مفهوم علم الاقتصاد الإسلامي
اجتهد معظم من كتب في الاقتصاد الإسلامي لوضع تعريف لعلم الاقتصاد الإسلامي ليجلي مفهوم هذا العلم ويحدد نطاقه،والتعريفات التي وضعت لعلم الاقتصاد الإسلامي كثيرة أيضاً وسنعرض لثلاثة منها:
التعريف الأول:- للدكتور أحمد صفي الدين عوض رحمه الله، يقول:
هو العلم الذي يبحث في طرق الكسب والإنفاق على ضوء الآداب التي تضمنتها شريعة الإسلام.
التعريف الثاني:- للدكتور منذر قح، يقول:
دراسة تحليلية للفعاليات الاقتصادية في مجتمع يتبنى النظام الاقتصادي الإسلامي.
التعريف الثالث:- للدكتور محمد عبد الله العربي، يقول:
هو مجموعة الأصول العامة التي نستخرجها من القرآن والسنة والبناء الاقتصادي الذي نقيمه على أساس تلك الأصول حسب كل بيئة وكل عصر.
إذا تأملنا في هذه التعريفات لعلم الاقتصاد الإسلامي،نجد أن التعريف الأول حصر الاقتصاد الإسلامي في إطار ضيق يتمثل في طرق الكسب والإنفاق مع إبرازه للجانب الشرعي الذي يحكم وينظم أوجه الكسب والإنفاق. ولكن هذا التعريف لم يشمل كافة جوانب الاقتصاد الإسلامي وقد أغفل أهمية دراسة وتحليل السلوك الاقتصادي للأفراد في المجتمع الإسلامي رغم أنه مكون أساس لهذا العلم.
أما التعريف الثاني فقد اهتم بالجانب التحليلي كسمة رئيسة ومكون أساس لهذا العلم ولكنه افترض أن مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي معلوم سلفاً لكل من قرأ هذا التعريف.
وبالنسبة للتعريف الثالث فرغم أنه لم يشر صراحة إلى الجانب التحليلي إلا أنه مفهومٌ ضمناً وقد أبرز هذا التعريف جوانب مهمة في الاقتصاد الإسلامي.. فهو كلٌ لا يتجزأ يشمل الجانب المذهبي والجانب العملي التطبيقي.أي يشمل كافة الأصول والمبادئ والتشريعات الواردة في الكتاب والسنة والتي تؤسس للاقتصاد الإسلامي كواقع عملي.إضافة إلى البناء الاقتصادي الذي يقوم على هذه الأصول والمبادئ وينطلق منها والذي من الممكن أن تختلف صورته باختلاف الزمان والمكان مع ثبات أصوله ومبادئه.أما إشارته الضمنية للجانب التحليلي فإن البناء الاقتصادي الذي يتم تأسيسه انطلاقاً من هذه الأصول والمبادئ الشرعية لا يقوم في عالم الواقع ويتكامل إلا من خلال الدراسة والتحليل.
ثالثاً: موضوع علم الاقتصاد الإسلامي
موضوع كل نظام من الأنظمة الاقتصادية دراسة وتحليل سلوك الإنسان في علاقته مع الموارد المحدودة لإشباع حاجاته المتعددة،والاقتصاد الإسلامي ليس استثناءً في هذا المضمار،ولكن نتائج دراسة وتحليل السلوك البشري في هذا المجال تختلف باختلاف الجانب المذهبي بين النظم الاقتصادية الذي يعتبر حاكماً على سلوك الأفراد ومحدداً لأنماط الاستهلاك والادخار للإنتاج والتبادل الاستثماري والتمويل،ولذلك فإن الجانب المذهبي للاقتصاد الإسلامي باختلافه عن المنطلقات التي تنطلق منها النظم الاقتصادية الأخرى سيؤدي إلى نتائج تختلف عن تلك النتائج التي تقع في سيادة وهيمنة النظم الاقتصادية الأخرى.
رابعاً: تطور دراسات الاقتصاد الإسلامي
تطور دراسات الاقتصاد الإسلامي وتزايد الاهتمام به إسلامياً وعالمياً.لقد مارس المسلمون عملياً أحكام الشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة وكان التعامل المالي والتجاري المنضبط بأحكام الشريعة جزءاً لا يتجزأ من هذه الممارسة العملية رغم غياب التدوين في العقود الأولى من صدر الإسلام،وكان فقهاء الإسلام آنذاك يصدرون الفتاوى الشفوية في المعاملات الجارية ويصبح العمل بها واقعاً عملياً في حياة الناس.
وفي القرن الثاني للهجرة ظهرت كتب للفقه والتي اشتملت على كثير من الأحكام التفصيلية التي للمعاملات المالية،وبيان ما يحل منها وما يحرم،وخلال هذا القرن أيضاً ابتدأ الفقهاء بتصنيف الكتب التي تعالج قضايا اقتصادية محددة مثل:كتاب(الخراج) لأبي يوسف وكتاب(الخراج)ليحيى بن آدم وكتاب
(الكسب)للإمام محمد بن حسن الشيباني وكتاب(الأموال) لأبي عبيد القاسم بن سلام ثم تتابعت أمثال هذه الكتب في القرون التي تلت ففي القرن الثالث كتب الشيخ أبو بكر الخلال كتاب(الحث على التجارة والصناعة والعمل)،وكتب الشيخ يحيى بن عمر كتابه(أحكام السوق)،وقد ضعفت الكتابات المستقلة أو المتخصصة خلال القرنين الرابع والخامس الهجري حيث عمّ التقليد وضعف الاجتهاد.
وفي القرن السادس الهجري،كتب أبو الفضل الدمشقي كتابه (الإشارة إلى محاسن التجارة).
وفي القرن السابع للهجرة،كان لابن تيمية إسهامات كثيرة،وبعض هذه الإسهامات جاءت على شكل رسائل تعالج موضوعات محددة مثل كتاب الحسبة وكتاب الأموال المشتركة لكن إسهاماته الأخرى متفرقة في الفتاوى.
وفي القرن الثامن،تعتبر مقدمة ابن خلدون من أبرز الكتابات التي تحدثت عن أسباب العمارة وأسرار قيام الحضارة وزوالها.
وبعد ذلك مر على المسلمين قرون ضعفت فيها حركة التأليف والبحث واختفت الدراسات المستقلة
أو المتخصصة في قضايا المعاملات وعادت مناقشة هذه القضايا إلى مثل ما كانت عليه عند بدء التدوين والتأليف ضمن أبواب الفقه،وقد بدأ الاهتمام في دراسة موضوعات الاقتصاد الإسلامي يعود من جديد منذ ما يزيد عن سبعين عاماً مضت،فقد كتب أبو الأعلى المودودي رحمه الله كتاباً أسماه(أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة)ويعود هذا الكتاب في أصله إلى مقالات بدأ نشرها في عام 1937م،كما وضع كتيباً آخر بعنوان(معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام)،وكتب مالك بن نبي كتاباً أسماه(المسلم في عالم الاقتصاد)ضمن مجموعة أخرى من الكتب التي كتبها والتي اهتمت بشروط النهضة ومشكلات الحضارة ثم تتابعت المؤلفات التي تناقش قضايا الاقتصاد الإسلامي،وكان من بين من اشتهر بالبحث في موضوعات الاقتصاد الإسلامي الدكتور عيسى عبده رحمه الله.وفي العقدين الماضيين كثرت الكتابات التي وُضعت في علم الاقتصاد الإسلامي والتي أصبحت أكثر عمقاً في معالجة قضاياه فضلاً عن الكتب الكثيرة التي تناولت المعاملات المالية المعاصرة من منظور فقهي.
ومن بين العلماء المعاصرين الذين يستحقون الإشادة بإسهامهم الدكتور محمد عمر شابرا الذي كتب مجموعة من الكتب منها(نحو نظام نقدي عادل)وكتاب( الإسلام والتحدي الاقتصادي)وكتاب (مستقبل علم الاقتصاد من منظور إسلامي)،والإشادة بإسهامه في هذا المجال لا يعني التقليل من شأن البحوث التي كتبها الآخرون وإنما المقصود ذكر نماذج لكل فترة زمنية،وقد صاحب هذه الدراسات والتأصيل النظري لعلم الاقتصاد الإسلامي ممارسات عملية في القطاع المصرفي حيث بدأت المصارف الإسلامية ترى النور منذ عام 1975م عندما أنشئ بنك دبي الإسلامي ثم تتابعت بعده المصارف الإسلامية إلى أن بلغت المؤسسات المالية الإسلامية اليوم أكثر من 400 مؤسسة وبلغت أصولها 660 مليار دولار.
خامساً: تزايد الاهتمام بتطبيقات الاقتصاد الإسلامي إسلامياً وعالمياً:
تتنافس اليوم عواصم دول آسيوية وأوربية لتكون مركزاً للصيرفة الإسلامية مثل لندن وباريس وسنغافورة،ولم يكن الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي في أوربا والعالم الغربي جديداً؛فقد كتب الاقتصادي الفرنسي جاك أوستري كتاباً أسماه الإسلام والتنمية الاقتصادية ونشره في عام 1961م قال فيه:"إن طرق الإنماء الاقتصادي ليست محصورة في الاقتصاديين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي،بل هناك اقتصاد ثالث راجح سيسود عالم المستقبل هو الاقتصاد الإسلامي لأنه أسلوب كامل للحياة ويحقق كافة المزايا ويتجنب كافة المساوئ" .
وفي إكتوبر عام 1984م، كتب رودني نيشن في مجلة الإيكونميست (Economist) فقال:
على الرغم من المبادئ التي تعتمد عليها نظام المصارف الإسلامية تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي يعتمد عليها نظام المصارف في الغرب إلا أن الأولى تقوم على أسس راسخة وسليمة –يعني الاقتصاد الإسلامي-على أن هذا الاهتمام الغربي بالاقتصاد الإسلامي استمر وزاد فظهرت بعض الكتابات الغربية.





Post a Comment

Previous Post Next Post