الثقافة و المجتمع
تنمو الثقافات وتتطور
عبر العصور المختلفة ويزداد التراث الثقافي ويتعقد نتيجة عوامل مختلفة، منها ما هو
داخل الثقافة ومنها ما هو خارجها. وتحدث بذلك في الثقافة عمليات اجتماعية عديدة
تقوم على التفاعل بين أجزائها أو بين الثقافات الأخرى. والتغير الاجتماعي سواء
أكان سريعا أو بطيئا مما يميز جميع المجتمعات قديمها وحديثها، فلقد تغير الجماعات
الإنسانية في حجمها وفي اقتصادياتها وفي التكوين الاجتماعي لها، وفي التركيز على
النواحي الدينية، وفي نمو العلم وظهور فلسفات جديدة، واتخاذ الحرب أشكالا جديدة،
وتفكك في النظام الأسري، وتطلع الأمم إلى الاستقلال والحرية، ولقد تغيرت المجتمعات
أيضا في عاداتها وفي طريقة استمتاعها، وفي نوع الحكم الذي ترنو إليه، وفي
أيديولوجياتها وفي محاولة التحكم في مصائرها وفي مقدراتها.
ولقد نظر البعض إلى بعض
المجتمعات على أنها جامدة غير متغيرة، ولكن الأمر نسبي على أي حال. فالتغير يحدث
في جميع المجتمعات على حد سواء، ولكنه يختلف في سرعته وفي اتساعه. ولقد كانت
المجتمعات القديمة تعيش على نمط واحد مستقر نقلته عبر الأجيال المختلفة دون تغيير
يذكر، واستمر ما تحت الشمس ثابتا لا يعتريه التغير، وسارت الحياة مجراها العادي
دون أن يحدث للثقافة تغيير يذكر. ولقد رأى أفراد هذه الثقافات القديمة تغيرات من
نوع معين لم تكن تلك التغيرات التي تحدث اختلافا في طرق الحياة. ولقد كانت هذه
الاختلافات كالزواج والميلاد والشيخوخة والمرض والحوادث، ولم يكن موجودا ذلك النوع
من التغير الذي نعني به التراكم التقدمي للثقافة. ثم ظهر العلم الحديث وغيره من
الأفكار الجديدة والمخترعات الحديثة في جميع نواحي الحياة، وبدا التغير مقوما هاما
من مقومات حياتنا في العصر الحاضر "وأصبح عامل التغير، العامل الذي يعم جميع
نواحي حياتنا الحاضرة".
لقد كان الإغريق وخاصة
أفلاطون وأرسطو هم الذين قدموا للعالم المفهوم القديم للمجتمع غير المتغير. ولقد
استمر هذا المفهوم يتحكم في الفكر الغربي حتى استطاع العلم الحديث أن يغير التفكير
تغييرا جذريا. ولقد كان التغير في نظر أفلاطون وأرسطو عرضيا وتافها ولذلك كانت
النظرة إلى المجتمعات نظرة جامدة ترمي إلى بقائها على حالها. ولقد رأى أفلاطون
الذي ساد في عصره الاضطراب والتغير أن ما يحتاج إليه المجتمع هو النظام والاستقرار
الاجتماعيان اللذان يؤسسان على العدل، إذ بدون العدل لا يبقى شيء أو يستمر.
ولقد كانت لهذه النظرة
الجديدة للتغير أثرها في الاعتراف بالمجهود الإنساني، إذ أعطت الفرد الإنساني أملا
في نتائج مجهداته، وحفزته إلى النضال والكفاح بعد أن كان يخضع قبل ذلك لنظام قدري
يستوي فيه الأمس واليوم والغد ويستوي فيه الواقع والأمل، ويحرم فيه الفرد من النظر
إلى مستقبله نظرة تحسن. فلقد كان الفرد في النظام القديم يقبل ما هو موجود ولا
يتطلع ببصره إلى ما بعده. ولكن النظرة الجديدة تفتح آفاقا جديدة فاستطاع الفرد
الإنساني أن يصل إلى الاكتشافات الجديدة والمخترعات العلمية. وأصبح المفهوم الحديث
للتقدم والتطور من الأعمال الإنسانية التي تثير الرغبات العظيمة والآمال الكبيرة.
Post a Comment