الألفاظ المحدثة:
     يظهر وبصورة جلية ميل الشاعرة الفلسطينية إلى المحافظة في مفرداتها اللغوية أكثر من الرجل. وهي محافظة تعكس صورة المحافظة التي تعيشها في حياتها. ولذلك ظهرت في نصوصها أكثر التزاماً بالأعراف اللغوية والاجتماعية، لا تألوا جهداً للإبقاء على اللغة التقليدية التي تعلمتها من الأمهات والتي يردن بدورهن نقلها لأطفالهن.أما التجديد بل المبادرة فإنها من الندرة بمكان.
     وتبدو الشاعرة وكأنها أكثر مقاومة للتغير حيث يفرض ذلك عليها فهي تعيش وتتحدث كما يريد لها المجتمع ووضعه الاجتماعي المهدد من قبل السيطرة الذكورية.
     ولما كانت الحياة الاجتماعية في غزة محافظة ومغلقة بشكل أكبر مما هي عليه في الداخل حيث ينفتح المجتمع العربي الفلسطيني على المجتمع الإسرائيلي، والاختلافات اللغوية تقترن بالمتغيرات الاجتماعية. لذلك اختلفت درجة مقاومة التغير من مكان إلى آخر. فكانت لغة (سهير أبو عقصة داود) تختلف عن لغة الشاعرات من غزة. عن لغة الشاعرات اللواتي عشن في الشتات.
     وإنني أرى أن الذي تعود علي قراءة دواوين الشعراء يجد صعوبة في بعض الأحايين في قراءة الدواوين التي كتبها الرجل أكثر من تلك التي كتبتها امرأة، وذلك لاحتواء الأولي على كلمات محدثة، ومصطلحات فنية، وطرق مبتكرة وجديدة في البناء الفني. حيث يعمد الرجال إلي صوغ كلمات وتعابير جديدة أو إحياء التعابير القديمة إذ كانوا بهذه الوسيلة يتمكنون أو يظنون أنهم يتمكنون من إيجاد تعابير أكثر دقة وضبطاً لأفكارهم. وتتجنب في الغالب النساء الكلمات المولدة.
     والكتاب وما يستعملونه من لغة أدبية وشعرية يحتاجون بلا شك إلى أن يتجاوزوا اللغة في درجتها الصفرية، ولذلك تنزاح عندهم الألفاظ وتنحرف يقول إدوارد سابير "الأديب يقاوم من حين إلي آخر ذلك الشعور ليجعـل الكلمة دالة علي ما يجب أن تدل عليه عارية أو متصورة باتصالها في هذا الشأن بقوة الخلق الكامنة في نظام خاص من المفاهيم أو الصور"([1]).
     وبالرغم من أن الكاتب والكاتبة على حد سواء تنحرف وتنزاح لغتهما فإن الرجل في نصوصه يميل إلى التحديث بل الغرابة في كثير من الأحيان. ولا تلجأ الشاعرة إلى الانزياحات والابتعاد عن الدرجة الصفرية بشكل كبير.
     ومن خلال تتبع دواوين الشاعرات يستطيع أي قاريء أن يلاحظ ندرة الألفاظ المحدثة أو التي على درجة عالية من الغرابة والتي تحتاج من القاريء الرجوع إلى المعجم. والبحث عن أصول لها في المعاجم اللغوية. والتفكير في طريقة اشتقاقها. والحقيقة إنني لم أحتج المعجم في جميع الدواوين التي تناولتها في بحثي إلا في دواوين (زليخة أبو ريشة) التي احتجت المعجم لمتابعة بعض المفردات عندها في بعض الأحيان.
     يقول (أوتو جسبرن) في مقال له عن ( اللغة والمرأة): "فعلي هؤلاء الذين يودون تعلم لغة أجنبية أن يعودوا أنفسهم أولاً علي قراءة روايات كتبتها النساء لأن تلك الروايات تهيئ لهم تعلم التعابير والمفردات الدارجة التي يحتاج إليها الأجنبي قبل غيرها ولأنها هي في ذاتها صلب تلك اللغة الأجنبية"([2]).
        تميل المرأة إلى الألفاظ السهلة واللينة المأخذ، والأمثلة الموجودة في بحثي كله تثبت ذلك، أما الرجل فيشرب حديثه ألفاظاً صعبة ومعقدة، وقد يعود ذلك إلى أن المرأة تبتغي التأثير والتواصل مع المخاطبين/المخاطبات، أما الرجل فهو أميل إلى استعراض معارفه وإبداء تفوقه.
     والمرأة تفضل عادة أن تسير في حقل اللغة الرئيسي متحاشية كل ما هو غريب أو خارج عن موضوعها، فالمرأة تتبع طريق اللغة الرئيسي في حين يبتعد الرجل عن مثل هذا الطريق ليسلك أحياناً مسلكاً ضيقاً أو ليطرق طريقاً جديداً. وهن يستخدمن الكلمات العامة وهذه خاصية نسائية والرجل الذي يستخدم الكلمات العامة قد ينظر إليه على أنه نوع من التشبه بالنساء أو التخنث. وإذا بادرت باستخدام لفظ جديد فهي تتعمد لأن يكون مقبولاً للأسرة والمجتمع.
الألفاظ التراثية
     وتشتمل أسماء أعلام تراثية، وألفاظاً دينية كما هي الحال عند الشاعرات النصرانيات اللواتي اعتمدن العديد من الألفاظ التي مثلت تناصاً مع الكتاب المقدس. وقد ألمحت إليها في الفصل المتعلق بالرمز والتناص حيث تناولت الرموز التراثية والأسماء والقصص التراثية. التي عملت على الاستفادة من الخبرات السابقة المختلفة التي تراكمت عبر الزمن، والثقافات المتنوعة.
الألفاظ العامية واليومية
        رغبت الشاعرات في بعض الأحيان في لغة سهلة بسيطة، ولذلك لجأن إلى المفردات العامية، وبرزت لديهن ظاهرة أخرى وهي تجاور الفصحى والعامية، فالعامية تصور وتحمل الكثير من الدلالة وليست إقحاماً على السياق، بل تبدو كأنها قد ضُفِّرَت في نسيج النص. والمرأة تلجأ إلى العامية بغرض تحقيق التواصل بسهولة مع الآخرين. فاللغة ظاهرة إنسانية "ونمط رئيس من أنماط الاتصال الإنساني، تبطن عدداً كبيراً آخر من نظم التقاليد الاجتماعية، والعرف الاجتماعي، والطقوس، والعقيدة، ثم الفنون التمثيلية.. هذه النظم نظم نمذجة ثانوية، وفي مجال الأدب يعد النص أكثر وحدة تنظيم ملموسة لأنه – على أية حال – قابل لفك رموزه، فقط في حدود المنظم"([3]).
     وقد وظفت (فاتنة الغرة) المفردات العامية، تقول:
كنا وكانوا ها البنات مجمعين
يمِّي وما بعرف
ليش نقاني أنا ( فاتنة الغرة، ما زال بحر بيننا، يا أنت، ص 23-24)
     ولقد لجأت عطاف جانم إلى العديد من الألفاظ العامية المتداخلة مع الفصحى تقول، ألا يا صديقة (اقربي)، فلك ما (تبي)([4])، أطفال ( باتان)([5])، لاستولدوه (حريماتنا)([6])، (مرواد) أمي، وفي الهامش كتبت: أداة يكتحل بها، و(قمباز) أبي، وفي الهامش كتبت: الزي التقليدي للرجل في فلسطين([7])، الشعشبون، وفي الهامش كتبت: بيت العنكبوت باللهجة الفلسطينية([8])، وهي في نصها ( فكيف .. وحيفا) تعجب من حيفا التي بقيت سراجاً منيراً وهادياً بالرغم من الإسرائيليين الذين شبهتهم لهشاشتهم وتطفلهم على المكان بالعنكبوت(الشعشبون)، حين أتوا إليها مهاجرين ليستقروا بها، وقد كانت أول سفينة أتوا بها قد أطلق عليها (الغريمة)، تقول:
وكنتِ
سراج الدليل بنبضي/ وسفراً لعبئي ... ووعدي
أمام الغريمة، فاجرة البحر/ من بكرت بالعلوق الزنيمة
والشعشبون.                                  ( عطاف جانم، ندم الشجرة، فكيف .. وحيفا، ص 85)
     والعامية عند (فاتنة الغرة) معادل لغوي للذات الناقصة التي لم يتم بعد الاتفاق عليها ووضعها في المعجم، إنها جزء من مشروع بناء الذات غير المكتمل، ولذلك فهي تلجأ إلى العامية التي تنطقها الطفلة حين تتذكر دلالها ودلعها على أخوها الشهيد في حال حياته، تقول:
                    لحضن أخي مذاق الشاي بالنعناع  
                    لدم أخي فضاءات/ لروح أخي تسابيح
                    ترد الغائب المنزوع
                   من دنياه للدنيا وللأشياء في داره
                   لضحكه أخته الصغرى وغمزتها وسبتها
                  أبوت أنت / حزين ذلك الوجه الطفولي المهاجر في صدى صورة 
                               ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، تفاصيل ذات معني.. أو لا يهم، ص9)
     تقول (أبوت أنت)، وتعني (أبوك أنت) كنوع من السباب. ولقد التجأت (فاتنة الغرة) إلى الأغنية الشعبية والتي تشير إلى ما في المجتمع الذكوري الصارم الذي يربي المرأة على التراث الشعبي الذي ترضعه مع اللبن وما به من الخضوع والإذعان(*[9]).
     واستدعاء الدال العامي وسط السياق الفصيح يجذب الانتباه، وينبهنا أن المشروع المعماري والإنساني هو مشروع لغوي أيضاً، وفي الوقت ذاته يكسب السياق حيوية الاستخدام التداولي الاجتماعي. ولا شك أن لفظ (الغسيل) يفتح كثيراً من الدلالات والقراءات المختلفة للسياق، كما حدث مع (عطاف جانم)، تقول:
كنت أسرج ضوء القصيدة
أعدو بشعلتها بين منفى ومنأى
حينما باغتتني مواويلك الراعفة!
ولويت قطوف دمي/ ألأجلو مراياك
أم لأغسل في فضة الروح/ قمصان زلاتك الفارهة!
يا قرى الروح/ يا خيلها النائحة                 ( عطاف جانم، ندم الشجرة، ندم الشجرة، ص 8-9)
     والشاعرة هنا هي المرأة، التي كانت تعمل في المنفى وتكتب الشعر، مما يشعرها بكينونتها لتقع في الحب. وهي تحلم أن المحبوب سيزود روحها بما لم تتوقعه. فإذا بها تشعر أنها ستتحول إلى الصورة النمطية للمرأة والتي عبرت عنها من خلال الأدوار التي أسندها المجتمع للمرأة من الجلي والغسيل. ويبقى الرجل سادراً في غيه يعيش لنفسه ولملذاته.
     وكذلك تقول (زليخة أبو ريشة):
ووجْهي إليكِ
إذا ما مَرَرْتِ
كمثلِ حبالِ الغسيلْ
....
وللبيتِ رائحةٌ كالغسيلِ الشَّجيِّ
يُغنّي وحيداً  ( زليخة أبو ريشة، تراشق الخفاء، فضيحة، 120، 121)
     وتقول:
طناجرٌ وبخارُ
           أفئدةْ
كانَ ذاكَ كُلُّ ما رأيتُهُ
عندما
دخلتُ المسألَةْ
......
طناجرٌ
وبخارُ أفئدَةْ
......              ( زليخة أبو ريشة، تراشق الخفاء، أشياء، ص127-128)
     تحاول (فاتنة الغرة) التعبير بالألفاظ اليومية، وكل ما يتصل بعناصر التعبير الشعري، لتنقل إلينا صورة عن تجربة عاطفية، لعل الرجل يستطيع أن يعي ما تريد، تقول:
عندما تعرف/ كيف تقف امرأة مهترئة/ على حبل غسيل
فهذا يعنى أنك ضعت/ إلى الأبد ( فاتنة الغرة، امرأة مشاغبة جداً، ص94 )
     لقد لجأت إلى ألفاظ من الحياة اليومية، ألفاظ طافية وشائعة على ألسن الناس. وكأنها تريد التعبير بلغة المتلقين حتى تتواصل معهم بشكل أكبر. وتؤثر فيهم وتضمن وقوفهم إلى جانب قضيتها.
     أما (شهلا الكيالي) فللدلالة على الاغتراب وحتى تشعرنا بأن الذات التي باتت في المرآة لم تعد ذاتها استخدمت ( اندهي – ما في حدا – كل الحدا)، وذلك لأنها تريد أن تشعرنا أن صدى الصوت وصدى البوح يرجع إلينا باللهجة العامية الحقيقة، ومع أنها تعرف ذلك الصوت إلا أنه يخبرها أنه (ما في حدا)، أي لا يوجد أحد. فمن بالمرآة لم تعد هي. تقول (شهلا الكيالي):
تعكس المرآة ذاتاً غير ذاتي/ خلفها نصف يبوح
حان وقت الخطوة الأولي لأخترق الحصار
كالطيف أمضي/ في التباسات المدى
الباب دق جداره وجه الغياب
( لا تندهي ما في حدا )                 ( شهلا الكيالي، عندما الأرض تجيء، بوح الصدى، ص 90)
  وتستخدم (فاتنة الغرة) لفظ ( أقزدر)(*[10])، و(مريم الصيفي) تستخدم لفظ ( كشخة) الخليجي:
والله ليس (كشخة)
كما يقال في الخليج                  (مريم الصيفي، عناقيد في سلال الضوء، أحلام صغيرة، ص116)
     فلديها أحلام صغيرة تريد أن تحققها كامرأة وليس من باب ( الكشخة) أي التباهي كما تقول. وفي استخدامها للفظ دلالة حيث إنها تريد أن تقول أنه حاجة ماسة وليس للتباهي كما تفعل النساء المترفات في الخليج.
     ولقد استخدمت (زليخة أبو ريشة) العديد من الألفاظ العامية مثل: (يبصُّ، لَمَّتُهُ، سرسبة، طعوجات، قُلَّة، تطعج، يلعبط، البقالية، حرطقات، النشفان، يكشكش، لاعج، فهقة، الياليل، أجمات، الشنشلات، الياأوف، السحّارة)، تقول:
وكان يبُصُّ نحو نديمه مستعجلاً
وهي في الركن تبص في حشاها وانحدار ألوانها       (زليخة أبو ريشة، كلام منحى، كاس، ص93)
     لقد أوضحت سابقاً أن اللغة الشعرية انحراف عن لغة التعبير المباشر، وانزياح عن اللغة العادية أو اللغة اليومية، ولكن لغة الحياة اليومية والعامية غزت الشعر العربي المعاصر وبالأخص قصيدة النثر. وهي في الحقيقة لا تستخدم عبثاً. فلقد وظفت من قبل الشاعرات بشكل تجاوز البلاغة القديمة. وانحرف باللغة عن مسارها التقليدي.
     لقد شعرت المرأة أن لغة الماضي ومفرداتها لا تستطيع أن تلبي الحياة الجديدة، وتعبر عن حياتها وآلامها، وقضاياها الإنسانية، وتفصيلات حياتها اليومية، وعن الدور الحديث للمرأة بدقة ووضوح. ولذلك استخدمت مفرداتها التي تقرب بينها وبين المتلقي الذي يعرف لغة المرأة ومفرداتها. فاللغة وثيقة الصلة بالعصر والواقع الذي يعيش فيه الإنسان ولكل عصر لغته. ولغة هذا العصر لغة المرأة الجديدة التي بدأت تبحث عن تغيير في الأدوار. فهي تشعر أنها ليست في حاجة إلى لغة خطابية تسير على طريق الواقعية الكلاسية. يقول (رمضان الصباغ) "إن اللغة تتغير، وتتطور بتطور الحياة الاجتماعية، فتصبح بعض الكلمات، والتعبيرات مهجورة وسقيمة، وتدخل تعبيرات وكلمات جديدة، تعيد إلى اللغة شبابها وحيويتها"([11]).
     
الألفاظ الغربية
     وظفت بعض الشاعرات ألفاظاً غربية في نصوصهن وكأني بهن يردن أن يصفن الواقع الذي يعيشنه. ومدى تأثير الثقافة الغربية في العربية. فلقد كررت الألسنة هذه الكلمات الغربية حتى ألفتها مثل: الستلايت([12])، الهايدبارك([13])، الكاميرات([14])، تلفاز([15])، الموبايل([16])، سوريالية([17])، تكنولوجية، كمبيوتر([18])، روبوتا([19])، ديناميت([20]).
     وتستخدم (زليخة أبو ريشة) لفظ ( برجوازيتك، الأنسرنغ مشين، مهراجاتك، بيجوماتك، بلاس دوهيجو، الديوبري، البوربون، جيتار). وتستخدم (ريتا عودة) ( ديمقراطية، بيولوجياً). و(فاتنة الغرة) تستخدم (أدرنالين).
     تقول (عطاف جانم) وهي حزينة أن أضحى هذا واقعنا وباتت أمريكا تسيطر على الجزيرة العربية، بل العالم العربي:
كانت الحصباءُ تكفي
وضلوع النخيل تكفي
فاترك القدسَ
على أكتافها لا تترزقْ
عد للورا
فذووها بانتظارك
يزرعون الأفق رقصاً
لهلالك
ووحوش ( الهايدبرك)
تتمارى في ظلالك ( عطاف جانم، ندم الشجرة، لوراديفنز، ص60-61)
   
الألوان
     المعروف عن المرأة دائماً هو اهتمامها الكبير بالألوان وتمييزها إياها بشكل دقيق. وأنها تعطي لكل لون اسماً. بل تذكر بعض الدراسات أن الأولاد يعرفون أسماء للألوان أقل من البنات. ويذكر (عيسى برهومة) أنه "يعزو بعض الرجال اهتمام المرأة بالتفريق بين الألوان إلى سذاجة المرأة وتفاهة هذا الصنيع، فلا يتوقع من المرأة أن تتخذ قرارات في الأمور المهمة لذا تنشغل بتسمية هذا أرجواني وذلك فيروزي"([21]).
     بالرغم من ذلك ومن خلال تتبعي لنصوص الشاعرات المختارات للدراسة، وجدت أن اهتمامهن بالألوان اهتمام عادي. (فسهير أبو عقصة داود) استخدمت مفردات الألوان (السوداء، الصفراء، أزرق)، ومريم الصيفي استخدمت (الأرجواني)، وفاتنة (البيضاء، الألوان العارية، الحمراء، البنفسج ) وزينب (قوس قزح)، ولكن سمية كانت أكثر أنثوية فاستخدمت (القرمزي والنبيذي والفيروزي، الأرجواني، واللوزي)، وصباح القلازين استخدمت (الكرزي، بنفسجي، برتقالي). أما (زليخة أبو ريشة) فقد استخدمت (الأخضر، التركواز) وكأنني أشعر أن الشاعرات اللواتي مالت نصوصهن إلى القضايا النسوية وإلى أن يكون لهن صوت أنثوي مختلف عن الرجال، ملن إلى توظيف الألوان وخلطها والتلاعب بها ليوصلن للمتلقي ذلك الحس الأنثوي الذي ينعمن به.
     وقد رأى (برهومة) أن ارتباط المرأة بالألوان مبعثه شغف المرأة بالأناقة والزينة، لأن اللباس لغة معضدة للسلوك الكلامي، فالمرأة أميل إلى التفاصيل الدقيقة رغبة في التميز، وطلباً للحظوة والقبول([22]).

النباتات والشجر
     ذكرت (سهير أبو عقصة داود) من ألفاظ النباتات والشجر " زنبقة، النخيل، ورود"، أما (فاتنة الغرة) فقد وردت لديها المفردات: " ياسمين، الحنون، مشمش، الشقائق، زهر، أقحوان، النرجس، التفاح، أشجار، عنب، شوك، تينات، قرنفلة". واستخدمت (زليخة أبو ريشة) "الصفصاف، سندس، قمح، زيزفون، خبيزة، سوسن، خردل، الزعفران، القريص، ليلك، نارنج، الزعفران، السنديان، الحصلبان، السندلوس، النيلوفرات، الصندل، الليمون"، وذكرت (ريتا عودة) " نعناع، صبّار، زيتون، برتقال، اقحوان، الكاميليا، الصنوبر".
     ويلاحظ أن الشاعرة المرأة تذكر أسماء بعض الأشجار والنباتات في شعرها ولكنها قليلاً ما تذكر أسماء حيوانات، فالمرأة في لا وعيها من الممكن أن تعبر عن نفسها بنبتة أو طير، ولكن الرجل يعبر عن نفسه بحيوان مثل الأسد، الذئب، الثعلب، الحصان. ولذلك استخدمت نباتات عديدة من بيئتها ولم يكن ما استخدم هو نباتات غريبة عن البيئة الفلسطينية.
أسماء الأماكن:
     لم تذكر (رانة نزال أو سمية السوسي) أي مكان عبر نصوصهن وكذلك (سهير أبو عقصة داود) التي لم ترد عندها سوى نيويورك بشكل سريع وخاطف، و(صباح القلازين) التي ذكرت العراق وتحديداً بغداد، والصفا والمروة. وكأنهن يردن أن يعرضن هموم المرأة المتعلقة بالحرية والحب في كل مكان، دون قيد مكاني أو زماني. ولقد ركزت (ريتا عودة) و(منى عادل ظاهر) على بلدتهما الناصرة ولم يظهر بعد ذلك عند ريتا عودة سوى طبريا. وظهر بشكل ثانوي مضيق جبل طارق. وعند منى ظاهر ظهرت باريس وتحديداً نهر السين. أما الأماكن عند (زينب حبش) فهي (السجن، غرفة التعذيب، زنزانة، بحر البقر، أرضي، أنهار، بلادي، مقابر، قريتنا الخضراء، مزارع، بيارات، شوارع ضيقة عتيقة، ربوة، درب، الجسر). ولقد تعددت الأماكن عند الشاعرات اللواتي عانين الغربة ولذلك ظهر عند (روز شوملي) التي عاشت فترة طويلة في الشتات أماكن من الغربة وبعضها أماكن متمناة داخل الوطن. ولذلك ذكرت الشاعرة "بيروت وعمان ودمشق والقدس وغزة" وجاءت بعض نصوصها تحمل اسم المكان الذي دارت به أحداث وذكريات النص مثل نصوصها "سوسة، امستردام، صنعاء" وذلك في ديوانها (للحكاية وجه آخر) وهي أماكن قامت بزيارتها وكان لها فيها كثير من الذكريات. ولقد كانت تخشي في غربتها من فقدان الهوية ولذلك تقول:
الليل يحملني على ظهر دولاب
أبحث في الحلم عن خلاصي
تختلط الأزمنة/ تختلط الأمكنة
بيروت، دمشق، عمان
والقدس زئبق عائم
خوفي أن يتوقف الدولاب
ورأسي إلى الأسفل                   (روز شوملي، للنهر مجرى غير ذاته، البحث عن هوية، ص55)
     أما (زليخة أبو ريشة) فلقد ظهرت عندها العديد من أسماء الأماكن في قصيدتيها (عصافير 95 تطير في كل اتجاه)([23]) و(كنت أنحني على الجمعة)([24]). وفيها ذكرت العديد من الأماكن العربية والغربية والكثير منها عبارة عن عواصم لتلك البلاد، وكان منها "لندن، عمان، بيروت" وذكرت "مرج بني عامر، حي الحسين، التيبت، Edgwar Road، شط دجلة، السند، الهند..وغيرها. أما (فاتنة الغرة) فلقد ذكرت الدوال: (شواطئنا، السوافي، كرم أجدادي، أرض أحفادك، البيدر، عشب، غزة، الحي، بيتي، الطرقات، نهر، غابات، الشرفات، المدن، صحراء، الدروب، شارع، الموانيء، البحر)، وأماكنها لم تتجاوز قطاع غزة. وظهرت غزة كذلك عند (عايدة حسنين) وظهر عندها المخيم، تقول:
مخيمنا مراهق/ يغازل الرصاص/ والدماء / والنساء
مخيمنا يعلن حظر التجوال على الحراس
يعصب أعينهم/ يقودهم/ يخبرهم
فإما الرحيل/ وإما الرحيل.
ههنا... / الشوارع تتسلح بعيون الصغار
الشتاء محتشم/ كأعواد الثقاب/ يرشح الصبار.
خمسون عاماً/ ولم يأت الربيع
ههنا../ المقبرة لا تتسع/ سكانها الأصليين
يشتكون ضيق المكان/ وتطفل القادمين. ( عايدة حسنين، رؤى الياسمين، واقع، ص49-50)
     ولقد ظهر المخيم كذلك عند ( ميّ صايغ) حيث ذكرت (المغازي) وهو أحد المخيمات في غزة بلدتها التي كانت تذكرها بين الفينة والأخرى في نصوصها. أو تذكر بعض المناطق فيها من مثل: المنطار ورأس الطالع. وفي الجانب الآخر تذكر تل أبيب التي وصفتها بأنها نتنة وتذكر بعض السجون في عمان وفي الأرض المحتلة مثل: العبدلي، والجفر، وعسقلان. وتحن إلى فلسطين وبعض المدن مثل: القدس ويافا والخليل والجليل. وتظهر في نصها بعض البلاد العربية التي كان لها دور في حياتها في الغربة من مثل: الأردن وفيها تذكر (دبين)، والخرطوم، وبغداد وفيها تذكر (الفرات)، وبيروت، ومصر التي أشارت إليها من خلال (النيل).
     وتذكر ( شهلا الكيالي) أسماء العديد من المناطق في فلسطين مثل: أبو ديس، العيزرية، نابلس، أريحا، جيوس، حيفا، الرملة، عكا، بيسان، جنين، الكرمل، الخليل، الجليل، غزة، رفح، سلوان، الناصرة، مرج الكروم، ولكنها تؤكد على بلدتها (اللد) وتكررها كثيراً عبر دواوينها فهي ترى أنه لا يوجد ما يلزمها كشاعرة على تقديم تنازلات في إبداعها وجد السياسي نفسه مضطراً لتقديمها. ولقد حملت عناوين بعض القصائد عندها أسماء أماكن من مثل: يافا، القدس، اللد، إربد. واشتملت نصوصها على أماكن أخرى من مثل: بيروت، قانا، عرار، صبرا، وشيكوسلوفاكيا.
     أما الأماكن التي ظهرت كأماكن أثيرة عند المرأة في الرواية مثل البيت أو الحمام فلم تظهر بنفس الحجم في النصوص الشعرية وقد وجدنا (زليخة أبو ريشة) تطلق على أحد نصوصها اسم حَمَّام، تقول: فوقَ المقعَدِ قبَّعَةٌ من صوفْ
              وعلى سجَّادِ الغرفةِ بعضُ صُوَرْ
              المرأةُ في الحمّامْ.
              تتدحرجُ ريحٌ من بابِ الغرفَةْ
              فتطيرُ القبَّعَةُ، الصُّوَرُ، المرأةُ
                   .........
                   .........
               يبقى الـ .... حمّامْ ( زليخة أبو ريشة، تراشق الخفاء، حمّام، ص134)


مفردات الجسد:
     تعتبر الكتابة المعادل الفني للتجربة الحياتية، والجسد مهم في التجربة الإنسانية لذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفعل الكتابة. فهو موضوع الكتابة وأداة الكتابة. يقول بارت إن لذة النص هي :" تلك اللحظة التي يجري فيها جسدي وراء أفكاره الخاصة، ذلك أنه ليس لجسدي نفس الأفكار التي لي"([25]).
     ولقد وردت العديد من مفردات الجسد في نصوص الشاعرات حيث ذكرت (فاتنة الغرة) العديد من الأعضاء مثل: (كتف، زند، وجهك، راحتي، قلبي، فؤادي، روح، عين، حضن، دم، كف، قدميك، ذراعاك، ضلوعي، أقدامي، لساني، جبيني، مقلتي، عنقي، حلقي، جلدي، غمازة).
     و(هيام رمزي الدردنجي) استخدمت بعض ما ورد عند فاتنة الغرة وأضافت (أنسجتي، فم، الأحداق، محاجر، جذع، وجنتيك، شفاه، يدين، صدر، الظهر، أصابع، جنب، أهداب، نهود، شرايين، ثغر، أنفي، مآقي، أذن، الأنامل، ضرع، رأس، خدين، أعطاف).
     وتضيف (سهير أبو عقصة داود) (جلدك) أما (زينب حبش) فتضيف (شعر، لحم، عظم، ذقني، جبهة، فك، رموش، حناجر)
     وتركز (زليخة أبو ريشة) من الجسد على (الرئة والصرّة) ولقد برز عندها الدال (حلمتي، عروق، شفة، خصلات، الرسغين ).
     ولكن يلاحظ أن الشاعرات كن أقل استخداماً لأجزاء معينة من الجسم كالفخذ، والقفا، والنهد، والأعضاء التناسلية للجنسين. فهي أقل انتهاكاً للمحرمات التي تعارف عليها المجتمع، وذهنية التحريم في التربية تسيطر عليها، وهذا ينسجم مع التنشئة الاجتماعية للذكر والأنثى فسلوك الأنثى مشروط بهالة من المحرمات (Taboo) يجب مراعاتها، أما الذكر فله فضاؤه الذي يمنحه حرية وجرأة.
     ولقد كانت العين من أكثر الأعضاء ذكراً، فقد ظهرت عند كل الشاعرات بل تكررت في الديوان الواحد عدة مرات بأشكالها من مفرد ومثنى وجمع، وبإضافتها إلى أسماء أو ضمائر مختلفة.
     الشعر والذراع عورة لم تذكر كثيرا، أما الفم والعيون فمباحة رغم أنها قادرة علي إيحاءات الجنس وتعبيراته أكثر بكثير من الشعر والذراع.
     وكل الأعضاء التي ظهرت أعضاء عادية وحتى في المرات النادرة التي ظهر فيها عضو مثل (الحضن) كان مضافاً إلى أخي عند (فاتنة الغرة)، وإلى الورد عند (زينب حبش)، أما (هيام الدردنجي) فقد أضافت "نهود" إلى السرو، فالنهد أيضاً من الأعضاء التي لا تستخدمها الشاعرات، فقد استخدمن لفظ صدر أما النهد فلم يرد على اعتبار أنه عضو من أعضاء الإنسان، وإنما قد يضاف إلى جزء في الوطن ليحمل معنى العطاء والخصوبة.
      ولم يقف الأمر عند ذكر بعض الأعضاء بشكل عارض بل لقد كتبت بعض الشاعرات بالجسد أحياناً، والكتابة بالجسد ليست تعبيراً فردياً أو غرائزياً للاستثارة، ولكنها تمثل موقفاً من الواقع وكشفاً لفساد القيم السائدة، فهي نوع من الثورة فالتحرر الإيروتيكي والثورة في الفن متوافقان دائماً. وما تكتبه الشاعرات إيروتيكية لفظية وليس شعراً جسدياً مكشوفاً. والكتابة بالجسد تشتمل على ثلاثة اتجاهات أساسية: الكتابة بالأعضاء، والكتابة بالحواس، والكتابة بالغرائز([26]).


([1]) إدوارد سابير E.Sapir، اللغة – مقدمة في دراسة الكلام-، ترجمة وتقديم المنصف عاشور، الدار العربية للكتاب، ج1، ط2، 1997، ص57.
([2]) أوتو جسبرن، اللغة والمرأة، ت: حسام الخطيب، ص53.
([3]) بارتون جونسون، دراسة بوري لوتمان البنيوية للشعر، ضمن مداخل الشعر، ترجمة أمينة رشيد وسيد البحراوي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1996، ص79.
([4]) عطاف جانم، ندم الشجرة، تقاطع، ص69.
([5]) المصدر السابق، تقاطع، ص72.
([6]) نفسه، تقاطع، ص76.
([7]) نفسه، فكيف وحيفا، ص83.
([8]) نفسه، فكيف وحيفا، ص85.
(*[9]) سأتناوله في الفصل الخاص بالتناص. في الجزء المتعلق بالتناص مع الأغنية التراث الشعبي.
(*[10]) لفظ عامي يعني أتمشى.
([11]) رمضان الصباغ، في نقد الشعر العربي المعاصر ( دراسة جمالية)، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، ط1، 1998، ص 146.
([12]) عطاف جانم، ندم الشجرة، طيور الرجاء، ص 38.
([13]) المصدر السابق، طيور الرجاء، ص 61.
([14]) نفسه، تقاطع، ص 68.
([15]) نفسه، وأشتهي رباه، ص 46.
([16]) مريم الصيفي، عناقيد في سلال الضوء، أحلام صغيرة، ص115.
([17]) رجاء أبو غزالة، الهروب الدائري، كلمة رثاء تجريدية، ص17.
([18]) المصدر السابق، حصار السنابل السائبة، ص23.
([19]) انفسه، محاورة طيور نفرتيتي الهالكة، ص40.
([20]) رجاء أبو غزالة، معك أستطيع اغتيال الزمن، غريق الألم، ص28.
([21]) عيسى برهومة، اللغة والجنس، ص139.
([22])أوتو جسبرن، اللغة والمرأة، ت: حسام الخطيب، ص133.
([23]) تراتيل الكاهنة ووصايا الريش، ص 75-88.
([24]) كلام منحى، ص 44-46.
([25]) ميشيل فوكو، مسيرة فلسفية، ت جورج أبي صالح، مركز الأنماء القومي، بيروت، 1984، ص52.
([26]) عبد العزيز موافي، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2004، ص 165.

Post a Comment

Previous Post Next Post