،العدد الأول 2000)


Post a Comment

Previous Post Next Post