الجهود المبذولة لتفعيل مقتضيات الميثاق ميدانيا وفق بيداغوجيا الكفايات
لقد بذلت جهود قيمة بالفعل على امتداد السنوات الخمس الفارطة على مستوى تفعيل مقتضيات الميثاق ميدانيا ، حيث أصبح أساتذة مختلف المواد الدراسية ملزمون ببناء دروسهم وتنفيذها وفق بيداغوجيا الكفايات ، على أساس مجزوءات أو وحدات دراسية محددة ، من شأنها تحقيق الكفايات الخمس الأساسية التي سطرت في الميثاق .
لكن الملاحظ على مستوى الساحة العملية ، ومن خلال تتبع أعمال وأداء جل الأساتذة العاملين بالميدان ، سيما في المواد التي لم يسبق لها أن اشتغلت على بيداغوجيا الكفايات من قبل ، على غرار مادتي العلوم الطبيعية أو الفيزيائية مثلا ، والتي استطاعت أن تحقق تراكما نظريا ومعرفيا على الأقل ، هو ذلك الخلط والضبابية المسجلين وبجلاء على كافة المستويات المتعلقة بموضوع الكفايات كمدخل أساسي من مداخل إصلاح منظومتنا التربوية التعليمية ، نظريا ، ومعرفيا ، وتطبيقيا ، ناهيك عما لوحظ من حيرة وتخبط غير مسبوق على مستوى سبل تقويم تلك الكفايات المسطرة بشكل أقرب إلى العلمية ، وغياب نماذج عملية قابلة للتطبيق ميدانيا .
وإذا كان لحركة التأليف في موضوع الكفايات على مستوى الأدبيات التربوية دورها الإيجابي في طرح العديد من الأفكار والخلاصات ، وإثارة العديد من القضايا المرتبطة بالموضوع ، نظرا للكم المبارك من الكتب التي نزلت إلى الأسواق منذ أواخر القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، على الرغم من أن أغلبها مترجم عن لغات أخرى ، فإن ما يلاحظ على جلها ، هو تحرزهاعن طرح نماذج تطبيقية واضحة المعالم ، تسهم بشكل فعال في رفع كل لبس محتمل حول التطبيقات العملية لهذه البيداغوجيا داخل الفصول الدراسية ، ولعل مرد ذلك لخصوصيات المواد الدراسية من جهة ، وخصوصيات الأمم والشعوب التي تحاول الأخذ بهذه البيداغوجيا المستوردة بقضها و قضيضها دون تمحيص وإخضاع لخصوصياتها ، مما جعل الساحة شبه خالية من نموذج أو نماذج تراعي مثلا خصوصياتنا المميزة لنا كأمة مغربية أصيلة ذات قيم سامية ضاربة في عمق التاريخ ، وهو الأمر الذي قد يخلق نوعا من المعارضة لهذا النموذج لدى بعض الأساتذة أو المؤطرين ، إذ الإنسان عدو ما يجهله بالفطرة .
من هذا الجانب ـ في اعتقادنا المتواضع ـ كان مكمن الحيرة والتخبط الملاحظين على أداء جل السادة الأساتذة ميدانيا ، سيما وقد أصبحوا مطالبين بشكل رسمي باعتماد بيداغوجيا الكفايات في تخطط وتقديم وتقويم دروسهم ، وهو رد فعل طبيعي نتيجة غياب تكوين أكاديمي نظري وعملي مسبق حول هاته البيداغوجيا ، سواء خلال مراحل التكوين الأساسي ، أو المستمر أثناء الخدمة ، حيث وجدوا أنفسهم فجأة في خضم هذا المجال الواسع واليم المتلاطم دون سابق إعداد ، مما حدا ببعضهم إلى اتخاذ موقف سلبي من الكفايات بشكل أو بآخر ، ومع كل ذلك ، فقد كنا نلمس لديهم دائما كلما جمعتنا معهم ندوات أو ورشات عمل حول جانب من جوانبها النظرية أو التطبيقية ، تعطشا ورغبة ملحة في التقرب من هذه البيداغوجيا أكثر مع محاولات ناجحة لثلة منهم ، مما حدا بنا إلى الاقتناع أكثر بأنه كلما ازدادت معارفهم وخبراتهم بالجوانب النظرية والتطبيقية حول هذا المدخل ، كلما تحسن أداؤهم الديداكتيكي الميداني ، وزاد عطاؤهم العملي التطبيقي ، وتفاقم تعلقهم بها تبعا لذلك ، وبالتالي انعكس ذلك بالنتيجة على مردودية طلابهم بشكل ملحوظ ومباشر ، نتيجة تكسير البنية التقليدية التي درجوا عليها في تلقيهم لهذه المادة أو تلك ، والتي تفرضها هذه البيداغوجيا التي تجعل المتعلم في بؤرة عملية التعليم ، وتجعل من التعلم بشكل عام ، والتعلم الذاتي يشكل خاص جوهر النشاط والاهتمام داخل وخارج المدرسة ، فضلا عما يوظف فيها من وسائل وطرق وتقنيات  جديدة مما أنتجته التكنولوجيات ، تتناسب وحاجات وتطلعات المتعلمين في كل المستويات الدراسية .

Post a Comment

Previous Post Next Post