الإنتاج الصناعي المعاصر في عالمنا الإسلامي
وآراء بعض المفكرين المعاصرين
المطلب الأول
أهمية الإنتاج الصناعي المعاصر :
يقول أبو الوفا المراغي : إن الصناعة من أهم الأركان التي يقوم عليها بناء العالم وهي أسس الحضارات، فالحضارات مجموعة من الأفكار يحشدها مجموعة من الصناعات .
وفيما نأكل ونشرب ونلبس ونسكن وفيما نتمتع به من ألوان الزينة جملة من الصناعات يشتبك بعضها ببعض ويكمل بعضها بعضاً .
وبالصناعات يقوم الهيكل الاقتصادي للعالم كله ولأهميتها دعا الإسلام إليها، وجعلها من فروض الكفاية بمعنى أن الجماعة الإسلامية لا بد أن يتوافر في أهلها من كل ذي حرفة وصناعة من يكفيها حاجتها من الصناعات المختلفة فإن لم يوجد فيها من ينهض بهذه الصناعات أثمت الجماعة وبخاصة أولي الأمر ومن يبددهم الحل والعقد[1].
ولقد أجمع الاقتصاديون بأن الصناعة لها الدور الأول بل الرئيسي في تحقيق التنمية الاقتصادية والإسراع بها والوصول باقتصاديات البلاد التي في سبيلها إلى النمو، إلى درجات عالية من التطور والتقدم ويرجع ذلك إلى مستوى الإنتاجية في القطاع الصناعي مرتفع .
رأي الدكتور إسماعيل شلبي :
يرى أن الاهتمام بالصناعة في العالم الإسلامي مهم جداً ويرى أن تنمية العالم الإسلامي يجب أن ينطلق من تغليب الطابع الصناعي وتطوير الصناعة وذلك أن القطاع الزراعي أصبح مشروطاً بإيجاد فرص تقبل الفائض المستمر من القوة العاملة بل وبجزء من القوة العاملة في الزراعة في نشاط إنتاجي آخر[2] .
       وبالإضافة إلى ذلك فإن تطوير القطاع الزراعي يرفع انتاجية العمل ويستلزم وجود قاعدة صناعية تستطيع أن تمهد القطاع الزراعي  باحتياجاته من أدوات الإنتاج ومن المواد الصناعية التي أصبحت من أساسيات الزراعة الحديثة وليس الاهتمام بالصناعة على حساب القطاعات الأخرى إذ لا بد من تطوير النشاطات الأخرى لما بين جميع النشاطات الاقتصادية من علاقات متبادلة ومترابطة تحول دون تطوير نشاط معين بسرعة كبيرة دون القطاع الآخر[3] .


أسباب تأخر المسلمين في الإنتاج الصناعي الثقيل، يعزوه محمد كشك إلى حادثين خطيرين : هما :
       أولاً : الحملات الصليبية .
       ثانياً : الإعصار المغولي .
       فبسبب ذلك أحرقت الكتب والمكتبات ودمرت المدن وأنهك اقتصاد العالم الإسلامي وتفكك العالم الإسلامي، حيث لم يعد التعاون أساس نهضتهم وكثرت خلافاتهم واشتد ذلك الخلاف إلى حروب كلامية تطورت إلى حروب بالسلاح أدى إلى زيادة الشقة بين المسلمين وزيادة تأخرهم في  الإنتاج الصناعي[4] وذلك بسبب تقسيم البلاد الإسلامية إلى دويلات متفرقة متناحرة انقسمت في ولائها إلى الشرق أو إلى الغرب، حيث خمدت لدى المسلمين جذوة الجهاد في سبيل الله تعالى فلم يعودوا يستعدون له بأخذ أسباب القوة ومنها الإنتاج الصناعي الثقيل، ولذلك لم يسلموا من الأعداء حيث تسلطوا عليهم وفتكوا في كثير من المسلمين . وما واقع المسلمين في فلسطين، ولبنان، وأفغانستان، والفلبين، وأرتيريا، والحبشة، وقبرص من بلاد العالم ما واقعهم عنا ببعيد .

الطريق إلى النهضة الصناعية في وقتنا الحاضر :
         يقول جلال كشك : (هو أن تصبح لدينا أموال نستثمرها في التضييع، وهل يشترط في الثورة الصناعية اقتباس الأفكار مع التكنولوجيا ؟
       الجواب لا يشترط ذلك فهذه روسيا مثلاً اقتبست الصناعة والتكنولوجيا من الغرب مع احتفاظها بأفكارها المنحرفة . وهو عين ما تفعله الصين الآن فهي ترفض الأيدلوجية الغربية وفي نفس الوقت ترفض الأيدلوجية الروسية برفض شيوعية موسكو واعتناق شيوعية – ماو الخاصة[5] .
       إن من أراد السباق الرهيب فلا بد أن ينفتح بكل جهده على التكنولوجيا وينغلق بكل ما يطيق عن التأثيرات الفكرية والروحية .
       إن أكبر جريمة ترتكبها الطبقة الحاكمة في أمة ناهضة هو ارتباطها فكرياً وروحياً بالحضارة المتقدمة لأنها سترتبط بها وتكون تابعة لها . إن رفض أيدلوجية العدو هو أول الطريق لإتقان التكنولوجيا، لأن هذا الرفض يضعك على قدم المساواة النفسية معه على الأقل، فالواقع أنه يخلق اعتزازاً وسمواً تلهب به حماسة الجماهير وتدفعهم إلى الأمام[6] . وأما بالنسبة للأمة الإسلامية فإنه لا يمكن لها التقدم في التكنولوجيا حتى تتحرر من الولاء للأجنبي أياً كان هويته أمريكياً أم روسياً أم صهيونياً لأنه يجب أن تتسلح بأيدلوجية خاصة.
       وبعقيدة إسلامية قوية تلهب حماسة الجماهير لتدفعها إلى الصناعة المتقنة والتكنولوجيا الثقيلة وتقودهم عبر طريق الدم والدمع والعرق .
       ومهما تلفتنا لا نجد سوى عقيدة الإسلام فبه نستطيع إنقاذ أنفسنا وإنقاذ العالم من الدماء والحروب والهلاك[7] .
       إذ الواقع أننا نرى أن القوة الصناعية والتقدم في الإنتاج الصناعي لما أخذ الغرب والشرق بأسبابه وهم لا يملكون عقيدة سماوية صالحة، استخدموا هذه الصناعة للتدمير وإهلاك الحرث والنسل والتسابق في الصناعة لا حراز نقدم أكثر من ذلك .
       وإليك الإحصائيات عن التسابق على صناعة الأسلحة لمجرد التدمير والخراب :
       نشرت وكالات الأنباء العالمية أن الإنتاج العسكري في العالم تجاوز عام 1977 مبلغ 350 مليار دولار ، وقد بلغت ميزانية أمريكا العام 77/78 مبلغ 119.9 مليار دولار لإنتاج حاملة الطائرات النووية .
       ومعروف أن لدى أمريكا والروس من السلاح الذري ما يدمر الكرة الأرضية عشرين مرة . وفي تقرير إذاعته هيئة الأمم المتحدة عام 1977 م أن أكثر من 400 ألف عالم وباحث في دول العالم يكرسون جهودهم لخدمة السلاح وإنتاج آلات التدمير. وأن مجموع عدد العاملين في الصناعات العسكرية وما يتصل بها ( مليون ) وعدد الجنود في العالم ( 22 مليون ) والمجموع ( 22 مليون ) يتجاوز عدد المدرسين في جميع دول العالم .
       ويذكر التقرير أن مكافحة الجدري في إفريقيا لمدة عشر سنوات كلفت ( 83 ) مليون دولار وهو أقل من ثمن قاذفة قنابل استيراتيجية واحدة ، وتمتلك أمريكا والروس ( 80 ) ألف صاروخ من عابرة القارات وأن ثمن صاروخ أكبر من ميزانية مكافحة وباء الملاريا في العالم[8].
       مصير الحضارة الغربية تسيرها الأنظمة الوصية : وتعتمد على الجانب المادي فقط :
       يقول بشأنها المفكر الإسلامي – رجاالله – الفرنسي – الذي أعلن إسلامه مؤخراً : ( إنها قادت الإنسان بعد كل هذا التقدم المادي إلى طريق مسدود، نعم هي حضارة تدعو إلى مزيد من الإنماء والإنتاج بلا حدود من أجل مزيد من الرفاهية التي وصلت إلى حد الترف ولكنها في نهاية المطاف ركزت على الإنتاج العسكري وصنع الأسلحة بكميات رهيبة تجاوزت الملايين الهدف منها تدمير الإنسان .
       وبافتقادها الجانب الروحي سارت بالإنسان إلى مهاوي الفقر والجوع حيث تصرف الأطنان الكبيرة من مواد التدمير للكون والإنسان[9]) .

أهمية نقل التكنولوجيا للعالم الإسلامي :
يقول الدكتور إسماعيل شلبي :
       إن من متطلبات الانطلاق في التنمية والإنتاج وضمان استمرار ذلك ونحوه الاعتماد على الصناعة ونقل التكنولوجيا الحديثة المتقدمة وإحلالها تدريجياً محل طرق التصنيع التقليدية ولا بد من الحوافز على العمل الصناعي، ثم يقول : نظراً  لعدم وجود الظروف الملائمة لإيجاد التكنولوجيا حالياً بالدول الإسلامية فإنه في الإمكان استيرادها من الخارج مع تطوير التخصصات والاختراعات المحلية ويشمل هذا التطوير تطويع التكنولوجيا الأجنبية المستوردة بقدر الإمكان للظروف المحلية .
       ولكنه اشترط شروطاً لنقلها :
1.   أن يكون مناسباً بحيث يلبي احتياجات التصنيع الرئيسية .
2.   أن يقضي هذا النقل الثغرات التكنولوجيا والإنتاجية الكبيرة في برامج التصنيع .
3.   وضع برنامج للأولويات بتحديد أنواع التكنولوجيا التي نستورد مما يفسح المجال لتطبيق مبدأ المفاضلة[10] .
4.   الاستفادة من التكنولوجيا المستوردة بشكل فعال وتكييفها وتطويعها لتناسب الظروف المحلية وذلك في أقل فترة ممكنة .
5.   ولا ننسى دعم البحوث الأساسية التي تهم منطقة العالم الإسلامي كبحوث الصحراء ، وتحلية مياه البحر، والاستفادة من الطاقة، بهدف إيجاد تكنولوجيا تلائم المنطة الإسلامية في حل مشكلتها الرئيسة في هذه النواحي المختلفة[11].

أنواع الصناعات التي ينبغي أن يركز عليها :
       الصناعة الإنتاجية تعطي معدلاً أعلى في نمو الاقتصاد على المدى البعيد تؤدي بعدها إلى زيادة الإنتاج بمعدل أكبر من المعدل الذي كان يأخذ مكاناً في غياب الصناعات الإنتاجية . وذلك لما لهذه الصناعات من اثار مباشرة وغير مباشرة على الصناعات الأخرى ،خاصة أن العالم الإسلامي يفقد مثل هذه الصناعات الإنتاجية الكبيرة، لأنه بفقدها هذا الجانب ستلجأ إلى السوق العالمي وتعتمد عليه في جلب ما تحتاجه من آلات صناعية الأمر الذي قد يكون ذا آثار غير طيبة[12].
       وأهم هذه الصناعات الإنتاجية :
1-  صناعات البتروكيماويات .
2-  صناعة الحديد والصلب .
3-  استصلاح الأراضي الزراعية .
حيث تحقق صناعة البتروكيماويات عدة أهداف فتزود القطاع الزراعي بما يلزمه من الأسمدة والكيماويات اللازمة لمقاومة الحشرات ونحو ذلك، كما أنها توفر بدائل لكثير من المواد المعروفة مثل الصابون والورق والألياف الطبيعية والأخشاب والزجاج والبحوث .
وإن صناعة الحديد والصلب والصناعات الثقيلة تعتبر أهم الصناعات في العالم الإسلامي، حيث إنها توفر الآلات والماكينات والأجهزة اللازمة لقيام القطاع الصناعي وتطوير القطاع الزراعي والمساهمة في إقامة قطاع البنية الأساسية للمساهمة في تصنيع ما يحتاجه من مهمات وآلات[13] .
يقول زيدان عبدالباقي : ولا ريب أن الصناعات الثقيلة أصبحت الآن من أخصب الموارد الاقتصادية التي تمد الدول بكل إمكانات التقدم والرخاء، ولا سيما إذا استخدم في الإنتاج أسلوب ( الإنتاج الضخم ) . ثم يقول الدكتور زيدان :
إن الصناعات الثقيلة والخفيفة هي دعامة الهيكل الاقتصادي، حيث لم تعد الشعوب قادرة على الاكتفاء بمصدر واحد للإنتاج وهو الإنتاج الزراعي وإنما اتجهت كل الدول إلى الاستفادة ن الصناعة كمصدر أساسي ثاني للإنتاج .
يقول سميح الزين في كتابه الإسلام وثقافة الإنسان :
أن إيجاد مصانع الآلات مفروض علينا، والدولة ملزمة بإزالة هذا الضرر وذلك بدراسة تكاليفها[14] ولقد سبق الكلام في الأهمية ويجب أن يركز على الصناعات الثقيلة، فبسببها نحصل على آلات متعددة تصلح للزراعة والتجارة والصناعة ، من حراثات وسيارات نقل، وآلات حرفة ونحوها، إذ كلما اقتصرت الأمة على إنتاج الصناعات الاستهلاكية الخفيفة فإنها تظل سوقاً لمصانع غيرها من الأمم واليد العاملة الفنية بالإمكان الحصول عليها عن طريق التعليم المتخصص في شراء العقول بالأموال الطائلة وهناك قاعدة شرعية تقول : (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) .
يقول الأستاذ حمزة الدموهي : أنه لا يجوز للعرب أن يقتصروا على شراء التكنولوجيا – بالأموال ونحوها ظناً بأن في ذلك ما يحققه من التنمية الاقتصادية المنشودة لأن نجاح التنمية لم يعد متوقفاً على القوة العاملة وعلى رأس المال فقط وإنما أصبح في هذا العصر مرتبطاً بالبحث العلمي المتطور لأنه المنبع الأصيل للتكنولوجيا المتقدمة .
ومن هنا كان لزاماً على العالم العربي المسلم أن يهتم أولاً وقبل كل شيء بالأبحاث العلمية المتطورة وأن ينفق عليها بسخاء[15] .
ولقد أعجبني مقال للأستاذ عبدالله الجعيثن حول أهمية صناعة الأسلحة في وقتنا المعاصر بالنسبة للمسلمين :
حيث أسند بقوله تعالى : )) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة  (( [16] أن إعداد القوة واجب إسلامي لا يمكن أن يتحقق للمسلمين قوة إلا إذا صنعوا الأسلحة بأيديهم .
ثم ينتقل إلى تعليل ذلك بقوله : إن الأمة الإسلامية محاطة بأعداء من كل نوع من الشرق والغرب من غرس إسرائيل في وسط العالم الإسلامي إلى ابتلاع الروس لأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين كبخارى وسمرقند.
ثم يبين الكتاب أن الله تعالى يقول : )) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (( [17] وأنه لا عزة مع استيراد الأسلحة والأطعمة من بلاد الكفار. ثم ينتقل الكاتب إلى حكم صناعة الأسلحة بالنسبة للمسلمين في وقتنا المعاصر فيقول : إن صناعة السلاح واجبة على العالم الإسلامي حسب ظروف الزمان والمكان خاصة في الأيام الأخيرة حيث أفاء الله على المسلمين الاستقلال السياسي وأفاء عليهم المال والعقول القادرة على الابتكار والتفكير .
ثم ينتقل الكاتب إلى الطرق التي تساعد المسلمين في وقتنا المعاصر على الصناعة فيقول :
إن مما يساعد المسلمين على صناعة الأسلحة بأنواعها أن العلوم مدونة والخبراء موجودون ومعاهد التدريس قائمة، وكثيراً من الدول لديها استعداد للتعاون التكنولوجي والنووي أيضاً ، وأن العقل العربي والإسلامي ليس عاجزاً عن الابتكار بإذن الله .
ثم يدعو الكاتب إلى قيام هيئة إسلامية للتصنيع الحربي تقوم بصناعة كل أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة النووية، ومما يساعد على ذلك دراسة كل الخطط من تعديل في سياسة التعليم في عالمنا الإسلامي، ودراسة لمغريات العمل وإيجاد المناخ الملائم لبزوغ المواهب لا قتلها وتوجيه نصيب وافر من إيرادات الأمة نحو صناعة الأسلحة.
ثم يقول لا ننسى أن معظم الخبراء والعقول في أوروبا هم من بني جلدتنا ومسلمون، فحبذا لو وفر لهم الجو المناسب ليعودوا إلى أماكنهم الحقيقية .
ثم يتساءل عن مصير ( الهيئة العربية للتصنيع الحربي ) ويتمنى أن تكون نواة طيبة يستمر إنتاجها شيئاً فشيئاً حتى تؤتي الثمرة المرجوة[18].
هل يمكن الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الصناعي في العالم الإسلامي ؟
لو وجد التعاون الذي دعانا إليه القرآن في قوله تعالى :)) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (( [19] لا استطعنا أن نكون في عداد الدول المصنعة . فكل مستلزمات الصناعة ثقيلة كانت أم خفيفة متوفرة لدينا فما علينا إلا ممارسة التصنيع والبداية من نقطة الصفر، ومما يشجعنا على ذلك :
أولاً : وجود رأس المال الكثير في منطقة الخليج العربي .
ثانياً وجود الأيدي العاملة والعلماء الفنيين من المسلمين في أوربا وغيرها ، فهم بحاجة إلى من يوفر لهم الراحة النفسية والمالية وهم على أتم الاستعداد للحضور في بلاد الإسلام .
ثالثاً : المواد الخام موجودة وبكميات كبيرة وبجميع أنواعها الأولية – كالحديد واليوارنيوم والفوسفات والمنجنيز ونحوها :
فحتى متى تستيقظ هذه الأمة الإسلامية من هذا النوم العميق وذلك بإهمالها القطاع الصناعي مما اضطرها إلى الاستعانة بالكفار من رأسماليين غربيين وشيوعيين ملاحدة – في أبسط – مواد الصناعة من أبرة ونحوها إلى أعلى شيء في الصناعة من دبابات وصواريخ ونحوها مما يحتاج للاستهلاك أو للحرب حتى صار العدو يستهزئ بنا ويرسل لنا أسلحة قديمة فاسدة ويأخذ مقابلها الأموال الطائلة .
وإنها لدعوة صريحة للعالم الإسلامي أن تتحد فيما بينها وتتعاون في المجال الصناعي فمن دولة – الأموال – ومن أخرى – الأرض – ومن أخرى – الرجال – ومن أخرى – العقول - .
ولتوضع الخطط السليمة المستقبلية للإنتاج الصناعي حتى تكثر في بلاد الإسلام من إنتاجها بنفسها وتفوت الفرصة على من يكيدون لنا ويمنعون السلاح الجديد عنا أو يمنعون قطع الغيار عند الحاجة إليه. (فالكفر ملة واحدة ) كما يقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم . وإنا باستمرار الاعتماد عليهم ينطبق علينا قوله تعالى ))                

ومن يتو  لهم منكم فإنه منهم((


.
وينطبق قول الشاعر العربي :
                   
والمستجير بعمرو عند كربته    كالمستجير من الرمضاء بالنار
           ولماذا التقاعس في الإنتاج الصناعي خاصة الثقيل منها، ونحن أبناء الإسلام خير أمة أخرجت للناس . قال تعالى :              كنتم خيرأمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر  . ((
وها هو الإسلام بمبادئه العظيمة وقواعده الكلية يرفع من قيمة المواد الأولية للصناعة وينشط بها ويدفعها إلى الأمام ويحميها من عبث العابثين ، وذلك كي تستمر هذه الأمة ويسعد كل فرد من أفرادها وتسعد البشرية جمعاء .







نحمد الله تعالى الذي أنعم علينا بإتمام هذا البحث الذي تطرقت فيه إلى الخطة التي رسمتها الشريعة الإسلامية لمعالجة موارد الثروة والإنتاج.
حيث أوردت الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في المسائل التي تطرقت إليها في معالجة موارد الإنتاج.
وتبين لي من خلال هذه المرحلة العلمية أن الإسلام بمبادئه العظيمة وتوجيهاته الرشيدة لم يترك حياة الناس وفق أهوائهم وشهواتهم بل بين للناس ما يحتاجون إليه في حياتهم الدينية والدنيوية، وذلك إما بدليل من الكتاب أوالسنة أو من إجماع الصحابة، أومن القياس أو الاجتهاد وغيرها من مصادر التشريع الإسلامي.
ومن هنا ندرك صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان، ومن خلال هذه المرحلة أستطيع أن ألخص ما توصلت إليه من نتائج هامة نأمل الاستفادة منها على جميع المستويات إن شاء الله.
أولا: مصادر التشريع الإسلامي قادرة على حل مشاكلنا الاقتصادية لوعدنا نستلهم توجيهاتها في حياتنا العملية.
ثانيا: أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، حيث إنها تعالج ما يحتاجه الإنسان في حياته اليومية من مأكل ومشرب وملبس ونحو ذلك، حيث هي شريعة تدعو أتباعها إلى العمل والبذل وزيادة الإنتاج المتعدد من زراعة وصناعة وتجارة وتصنع من الأحكام التشريعية ما ينظم ويحمي هذه الموارد التي تصب في حقل الإنتاج، ليرتفع بالتالي مستوى الإنتاج الذي تنعكس آثاره الطيبة على كل فرد من أفراد الدولة المسلمة.
ثالثا: تبين لي من خلال هذه الرحلة العلمية أن الشريعة الإسلامية ليست كما يصورها أعداء الإسلام أو الجهلة ممن ينتسبون إليها من المتصوفة ونحوهم أنها تعنى بجانب الروح والأخلاق والمثل العليا فقط، بل هي تدعو إلى التوازن لدعم كل من الروح عن طريق العبادات وما في حكمها ودعم الجسد عن طريق المحافظة عليه، والاعتناء به، وهذا لا يتم إلا عن طريق ضمان الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس وطب وتعليم وأمن ونحو ذلك.
وهذه الحاجات لا تتوفر إلا بالاعتناء بموارد الإنتاج والثروة من العمل المتعدد في الحقل الزراعي والصناعي والتجاري من حيث تنظيمها وتشجيعها وحمايتها.
والإسلام لم يغفل هذا الجانب، بل أعطاه ما يستحق من العناية والحماية والتشجيع، وما أوردته في الرسالة من الأدلة على ذلك خير شاهد على أن هذه الشريعة لم تقتصر على جانب الروح بل جمعت بينهما ليتمكن الإنسان بالتالي أن يكون خليفة الله في أرضه . يعبد الله فيها ويطبق أحكامه وتشريعاته، لتسعد البشرية بالدنيا والآخرة…..
رابعا: تبين لي من خلال هذه المرحلة العلمية أن الإسلام دين ودولةسيف ومصحف وذلك لتنظيمه الجانب الاقتصادي وسن الأنظمة التي تحفظ للناس أموالهم وتنميها ليصب ذلك في حقل الإنتاج الذي يضمن للدولة المسلمة أن تكون قوية في عقيدتها وفي صناعتها وفي زراعتها وتجارتها، لتستغني بالتالي وتكون من أقوى الأمم، لقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)[20]، وحتى لا تحتاج الدولة المسلمة إلى أعداء الله من الكفار الذين يريدون أن يطفئوا نور الله كل لحظة من حياتهم، قال تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)([21]).
ومن هنا فقوة كل فرد من أفراد الدولة بروحه وجسده وزراعته وتجارته وصناعته ينعكس بالتالي على قوة الدولة لتكون في مصاف أقوى الأمم وأولها في كل شئ ، حتى يتسنى لها العزة التي ذكرها الله في كتابه : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)([22]).
وبناء على ذلك فليسقط دعاة القومية والعلمانية الذين يريدون فصل الدين عن تسيير شئون الأمة الاقتصادية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([23]). ومن الآية يتبين لنا نفي صفة الإيمان عمن يتحاكم إلى الطاغوت راغبا عن كتاب الله وسنة رسوله. وعليه، فمن استمد النظام الاقتصادي من البلاد الرأسمالية أو الاشتراكية ليطبقها على المسلمين بقوة الحديد والنار فيخشى أن تنطبق عليه هذه الآية.
خامسا: تبين لي من خلال المرحلة العلمية في هذه الرسالة حرص الشريعة الإسلامية على حفظ كيان الفرد داخل الدولة الإسلامية، ومدى حماية حقه في الملكية العامة وإشعاره بأهميته وأهليته عندما يتصرف بها بالحدود التي رسمتها الشريعة لصالح المجتمع.
 وهذا بخلاف النظامين: الرأسمالي والشيوعي. إذ الرأسمالي يدلل الفرد على حساب المجتمع، والشيوعي يهدر قيمة الفرد على حد زعمه لصالح المجتمع وكلاهما متطرفان.
سادساً: تبين من الرسالة أن الشريعة بما سبق من وضعها لخطة لموارد الإنتاج عندما طبقت على مسرح الحياة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء ومن جاء بعدهم من الخلفاء والأمراء الصالحين، استطاعت أن  تجتاز هذه التجربة العملية بنجاح في الناحية الاقتصادية.
سابعا: تبين لنا من خلال هذه الرسالة أن الإسلام لا بد من تطبيقه عمليا بجميع أحكامه على مسرح الحياة، سواء من الناحية السياسية والاجتماعية أو التربوية ونحو ذلك ، حتى ينعكس أثر ذلك على الناحية الاقتصادية داخل الدولة الإسلامية، أما أن يطبق في جانب ويترك في جانب آخر فهنا يأتي الخلل والشلل وتبرز المشاكل الاقتصادية وغيرها.
ثامنا: تبين لي من خلال البحث في الرسالة، ما بذله فقهاؤنا عليهم رحمة الله في محاولة مجاراة عصورهم المتعاقبة وذلك من خلال بحوثهم الفقهية المستمدة من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس أو الاجتهاد وغيرها من مصادر التشريع، لأجل إعطاء الأحكام والفتاوى فيما يتعلق بالمال والعمل بأنواعه المتعددة من زراعة وتجارة وصناعة ونحو ذلك ، وذلك حرصا من فقهاؤنا على استمرار تطبيق أحكام الإسلام على المسلمين وأداء للأمانة التي علقها الله بأعناقهم.
وتلك الثروة الفقهية العظيمة التي كتبوها وألفوها لا شك أنها مؤصلة من المصادر الأصلية للشريعة الإسلامية.
فعلى ذلك لا بد للعلماء المعاصرين من أن يستفيدوا من هذه الكنوز العظيمة ويبحثوا في هذه الثروات العلمية التي تركها لنا سلفنا الصالح حتى نأخذ منها ما يلائم عصرنا ويحل مشاكلنا، ولست أدعو إلى غلق باب الاجتهاد وإنما أطلب مواصلة السير المتأخر يستفيد من المتقدم ويبتكر بما يناسب عصره ومصره ، بحدود أوامر الشريعة ونواهيها.
تاسعا: ليست مقارنة أحكام الإسلام بالنظم الوضعية فيما مر في بعض مسائل الرسالة من باب مشاكله الند بالند، فهذا غير وارد، ولكن من باب الرد عليها وتزييفها وبيان بطلانها أمام التشريع الإلهي، وبيان أن الذين يتمسكون بها في عالمنا الإسلامي هذه الأيام هم سبب تأخر العالم الإسلامي وبلائه.
 كما لا ننسى أن النظام الإسلامي سيجد طريقة دائما إلى الواقع إذا كان الدافع لتطبيقه الخوف من الله ورجاء ثوابه، لأن كلا من الحاكم والمحكوم سيؤدي الذي أؤتمن عليه وخشية الوقوف بين يدي الله تعالي، ومن هنا يخلص الإنسان المسلم في عمله في السر والعلن وتضاعف إنتاجه ويزيد ثمار عمله، فينعكس أثر ذلك على الإنتاج بوجه عام ونضمن الحياة الكريمة لكل فرد من أفراد الدولة المسلمة. بخلاف الأنظمة الوضعية التي ما إن تضع خطواتها الأولى على الطريق حتى تصاب بالانقسام الأفلاطوني بين الواقع والمثال، فالمثال يقدم للكادحين صورا رائعة للحياة الكريمة والواقع يشهد مزيدا من التناقض والتفاوت الطبقي بين الحاكمين والمحكومين.
عاشرا: المعيار الحقيقي لشغل الأعمال في الإسلام هو الكفاية المرتكزة على القوة والأمانة لأن كلا منهما يكمل الآخر.
إحدى عشر: دور العلم وأهميته في دعم الإنتاج وزيادة الثروة ومن هنا فالإسلام دعا إلى العلم المفيد النافع وحث عليه في كثير من المواضع.
أثناء عشر: أهمية التخطيط ودور ذلك في الإنتاج وتحسينه ودفعه إلى الأمام، وبيان أن الإسلام قد سبق الأنظمة الوضعية بالدعوة إلى التخطيط السليم.
ثلاثة عشر: الاهتمام بالعنصر البشري، أي الإنسان، إذ هو أساس كل شيء، فمنه العمل، ولأجله العمل، ومن هنا أهتم به الإسلام وأوجب المحافظة عليه صغيراً كان أم كبيراً من نحو تعليمه وتربيته وعلاجه والمحافظة على صحته ونحو ذلك.
أربعة عشر: انكشف لي أثناء المقارنة تفوق النظام الإسلامي على الأنظمة الوضعية وهذا كفيل بأن تسارع المجتمعات الإسلامية إلى تطبيق المنهج الرباني بدل القوانين الوضعية، وكذلك انكشف لي أنه لا بد من تكثيف الدراسة عن جميع المشاكل الاقتصادية بالبحث عنها في بطون كتب التراث، وهذا لا يمكن إلا أن نخصص كليات لهذا الأمر، ويتسع المجال لاختيار المواضيع المعدة لرسائل الماجستير والدكتوراه أن تبحث مثل هذه الكنوز التي لم يدخر علماؤنا الأوائل وسعا في بحثها واستقصائها.
وأخيراً: إنه إذا أرادت الأمة الإسلامية السعادة في الدنيا والآخرة فما عليها إلا أن تطالب بكل ما تملك من وسيلة بعودة الشريعة وأحكامها إلى الساحة، وأن تبذل كل ما في وسعها لمطالبة الحكام أن ينصاعوا لحكم الله ورسوله، حتى يضمنوا لأنفسهم السعادة في الدنيا والآخرة.
وكلنا أمل في عودة الإسلام إلى ساحة المسلمين في كل مكان إذا تضافرت الجهود وحسنت النيات فكم جربت هذه الأمة الإسلامية من شعارات براقة أودت بها إلى الهلاك.
وهذه مجمل الأسباب التي تدعونا إلى الدعوة لعودة الإسلام بأحكامه الشرعية إلى الساحة:
1-    طاعة الله تعالى والانقياد لرسوله  صلى الله علية وسلم.
2-     بناء مجتمع إسلامي متكامل كالبنيان المرصوص.
3-     سد حاجات المسلمين من الضرورات الأساسية.
4-     ترك المعسكرات الأجنبية والاعتماد على الله ثم على النفس.
5-     نشر العدل والأمن بين الناس.
6-     التقدم العلمي في كل مجال ليتقوى المسلمين على أعدائهم، ولينقذوا البشرية من التيه والضياع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] من قضايا العمل والمال في الإسلام / أبو الوفا المراغي ص 59 .
[2] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شلبي / ص 285 .
[3] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شبلي / ص 286 .
[4] طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية / كشك ص 47 .
[5] الطريق إلى الثورة الصناعية / محمد كشك ص74 .
[6] الطريق إلى الثورة الصناعية / محمد كشك / ص 77 .
[7] الطريق إلى الثورة الصناعية / محمد كشك / ص 79 .
[8] انظر الإسلام والمشكلة الاقتصادية / محمد شوقي الفنجري / ص15، الناشر : مكتبة الأنجلو المصرية .
[9] مجلة منار الإسلام، عدد11، 1403،ص25 .
[10] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شبلي / ص 318 بتصرف .
[11] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شبلي / ص 318 بتصرف .
[12] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شبلي / ص 287 .
[13] التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية / إسماعيل شبلي / ص 300 وما بعدها .
[14] الإنسان وثقافة الإسلام / سميح عاطف الزين / ص 248 .
[15] الاقتصاد في الإسلام /حمزة الدموهي / ص 2222 .
[16] الأنفال / آية 60.
[17] المنافقون / آية 8
[18] مجلة الدعوة السعودية الرياض / عدد 870 بتصرف .
[19] المائدة / آية
([20]) سورة الأنفال، آية 60.
([21]) البقرة/ آية 120.
([22]) المنافقون/ آية 8.
([23]) النساء/ آية 65.

Post a Comment

Previous Post Next Post