قصيدة التفعيلة
     وهي تتخذ "من التفعيلة – لا البيت- وحدة قياس صوتية يتصرف فيها حسبما يقتضه النفس الشعري وقدرة الشاعر على الإبداع"([1]). وتقوم على السطر الشعري، الذي يتضمن عدداً من التفعيلات غير محدد. ولا يلتزم القافية.
     ويعتبر (عز الدين إسماعيل) أن " الوحدة الإيقاعية في الوزن العروضي هي التفعيلة الواحدة… فالتفعيلة هي التي تحدد منذ البداية نوع التوقيع. أما الالتزام بعدد معين من التفعيلات لا يقوّم البيت الشعري إلا به فشيء لم يجد الشعراء مبرراً له، ومن ثم اكتفوا باستخدام الأساس الإيقاعي وهو التفعيلة"([2])
     ويرى (محمد حماسة عبد اللطيف) أن قصيدة التفعيلة قد تحررت من ثلاثة أشياء، هي:
1-   الالتزام بعدد محدد من التفعيلات في البيت الواحد.
2-   الالتزام بالقافية، وتركها حسب تجربة الشاعر.
3-   الالتزام بضرب واحد في القصيدة، والمزج بين عدة أضرب"([3]).
     وعلى الرغم من انتشار قصيدة التفعيلة كماً ونوعاً بين الشاعرات ومنذ فدوى طوقان وحتى الآن، ومزاحمتها قصيدة البيت. فإن الأخيرة ما زالت تعيش جنباً إلى جنب مع قصيدة التفعيلة. ومن الشاعرات محل الدراسة في هذا البحث ما زالت (هيام رمزي الدردنجي، شهلا الكيالي) على سبيل المثال تكتبان قصيدة البيت وإن كانتا قد كتبتا قصيدة التفعيلة.
     وكان معظم ما كتب من قصائد التفعيلة يدور حول تفعيلات البحور الآتية:

الوزن
عدد القصائد التي ورد فيها
النسبة المئوية
    1
المتدارك
309
43.27
2
الكامل
130
18.20
3
المتقارب
76
10.64
4
البسيط
52
7.28
5
المديد
49
6.86
6
الوافر
47
6.58
7
الرمل
34
4.76
8
الرجز
16
2.24
9
الهزج
3
0.42

المجموع
714

     ومن خلال الجدول السابق نستخلص النتائج التالية:    
- تفوق نسبة استخدام قصيدة التفعيلة بالنسبة لقصيدة البيت حيث بلغت (714) نصاً.
- أن الشاعرات اللواتي تناولتهن في البحث قد استخدمن تسعة أوزان من أوزان الشعر العرب الستة عشر. وقد كان بحر (المتدارك) أكثر البحور استخداماً في شعرهن وبشكل واضح يليه (الكامل) فالمتقارب. وهي من البحور التي تسميها نازك الملائكة الصافية؛ لأن نغمتها تحدث من تكرار تفعيلة واحدة. ثم تأتي أوزان البسيط، والمديد، من المركبة، ثم الوافر، والرمل، والرجز في مرتبة تالية، بينما يحتل الهزج المرتبة الأخيرة وكلها من البحور الصافية.
- ولعل السبب في استخدام المتدارك بشكل كبير يعود إلى أنه بحر يقترب بالشاعرة من لغة الحياة اليومية واللغة التداولية وبساطتها والطريقة التي تبني فيها الشاعرات عباراتهن ومن ثم نصوصهن. وهو بحر سريع في إيقاعه ومتوازن حيث يغلب على استعمالهن إياه مجيئه على وزن (فاعل) (-0-0) أي من مقطعين متساويين في الحركات والسكنات. ويقول عبد القادر القط: "أنه بحر يتسم بإيقاع راقص منغم، ويعتبره مع المتقارب من أكثر الأوزان دوارناً في الشعر المنطلق"([4]). فالتلاحم والتعاضد بين البنية الإيقاعية والدلالية قائم وهذا يؤكد ما ذكره صلاح فضل من أن البنية الإيقاعية هي:" أول المظاهر المادية المحسوسة للنسيج الشعري الصوتي وتعالقاته الدلالية"([5]).
     وإذا كان (المتدارك) هو البحر الأول في الاستعمال عند الشاعرات، فلقد كان البحر الأول في الاستعمال عند فدوى طوقان هو (المتقارب) وقد نظمت عليه (15) قصيدة بما يشكل نسبة (56%) من مجموع البحور الصافية البالغ عددها (27) قصيدة. وقد أرجعت فتحية صرصور السبب في ذلك إلى ما يتسم به هذا البحر من البساطة والسهولة. وتنوع الشاعرة باستخدامه مجزوءاً ومشطوراً. وأشارت إلى غلبة بحر المتقارب أيضاً فيما كتبته فدوى طوقان من قصيدة التفعيلة فقد تكرر (36) ستاً وثلاثين مرة بنسبة (25.7%) من مجموع القصائد البالغ عددها (140) قصيدة([6]). وبذلك يكون (المتقارب) هو البحر الأول عندها في كل الأشكال الإيقاعية التي استخدمتها.
     ومن ملاحظاتي على البنية الإيقاعية عند الشاعرات محل الدراسة لاحظت أن (شهلا الكيالي) قد مزجت بين قصيدة البيت وقصيدة التفعيلة وذلك في نصها (إن داء القلب لن يشفيه وهم) حيث بدأت بأبيات جاء فيها:
يحذرني الطبيب بأن دائي  

هو الإفراطُ في حزنٍ وهم
وحسبي أن يكون نعيم عيشي

هو الترياق في ليل ويوم
دواؤك يا طبيب عليَّ صعبٌ

مريضُ الجسم في بأسٍ وغم
     ثم يتحول النص إلى شكل قصيدة التفعيلة فتكمل الشاعرة بقولها:
رضعت لبان جرحي في حليبي
على كتفي قد صلبوه شعبي
وأثمرت الجراح سقوط غصن
تمزقه النوائب يا لقلبي
فأوجاع الفؤاد وعمق دائي
رمتني في سهام ضياع دربي
وينتحر الزمان على عروقي
وتبكي النائحات بكل حدب ( شهلا الكيالي، إن داء القلب لن يشفيه وهم، ص 55 – 56)
     كما كتبت بعض الشاعرات نصوصهن على شكل قصيدة تفعيلة وهي قصيدة بيت كما هي الحال عند (زينب حبش) في بعض قصائدها مثل: أمي، رباه بارك خطوه، أغنية إلى العراق والفجر القادم.
     وإذا كان اهتمام الشاعرات منصباً على البحور الصافية ذات التفعيلة الواحدة، فإن ذلك لا يعني إهمالهن المطلق للبحور المركبة، فقد استعملنها بشكل ضيق. ويرجع السبب في عدم شيوع هذه البحور في شعر التفعيلة لسببين " يرتبط أولهما بثانيهما، الأول: أن اختلاف أجزاء الوحدة الموسيقية في البحور لا يسمح لها بالانسيابية التي تتوافر في البحور ذوات التفعيلة الواحدة لبساطة وحدتها الموسيقية. والثاني: أن عدم انسيابية هذه البحور بسبب اختلاف أجزاء وحدتها الموسيقية يمنع وحدتها الموسيقية من التكرار في البيت الواحد إلا بقدر محدود يقبله الذوق، أما البحور ذوات التفعيلة الواحدة فيسهل جريانها وانسيابها إلى عدد غير محدود من التفعيلات"([7]).
     ولقد كتبت الشاعرات قصيدة التفعيلة على أكثر من وزن، حتى يعطين لأنفسهن المجال الأوسع للتعبير، ففي تنوع الأوزان فرصة لعرض التجارب المتنوعة بحسب الأبعاد النفسية، وفي تداخل الأوزان أحياناً في بناء القصيدة تعبير عن الحالة الشعورية وانسجام مع المعاني. ولعل في ديوان هيام الدردنجي (مزامير في زمن الشدة) خير مثال على ذلك فلقد جاء الديوان على شكل نص طويل ممتد عبر (40) مقطعاً، بدأت بالمتقارب ووحدته ( فعولن) في المقطع الأول والثاني، ثم تحولت إلى (المتدارك في المقطع الثالث، لتعود للمتقارب من المقطع الرابع حتى التاسع عشر، ثم للمتدارك من المقطع العشرين حتى الثاني والعشرين. ثم كانت العودة إلى المتقارب في المقطع الثالث والعشرين، وكان الرجوع منذ الرابع والعشرين إلى السابع والعشرين إلى المتدارك. ثم كان الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والمقطع الثلاثون على بحر المتقارب، أما الحادي والثلاثون وحتى الرابع والثلاثين فقد كانوا على بحر المتدارك، والخامس والثلاثون جاء على بحر المتقارب، لتأتي المقاطع بعد ذلك منذ السادس والثلاثين إلى النهاية على بحر المتدارك.
     وبالرغم من أن هيام الدردنجي تكتب قصيدة البيت بنسبة أكثر من غيرها وذلك ما لاحظته عبر دواوينها فإن هذا الديوان قد جاء كله مبنياً على قصيدة التفعيلة وقد مزجت فيه بين بحر المتقارب والمتدارك. والانتقال بين البحرين سهل فكلاهما يشتمل على مقطعين فعو/لن، فا/علن، وهي تراوح بينهما.
     وبالرغم من كثرة الأمثلة على قصيدة التفعيلة التي استشهدت بها عبر الأبواب السابقة فإنني أتناول هنا مثالاً على قصيدة التفعيلة من نص لصباح القلازين بعنوان(النافذة الثالثة)، تقول:
... وكم قالوا/ بأني محضُ واهمةٍ/ ولست أحبْ
وكم قالوا/ بأنك دائماً أخفيتَ../ عيني ذئبْ
وكم قالوا بأن كلام أعيننا/ كلامٌ كذبْ
وحين اخترت أن أهواكَ، / ما عرفوا
بأن الشيبَ شيبُ القلبْ
وأن غزالة سهواً أحبت ذئبْ ( صباح القلازين، نوافذ، النافذة الثالثة، ص16)
     بنت (صباح القلازين) نصها على تفعيلة بحر الوافر (مفاعلتن) التي جاءت في الغالب عبر النص وقد دخلها زحاف (العصب) وهذا ما جعلها تتشابه بذلك مع تفعيلة بحر الهزج (مفاعيلن). والشاعرة تلجأ إلى ذلك للاستفادة من العلة في إحداث تنوع موسيقي في أذن المتلقي، وللتخفف من حركات الإيقاع في بعض الأحيان.
     لقد بدأت الشاعرة نصها ببضع نقاط حملت كثيراً من الكلام والصخب والأصوات. ثم جاء لفظ (كم) ليشير إلى كثرة ما قيل عن وهمها في علاقة الحب التي قد أقامتها مع شخص يكبرها في العمر. كما أن في إسناد الفعل (قال) إلى واو الجماعة ما يشير إلى تعدد المتقولين والأقوال. ولعل في تكرار(وكم قالوا) بشكل رأسي ثلاث مرات عبر النص وفي ثلاثة أسطر متباعدة ما يعطي المتلقي الشعور بامتداد الأقوال رأسياً وأفقياً حتى بات الكلام يحيط بالشاعرة من كل الجهات يريد السيطرة عليها؛ ولكنها قطعت ذلك بتأكيد عدم معرفتهم حقيقة اختيارها وذلك في قولها (ما عرفوا) في الجزء الأخير من النص.
      وإذا كانوا هم متأكدين في بداية النص مما يقولون لها حيث استخدمت الشاعرة (أن) للتوكيد، فإنها أكدت في نهاية النص أنها هي متأكدة أيضاً وبنسبة أكثر منهم حيث أكدت ذلك عن طريق تأكيد السطرين الأخيرين ب(أن) المؤكدة للجملة الاسمية.  
      لجأت الشاعرة إلى قصيدة التفعيلة في هذه النافذة التي فتحتها لتحب رجلاً يكبرها ولكن اختيارها وقع عليها لتكون حرة في عرض قصة حبها التي دخلت من النافذة. واستخدمت في بعض الأسطر تفعيلة واحدة وأحياناً تفعيلتين وكان أكثر عدد استخدمته هو ثلاث تفعيلات متجاورة كما في السطر السابع والتاسع.
     كما لجأت في بعض الأسطر إلى التدوير كما في السطر الخامس والتاسع لتشد القاريء إلى متابعة قصة حبها التي لم يعد يكفي فيها كلام العيون، وتتبع دورها في تلك القصة ودور ذلك الرجل الأشيب الذي يحمل عيني ذئب في تلصصه عليها ومحاولة إيقاعها في حبه. ولذلك جاءت قوافيها عبر الأسطر في الغالب مطلقة، عدا السطرين السابقين.
     وفي القصيدة مالت الشاعرة إلى القافية المتنوعة. ومع ذلك يعتبر حرف (الباء) أكثر حرف روي مالت إلى استخدامه وهو صوت شفوي مجهور، استخدمته مسكناً (أربع) مرات. وحرف (الباء) يوحي بما تكتمه في نفسها من تفاصيل ذلك الحب حيث يحتجز الهواء في الداخل حتى نهاية النطق به، ويزيد تسكين (الباء) الوضع تأزماً.
    ولقد فاقت الأسماء الأفعال في النص السابق، فالكلام والأقاويل في النص السابق فاق الأفعال، مما يشعر المتلقي بأن حبها لم يتعد النافذة ومع ذلك ناله من الحكي الكثير الكثير.
     كما لجأت بعض الشاعرات في قصيدة التفعيلة إلى المزج بين بحرين في القصيدة الواحدة هروباً من رتابة البحر الواحد من جانب، واستجابة لإيقاع التجربة الشعرية من جانب آخر. ولقد وجد هذا المزج عند (فدوى طوقان)، وسأتناول هنا مثالاً من نص (عندما الأرض تجئ) (لشهلا الكيالي) ولقد جاء النص في سبعة مقاطع مرقمة بأرقام هندية، وقد تنوعت البحور المستخدمة فيها من المديد إلى الكامل ثم المديد في المقاطع الثالث والرابع والخامس، والسادس، وأخيراً المتقارب في المقطع السابع. وفيها تقول:
(1) ها هي الأرضُ تجئْ/ لحظةُ البوحِ أتتها
فانثني الحنونُ يحكي/كيف ريحانُ السواحلْ
عطرُه فاحَ علي صدرِ الجليلْ
فأطل الليلُ بدراً، ثم بدراً ثم بدراً ثم بدراً ثم بدراً ثم بدراً ثم شمساً
أيكها غابةُ عزٍ/بين سعفاتِ النخيلْ
وأحاديثِ الليالي/مع رعاةِ الفجرِ تمشي
أصبحتْ نبضاً علي عزفِ الأصيلْ
     جاء الجزء الأول من نصها مبنياً إيقاعياً على بحر مركب هو بحر (المديد) ووحدته الإيقاعية ( فاعلاتن فاعلن). وقد استخدمت الشاعرة ( فاعلاتن) بأعداد مختلفة من سطر إلى الآخر وفقاً للدفقة الشعورية، ولذلك، استخدمت أحياناً تفعيلة واحدة وأحياناً ثماني تفعيلات كما هي الحال في السطر السادس. وكانت تختم السطر بـ ( فاعلن) في بعض الأسطر كما في السطر الأول والخامس والسابع والثامن والحادي عشر. وهذا ما جعلها تخرج من بحر الرمل إلى المديد. وفي التنوع بين التفعيلتين ما يساعد الشاعرة على التعبير بحرية عن مقصديتها.
     ثم تحولت الشاعرة في المقطع رقم (2) إلى بحر الكامل حيث تحولت من لحظة بوح الأرض بفرحتها عند عودتها إلى وصف سعادة أفراد أسرتها بعودة الأرض وكيف تشاركهم الأرض في تلك الفرحة، تقول:
(2) أمي جديلتُها شذى / وأبي رفيقٌ للندى
والكرمُ منتظرٌ قدومَ الصيفِ/ كي تشدو بيادرُه سنابلْ
والأرض قد مادت معاصر/ آبارُها زيت طفاف
مصباحُهُ عينٌ على باب المدينة
     لقد عادت الأرض وعادت سعادة الماضي والقوة، ولذلك، وجدت الشاعرة نفسها في حاجة إلى بحر فخم يناسب الفخر والسعادة لذلك التجأت إلى بحر الكامل، وإن كانت تتخفف من كثرة إيقاعاته أحياناً عن طريق (الإضمار) حيث تتحول تفعيلته من (متفاعلن) إلى (مستفعلن) الوحدة الأساسية في بحر (الرجز).
     راوحت الشاعرة فيه بين استخدام تفعيلتين وأحياناً ثلاث تفعيلات كما هي الحال في السطر الأخير. كما جاءت السطور الثالث والرابع والخامس مدورة.
     في المقطع الثالث تنتقل الشاعرة من الأسرة إلى الحديث عن الذات حيث تصف حالها ورغبتها في العودة إلى زمن الطفولة، والرغبة في غناء الأناشيد الوطنية التي كانت تغنيها في زمن الطفولة، تقول:
(3) وأنا أغدو صغيرة
كم صغيرة في عيون الصابرينْ
احملوني فوق أكتافي أغني
( جنة الدنيا بلادي، حبها ملء فؤادي، خيرها في كل وادي، حسنها
للعين بادي جنه الدنيا بلادي )
     وفي هذا المقطع جاءت كل التفعيلات التي استخدمتها على (فاعلاتن) تقريباً عدا واحدة وهي بذلك تقترب هنا من بحر (الرمل) الذي يتناسب مع الغناء، وما (الرمل) بالأصل إلا نوع من الغناء. وقد دخل (الخبن) كعلة إلى بعض التفعيلات فتحولت من (فاعلاتن) إلى (فعلاتن)، وفي ذلك مزيد من التخفف من الحركات الإيقاعية يتناسب مع الغناء بل مع الغناء الطفولي تحديداً الذي لجأت إليه الشاعرة وهي تتذكر طفولتها على أرض الوطن.
ب- القافية
     تحررت قصيدة التفعيلة من الالتزام بالقافية، وأصبح أمر القافية متروكاً للشاعرة نفسها وتجربتها، فقد تجيء بها، وقد تلزم نفسها بنظام معين تصنعه لها، وقد تتحرر منها. يقول محمد حماسة عبد اللطيف " ولا يمكن أن نصوغ نظاماً معيناً لورود القافية، وهذا متروك لإحساس الشاعر الخاص بالموسيقى، فقد يكثر، وقد يقلل، وقد يراوح بين أكثر من قافية في القصيدة الواحدة، وقد يكتب بعض الشعراء قصائد دون أن تكون بها قافية واحدة على الإطلاق، يكون ذلك مقصوداً من الشاعر بقصد الإيحاء بدلالات معينة تفرضها تجربة القصيدة الخاصة"([8]).
    في قصيدة التفعيلة لم يعد هناك صوت يتكرر في نهاية كل سطر، ومالت القافية فيها إلى القافية المقيدة المردفة نوعاً ما بدل إطالة الحركة الأخيرة في كلمة القافية، والوقف عليها اقترب بها من الوقف النثري عنه في الوقف الشعري.
     وقصيدة التفعيلة نتيجة التحرر في استخدام عدد مختلف من التفعيلات، وعدم التزامها بالقافية كانت تعمل على كسر التوقع عند المتلقي والذي يؤكد (علي عشري زايد) أنه " غالباً ما يكون لخيبة التوقعات أهمية أكثر من تحققها، في النظم الذي لا نجد فيه غير ما نتوقعه"([9]).
    ولقد راعت الشاعرة الفلسطينية في قصيدة التفعيلة القوافي وأنواعها ولكن لم تظهر عندها قافية موحدة، عبر نصوصها وكأنها تريد أن تؤكد أنها ما كان انزياحها إلى قصيدة التفعيلة إلا من أجل التحرر من قيود الوزن والقافية. وفي القافية المنوعة المستخدمة من قبلها راوحت بين استخدام القافية المنوعة وفق نظام، والقافية المنوعة بلا نظام. ولعل الغالب على قصائد التفعيلة محل الدراسة التجاء الشاعرات إلى القافية المنوعة بلا نظام. والأمثلة على ذلك من خلال البحث كثيرة.
     والملاحظ على قصائد التفعيلة عند الشاعرات أنهن قد التجأن وبشكل واضح إلى التدوير حتى باتت بعض القصائد كأنها متصلة. ولكنها لا تصل إلى أن تمتد عبر النص كله بحيث ترهق القاريء.
مثال ذلك عند (هيام رمزي الدردنجي):
يا عمر العمر.../ لا شيء يخفف عن قلبي القهر
وإليك، وعنك، وفيك/ أقول الشعر
وإذا ما احتجت إليك/ وكم أحتاج إليك
ينتاب فؤادي/ إحساس بضياعي(هيام رمزي الدردنجي،قصائد رحلة صيف، أحتاج إليك، ص105-106)
     ولقد ظهر التدوير في العديد من الأمثلة المستشهد بها عبر البحث، والشاعرات يستخدمنه كغيرهن من الشعراء والشاعرات وفقاً لما نظرت له نازك الملائكة.


([1]) محمد حماسة عبد اللطيف، البناء العروضي للقصيدة العربية، ص161
([2]) عز الدين إسماعيل، التفسير النفسي للأدب، ص85.
([3]) محمد حماسة عبد اللطيف، البناء العروضي للقصيدة العربية، ص159.
([4]) عبد القادر القط، ثورة الشكل والمضمون في الشعر المنطلق، مجلة الشعر، ع9، 1964، ص8.
([5]) صلاح فضل، أساليب الشعرية المعاصرة، ص21.
([6]) فتحية إبراهيم صرصور، الخصائص الأسلوبية في شعر فدوى طوقان، ص277.
([7]) محمود علي السمان، العروض الجديد، أوزان الشعر الحر وقوافيه، دار المعارف، 1983.
([8]) محمد حماسة عبد اللطيف، البناء العروضي للقصيدة العربية، ص155.
([9]) علي عشري زايد، عن بناء القصيدة العربية الحديثة، مكتبة دار العلوم، القاهرة، ط2، 1979، ص 178.

Post a Comment

Previous Post Next Post