الفكر و التفكر
تعريف مفهوم الفكر هو البحث عن العلم واليقين والحركة من المعلوم
إلى المجهول أو الحركة من المطالب إلى المبادئ ومن المبادئ إلى المطالب فإذاً أساس
الفكر وجود تلك الحركة الذهنية التي تنطلق من المبادئ المعلومة إلى الأمور المجهولة
.
تعريف مفهوم التفكر وهو الذي يقع في المرتبة الثانية
بعد الفكر وهو من المعقولات الثانوية والفكر من المعقولات الأولية .
فاخذ في طبيعة التفكر تحريك الفكر إلى السمو والوصول
إلى المعرفة بأكثر مما كان عليه في التصور الأولي فالفكر ابتداءً يتحرك نحو أساس أن
هذا العالم له خالق ومدبر والتفكر ينتقل إلى ما وراء ذلك وهو الصعود إلى المراتب العـالية
كمـا في قـوله تعالى « ويتفكرون في خلق السموات والأرض »[1].
و قوله تعالى « إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون
»[2]
و
قوله تعالى « أفـلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها »[3] فان
مثل هذه الآيات ونحوها تطلنا على أن أساس
التفكر في ذات المعلول والفكر قائم على الحركة الفكرية من المبادئ المعلومة للانتقال
إلى الأمور المجهولة .
ويقع التفكر تارة في ذات الحقائق نفسها
كالتفكر في ذات النفس وما تحمله من طاقة وملكات وقوى متصارعة بعضها مع بعض فان التفكر
أساسه مفيد ولكن لو توصلنا إلى حقائق وأبعاد ما وراء ذلك كالتفكر في اصل البنان كما
في قوله تعالى « بلى قادرين على أن نسوي بنانه
»[4] ما هو دور البنان في الحياة الاجتماعية وثمرته .
أو التفكر في اصل الخلقة وما يتألف من خلايا
ومعرفة حقيقة الخلايا نفسها بالإضافة إلى دورها العملي وأثرها في مقام الاستخدام .
كما نجد القرآن يحركنا أيضاً الانطلاق إلى
العوالم الفلكية والمجرات
كما في قـوله تعالى « إن في خلق السموات »[5].
و في قوله تعالى « ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض »[6] و ان ما تمثله هذه العوالم والمجرات
لم تخلق على نحو المصادفة وإنما خلقت لأجل غاية وفائدة كما في قوله تعالى « ربنا ما
خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار »[7].
وقوله تعالى « أو لم يتفكروا في أنفسهم ما
خلق اللّه »[8] حيث إن ما تنطوي عليه النفس من القدرات والقوى مما يحير به فكر الإنسان
نفسه فكيف إذا قارنها مع عالم الحق فكيف الحال في حقيقة الحق سبحانه .
فان عالم الخلق إنما كان أداة للوصول إلى
عالم الحق فأمر سبحانه الانطلاق نحو هذا العالم الواسع فقال « انظروا ماذا في السماوات
والأرض »[9]. فليس وجود الإنسان همه علفه ها
وإنما عليه أن يتحرر في فكره وينطلق في تصوراته إلى معرفة تلك القوانين والسنن والتحرك
نحو نظام خلق السموات وما فيها والأرض وما عليها حتى يعلم أن كل وجود له خاصيته وحكمته
في وجوده فان كل خلق مهما بلغ من حجم صغير أو كبير إنما كان لفائدة ومصلحة في ذاته
لا يعلمها إلا خالقها ومدبرها كما أن اختلاف الصور وتباينها يدل على حصول مزايا وثمرات
لا يدركها إلا جاعلها .
Post a Comment