مفهوم الاقتصاد الوضعي.
نبدأ بالتعريف بهذا العلم،وكيف اختيرت كلمة الاقتصاد من بين مفردات اللغة العربية للدلالة عليه.
الاقتصاد في اللغة معناه: القصد أي التوسط والاعتدال.ومنه قول الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}
وقد جاء في المعجم الوسيط "اقتصد في أمره":توسط فلم يفرط ولم يفرّط،ويقال "اقتصد في النفقة":لم يسرف ولم يقتر.وفي الصحاح (تاج اللغة):والقصد بين الإسراف والتقتير،يقال: مقتصدٌ في النفقة.
لكن كيف دلت هذه الكلمة (الاقتصاد) على هذا العلم الذي نحن بصدد دراسته؟
لقد اختار رواد الاقتصاد العرب كلمة الاقتصاد من بين مفردات اللغة العربية كأفضل كلمة عربية تعبر عن مضمون الكلمة الإنجليزية "Economics" التي تطلق على هذا العلم في اللغة الإنجليزية أو في المجتمعات الغربية.
إذا كلمة الاقتصاد هي ترجمة للكلمة الإنجليزية "Economics"، وكلمة " Economics" ترجع في أصلها القديم إلى كلمة إغريقية.. إلى كلمة يونانية مؤلفة من مقطعين هما: (إيكو) و (نومس).
(إيكو) بمعنى بيت أو منزل.
و (نومس) بمعنى قاعدة أو قانون.
وتعني هذه الكلمة بشقيها: تدبير شؤون المنزل.وقد امتدت دلالة هذه الكلمة إلى تدبير شؤون الدولة.
ومع الزمن،استخدمت هذه الكلمة بشقيها في اللغة الإنجليزية للدلالة على هذا العلم.أي تم نقلها إلى اللغة الإنجليزية واستخدمت للدلالة على هذا العلم.
أما بالنسبة لتعريفه اصطلاحاً:فقد حظي هذا العلم بتعريفات كثيرة جداً مقارنة بالعلوم الأخرى، وعندما نقرأ التعريفات التي وضعها الاقتصاديون لهذا العلم ندرك حقيقة حجم المعاناة التي واجهوها لوضع تعريف جامع مانع،حتى إن بعضهم اكتفى بتعريف العلم بأنه علم الندرة،وآخر عرّفه بأنه علم الثروة،وثالث عّرفه بأنه العلم الذي يدرسه الاقتصاديون.
ولعل هذه الحيرة تعود إلى طبيعة علم الاقتصاد وتشعبه وارتباطه بمختلف فروع الحياة،ومع هذا نستطيع أن نقول:أن بعض رواد الاقتصاد حسموا الأمر بتوجههم نحو القضية المحورية في علم الاقتصاد
أو ما يعرف بالمشكلة الاقتصادية التي تشكل العمود الفقري لعلم الاقتصاد حيث الموارد الاقتصادية نادرة أو محدودة نسبياً بالقياس إلى حجم الطلب عليها.
وعليه أصبحت تعريفات علم الاقتصاد التي تعاطت مع هذه المشكلة واشتملت على أركانها من أكثر التعريفات شهرة وانتشاراً بين المختصين في هذا العلم،ونذكر اثنين من هذه التعريفات:
التعريف الأول: تعريف اللورد روبنز لعلم الاقتصاد:
يقول روبنز:هو العلم (أي الاقتصاد) الذي يدرس سلوك الإنسان كعلاقة بين غايات ووسائل نادرة ذات استعمالات بديلة.
التعريف الثاني: هو تعريف البروفيسور سام ويلسون لعلم الاقتصاد:
يقول: أي الاقتصاد هو دراسة سلوك الإنسان وعلاقته بالموارد ذات الندرة النسبية لإنتاج السلع والخدمات وكيفية توزيعها واستهلاكها بين أفراد المجتمع.
ونكتفي بشرح التعريف الأول:
لم يقل الاقتصاد هو دراسة سلوك الإنسان، وإنما قال:"هو العلم الذي يدرس سلوك الإنسان" تأكيداً على أن الاقتصاد علم وليس مجرد فن كما يرى البعض.
أما قوله "يدرس سلوك الإنسان" فإنه يصنف علم الاقتصاد أو يضعه ضمن العلوم الاجتماعية كفرع من العلوم الاجتماعية.
وقوله "كعلاقة بين غايات ووسائل" يعني بالغايات: الحاجات البشرية المتجددة والتي لا يسعها الحصر. أما الوسائل فهي الموارد الاقتصادية والتي تسمى أيضاً عناصر الإنتاج.
ووصف هذه الموارد الاقتصادية بوصفين:الوصف الأول:بالندرة,والمقصود الندرة النسبية فالموارد كثيرة ولكن بالقياس إلى حجم الطلب عليها تصبح محدودة.
الوصف الثاني: أن الموارد ذات استعمالات متعددة أو متنوعة، فقوله "ذات استعمالات بديلة"يعني أن كل مورد من الموارد الاقتصادية قابلة للاستخدام في مجالات متعددة.
فالأرض مثلاً يمكن أن تستخدم في القطاع الزراعي أو الصناعي أو التجاري أو غير ذلك من الميادين. وكذا الشأن بالنسبة إلى الموارد الاقتصادية الأخرى رأس المال، العمل.
إن تعريف اللورد روبنز لعلم الاقتصاد يعتبر من أشهر التعريفات لعلم الاقتصاد،وقد لقي قبولاً واسعاً لدى المختصين بعلم الاقتصاد واشتملت عليه كثير من المقررات الدراسية التي تدرّس للمختصين في هذا العلم,وذلك لاشتماله على الأركان الأساسية للمشكلة الاقتصادية. فما هي هذه الأركان الأساسية للمشكلة الاقتصادية التي اشتمل عليها التعريف؟
الأول/ أن تكون الحاجات كثيرة ومتعددة بحيث يتعذر إشباعها جميعاً ولو لم تكن هذه الحاجات على هذا النحو من الكثرة والتعدد لما وجدت المشكلة الاقتصادية،والكلمة التي تقابل هذا الركن من أركان المشكلة الاقتصادية في التعريف هو قوله "غايات".
الثاني/ أن تكون وسائل إشباع هذه الحاجات محدودة،ولو كانت وسائل الإشباع وفيرة غير محدودة لما وجدت المشكلة الاقتصادية،والكلمة التي تشير إلى هذا الركن من أركان المشكلة الاقتصادية في تعريف اللورد روبنز هي قوله "وسائل نادرة".
الثالث/ أن تكون وسائل الإشباع المحدودة ذات استعمالات متنوعة ولو كانت ذات استعمال واحد لانتهت المشكلة الاقتصادية باعتبارها مشكلة اختيار،لأن المورد الاقتصادي لا يمكن أن يستخدم إلا في مجال واحد فليس هناك مجال ليفكر الإنسان كيف يدير هذا المورد وكيف يتصرف وكيف يوزع هذا المورد بين استخداماته.هو لا يستخدم إلا استخدام واحد فتنتهي المشكلة الاقتصادية باعتبارها مشكلة اختيار.والكلمة التي تشير إلى هذا المعنى في تعريف اللورد روبنز هي قوله "ذات استعمالات بديلة".

Post a Comment

Previous Post Next Post