التناص مصطلح من المصطلحات المستحدثة في الأدب والنقد. ويعود المصطلح لغوياً إلى مادة (نصص)، حيث تنتمي جميع اشتقاقاتها إلى حقل دلالي واحد. ففي القاموس المحيط للفيروزآبادي: (تناص) القوم، " عند اجتماعهم" ([1]). ويلاحظ احتواء مادة (تناص) على (المفاعلة) بين طرف وأطراف أخر تقابله، يتقاطع معها ويتمايز أو تتمايز هي في بعض الأحيان.
     ولقد تعددت المسميات لهذا المصطلح من ناقد لآخر، حيث أطلق عليه البعض (تداخل النصوص، وتناصص وتضمين وتناصية والنصوصية) وغيرها وتذمر البعض من الاختلاف حول المصطلح، لذلك سوف يتجه هذا الباب نحو تحديد المفهوم وتطبيقاته باعتبار التناص أداة كشفية صالحة للتعامل مع النص بمفهومه الجديد سواء أكان النص قديماً أم جديداً. " فالتناص لا يفهم فهماً مستنيراً بمعزل عن المفهوم الجديد للنص ودون التمييز بين الأثر الأدبي والنص الأدبي"([2]). حيث إن " الانتقال من (العمل) إلى (النص) انتقال من رؤية القصيدة، أو الرواية ككيان مغلق مجهز بمعانٍ محددة، تكون مهمة الناقد أن يحل شفرتها، إلى رؤيتها كشيء متعدد لا يقبل الاختزال، كتفاعل لا ينتهي للدلالات التي لا يمكن- أبداً - تثبيتها في النهاية إلى مركز أو جوهر أو معنى واحد،… وهكذا فإذا كان (النص) مقولة، يكون (التناص) هو الإجراء الذي تفرضه هذه المقولة "([3]).             
     أما بداية عن مفهوم التناص فيمكن القول: إن " مفهوم التناص بدأ حديثاً مع الشكليين انطلاقاً من (شلوفيسكي) الذي فتق الفكرة حيث يقول:  إن العمل الفني يدرك في علاقته بالأعمال الأخرى، وبالاستناد إلى الترابطات التي نقيمها فيما بينها، وليس النص المعارض وحده الذي يبدع في توازٍ وتقابل مع نموذج معين، بل إن كل عمل فني يبدع على هذا النحو، ثم أخذها عنه ( باختين) الذي حولها إلى نظرية حقيقية ، تعتمد على التداخل القائم بين النصوص، فكل ظاهرة أسلوبية تنبثق من نصٍ ما، هي قضية وجود وحضور في كل أسلوب جديد تنشأ داخلياً كجدلية تقويضية للنص الآخر، أو أنها معارضة أسلوبية مخفية للأسلوب الآخر
     إن الفنان الناثر مواجه بعالم مكتنز بكلمات الآخرين وهو يندفع نحوهم مجبراً على تحسس خصائصهم بآذان تواقة. وعندما يمتلك الفرد كلمة من الجماعة، فإن هذه الكلمة لا تستقر عنده على أنها كلمة لغوية محايدة، خالية من أنفاس الآخرين وتقييمهم. ولا تسكنها الأصوات الأجنبية، إلا أنه يستقبل الكلمة من صوت الآخر. والكلمة تدخل إلى سياقه قادمة من سياق آخر وهو سياق تشبع بتفسيرات الآخرين وبالتالي فإن الفرد بفكره الخاص يصطدم بكلمة قد تم الاستحواذ عليها".([4])
     ومن وجهة نظر مشابهة " تحدث (هارولد بلوم) أخيراً فاتحاً مجال التحليل النفسي لتاريخ الأدب برصد (الخوف من التأثير) الذي يشعر به كل كاتب عندما يتعامل مع (الكلمة)، فهو في حالة دائمة من الكتابة (مع) أو (ضد) إنتاج قد سبقه، وهنا نجد أصوات الآخرين تسكن خطابه الذي يأخذ طبيعته (متعددة القيم)" ([5]).
     ثم أصبح التناص مصطلحاً، واسع الانتشار عند العديد من النقاد الأوربيين والأمريكيين والعرب أيضاً و" يبدو أن من أسباب ذيوع هذا المفهوم والاهتمام به، أولاً: جدته، وثانياً: أنه يهدف إلى تقديم تصورات جديدة بالمقام الأول أكثر مما يهتم بدحض التصورات الراسية في ميداني الأدب والنقد،  ثالثاً: نجاحه كمصطلح نقدي"([6]).
     ولا يذكر التناص إلا وتذكر (جوليا كريستيفا)، فهناك اتفاق " بأن (التناص) كمصطلح ظهر للمرة الأولى في أبحاث لها بين عامي (1966 و 1967 )، في مجلتي (Tel Quel , Ritique ) وأعيد نشره في كتابيها (سيمويتك) و(نص الرواية) وفي مقدمة كتاب ديستوفسكي لباختين"([7]). ثم توالت التعريفات وانطلق الاهتمام بهذا الموضوع وقام باحثون كثيرون بتحديد التناص مثل أرّفي ولورانت وريفاتير، ورولان  بارت.
     وفي التناص وتحت عنوان "الخطاب الغريب في فضاء اللغة الشعرية": التداخل النصي والتصحيفية"، ذكرت (جوليا كريستيفا) أن المدلول الشعري يحيل " إلى مدلولات خطابية مغايرة، بشكل يمكن معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري. هكذا يتم خلق فضاء نصي متعدد حول المدلول الشعري، تكون عناصره قابلة للتطبيق في النص الشعري الملموس. هذا الفضاء النصي سنسميه فضاء متداخلاً نصياً. وإذا ما أخذ القول الشعري داخل التداخل النصي فإنه سيكون مجموعة فرعية من مجموعة أكبر هي فضاء النصوص المطبقة في محيطنا الثقافي الغربي. من هذا المنظور، يكون من الواضح أنه لا يمكن اعتبار المدلول الشعري نابعاً من سنن محدد. إنه مجال لتقاطع عدة شفرات (على الأقل اثنتين) تجد نفسها في علاقة متبادلة"(*) - وترى- أن مشكل تقاطع وتفسخ عدة خطابات دخيلة في اللغة الشعرية قد تم تسجيله من طرف سوسير في التصحيفات Anagrammes (**)، وتؤكد أنها قد استطاعت من خلال مصطلح التصحيف paragramme ، الذي استعمله (سوسير) بناء خاصية جوهرية عيناها – كما تقول – باسم التصحيفية paragrammatisme ، أي امتصاص نصوص (معاني) متعددة داخل الرسالة الشعرية التي تقدم نفسها من جهة أخرى باعتبارها موجهة من طرف معنى معين. واستطاعت التمييز بين ثلاثة أنماط من الترابطات بين المقاطع الشعرية للأشعار والنصوص الملموسة والقريبة من صيغتها الأصلية لشعراء سابقين: أ) بالنفي الكلي، وفيه يكون المقطع الدخيل منفياً كلية، ومعنى النص المرجعي مقلوباً، ب) النفي المتوازي، حيث يظل المعنى المنطقي للمقطعين هو نفسه.  ج) النفي الجزئي. حيث يكون جزء واحد فقط من النص المرجعي منفياً، - وترى - أنه قانون جوهري في النصوص الشعرية الحديثة، إذ هي نصوص تتم صناعتها عبر امتصاص، وفي نفس الآن هدم النصوص الأخرى للفضاء المتداخل نصياً؛ ويمكن التعبير عن ذلك بأنها ترابطات متناظرة altra-jonctions  ذات طابع خطابي([8]).
      وترى أن التناص " يندرج في إشكالية الإنتاجية النصية التي تتبلور كعمل نصي، ولا يمكن تحديده عندها – إلا بإدماج كلمة أخرى هي Idiologene، وهي تمثل عملية تركيب تحيط بنظام النص لتحدد ما يتضمنه من نصوص أخرى، أو ما يحيل عليه منها، تسميه كريستيفا – نقلاً عن باختين – (الحوارية) dialogism، أو (الصوت المتعدد) polyphony … واللافت أن (كريستيفا) قد تخلت أخيراً عن مصطلح (التناص) نتيجة انصراف اهتمامها عن الواقع التاريخي للخطاب الاجتماعي، بينما تم تبني المصطلح في المنتدى الدولي للبيوطيقيا المنظم على يد ريفاتير في نيويورك سنة 1979"([9]).
     و" تعد تفرقة ريفاتير بين النص المفترض hypogram  والمولد Matrix  أساس تفرقته بين المتناص Intertext  والتناص Intertextuality، وهذه التفرقة تفسر لنا العملية المزدوجة التي يقوم بها النص حينما يشير إلى معنى يمكن فهمه في سياق النص، بينما يخفي ويكبت معنى آخر، وهذا يعني أن ثمة خطوتين أساسيتين على القارئ أن يقوم بهما: الأولى، هي اكتشاف مواضع الكبت في النص ثم اكتشاف قوانين النقل والإزاحة، حيث يمثل اكتشاف المتناص أو النص المفترض Intertext الذي يخفيه النص محل الدراسة خطوة أولى في الكشف عن اللاوعي التناصي، تتبعها خطوة ثانية، هي اكتشاف قوانين العلاقة بين ذلك المتناص والنص، أي التحويل الذي يقوم به النص من أجل تعمية وإخفاء المتناص، هذه القوانين هي ما يسميه ريفاتير بالتناص Intertextuality وهي عنده: " نسيج عنكبوتي من الوظائف التي تؤلف وتنظم العلاقات بين النص text   والمتناص Intertext، هذه الوظائف سواء تم تنشيطها بالكامل Fully activated، بوصفها مجسدة في علاقات مدركة أو تم تنشيطها في شكل بروجرامي Programmatic form فهي تسلم في كلتا الحالتين بوجود المتناص Intertext وتذكر القراء أن استجابتهم يجب أن تستند على افتراض ما يتطلبه النص، موضحة لهم كيف يقود الافتراض إلى التمفصل  articulation وما نوع المتناص الذي يجب عليهم أن يتوقعوه([10]).
     وبناء عليه فإن اكتشاف المتناص Intertext يحرك القارئ تجاه هذا المتناص ويمكنه من تعيين مكان المكبوت The Location of repressed، بينما التناص Intertextuality  هو بناء معادل Tantamount  لمحاكاة الكبت([11]) a mimesis of repression  وبمعنى آخر؛ فالتناص نسيج من الوظائف يؤلف وينظم العلاقات بين النص Text  والمتناص Intertext .
     ويرى ريفاتير أن التناص له الوظيفة نفسها التي للمفسرة Interpretant  عند شارل بيرس في تعريفه للعلامة حيث نجد عند بيرس أن: العلامة تمثل لشخص ما شيئاً ما من جانب ما، يخلق في ذهن الشخص علامة معادلة المفسرة، وإذا ما ترجمنا هذا التصور على مستوى النصية فيما يقول ريفاتير فإن: النص يمثل represent  بالنسبة إلى القارئ المتناص Intertext   فيخلق في عقله نظاماً علامياً معادلاً، حيث يتجسد المتناص المفسر The interpretant intertext في ذلك النظام ويخزنه للقراء الذين يأتون في المستقبل بوصفه ضماناً مكتوباً على أنهم سيصلون إلى التفسير نفسـه([12]).
     ويرى ريفاتير أن اكتشاف المتناص Intertext  والتركيز عليه وحده يجعلنا نعود إلى دراسة المصادر أو التاريخ الأدبي([13]) أي أنه لا يطرح سؤالاً من أين أتى هذا النص أو ذاك، ولكن أيضاً: ما القوانين التي يحول بها المتناص النص كله والتي تمكننا من تأسيس نموذج يشير إلى هذا النسيج من الوظائف التي يقوم بها حول كيفية اكتشاف المتناص، ويطرح من الوظائف التي يقوم بها التحويل transformation ، ويطرح هذا التصور سؤالاً أساسياً حول كيفية اكتشاف المتناص وتلك القوانين التي تصله بالنص، وترتبط الإجابة عن هذا السؤال بأحد المفاهيم الإجرائية المهمة عند ريفاتير وهو الـ Syllepsuis، والكلمة لغوياً – فيما يوضح ريفاتير - تعني أن يكون لكلمة واحدة معنيان مختلفان، ويعرفه ريفاتير بقوله:
" هو مجاز يكمن في الحضور المتزامن لمعنيين لكلمة واحدة "([14]) لكن ريفاتير ينقلنا أيضاً إلى الوظيفة النصية لهذا الـ Syllepsuis  فيقول: " المعنى المطلوب بواسطة السياق يكبت ذلك الآخر الذي يعد غير لائق في ذلك السياق"([15]).
فالـ Syllepsuis بهذا يعد موصولاً Connective ، بمعنى أنه ينتمي " بشكل متساو إلى النص والمتناص، ويؤلف الأنظمة العلامية لكليهما في عناقيد سيميوطيقية جديدة " ([16]) ويحاول النص عبر آليات النقل والإزاحة أن يزيح المعنى الآخر الذي يشير إلى المتناص، لكن القارئ يتمكن من اكتشاف هذا المعنى المكبوت لأن لا نحويات النص تظل تشير إليه من ناحية، ولأن الكبت يستلزم التعويض compensation فيما يوضح ريفاتير هذا التعويض الذي يتمثل في آلية التكرار repetition التي يعاود فيها المعنى المكبوت ظهوره في مظاهر أخرى مختلفة ([17]).
     مما سبق يمكن أن نستخلص أن ريفاتير حينما يميل إلى خارج النص بحثاً عن المتناص فإنه لا يبتعد عن عناصر النص نفسه، مما يجعل من التناص أساساً للنصية Textuality وتحديداً مميزاً للقراءة الأدبية عنده([18])، غير أن مقولة ريفاتير الشهيرة " إن النصوص تولد من النصوص" كانت مثار هجوم شديد عليه ومعظم النقد الذي وجه إلى ريفاتير من هذا الباب، الذي يرى أنه يتطلب قارئاً موسوعياً ليفهم النص وأيضاً لسعيه إلى إيجاد الوحدة في النصوص التي يدرسها، لعل أشد النقد الموجه إليه يتجه إلى عدم التفاته إلى الجانب الإيديولوجي في دراساته، غير أن هذا النقد لا يبخس ريفاتير حقه بوصفه واحداً من أهم منظري التناص ومن أهم من ساهموا في الدراسات التطبيقية للنص ([19])".([20]).
     أما (أحمد مجاهد) فلقد اختلف مع (جوليا كريستيفا) في مفهوم التناص ولذلك أكد "أنه من الواجب عليه في دراسة عن التناص توضيح أن مفهوم التناص لديه يختلف عن مفهوم (التداخل النصي) بالمعنى الدقيق والكلاسيكي منذ (جوليا كريستيفا) والذي يقصد به الوجود اللغوي (سواء كان نسبياً أم كاملاً أم ناقصاً) لنص في آخر وإن كان يتفق مع مفهوم (جيرار جينيت) عن التعالي النصي"([21]) الذي يتمثل في معرفة كل ما يجعل النص في علاقة خفية أم جلية مع غيره من النصوص([22]) حيث يتضمن المصطلح الثاني المصطلح الأول ويجاوزه. وقد أوضح (جيرار جينيت) أن مفهوم "التعالي النصي" يتضمن "علاقة التداخل التي تقرن النص بمختلف أنماط الخطاب التي ينتمي إليها، وفي هذا الإطار تدخل الأجناس الأدبية" ([23])، فالذي يحتل المرتبة الفوقية هو (جامع النص) وليس ما أطلق عليه نظرية الأجناس أو الأجناسية. ويجدر بنا بداية أن نفرق بين " النص المركزي الذي يتخذه الشاعر هدفاً لإقامة حوار معه، وبين النصوص الفرعية المساعدة الآتية من منابع متعددة"([24]).
" ويندرج تحت مصطلح التعالي النصي خمسة تصنيفات فرعية يحددها جينيت فيما يلي:
(1) المابين نصية َParatextualite      ويعني بها ما يعقده النص من حوار بينه وبين العناصر التي يقوم عليها، مثل العناوين الرئيسية والفرعية، التقديم، الإهداء، الهوامش والتعليقات، مسودات العمل قبل دفعه إلى الطبع والتي قد تتغير في طبعات الكتاب، كما يدخل فيها أيضاً الحوارت والندوات التي تدور حول النص.. الخ.
(2) الميتانصية، النصية الشارحة َMetatextualite 
ويقصد بها علاقة النص بالنصوص التي تحلله، أي النصوص النقدية الشارحة لهذا النص.
(3) التناص َIntertextualite   
ويندرج تحته تناص كرستيفا وتناص ريفاتير، بمعنى أنه يعني به تلك العلاقة التي تقوم بين نص وآخر يحضران معاً عن طريق:
ا- الاستشهاد: وهو أن يورد الكاتب اقتباساً من نص آخر ويحيل إليه واضعاً بين علامتي تنصيص.
ب- السرقة: وهو اقتباس غير معلن لكنه حرفي.
ج- التلميح أو الإيحاء: وهو يأتي على شكل قول يفترض فهم معناه الكامل إدراك علاقة بينه وبين نص آخر تحيل عليه بالضرورة انثناءة من انثناءات النص العديدة وإلا يصعب فهمه.
(4) النصية اللاحقة َHypertextualite
     وهي كل علاقة تربط نصاً لاحقاً بنص سابق، ويسمى جينيت النص اللاحق hypertext والنص السابق hypotexte  ، وفي هذه العلاقة يعقد النص اللاحق علاقة بالنص السابق يمكن أن نضع المعارضة      Pastiche  والمعارضة الساخرة Parody  ، مما يكسب النص اللاحق القدرة على أن يمنح النص السابق معاني أخرى.
(5) جامع النصية َL,architextualite     
     ويعني بها جينيت هذه الإشارة التي يضعها النص على غلافه ليحدد لقارئه " أفق توقع" جنس النص، هل هو شعر، أم رواية؟ الخ.([25])
     ولقد أكد روبرت شولز بأن التناص" اصطلاح يحمل معاني وثيقة الخصوصية، تختلف بين ناقد وآخر، والمبدأ العام فيه أن النصوص تشير إلى نصوص أخرى مثلما أن الإشارات تشير إلى إشارات أخرى، وليس إلى الأشياء المعينة مباشرة، والفنان يكتب ويرسم لا من الطبيعة، وإنما من وسائل أسلافه في تحويل الطبيعة إلى نص آخر، ليجسد المدلولات سواء وعى الكاتب بذلك أو لم يع"([26]).             
     و" يجب أن نلحظ أن (رولان بارت) كان يتحفظ كثيراً أمام مصطلح كريستيفا، ومن هنا ظهر غياب لكلمة (تناص) عند رولان بارت من كتابه ( س/ ز s/z) برغم أن كتابه يعد في جزء منه تأملاً في الطابع التناصي للمقروءات الأدبية. فلم تذكر الكلمة عنده إلا في كتابه (لذة النص) سنة 1973. إذ يتحدث عن النص بوصفه (جيولوجيا كتابات)، وقراءة (ألتوسر althuser) –على هذا النحو- تصبح فناً لكشف ما لا ينكشف في النص نفسه، بتحديد علاقته مع نص حاضر لغياب ضروري في الأول، ويعلن ستاروبنسكي أنه بالرجوع إلى قوانين (دي سوسير) يتبين أن (كل نص هو إنتاج منتج). ويذكر (جان جوزيف) أن الإنتاج التناصي يثير من جديد مصطلحاً آخر ساذجاً هو مصطلح (المرجع Referent) إذ الكتابة لا ترتبط بمرجع، ولكن بكتابة أخرى، كتابة تعتمد العلامات الاجتماعية الكلية كوسيلة استشهاد لها"([27]).
     ويرى (ليتش) أن النص " ليس ذاتاً مستقلة أو مادة موحدة، ولكنه سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى. ونظامه اللغوي مع قواعده ومعجمه جميعاً تسحب إليها كماً من الآثار والمقتطفات من التاريخ، ولهذا فإن النص يشبه في معطاه جيش خلاص ثقافي بمجموعات لا تحصر من الأفكار والمعتقدات والإرجاعات التي لا تتآلف. إن شجرة نسب النص حتماً لشبكة غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً أو لا شعورياً. والموروث يبرز في حالة تهيج، وكل نص حتماً: نص متداخل"([28]).
      ويقترح " (تودروف) تسمية عملية إنتاج نص انطلاقا‎ً من نص آخر (تعليقاً) كنوع من تسهيل الفهم.وعلى هذا يقوم (التعليق)على إقامة علاقة بين النص الخاضع للتحليل، وبقية العناصر التي تشكل سياقه… ويذكر سياقين يمكن الاستناد إليهما عند قراءة صفحة ما وهما السياق (الأيديولوجي) الذي يتشكل من مجموعة خطابات تنتمي إلى عصرٍ بعينه، سواء في ذلك أكان الخطاب فلسفياً، أم سياسياً، أم علمياً، أم دينياً، أم جمالياً، أم كان منتمياً للواقع الاجتماعي والاقتصادي وهذا السياق برغم تزامنه فإنه يتميز بعدم التجانس وبرغم معاصرته فليس أدبياً. ويمكن أن نطلق عليه – لهذه الأسباب – (السياق التاريخي) وإن كان هناك تحفظ على هذا الإطلاق، لأنه يستبعد من دائرته البعد الزمني.
     أما السياق الثاني فهو ما يسمى بالسياق (الأدبي) حيث يقصد به المأثور الأدبي الذي يتوازى مع ذاكرة الكتاب والقراء، حيث يتبلور في (الأعراف النوعية) و(الأنماط السردية) بما فيها من خواص أسلوبية شائعة، وصور ثابتة، فهو سياق تعاقبي ومتجانس في نفس الوقت" ([29]).
     وخلاصة القول فإن النص (أي نص) محكوم حتماً بالتناص (أي بالتداخل مع نصوص أخرى)، أو كما يقول محمد مفتاح:- "فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة"([30]). و" يتوالد عن نصوص أخرى (أي أن المرجعية الوحيدة للنص هي النصوص). وهو حين ينبثق أو يتداخل أو يتعالق مع نصوص أخرى فإن هذا لا يعني الاعتماد عليها أو محاكاتها، بل إن التناص يتجسد من خلال المخالفة أو المعارضة أو التنافس مع نصوص أخرى، وهذا يعني أن التناص يتجسد من خلال صراع النص مع نصوص أخرى. ولا يتداخل مع نصوص قديمة فقط، بل قد يتم ذلك من خلال نص يتضمن ما يجعله قادراً على التداخل أو التنافس مع نصوص آنية أي مع نصوص مستقبلية"([31])، ويمكن توضيح ذلك بالقول بأن اليوم الأول من حياتنا هو اليوم الأول في الاتجاه إلى الموت في آنٍ واحد. وهذا ما يفسر مقولة جاك دريدا "في البدء كان الاختلاف"([32]) وبهذا المعنى فإن التناص لا يرادف – بحال - فكرة السرقات الأدبية([33]). وهو لا يأخذ من نصوص سابقة بل يأخذ ويعطي في آن واحد ومن ثم فإن النص الآتي قد يمنح النصوص القديمة "تفسيرات" جديدة ويظهرها بحلة جديدة كانت خافية أو لم يكن من الممكن رؤيتها لولا التناص([34])".
     وتتحدد آلية التناص من خلال مفهومين أساسيين هما: " الاستدعاء، والتحويل. أي أن النص الأدبي لا يتم إبداعه (الأدق هنا أن نقول كتابته) من خلال رؤية الكاتب/الفنان، بل تتم ولادته/ تكونه من خلال نصوص أدبية/ فنية أخرى. مما يجعل التناص يشكل من مجموع استدعاءات خارج - نصية، يتم إدماجها وفق شروط بنيوية خاضعة للنص الجديد. ثم إن النص المدمج يخضع من جهة ثانية لعملية تحويلية لأن التناص ليس مجرد تجميع مبهم وعجيب للتأثيرات. فداخل الكتابة تقوم عملية جد معقدة في صهر وإذابة مختلف النصوص والحقول المدمجة مع النص المتشكل"([35]).
     استناداً إلى هذين المفهومين: الاستدعاء/ والتحويل. " لا ينبغي النظر إلى لغة العمل الأدبي كلغة تواصل، بل كلغة إنتاجية منفتحة على (مراجع) خارج – نصية "(نصوص أدبية، فكرية، دينية، فنية، أيديولوجية…الخ) وهذه الإنتاجية لا يمكن إدراكها إلا في مستوى التناص، أي في تقاطع التغيير المتبادل للوحدات المنتمية لنصوص مختلفة وفي مستوى آخر…([36])".
     كما يختلف التناص عن النقد البنيوي في عدة أمور منها:
        ·"  البنيوية والتي يقف السويسري دي سوسير على صدارتها تنطلق من وجود بنية للنص تجعل من العمل الأدبي عملاً أدبياً، سواء أكانت هذه البنية خفية أو تحتية في نظام معين. والتناص يهدف إلى تحطيم فكرة بنية النص أو المركز أو النظام أو الحدود.
        ·ترى البنيوية أن النص نظام في عصر محدد، كيان منته في الزمان - أي آني كما قال سوسير (Synchronic) - والمكان أي تزامني ومغلق وثابت وساكن لذلك يمكن به دراسة عصر محدد، وهو وفق التناص تعاقبي تاريخي متحرك مفتوح متغير متجدد يعتبر اللغة من حيث ترابط العناصر بين فترات تاريخية مختلفة (Diachronic).
        ·تركز البنيوية على ثنائية الكتابة/ القراءة، وترى أن النص يقرأ القارئ، والكاتب الفعلي للنص هو القارئ. والتناص لا يعترف بكل الثنائيات المتداولة، وإذا ركز على الكتابة/ القراءة فإنه ينظر إلى أطراف هذه المعادلة على أنها حلقات متتابعة (لا متقابلة) في سلسلة طويلة لا نهاية لها: أي ينظر إلى تواصل فعل القراءة واستمراره، هذا التواصل يؤكد على أن النص يتضمن تأويلات متباينة متناقضة وهو ما ينفي – مرة أخرى فكرة البنية أو النظام أو المركز أو الشكل أو الفواصل بين نص وآخر.
        ·ينطلق البنيويون من مقدمات محددة تتوخى أهدافاً نقدية محددة.
        ·تتعامل البنيوية مع العمل الأدبي على أن له وجوده الخاص وبالتالي فإن مهمة الناقد هي التركيز على الجوهر الداخلي للنص أو بنيته العميقة من خلال التحليل المنهجي المنظم، فهي التي تجعل من العمل الأدبي عملاً أدبياً وتساعد في التعرف على قوانين التعبير الأدبي أي خصائص الأثر الأدبي. ويضيفون بأن الأدب مستقل فموضوع الأدب هو الأدب نفسه.
        ·لا يعترف البنيويون بالبعد التاريخي أو التطوري للأدب إذ يرون بأن اللغة نظام من الإشارات (signs) والدلالات التي تولد في النص وتعيش فيه ولا صلة لها بخارج النص، لهذا يعتبرون أية دراسة ذات منظور تطوري أو تعاقبي معوقة لجهود الناقد الراغب في اكتشاف الأبنية والأنساق الأساسية التي ينطوي عليها العمل والتي تتطلب  دراسة من منظور تزامني (قار).
- لا يعترفون أيضاً بالبعد الذاتي أو الاجتماعي للأدب لأنهم يعرفون الأدب بأنه كيان لغوي، جسد لغوي، مجموعة من الأفعال النحوية، مجموعة من الجمل النحوية، بل إن الكلام الأدبي ككل كلام واقع ألسني أي مجموعة من الجمل لها وحداتها المميزة وقواعدها ونحوها ودلالتها.
- يتعامل البنيويون مع النص الأدبي كما يتعاملون مع الجملة، فالجملة كما هي متفق عليها ألسنياً قابلة للوصف على عدة مستويات (صوتية، تركيبية، دلالية) ورولان بارت أحد رواد النقد البنيوي يعرف القصة بأنها مجموعة من الجمل.
- ويختلف التناص عن الأدب المقارن من حيث المنطلقات والأهداف وإن بدا للوهلة الأولى أن هناك تداخلاً بين هذين المجالين. فالأدب المقارن يهتم ببيان مواطن التأثير والتأثر بين النصوص الأدبية التي تنتمي إلى أمم متباينة، وتكتب بلغات مختلفة، ولهذا فالأدب المقارن يهتم بالزمان والمكان وثقافة الكاتب وسيرته واللغات التي يتقنها كما يهتم بوجود صلة أو وسيط بين النصوص المقارنة. كما أن الأدب المقارن يبحث عن "تفاعل" النصوص من أجل الوصول إلى أصول الأفكار ومن ثم إلى تجسيد القاسم الإنساني المشترك في التحليل الأخير.
- التناص حين ينظر إلى ولادة النص وقراءته/ نقده من خلال "مرجعية وحيدة " (وإن تكن غير محددة) هي النصوص وتفاعلاتها فإنه لا يلتقي البتة – بل يحطم - أسس النقد الماركسي بتياراته المتعددة. فالتناص لا يهتم ولا يستند إلى مقولات البناء التحتي والبناء الفوقي إذ هو ضد فكرة البناء أصلاً، وإذا كان النقد الماركسي ينفي فكرة انغلاق النص وثباته وتزامنيته ويرى أن النص متحرك متجدد متغير بتغير البناء الاجتماعي فإن التناص يلغي أي أثر للعلاقات الاجتماعية في تشكيل النص وفهمه وتحليله ونقده.
- يختلف التناص عن النقد السيري Autobiography حيث يرى التناص أن النص يتوالد من النصوص الأخرى ويهدف إلى إظهار النص وكأنه بدون باث. فمن الطبيعي ألا يهتم – بل هو يهدف في الحقيقة إلى إلغاء الاهتمام - بالبحث عن سيرة الكاتب وثقافته وعصره وأيديولوجيته ولوحته النفسية ونواياه ومقاصده. فكل هذه الأمور لا تمت إلى النص بصلة.
ولهذا يمكن القول بأن التناص لا يلتقي مع مقولة " الشعر فيضٌ تلقائي لمشاعر قوية "(وردزورث)، أو مقولة "الخيال الأولي والخيال الثانوي "(كوليردج). أي أن التناص يلغي مقولات نظرية التعبير برمتها كما يدمر مقولات النقد السيري كلها"([37]).
     وشعرنا المعاصر عرف صورة من علاقة الشاعر بالتراث لم يسبق له أن عرفها في تاريخه الطويل وهذه الصورة هي ما يمكن أن نطلق عليها: توظيف التراث بمعنى استخدام معطياته استخداماً فنياً إيحائياً وتوظيفها رمزياً لحمل الأبعاد المعاصرة للرؤية الشعرية للشاعر، بحيث يسقط الشاعر على معطيات التراث ملامح معاناته الخاصة فتصبح هذه المعطيات معطيات تراثية معاصرة تعبر عن أشد هموم الشاعر المعاصر خصوصية ومعاصرة في الوقت الذي تحمل فيه كل عراقة التراث وكل أصالته وبهذا تغدو كل عناصر التراث خيوطاً أصيلة من نسيج الرؤية الشعرية المعاصرة وليست شيئاً مقحماً عليها أو مفروضاً عليها من الخارج.
     وفي هذا الإطار الجديد بين الشاعر والتراث تصبح هذه العلاقة أكثر ثراءً وعمقاً فهي علاقة قائمة على تبادل العطاء، يأخذ الشاعر من تراثه ويعطيه يسترفده ويرفده. وبهذا تغني التجربة الشعرية والتراث كلاهما فإذا كان الشاعر المعاصر يسترفد تراثه وأدوات وعناصر ومعطيات يوظفها لتجسيد رؤيته المعاصرة فإنه يثري هذه العناصر التراثية بما يكتشفه فيها من دلالات إيحائية وبما تفجره فيها من قدرات متجددة بحيث ترتد هذه العناصر أكثر غنى وحيوية وتجدداً وقدرة على البقاء([38])".
     ولقد استخدمت الشاعرات التناص ولكن ليس بكثافة داخل نسيج نصوصهن حيث جاءت نصوص الشاعرة بتناصات استخدمت فيها آلية الاستدعاء وأحياناً التحويل، التي جاءت مندمجة ومتفاعلة مع بنية النص المفتوحة بمستوياتها المختلفة واللامتناهية وفقاً لدلالتها الكلية، والشاعرات يملكن آليات استدعاء متعددة يتخيرن منها ما يتلاءم مع بنية النص بحيث يمكن لآلية الاستدعاء نفسها أن يكون لها دور دلالي داخل السياق، ولقد استدعين عدداً من العناصر التراثية ووظفنها وحولنها في شعرهن منها الشخصيات والتاريخ. وبالنسبة للتناص عندهن فلقد تنوعت مصادره وتعددت غاياته. ومن أبرز مظاهر التناص ودلالاته في شعرهن:


1-التناص مع التراث الشعبي ( الفلكلور) (*[39])
     يعتبر التناص مع الموروث الشعبي من أنواع التناص الغالبة على شعر الشاعرات. ولعل المرأة ومن خلال ما تقوم به من دور في الغناء للطفل، وفي المناسبات. فإنها تحفظ عن أمها وجدتها كثيراً من التراث. بالإضافة إلى اهتمام الشاعرات به وبقيمة التناص معه، حيث لم يتم التناص معه اعتباطاً، وإنما بغية الهدف الذي ترسمه الشاعرة له في نقد الواقع الاجتماعي الأليم. ولقد تنوعت أشكال هذا التناص عندهن من المثل. إلى الأغنية الشعبية، والحكاية الشعبية، والألعاب الشعبية.
 ا – الحكمة
     لجأت الشاعرة واتكأت على المثل الشعبي (*[40])، والمثل خلاصة التجربة والخبرة الشعبية، والأفـراد تتداول فكرة أنه ما من مثل قيل وكان كذباً، وهو بذلك يستمد قوة الصدق من تلك الأمثال لتأكيد صدق فكرته.
     توظف (عايدة حسنين) المثل ( الشمس ما بتتغطى بمنخل)، تقول:
بعيداً عن الظل...
بأرجلنا نحفر العلقم!
يغطّي شمسنا المنخل ( عايدة حسنين، رؤى الياسمين، نار، ص17)
     لقد لجأت الشاعرة إلى التناص مع المثل الشعبي السابق عن طريق إحداث المفارقة في النهاية، فإذا كان المثل يريد أن يقول أن الحقيقة لا تخفى كما الشمس لا تخفى ولا نستطيع أن نغطيها بمنخل، فإنها لا بد أن تتسرب خطوط النور والحقيقة منه. فإن (عايدة حسنين) تقول إن المرأة تعيش في الظل، ويعمل المجتمع على تغطية حقيقتها ورغبتها بالحضور في المجتمع.
وتتناص (ميّ صايغ) مع الأمثال الشعبية، تقول:
ردي الشـبـاك الغـربـي الأخـضـر                             
ردي الأسـتــار      
للجدران عيون.. آذان تصغي للأسـرار
                                    (مي صايغ: قصائد حب لاسم مطارد، أبي على القائمة السوداء، ص69)
     وهي هنا تتناص مع المثل ( الحيطان إلها ودان)، ولذلك تدعو الشاعرة إلى إغلاق كل شيء عن طريق تكرار الدال (ردي)، وهي لا تكتفي بأن للجدران آذاناً، بل ترى أن لها عيوناً أيضاً، فهي ترى وتسمع ولذلك كان لابد من تشديد عملية الإغلاق.
  ب - الأغاني الشعبية
     ولقد استعانت بعض الشاعرات في دواوينهن بالأغنية الشعبية والفلكلورية، وهي تراث قريب حي، لكي يتخففن من همومهن ومن الحاضر ومشكلاته، ففيها يشعرن وكأنهن يستثرن الوجدان الشعبي، ويدفعنه للوقوف في صفهن والتعاطف معهن، وبه يكسرن الحائط الرابع بينهن وبين المتلقين ويشركونهم معهن في همهن. مستعينات بعفوية الأغنية الشعبية وعفوية الأفراد في ترديدهم إياها دون إدراك لدرجة الحماسة العالية التي تدفعهم إليها الأغنية. تقول الشاعرة (عطاف جانم):
أدراجكِ/ المثقلات بآنية العطر والكحل
طهرك، أسوار بيتك، حتى ستائره الداخلية،
والمرتبات تغنيك/ "سبل عيونو"
وترتج أهدابها بالصلاة/ وينساب نعشك بين الأحبة والورد والطالبات وحشد
الزميلات مثل الهديل/ رخيّا... رضيّا... مريّا
إلى موعد مع إله جليل (عطاف جانم، ندم الشجرة، فكيف أواجه موتك وحدي!!، ص 32-33)
     تتناص (عطاف جانم) مع الأغنية الشعبية ذات النغم والطابع الحزين (سبل عيونو)(*[41]) والتي تغنى في الأعراس في ليلة الحنة التي تسبق يوم العرس وانتقال العروس إلى منزل زوجها تأثراً بخروج العروس من منزل أهلها. وقد وظفتها الشاعرة في الغناء للشهيد/ة، فلقد توفيت أختها سميرة في الإمارات وتركتها وحيدة هناك. ولقد صورت الشاعرة الحزن ينتشر حتى باتت كل أجزاء منزلها تشاركهم الحزن على الفقيدة عند إخراجها للدفن. وهي تصور نفسها وزميلات أختها وطالباتها وحشداً من أحبتها، وهن يحملن نعشها ويدعين لها، ويغنين لها وكأنها في موتها في تلك الغربة تموت موت الشهداء.
     وقد وظفت الشاعرات الأغاني المشهورة للمطربة العربية المعروفة (فيروز)، إيماناً منهن بأهمية دور الأغنية، حيث تناصت (منى عادل ظاهر) في نصها ( فيروز وقمح (1))([42]) مع أغنية (قمح) للمغنية اللبنانية فيروز، وكتبت في ملاحظتها على النص هذه القصيدة من وحي موسيقى (قمح)، من شريط السيدة (فيروز) الغنائي بعنوان (مش كاين هيك تكون).
ح- الحكاية الشعبية
      و"الحكايات الشعبية شكل قديم من أشكال الأدب الشعبي يعود إلى آلاف السنين"([43]). ولقد سمعتها الشاعرة من جدتها وأمها ولكنها وظفتها بما يتناسب مع تجربتها الشعرية الواقعية وفيها تستعير بعض الكائنات العجيبة من الحكايات الخرافية الشعبية الرمزية.
     لما كانت المرأة تقوم بعملية الحكي، وتقترن الحكايات بها، فلقد كانت الحكايات من أكثر المصادر التي استدعتها الشاعرة موظفة إياها في نصها. ومنها القرين (الأخ اللي تحت)، أو (الهو) وهي فكرة شائعة في الأدب الشعبي في كل مكان، وهو كالهامة التي يحكي عنها العرب تُذكِّر دائماً بما مضى، وتحث أصحابها على الأخذ بالثأر بعد موت صاحبها، تقول:
لقد قيل إن لكل قتيل قرين
يهوم في الأفق في كل حين
ويدخل لفافة التبغ، يركب في "الباص" معنا
يعشش بين المسام (عطاف جانم، لزمان سيجيء، لمن ستنزف العروس الجميلة، ص38)
     إنه يعيش معهم في كل مكان يذكرهم، ويلح عليهم أن يأخذوا بالثأر.
     ومن الحكايات التي تحمل حساً أنثوياً وغالباً ما كانت الجدات والأمهات يحكينها، حكايات عروس البحر، السندباد، شهرزاد، وليلى والذئب. وقد وظفت (روز شوملي) عروس البحر، وقد أنثت لفظ عروس، تقول:
وقالت: أسكن هذا المعبد/ وأكون عروسة البحر
أنا الطفلة الصغيرة/ رفيقة البحر الكبير
سيكون بيتي هيكلاً للحرية/ ومنبعاً للفكر
أنا عروسة البحر/ الطفلة الصغيرة
رفيقة البحر الكبير (روز شوملي، للحكاية وجه آخر، بيروت، ص43)
        ووظفتها (ريتا عودة) في نص بعنوان (عروس البحر)([44]) حيث جعلتها تفر من الوطن إلى الإنسان الفلسطيني في منفاه تحمل له كل معاني الشوق إلى الوطن.
     ومن التناصات الأنثوية ذلك التناص مع شهرزاد، تقول (ريتا عودة):
تريدني شهرزاد/ تقرأ لك كل ليلة
قصة .. من قصص ألف ليلة وليلة!( ريتا عودة، ثورة على الصمت، رسالة، ص67)
     وترفض (ريتا عودة) ذلك الدور الذي كانت تقوم به شهرزاد مع شهريار، حيث تعمل على تسليته عن طريق الحكايات التي تحكيها له، وهو يستمع ويستمتع، فهي ترفض ذلك السيف الذي كان مسلطاً على رقبة شهرزاد، مما جعلها تحكي لشهريار في كل يوم حكاية ذكورية وفق ما يعجبه حتى تحمي عنقها. وبذلك عاشت وأنجبت منه ذلك بعد أن كان يتزوج في كل يوم واحدة ويعمل على قتلها.
وفي نص آخر تتناص مع شهرزاد، تقول:
     وانداح ستر الليل عن نزف
والجرح جرحي/ والدماء دمائي
أي شهريار سمعتها ألفاً/ وألف حكاية
وتموت قصتنا/ على شفاه الرواية ( أنيسة درويش، من منكم حبيبي، ألف حكاية، ص81)
     ولكن (أنيسة درويش) لا تفيدها وسيلة (شهرزاد/المرأة)، في الاحتماء من (شهريار/الرجل)، باستخدام الحكاية في كل ليلة ففي الليلة بعد الألف ليلة وليلة قالت وسال دمها، ولم يعد لها ذكر ولا حتى في القصص والروايات.
     وتتناص (أنيسة درويش) مع قصة الأميرة النائمة في نص بعنوان (الأميرة النائمة)، تقول: والتقينا/ وتختلط البداية بالنهاية
صور الماضي وأحلام الصبايا/ والحكايا
أي سحر في تلك الحكايا/ وتدور أحداث الرواية
تجرفنا/ إلى بحر الخبايا
آه وضحكات وعتبى/ وغواية
وأنا الأميرة/ من عصر ما قبل العصور
تجمدت منى شفايا/ أذني صمت
من عهد ما قبل الخطيئة/ والهداية
وتأتيني أميراً في خبايا
تهزني بعصاك كي أصحو/ وتكون لنا حكاية
لكنني خلطت من لهفي
د- الألعاب الشعبية
     وللألعاب الشعبية نصيب في التناصات حيث تشير (روز شوملي) إلى لعبة البيت التي يلعبها الأطفال، حيث يقيم الأطفال بيوتاً يحاولون فيها الاقتراب من واقع حياة الكبار، ويحاولون تقسيم البيت إلى غرف، وتقسيم أنفسهم إلى أزواج وزوجات وجيران. يطلقون على هذه اللعبة ( بيت بيوت، أو ناس وناس)، تقول:
الصخرة نحتت رؤى مستحيلة


([1]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، المطبعة الأميرية، مصر، ج2، ط3، 1923، ص 319، مادة (نصص).  انظر: مادة (نصص) الزمخشري، أساس البلاغة، كتاب الشعب، سنة 1960. وابن منظور، لسان العرب، دار المعارف بمصر.وابن سيدة، المخصص، دار الآفاق الجديدة، بيروت: السفر السابع (باب سير الإبل). ومجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مصر، 1961، 2/934.
([2]) شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، ص167.
([3]) محمد فكري الجزار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998، ص 24، عن تيري إيجلتون، مقدمة في نظرية الأدب، ت. أحمد حسان، هيئة قصور الثقافة، سبتمبر، 1961، ص167- 168.
([4]) عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية، ص321 بتصرف. نقله بشيء من التصرف عن Todorov: Introduction to poetics.
([5]) تودروف، الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال، المغرب، 1987، ص42-43.
([6])  شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، ص174.
([7]) انظر: مارك أنجينو، مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد، في أصول الخطاب النقدي الجديد، ترجمة وتقديم أحمد المديني، دار الشئون الثقافية، سلسلة المائة كتاب، بغداد- العراق، ط1، 1987، ص 102.
انظر أيضاً : Michael Worton and Judith Still, ( eds.)  Intertextuality, Theories and Practices, Manchester University Press, Manchester and New York,U.S.A. 1990,P.1.
(*) في هذا المستوى نحن لا نمييز بين النفي والتناقض والتعارض.
(**) تصحيفات سوسير عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تركها ونشرت بعد وفاته، وفيها يتعرض لأول مرة لدراسة النص الأدبي، بحيث اعتبرها بعض النقاد والمنظرين نقلة نحو لسانيات تتجاوز الجملة لتدرس النص الأدبي( المترجم).
([8]) جوليا كريسطيفا، علم النص، ترجمة فريد الزاهي، مراجعة عبد الجليل ناظم، دار توبقال، المغرب، ط2، 1997، ص78 –79، بتصرف.
([9])مارك أنجينو، في أصول الخطاب النقدي الجديد، (مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد)، ترجمة أحمد المديني، ص103-105، 90، بتصرف.
([10]) Worton and Still., Riffat
([11])Riffaterre, The intertextual….,p.374.
([12])Worton and Still,p.70.
([13])Ibid,p.26.
([14])Riffaterre, the Intertextual.
([15])Ibid .
([16])Worton and still,P.58.
([17])Riffaterrer, The Intertextual
([18])Worton and Stil.,p.70.
([19])Intertextuality, trams ference and the Language of love”.p…85. Sean Hand " Missing 
([20]) فاطمة قنديل، التناص في شعر السبعينات ( دراسة تمثيلية)، سلسلة كتابات نقدية، ع86، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1999.
بتصرف، ص 87-91.
([21]) انظر جيرار جنيت (مدخل لجامع النص) ترجمة عبد الرحمن أيوب، دار النشر، دار توبقال للنشر، المغرب، ط3، 1986، ص90.
([22]) فاطمة قنديل، التناص في شعر السبعينات، ص91.
([23]) المرجع السابق، ص92.
([24]) د.محمد مفتاح، دينامية النص( تنظير وإنجاز )، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط2، 1990، ص82.
([25]) فاطمة قنديل، التناص في شعر السبعينات، ص91-95، عن وليد الخشاب:دراسات في تعدي النص، ص28.
([26]) عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية، ص320-321.
([27]) محمد عبد المطلب، قضايا الحداثة عند عبد القادر الجرجاني، ط1، 1990، ص134- 135 بتصرف.
([28]) عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية، ص321 عن Leitch: Deconstructive Criticism.
([29]) ت. تودروف، نقد النقد، ترجمة سامي سويدان، منشورات مركز الإنماء، بيروت، ص 104.
([30]) محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري - استراتيجية التناص -، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط2، 1986.ص 121.
([31]) عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، بتصرف من الفصلين الأول والسادس.
([32]) جاك دريدا، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جواد، دار توبقال، الدار البيضاء، 1988، ص31.
([33]) عبد الملك مرتاض، فكرة السرقات الأدبية ونظرية التناص، مجلة علامات، جدة، المجلد الأول، مايو/ آيار 1991، ص84.
([34]) عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، بتصرف من الفصلين الأول والسادس.
([35]) المرجع السابق عن زهور لحزام، مجلة الناقد، آلية التناص، عدد 20، ديسمبر 1990، ص59.
([36]) شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، ص160-161.
([37] ) شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، ص167.
([38]) علي عشري زايد، توظيف التراث العربي في شعرنا المعاصر، دراسة بمجلة فصول المجلد الأول، العدد الأول، 1980، ص24.
(*[39]) الفلكلور: مصطلح عالمي وكان أول من صاغه واستعمله وليام جون تومز الإنجليزي عام 1845. وكان في أول أمره تطوراً للآثار التي ظلت محصورة في البقايا المادية للأمم على اختلاف مراحلها وعصورها. ورأى تومز أن هذه المخلفات لا يمكن أن تحكي وحدها الإطار الحضاري فأضاف العناصر الباقية والمستخدمة في الحياة اليومية.
    وما لبث هذا المصطلح أن استخدمه العلماء في أنحاء كثيرة من العالم… وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي استخدمت وأشاعت هذا المصطلح. وظل الألمان يستخدمون مصطلحاً آخر هو Volkskunde فترة من الزمن، كما أن الفرنسيين آثروا في تلك المرحلة استعمال صيغة دارج Populaire لتعني " شعبياً ".
     والمعنى الحرفي لهذا المصطلح هو حكمة الشعب. وأصبح يدل في الأوساط المختلفة على مدلولين: الأول: العلم الخاص بالمأثورات الشعبية، من حيث أشكالها ومضامينها ووظائفها، والثاني: المادة الباقية والحية، التي تتوسل بالكلمة والحركة والإيقاع وتشكيل المادة.
     وكانت في المراحل الأولى لاستخدام مصطلح الفولكلور مقصورة على العادات والتقاليد والآداب والفنون الزمنية الشعبية، كالموسيقى والرقص، ثم أصبحت تستوعب أيضاً المواد المشكلة التي يحكم عليها بأنها شعبية خصوصاً التي لها وظائف حيوية واجتماعية كالنقوش والصور والتماثيل والعمارة. وبعض الدارسين يرى أن الحرف والصناعات اليدوية المتداولة تدخل في مجال الفولكلور.
     ولقد أصبح للدراسات الفولكلورية مناهجها الخاصة بها، والتي تفيد من نتائج الأبحاث الاجتماعية والأنثروبولوجية إلى جانب العلوم الإنسانية الأخرى وهي تعين على محاولة الكشف عن تطور الثقافات والآداب والفنون في مختلف البيئات والمراحل. واشتهرت جمعيات خاصة بهذه الدراسات أو بالدعوة إلى الاهتمام بالعناصر والمواد الشعبية الحية.
     ولا يزال العالم العربي يحاول الاتفاق على معنى محدد لتك المواد والآثار الشعبية الحية. ورأى بعض العلماء ترجمة مصطلح الفولكلور، ومنهم من فضل التراث الشعبي ومنهم من استخدم المأثور الشعبي. ومنهم من يطلق مصطلح الفنون الشعبية على ما تعنيه الآن صيغة الفولكلور. ومع ذلك فإن المتخصصين يفضلون استخدام هذا المصطلح العالمي.
     ومهما اختلفت مناهج الدارسين فإنهم يتفقون على كشف عناصر المأثورات الشعبية. والفولكلور يشمل كل إبداع تقليدي لشعب من الشعوب سواء كان بدائياً أو متحضراً. وهذا الإبداع يتحقق باستخدام الأصوات والكلمات شعراً ونثراً، كما يضم المعتقدات الشعبية أو الخرافات والعادات والممارسات والرقصات والألعاب الشعبية. والفولكلور في جوهره ليس علماً بالمفهوم الخاص عن شعب معين. بل إن مادته هي العلم الشعبي التقليدي والشعر الشعبي. ويرى بعض علماء الأنثروبولوجيا أن مصطلح "فولكلور " قد أصبح يعني الأساطير والسير الشعبية والحكايات الشعبية والأمثال والألغاز والمنظومات الشعبية. إلى جانب أشكال أخرى تتوسل بالكلمة الشفوية. وهذا جعل بعض الدارسين يرون أن الفولكلور هو الفن الشفاهي أو الأدب الشعبي. ويركز بعض علماء الفولكلور اهتمامهم على العادات والمعتقدات والفنون والحرف والأزياء والأدوات المنزلية ووصفات لبعض الأدوية والأطعمة.
     والفولكلور عند بعض العلماء يرادف المعرفة الدارجة، وهو حصيلة ما تراكم من الخبرات والمعارف والممارسات عبر الأجيال مما يعد من قبيل الثقافة الشعبية والتقليدية، وهي تختلف عن المعرفة العلمية.
     وهكذا يمكن أن يقال إن علم الفولكلور هو ذلك الفرع من فروع المعرفة الإنسانية. الذي يهتم بجمع وتصنيف ودراسة المواد الفولكلورية بمنهج علمي لتفسير حياة الشعوب وثقافتها عبر العصور. ( عبد الحميد يونس، معجم الفلكلور، مكتبة لبنان، ط1، 1983، ص 172-173).
(*[40]) المثل: (  Proverb) مصطلح يدل على جنس أدبي شائع يوجد في تراث الأمم والشعوب على اختلاف عصورها ومراحلها. والمثل في اللغة العربية هو جملة من القول مقتطعة من كلام أو مرسلة بذاتها تنقل ممن وردت فيه إلى مشابهه بدون تغيير، لأن الأصل في المثل أنه الشبيه أو النظير.
     والمثل اصطلاحاً في مجال الأدب له جنسان: فهو يطلق على الحكاية التي ترمز إلى مغزاها بحيوان أو أكثر، وأشهر هذا الجنس في الأدب العربي هو حكايات كليلة ودمنة التي كان الملك الهندي دبشليم يطلب من بيدبا الفيلسوف أن يضرب له مثلاً ليستهدف حكمة أو يؤكد قيمة أخلاقية. أما الجنس الثاني فهو حكمة كثيرة الذيوع، وتتضمن ملاحظة عامة أو درساً مستفاداً أو صورة من اليسير أن تحفر لها مكاناً في ذاكرة الإنسان.
     والمثل السائر يوجد في الأدب الخاص وفي الأدب الشعبي ويتسم بالإيجاز والشيوع في وقت واحد، والمثل في البلاغة مجاز مركب. ولا بد من التمييز بين مورد المثل وبين مضرب المثل: فالأول ما يروى عن السبب في صياغة المثل لأول مرة ثم ذيوعه بين الناس. وليس من الضروري أن يكون هذا المورد مستخلصاً من الحياة اليومية أو من الأحداث الواقعية المشهورة، وما أكثر الأمثال، وبخاصة الشعبية منها التي تصدر عن موقف بعبارة عفوية وتنتشر. والمثل الشعبي يتوسل باللهجة العامية التي تختلف بين البيئات الثقافية، ومع ذلك فإن المثل قد يترجم من اللهجة العامية إلى الفصحى وقد يردده العامة مثلاً فصيحاً بصيغته أو بتحريف يسير. ومضرب المثل هو الموقف الذي يستدعي استخدامه للتبرير أو الإقناع، وهو يرتبط بالحافز على الاستشهاد به. وحياة المثل جعلته من أكثر الأجناس شيوعاً في المثل الشعبي.
    ولقد اهتم الكثيرون من الأدباء والعلماء بجمع الأمثال الشعبية وتصنيفها على حروف المعجم ومحاولة استخلاص مقوماتها ووظائفها وتدل هذه المجموعات على بقايا من نظم وعلاقات اجتماعية قد بادت من ذلك.
     ومن الأمثلة ما يستخدم تشخيصاً لحيوان كأن يقال " يا واخد القرد على ماله يروح المال ويفضل القرد على حاله ". ومن الأمثال الشعبية للعظة المباشرة " من طال عدوانه زال سلطانه ".
     وأظهرت الدراسة المقارنة لآداب الشعوب وجود طائفة من الأمثال تتردد بين أمم تباعدت بينها المراحل والديار، وليس من السهل إثبات تنقل هذه الأمثال من أمة إلى أخرى. وقد ترجح الدراسة نقل مجموعة من الأمثال من لغة إلى أخرى. كما أن مواقف كثيرة تتشابه فيحفز ذلك المجتمع إلى ترديد صورة واحدة أو مقاربة وإلى استخلاص حكمة متماثلة في بيئتين ثقافيتين أو عصرين متباعدين. ( عبد الحميد يونس، معجم الفلكلور، مكتبة لبنان، ط1، 1983، ص 192).
(*[41]) سبل عيونو
مد إيده يحنونه
وايش هالغزال راحوا يصيدونه
( ([42]منى ظاهر، ليلكيات، فيروز وقمح، ص 56-59.
([43]) طلال حرب، أولية النص نظرات في النقد والقصة والأسطورة والأدب الشعبي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1999، ص 121.
([44]) ريتا عودة، ومن لا يعرف ريتا!!!، عروس البحر، ص176.

Post a Comment

Previous Post Next Post