وهي أحد الأسباب الكبرى التي تولّد الغضب لدى الإنسان، وقد دخلت هذه الخلافات الأسرة المعاصرة من أوسع الأبواب فصارت سمة شبه عامة تتوسم بها الأسر، وهي ذات صورة وأشكال مختلفة، منها ضيق حال الرجل وقلة مورده، أو بسبب عمل المرأة خارج المنزل والخلاف على راتبها وعدم إنفاقها على البيت، ومنها ما يكون بسبب عدم التفاهم بين الزوجين حول نظام الأسرة، أو سهر الرجل خارج المنزل لأوقات متأخرة، أو لتقصير المرأة في تربية أولادها، وكذا الرجل، أو لاستعمال الرجل بعض المحرمات كالدخان، والمخدرات، أو الخمور، أو لتقصير كل منهما في الواجبات الشرعية. أو لعدم اهتمام المرأة في شكلها ومظهرها لزوجها، فالأسباب كثيرة ومتنوعة، وهي نتيجة ضعف الإيمان أو العقل لدى الزوجين أو أحدهما على الأقل، وتمكّن الجانب الدنيوي منهما.
ومن المعروف أن تكرار نشوب الخلافات بين الزوجين واستمرارها، سيزرع حتمًا الحقد والكراهية بينهما، وسيخلق لدى الطرفين نوعًا من الانفعالات النفسية من غضب وغيره، لا سيما لدى الرجل الذي يرى نفسه سيد البيت ومقوم الأسرة، وبيده السلطات جميعها، فالشيطان سيتمكن من الزوج في يوم ما أثناء هذه المشاكسات، ويجري في عروقه ليدفعه أن يطلق زوجته، ويزين له الشيطان أنه بذلك سوف ينتهي من الحالة النفسية السيئة التي كانت تصيبه من زوجته ومشكلاتها، ويصدّق وسوسة الشيطان له، فينفذ أمره، ولا يدري أنه بفعله هذا دخل معركة نفسية أخرى أشد من سابقتها ألمًا وعذابًا، فهؤلاء الأطفال الذين بين يديه أين يتركهم، ولمن يترك رعايتهم؟ وكيف يربيهم وقد غاب عنهم عطف الأم، وحنان الأب؟ إنها بحق معركة نفسية، ستشغله وتجعله في حالة تفكير مستمر معظم وقته، فلا يفارقه الهم والغم، والشيطان معه أيضًا أينما حل وارتحل، فلا يجعله يفكر خارج هذا البلاء الذي لحق به، فيزين له طريقًا آخر للهروب من هذا الواقع، والتخلص من هذا الهم، فيزين له المخدرات، والمسكرات، والسهر مع النساء، ورفاق السوء، وهي المرحلة الثانية حتى إذا يئس وأراد الخلاص منها، أرداه الشيطان إلى إحدى الطريقين إما إلى أمراض نفسية وعصبية والجنون، أو إلى الموت الذي لا مفر منه، وبهذا تكون المعركة قد انتهت لصالح الشيطان، وكل هذا نتيجة انفعال في لحظة غضب، لم يملك فيها الإنسان الغاضب نفسه، ولم يفكر مليًا قبل الإقبال على الطلاق، ولو أنه ملك نفسه، واستعان بالله من شرور الشيطان، ورجع إلى الله رجعة حقيقية لتفادى هذه المشاق كلها.
وما أدراك ما الفقر، وهو الهمّ الملاصق للإنسان الفقير في كل أحواله، فلا يفارقه ليلاً ونهارًا، ولا يجعله يذوق للحياة مذاقًا، وكيف يستمتع بالحياة وليس لديه شيء، ولا يملك مقومات هذا المتاع، فهو يرى الناس من حوله يفرحون ويمرحون، وينالون كل ما يشتهون، وأما هو فعلى العكس من ذلك لا يستطيع تأمين أقل ما تحتاج إليه أسرته وأولاده، مسكنًا كان أو ملبسًا أو مأكلاً، وغير ذلك. وهذا كاف لأن يصيب هذا الإنسان بنوع من الانفعال الداخلي، ويسيطر عليه الهمّ والتفكير الدائم بحاله وحال أولاده، لا سيما إذا كانت أسرته لا تقدّر حاله، فتطالبه زوجته بما ترى على زوجات الآخرين من زينة وسكن وسيارة، والأطفال يلحون عليه أن يكون لهم ما لأصدقائهم وأولاد جيرانهم وأقاربهم من كذا وكذا، وهو واقف أمامهم لا يستطيع أن يحرّك ساكنًا، ويده لا تصل إلى ما يحقق لهم آمالهم وطلباتهم، ودوام هذه الحال على هذا الإنسان وحتى على الأسرة، سيولد انفجارًا عصبيًا داخل البيت لا يسلم منه أحد من الأسرة، ونتيجة هذا الانفعال وأثره سيكون إما العقد النفسية والأمراض العصبية التي ستلازمهم مدى الحياة، أو سيكون الانحراف والسرقة والنهب، والحصول على الأموال بأي شكل وبأية وسيلة.
ومن الأسباب التي تولّد الغضب لدى الإنسان وتجعله يفكر في الانتقام بأشد ما أوتي من قوة هو تعرضه لظلم الآخرين، والظلم أشكال كظلم الحاكم للمحكوم، وظلم المدير لموظفه في الإدارة، وظلم المعلم للطالب في المدرسة، وظلم الأب للابن في البيت، وظلم الصديق لصديقه والتاجر لعماله، وظلم الناس بعضهم لبعض وغيرها، فالإنسان المظلوم لا ينسى مظلمته ما دام على قيد الحياة، ولا ينسى من ظلمه مهما مرّ الزمان، وكيف ينسى وقد أهان هذا الظالم كرامته وكبرياءه، وأكل حقه وسلبه؟! فيلجأ المظلوم في هذه الحالة بكل الوسائل التي يراها تصله للانتقام من الظالم والحصول على حقه مهما كلفه ذلك من تعب ومشقة، لأنه في حالة غضب لا يفكر في النتائج المترتبة على سلوكه وانتقامه من ظالمه، والشواهد والحوادث اليومية كثيرة على الانتقامات اللامحدودة لبعض المظلومين من ظالميهم، فقد حدث أن جنديًا كان ينال من قائده الكلام البذيء والمعاملة السيئة، ولا يمنحه الإجازة الاعتيادية التي تحق له، وتكررت هذه الحالة كثيرًا، مما دفع ذلك هذا الجندي أن يذهب إلى قائده في مكتبه، ويرشه بعدة طلقات فيقتله، ثم قتل نفسه، والشواهد كثيرة جدًا، وكلها عائدة إلى الظلم، الذي كان سببًا في هلاك الأمم ودمارها.
وهو مرض في القلب خطير، ينشأ نتيجة تفاوت الناس وتفاضلهم في الأرزاق والأعمال والمناصب والجمال وغيرها، والحسد دائمًا يكثر بين الأقران من البشر، كالحسد بين التجار أنفسهم، وبين الأطباء، وبين طلبة العلم، وهو سبب من أسباب إثارة النفوس وانفعالها، فالذي يراقب الناس ويحسدهم على ما آتاهم الله من فضله ولم يرزقه الله من ذلك شيئًا يتضجر ويغضب من حاله، لأن الحسد حبل قوي من حبال الشيطان يدخل من خلاله إلى نفس الإنسان ويوسوس له ليخرجه من هدوئه واستقراره إلى عالم الغضب والانفعال ويجعل هذا الإنسان الغاضب يتصرف تجاه المحسود سلوكًا له آثاره الضارة والسيئة عليه وعلى المجتمع من حوله، وربما يتحول غضبه هذا إلى نوع من الاحتقان النفسي فيكون عرضة لأمراض نفسية، وحالات القلق والتوتر المستمر، وهزال في الجسم والبدن.
الخصومات نتيجة طبيعية في المجتمعات البشرية، وهي ناتجة عن الاختلاف الفكري أو اختلاف في السجايا والطبائع، ولكن الحدة في هذه الخصومات والشدة فيها تؤدي إلى إثارة الإنسان وانفعاله واضطرابه، وهذه الحالة منتشرة بشكل كبير بين الشباب لا سيما في سن المراهقة التي يشعر فيها الشاب بالاستعلاء على غيره، والإعجاب اللامحدود بنفسه، وتزداد الحساسية في المشاعر معه، بحيث لا يقبل كلمة تجرحه، أو فعلاً يسيء إليه، فإن حدث شيء من ذلك يركبه الغرور والاستكبار، فيزين له الشيطان هذا الغرور، فيثور غاضبًا على من أساء إليه وتنفجر قوته الشبابية، فيندفع للانتقام بلا وعي ولا تفكير، وما أكثر هذه الحالات في صالات الرياضة والملاعب الرياضية أثناء تشجيع الشباب للفرق الرياضية، حيث تحدث خصومات حادة وقوية بين جماهير الفرق المتبارزة، ربما تتحول إلى مضاربات وتنكيل، وهذه ظاهرة خطيرة تهدد الشباب وتهدد مستقبلهم وطاقاتهم، ومن ثم تهدد المجتمع بأسره.

Post a Comment

Previous Post Next Post