القومية في شعر المرأة الفلسطينية
     حظيت القضايا القومية باهتمام الشاعرات كقضية العراق، ومحاولة سيطرة أمريكا على العالم العربي وأفعالها في العراق والسعودية... وغيرها.
     ومع اشتداد الألم وتزايد الهموم والمحن كانت تستصرخ الشاعرات العرب، كما في نص ( آهات أمام شباك التصاريح)، والذي تقول فيه (فدوى طوقان): " آه وامعتصماه.. يا ثار العشيرة"([1]). أملاً في العمق العربي أن يتحرك إزاء الواقع الفلسطيني الذي كان يزداد سوءاً، وحال المرأة الفلسطينية التي كانت دائماً تزداد ألماً ومعاناة. ومع ذلك لم تيأس (فدوى طوقان) ولم يسيطر عليها الحزن والكآبة، بل كانت تنتقد في شعرها الواقع العربي وتستنكر كل محاولات تغطية الهزيمة وإخفائها، وكانت تسخر ممن يدعون البطولة والنضال كذباً، وتقلل من شأنهم وتصفهم بالعصافير والأطفال الصغار المنبهرين بما يحدث حولهم والذين لم يكبروا بعد، كما في قصيدها ( أنشودة الصيرورة) ([2]). وهي تستنهض هممهم لنصرة شعبها في نص (رقية)([3]). وقد عبرت (ليلى علوش) عن ألمها من العرب في نصها ( الحزن) ([4]). وتسخر (عطاف جانم) من التخاذل العربي، تقول:
مادام ( يهوه) دافعاً نعليه في فوديك
فلتبشر بتحقيق الأرب
وكجدك النعمان فلتكن/ الوفي
وكن السخي كمطية حين الطلب
إن يركبوك يباركوك
أنخ لهم ما استطعت /واحذر
أن تفرط بالتيامن بالركوب/ أو تضطرب
واسجد لهم.. ثم اقترب! ( عطاف جانم، ندم الشجرة، واسجد واقترب، ص 79-80)
     ولكن الواقع العربي والإسلامي المتردي كان يزيد من إحباط المرأة الفلسطينية وخيبة أملها وحسرتها، وشعورها أنها تعيش وسط عالم مليء بالكذب والخداع، فلا يوجد معتصم، ولا هناك من يأخذ بالثأر، والعربي يقف مكتوف الأيدي مبحلق العينين ويده على خده دون أي فعل يذكر، لقد تبخرت الأحلام، وهذا ما جعل المرأة الفلسطينية تشعر باليأس وفقدان الأمل والحزن الشديد والقلق والشك، وهو ما صورته (سلمى الخضراء الجيوسي) في قصيدتها ( المنذورون) ([5])، و(هيام رمزي الدردنجي) في قولها:
أيا أمة نهشتها الذئاب

وجارت عليها يد الغفلة
ونامت عن الغاب عين الأسود

فهل آن لليث من يقظة
إلى أين يا قوم تمضي السنون

ولا شيء يبعث بالفرحة
إلى أين يا قوم هذا الضياع  

وهذا التشدق بالقوة
                                                 ( هيام رمزي الدردنجي، زهرات من ربيع العمر، ص 42)
     لقد تعبت هيام الدردنجي من الأمة العربية النائمة التي تبلدت مشاعرها وقعدت همتها، والسنون تمضي دون أن ترى الجماهير العربية ما يبعث على الفرح.
وها هي (شهلا الكيالي) تستنجد بالعرب وهي الطفلة، تقول:
وقفت على باب الخليل صبية

تدعو العروبة أن تزور حماها
فمقام إبراهيم عاث بأرضه

يوم الشعوب محلقاً بحماها
                                      ( شهلا الكيالي، وانقطعت أوتار الصمت، أرض الخليل سلام، ص 57)

     مع ذلك مرت على المرأة الفلسطينية بعض الفترات التي كانت تشعر فيها بالأمل من الأمة العربية، وأحياناً من قيام وحدة عربية هنا أو هناك، فتندفع تشارك الجماهير العربية أحاسيسها، وتزحف معهم بمفرداتها ودلالاتها لتجير فلسطين من الغاصبين، وتتأمل عودة سريعة، ونصراً قريباً([6])، ولذلك تذكر الشاعرة (هدية عبد الهادي) العالم بأنه سيرى العجب حين تثور الجماهير العربية:
سيرى العالم منا عجبا

إن عزمنا عزمنا فل الحديد
وتعم الكون أمجاد لنا

من صداها باتت الأرض تميد
لست أرضى العيش في دنيا الخنا

لست أرضى حمل أصفاد العبيد
بت بركاناً يدوي باللظى

ملؤه جمر وثأر ووعيد([7])
                                                                ( هدية عبد الهادي، معاً إلى القمة، ص92)
ولكنها آمال كانت سرعان ما تتلاشى، تقول (عطاف غانم):
قد شبعنا يا زمان الارتخاء العربي
يا زمان الانحناء/ يا زمان الانتماء
فاخلعوا ضوضاءكم
ثم انحنوا للشجر الطالع من هذي البلاد
                        ( عطاف جانم، بيادر للحلم..يا سنابل ، اخلعوا ضوضاءكم .. ثم انحنوا، ص39)
     تكرر الشاعرة أسلوب النداء "يا زمان" في علاقة تجاور رأسية، على امتداد ثلاثة سطور شعرية، وهي توضح تحول الزمان من الانحناء، إلى الانتماء، فقد آن أوان الجيل القادم أن ينهض. وهو الذي شبهته في انتفاضته بالشجر الطالع.
     وتسخر (عطاف جانم) من الجزيرة العربية، واستقدامهم الأمريكان، واستخراج الفتوى لهم بجواز أن يدخلوا الأرض المقدسة، تقول:
1-   اجتهاد فقهي
لحشود الصليب التي هرعت
دينها... وأساطيلها
والعزيز الخفي
ولها أن تؤدي تراتيلها/ بجوار النبي
وتقصف ما تشتهي من نخيل المدينة
لها القبرات/ لها الردهات
ويليق بها أن تجوب المناسك/ بالقبعات ( وبالكاميرات)
سيعتاد أهل البقيع خطاها الغريبة
ألست التي ترسمين المهمات/ من فوق سبع طباق؟
ألا يا صديقة ( اقربي)/ فلك ما (تبي)                 ( عطاف جانم، ندم الشجرة، تقاطع، ص67-68)
     وهي تصور الأمريكان ودول التحالف، بالكاميرات والقبعات في الجزيرة العربية يصورون، ويعدون لمخطط كبير للشرق الأوسط، والدول العربية تستقدمهم حتى يعتاد العرب وجودهم ويألفوهم. حسبما تخطط أمريكا لمستقبل هذا الوطن العربي. وتلجأ إلى العديد من الدوال العامية على سبيل السخرية.
     وتتعاطف (سلوى السعيد) مع معاناة الشعب العراقي في حرب الخليج الثانية، حين قصفت دول التحالف ملجأ العامرية، ليتهاوى فوق رؤوس أبناء العراق، ويشتعل حارقاً معه كل الأفراد الأبرياء، الذين هربوا من منازلهم، ليحتموا بالملجأ من قصف الطائرات. فإذا بالموت يلاحقهم، وإذا بالنيران تلتهم أجسادهم البريئة، وإذا بجلودهم تلتصق بحيطان الملجأ. في منظر يفقد من يراه الوعي، بل الذاكرة. ولذلك تقول:
إني فقدت الذاكرة / أطلقتها لمراهنات الحرب
أسيادي شيوخ المال/ يجتاحون ذاكرتي
يا سيدي/ للموت رائحة
تشق الصدر/ مثل الشومر البلدي
مثل رياح " باب العامرية"                         ( سلوى السعيد، أدعوك لهذا الاحتراق، ص43-48)
     وبالرغم من اهتمام (عطاف جانم) بقضايا وطنها وآلامها كامرأة، فإنها لم يغب عنها همها القومي، تقول في قصيدة ( لبابل نبض):
وكان إذا تربوا/ أول الموقدين
وإن أرمدوا/ أول الغيث
إن هجعوا/ فالدماغ الذي لا يناك
يشد الوتين لذاك العرين/ وينفخ أقماره للغمام
وكان الإزارا / وغرة صبح تلالا
وقصعة توت/ تطهر سوآتهم
وكانت جموع الحزانى/ تلوذ بهيبته إذ تضام
فيثري أخاديدها بالوئام
ولكنه الغدر/ نصل تحرق حتى القرار
ونسمع عن فوهات القرون/ بأن المغول لهم ألف لون
ولكن لسيماء بابل نبض/ عصي
تصاعد عبر الركام ( عطاف جانم، ندم الشجرة، لبابل نبض، ص 50-53)
     تطرح (عطاف جانم) عدة تساؤلات بأداة الاستفهام ( هل)، وتلحقها بعدة أفعال ترغب في أن تراها كعلامات للنصر، والفرحة التي ترافقه من مثل (سترتدي، تزغرد، تهلهل، الدبكة، أشتهي، نلبس العقال، ننجب الأطفال، نرتقي سلالم، يركل الأطفال، تجذب التاريخ، يبدع الملهاة). وتبقى (بابل) صامدة و(بابل) هنا جزء من كل. أرادت الشاعرة أن تؤكد بقاء العراق صامدة في وجه الأعداء. أما لماذا (بابل)؟ فلأن سبي اليهود في الماضي كان إلى (بابل) في زمن (نبوخذ نصر)([8]). وأما (المغول)، فهم هنا رمز عند الشاعرة، لكل أنواع الغزاة، فـ(المغول) قد احتلوا بغداد سابقاً، ودمروها.
     ولكن (مريم الصيفي) وبالرغم من وجعها الفلسطيني، تجد نفسها لا تستطيع الصبر أمام سقوط عراق الأماني وتشظيه، وفيضان دجلة بالحزن، وسيطرة (هولاكو) الجديد عليه، واختلال الموازين، وفرار الفرح من العين، وهي تدعوه أن يفيق من ذهوله([9])، وتقدم روحها فداء للعراق مصدر الحضارة، فالعراق لا يليق به إلا الشموخ، تقول:
وجعي فلسطيني
والأمل المرجى في العراق/ طود الشهامة والصمود
ورمز عز لا يطيق الضيم / لا يرضى لخيل عزيمة الأحرار
يوماً أن تساق...
اشمخ أحبك شامخاً متعالياً
واصدح بلحن المجد/ وانشر في ظلام وجودنا
دوماً ضياك/ فبك الشموخ يليق رمزا ( مريم الصيفي، صلاة السنابل، بك الشموخ يليق رمزا، 81)
    وتسعد (عطاف جانم) بعودة (أرنون) إلى اللبنانيين من أيدي الصهاينة الطغاة. وإن كان خبر تحررها خبراً كما صورت الشاعرة لم يلاق من الإعلام كثيراً من الاهتمام. فلقد سيطر عليهم الاستسلام الكبير، والعجز الشامل عن القيام بشيء. فأرنون ليست شخصية معنوية فنية، أو قضية سياسية مثل لوكربي، أو عاهرة كـ(مونيكا) التي برزت في التاريخ الحديث كأبرز عشيقة للرئيس الأمريكي السابق (كلينتون)، تقول:
طرد الرثاؤون / فأرنون غرة
لا تورق في عروقها/ أسواق البورصة/ ولا أضواء هوليود
وليس لها قداسة ( لوكربي)
ولا جاذبية ما لا نعلم/ في صحيفة ( مونيكا)
فكيف فاحت الدبكات!/ ومن دار على المشاهدين العرب
بنعناع الكرامة/ وشطائر الانتصار!! ( عطاف جانم، ندم الشجرة، أرنون، 96-97)
     وتشتاق (مريم الصيفي) إلى سوريه الشقيقة العربية، تقول:
لروض الأحبة/ سورية الخير
في القلب شوق/ يذيب روحي حنيناً
ويغزلني حلماً/ هائماً بين مصايف
تحضنها الشمس/ بين الجبال العتيقة
واللاذقية تغفو/ على همسة موج
يحضنها البحر بين ذراعيه/ حين تنام( مريم الصيفي، صلاة السنابل، حديقة حب لوادي جهنم، ص 83)
     وتعاني المرأة الفلسطينية القصف بطائرات الأباتشي والدبابات والبواخر، قصف يطال الناس حتى في بيوتهم فكم من امرأة سقطت عليها القنابل وهي في منزلها، تفتقد الأمن والأمان، وهي تحاول أن تطمأن أولادها بكلمة حانية تخفف عنهم هول الكارثة، ووقع المصيبة، لتتهاوى أمام استمرارية القصف، وذكريات الاستشهاد المروعة والقاسية، تقول:
تنبح الكلاب ليلاً/ تقول أمي: لا تخف/ الكلاب تنادي بعضها
يسقط نجم/ تقول أمي لا تخف/ هذا عمر مضى
تمر طائرة/ تخترق حاجز الصمت
ترتعش أمي/ تتذكر لحظات الموت
ثم تبكي مثل طفل صغير (روز شوملي، للحكاية وجه آخر، متى تخاف أمي، ص 23)
     وتعاني المرأة الفلسطينية مرارة الشوق والحنين إلى الأسرى، ولذلك تهدي (فدوى طوقان) نصها إليهم (من وراء القضبان) إلى بناتنا وأبنائنا الذين التهمتهم السجون في إسرائيل وفي كل مكان. وفي الجزء الثاني من النص ( من مفكرة رندة) تحكي على لسان المعتقلة رندة النابلسي في سجون الاحتلال، مصورة مشاعرها وأحاسيسها عندما تؤخذ إلى غرفة التحقيق التي تشكل كابوساً للمعتقلين. وذلك من خلال رسالة أرسلتها لها على ورقة كلينكس(*[10])، تقول فيها:      
في نصف الليل...آه!
حذاؤه يدق في الدهليز..آه!
مبتدع التعذيب/ آت وتدنيني خطاه
من زمن الكابوس والجحيم والصراع
حذاؤه يدق في الدهليز/ دمي يدق وعروقي والنخاع
توحشي ما شئت يا / شراسة الأوجاع
فلن ينز من دمي جواب
                      ( فدوى طوقان، الديوان، على قمة الدنيا وحيدا، إليهم من وراء القضبان، ص 615)
     كررت فدوى طوقان الدال ( آه) أكثر من مرة، وفي تكرارها له ما يضفي على النص، صوت الحزن، وصرخة الألم والأسى والحسرة على إنسان يعتدي على كرامته وإنسانيته. ولم يقف النص عند (رندة) بل تناول (هبة وتيسير وسجين مجهول مكان السجن). لتحكي مرارة ما يعانيه الأسرى نساء ورجالاً. فلقد ذاقوا مرارته على حد سواء.
     وما قصيدة (إلى فاطمة) لـ(زينب حبش) إلا واحدةٌ من القصائد الإنسانيّة، لأنها حملت اسم رمز من رموز الصّمود الفلسطينيّ في سجون ومعتقلات العدوّ الصهيوني، والشاعرة هنا تعرض علينا صوراً واقعيّةً لشخصيّة (فاطمة) التي سُجنت ثم تعرّضت لكل صنوف العذاب، باعتبارها أوّل سجينة فلسطينيّة تنتمي إلى فلسطين وإلى حركة فتح، لتنتقل الشاعرة إلى مضمون جديدٍ من خلال تماهيها مع المناضلة فاطمة برناوي، تقول:
 هل أقسمُ أنّي منذُ رحلتِ/ رحلْتْ
ومعاً سرنا عَبرَ دهاليزِ السجنِ
وقفنا بشموخٍ وبصقنا في وجه المخبرِ
ألحقنا العار بهِ
وبكلّ الأدواتِ المصنوعةِ خصّيصاً/ لإزالتنا؟!
     والشاعرة لا تقف عند حدّ الاندماج بفاطمة، بل تُبرز ما حدث لهما أيضاً داخل الجدران الأربعة، فقد قامتا بأعمالٍ تتناسب مع المحقّق والمخبر، وتحدّيتا كل الأساليب القمعيّة التي مُورست على أجسادهنّ في محاولةٍ لإذابتهنّ.
      وتحكي عن صمود فاطمة تقول:
تقفينَ أمامَ الجلادينْ/ كالصخرةِ/ كالثورةِ
صابرةً تبتلعينَ النَّظَراتِ الحاقدةَ وتبتسمينْ
فالبسمةُ زادُ الثورةْ/ والبسمةُ فوقَ شفاهِ(*[11]) الثّائرِ
تُطفئُ نورَ الشمسْ
     ولقد تمّ اعتقال الشاعرة مع مجموعة أخرى في سجن الجلمة، وقد كتبت بعض النصوص خلال وجودها في السجن مثل نص بعنوان: (معذرة )(**[12])، توجّه النص إلى أمها:
رأيتُ الدمعَ في عينيك يا أمي/ يّناديني
وكنتُ أحسُّ أنّ الحزنَ/ أضناك
وأنَّ السهدَ والخوفَ العميقَ عليَّ/ أشقاكِ
وكنتُ إذا غفتْ عينايَ/ في الأحلامِ ألقاكِ
     ولقد سجنت (زينب حبش) ومن خلال تجربتها مع السجن تقول:
على جدران زنزانة/حفرت وطن
بقطعة عظم/بحفنة دم
على جدران زنزانة/ نقشت علم
زرعت الحب/ بنبضة قلب
على جدران زنزانة/ قلت الموت
فغنى الطير/ وعم الخير
على جدران زنزانة/عزفت نغم
ففر الباب/ والبواب([13])
     والملاحظ في نصوص (زينب حبش) أنها تتحدى الموت دائماً وتصور أبطالها الذين استشهدوا أنهم لا يموتون كما في النص الذي أهدته إلى السُّجناء الذين يتحدّون الموت، وهو بعنوان: (رغمَ الموتِ لا أموت)، على سبيل المثال.
     ولقد سجنت كذلك الشاعرة الغزية (غالية أبو ستة) والتي تكتب باسم( بنت القضية)، وقد جاء ديوانها (انتفاضة الأقصى) مشتملاً على نصوص ملتزمة القضايا الوطنية والقومية.
     وتهدي الشاعرات بعض نصوصهن إلى الأسرى كما في نص (عطاف جانم) ( وعلمت سر ضحكات الشموع) الذي أهدته إلى (محمود الأسير) في سجون الاحتلال، الذي سيفسر لها سر حلمها الذي ترى به الشموع تضحك، والشموع رمز الحرية، والضياء، والنور:
وتصر الآن أن نختال في وهج الشموع
آه يا محمود من مد الصحارى
وانحسار الماء في كل بلاد الفقراء
آه يا محمود من ذرذرة الريح
لأحلام الصبايا/ كلما حل المساء
آه يا مح...
دقت الساعة فجراً دقتين/ فصحوت
وإذا التقويم مزهو الضياء
وتصورتك محمود كليث يتحفز/ منذ عام
داخل القبو البعيد/ مدمناً فك السلاسل والقيود
لم تسلم لليباب/ ففهمت
سر أن تضحك
في حلمي الشموع (عطاف جانم، لزمان سيجيء، وعلمت سر ضحكات الشموع، ص 47-48)


([1]) فدوى طوقان، الأعمال الكاملة، الليل والفرسان، آهات أمام شباك التصاريح، ص529.
([2]) المصدر السابق، أنشودة الصيرورة، ص564-565.
([3]) فدوى طوقان، الأعمال الكاملة، وحدي مع الأيام، رقية، ص144- 150.
([4]) ليلى علوش، بهار على الجرح المفتوح، الحزن، ص166.
([5]) سلمى الخضراء الجيوسي، العودة من النبع الحالم، ص184.
([6]) فدوى طوقان، الأعمال الكاملة، وحدي مع الأيام، بعد الكارثة، ص137- 139.
([7]) هدية عبد الهادي، معاً إلى القمة، ص92.
([8]) انظر كذلك: مريم الصيفي، صلاة السنابل، أفق من ذهولك، ص 74.
([9]) انظر: مريم الصيفي، صلاة السنابل، أفق من ذهولك، ص 69.
(*[10]) ولقد جاء في الرسالة:
     شوقي إليك أعظم من أن يوصف، إنني أفتقدك كثيراً وأحنّ إلى جلساتنا سوياً، ولا يعزيني سوى أن ما نحن فيه كان متوقعاً ويفرضه علينا الطريق الذي مشينا فيه. التحقيق كان غاية في الوحشية والمحققون لا يمتون إلى البشرية بصلة. لقد ذقنا الكثير هنا، وجلدنا بالسياط وضربنا بالحائط، وشدّ شعرنا، وخلعت عنا ملابسنا الخارجية، تصوري أن يد نعمت شُلّت مؤقتا وأسعفت في المستشفى، وآمنة كانت تمشي بصعوبة من الضرب بالسوط، وكذلك كانت آثاره على أجسام فيحاء وسهام. أما بالنسبة إلي فقد تجمعت بقعة دم في عيني اليسرى كما أصبت بنزيف في أنفي، وما زلت آخذ العلاج إلى الآن حتى تحولت معدتي إلى خزانة صيدلية. لم يكن الضرب سبب انهياري في التحقيق، بل كان بسبب ادعاء الآخرين واعترافاتهم بأشياء هامة، بالإضافة إلى حالة اللاوعي التي مررت بها.
     لقد أخذوني وسهام للمسكوبية في القدس وانتهى التحقيق مع سهام. أما أنا فلم ينته معي بعد. غاليتي إن حقدي الآن أكبر من أي وقت مضى. إنه لمن المهين أن يركلك همجي منهم بقدمه وأنت مطروحة على الأرض تتلوين من الألم، أو يجلدك بسوطه متلذذاً بذلك. لقد أشعلوا فتيل حقدنا. إنني الآن على أبواب الذهاب إلى المسكوبية مرة أخرى، وأنا مدركة تماماً لما ينتظرني هناك. إنني أشد ما أكون تصميماً على التحدي، ويقيني أنكم معي بقلوبكم. لقد صنع مني السجن والتعذيب رندة أخرى أعمق من الأولى وأكثر تجربة، لا مكان لديها للأشياء السخيفة والسطحية التي كانت تربطها إلى حد ما ببقية المجتمع. أحس في أعماقي بثورة وفي داخلي غليان لا ينقطع، وكثيراً ما تجتاحني رغبة عارمة في أن أقتل شخصاً ما، وغالباً ما يكون هذا الشخص هو سجانتي ( روني ) وهي أقذر سجانة هنا. بصراحة، إذا قدمنا للمحاكمة قد أحكم عشر سنوات، أو في حدود هذا، لكن هذا لا يترك أي انطباع في نفسي سوى أنني سأحرم من عدة أشياء حبيبة. بالإضافة إلى التجمد المخيف الذي سأواجهه ( ولكن بدون أي نوع من المجازات ). إنني أحس نفسي في كل مظاهرة ومع كل شخص يرمي الجنود بالحجارة، أحس نفسي تهفو إلى المظاهرات وضجيجها وإليكم جميعاً. أختي إنني أحبكم من صميم قلبي وأعماقي. أحس الآن بأنني شعلة عواطف متأججة بحب الناس والأرض ونابلس بكل شوارعها وبيوتها وغرفتي في البيت وكل ذكرياتي فيه. علمت أنهم قاموا بقياس بيتنا تمهيداً لنسفه. وأنت أعلم الناس بمقدار حبي له وللذكريات الغالية التي تربطني به. ولكني أدرك تماماً أنه ليس بكثير على ثورتنا أن نضحي ببيوتنا من أجلها. وكنت أتمنى أن أكون قد فعلت شيئاً يستحق أو يستدعي أن ينسف البيت من أجله. في غرفة السجن مجموعة لطيفة من الفتيات ننشد دائماً: يا ظلام السجن خيم الخ..، أتذكرك وأتذكر ضحكنا في الليل على ( جورج وجورجية ) وغير ذلك، أشعر وقتها أن تلك الفترة من حياتي قد انسلخت عني وأصبحت مجرد ذكرى عزيزة وحيّة. بالنسبة لك فقد سئلت عنك إحدى الأخوات هنا فأنكرت معرفتك، لذلك لو حصل شيء فنحن جميعاً ندرك جيداً أن لا صلة لك بنا إلا الصداقة التي تربطك بي إضافة إلى العلاقة العائلية، إن الصداقة التي تربطني بك هي من الأشياء التي أعتز بها وسأبقى فخورة بها إلى الأبد".
     وتقول فدوى:" على أثر اعتقال الشقيقات المناضلات الثلاث: "سعادات"، و"رندة"، و"هبة" إبراهيم النابلسي، صدر قرار السلطة العسكرية بنسف بيتهن في البلدة القديمة بنابلس، وكان ذلك البيت آخر ما تبقى لتلك العائلة التي فقدت جميع أملاكها في فلسطين منذ العام 1948". ( فدوى طوقان، الرحلة الأصعب، ص149، 150، 34).
(*[11]) الصواب شفة أو شفتي.
(**[12]) ومن نصوص الشاعرة التي قيلت في السجن أيضاً نص بعنوان " فجر الانتصار " كتب في عام 1968 في سجن نابلس المركزي، وهو ذو أهميّة بالنسبة للشاعرة، حيث تحدّثت فيه عن تجربتها في السجن ومنه:
يا ظلمةَ السجنِ الرهيبةَ
فيكِ أقسمُ
أنني
سأحوككُ فجرَ الانتصارْ
     وهناك نص آخر كتب في ليلة الحكم، وقد نُشر في جريدة " الاتحاد الحيفاوية " في 9/7/1968م في العدد السادس عشر، والقصيدة بعنوان " أحكم ما شئت " وهي توجّه كلامها فيها إلى القاضي.       
([13])   زينب حبش، لا تقولي مات يا أمي، على جدران زنزانة، ص44.

Post a Comment

Previous Post Next Post