فشل تجربة تسويق التمويلات الإسلامية
لدى البنوك التقليدية
رافقت عملية
إطلاق المنتوجات البنكية البديلة وتسويقها لدى البنوك التقليدية بالمغرب العديد من
مظاهر القصور، نظرا لما واجهته منذ البداية من تعقيدات قانونية وأعباء ضريبية
مكلفة، كما أن الحملة الترويجية التي رافقت انطلاقها كانت محتشمة أو هزيلة، وكذا
الطريقة الفاترة التي لا ترقى إلى مستوى التفاعل الإيجابي في عرضها من قبل بعض
البنوك مع الراغبين في الحصول على تمويل بواسطتها، مما أفضى إلى نتيجة واقعية وهي
فشل التجربة فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف المالية والاجتماعية والتنموية المراد
تحقيقها من وراء إحداث هذه المنتجات، وفيما يلي سنتعرض أهم العوامل والمظاهر التي
أدت إلى هذا الفشل:
1- ضعف
الإطار القانوني المنظم للمنتجات البديلة:
من الملاحظ أن
تنزيل المنتجات البنكية البديلة ومقتضياتها القانونية جاءت في إطار الدورية التي
أصدرها بنك المغرب تحت رقم 33/و/2007 ، ومن المعلوم أن ما تتضمنه الدوريات من
مقتضيات لا ترقى إلى درجة القواعد القانونية الملزمة للبنوك ،حيث تبقى لها الحرية
في الأخذ بها أو عدم الأخذ بها [1]، حيث
لا يملك بنك المغرب من خلال الدورية المذكورة قوة إلزام المؤسسات البنكية بتطبيقها
واحترام مضمونها ، وإن كنا لا ننكر ما لهذه التوصية من أهمية ومساهمة في خلق نماذج
من عقود جديدة يمكن أن تكون مفتاحا لما يمكن أن يعتمد كتشريع حقيقي في تنظيم
المعاملات والعقود المالية مستقبلا[2].
وعليه؛ فإن
الإطار القانوني السليم الذي كان يجب أن تخرج فيه إلى الوجود هو إما تعديل القانون
البنكي المغربي لتضاف إليه، أو إصدار قانون جديد خاص بهذه المنتجات، وإما على
الأقل إصدار مرسوم وزاري ينظمها على غرار الطريقة التي تم بها اعتماد جمعيات
القروض الصغرى، وبالتالي فإن الإطار القانوني يشكك أولا في النوايا من وراء إحداث
هذه المنتجات، ويفسر من جهة أخرى مآل هاته المنتجات الذي هو الفشل[3].
2- تسويق
المنتجات البديلة والدعاية لها بشكل محتشم ومغرض.
جرت العادة أن
البنوك حينما تطلق منتوجا جديدا، تشن حملة إشهارية لترويجه وإقناع الناس بنجاعته،
وقبل ذلك تقوم بتكوين الأطر البنكية التي ستوكل لها مهمة تنفيذ عمليات هذا المنتوج
الجديد، حيث يفترض أن يقوم أي بنك وهو ينشد استقطاب شريحة جديدة من الناس للتعامل
مع أي منتوج جديد بحملات إشهارية غاية في الإخراج للتأثير على العملاء وتوجيههم
للإقبال عليه، فالتسويق والإشهار يعدان مرتكزا أساسيا ضمن استراتيجية المؤسسات
البنكية باعتبارها طرفا تجاريا يهدف إلى تحقيق الربح من وراء تجنيد وكالات الإشهار
والتعاقد مع وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة، وإنفاق مبالغ ضخمة لتسويق
خدماتها .
كما تعمل البنوك
أيضا على تتبع حملاتها الإعلانية لمعرفة مدى استجابة الناس لها، إذ تعمل على تعديل
مضمونها متى كانت الاستجابة ضعيفة، وبالتالي تعمل على الزيادة في إظهار الجانب
الإيجابي والمؤثر في المنتوج الجديد، وتقديمه على أنه الحل الأمثل للتمويل، مع الإشارة
إلى بعض الامتيازات مثل تخفيض نسبة الفائدة أو منح تسهيلات عديدة في الأداء، أو
الإعلان عن مجانية الملف أو إعطاء أرقام خيالية عن عدد الزبناء الذين اختاروا عن
طواعية المنتوج الجديد محل الإشهار ووضعوا بذلك ثقتهم في المؤسسة البنكية ككل[4].
هكذا تتعامل
الأطر البنكية مع كل المنتوجات الجديدة التي تتعامل بالصيغ التقليدية، لكن في حالة
التمويلات البديلة، تم ابتداع نموذج آخر في التعامل مع الشرائح المجتمعية نموذج لا
يعرف له مثيل في فن التواصل التجاري، فلأول مرة يعرض منتوج في سياق المقارنة
بمنتوج آخر وبكيفية مخلة بضوابط الإشهار المقارن[5]،
حيث تعرض على الزبون صيغتان بجداول تفصيلية تتضمن أشكال التمويل في الحالة الربوية
وما يقابله في حالة التمويل البديل، وترصف أرقام هذه مقابل أرقام تلك، وتذكر
العديد من الأطر البنكية الزبون بمزايا الصيغ الربوية وأفضليتها، بل وتنخرط في
مهمة المقارنة والتوضيح حتى تجعل الزبون يقتنع رقميا بترك الصيغ البديلة.
هذه هي الطريقة
التي تستقبل بها الأطر البنكية الزبون وهو يريد أن يطلع على منتوج التمويلات
البديلة، فبدل أن تضعه في الصورة، وتوضح له مفهوم المرابحة، ودخول البنك كطرف في
العملية الإنتاجية، تربك عملها التواصلي، وتنخرط في حملة ضمنية لإفشال هذا المنتوج
الجديد، ذلك أن أي زبون، حين تعرض عليه جداول مشحونة بالأرقام، ويعرض عليه أي
منتوج في سياق مقارن، فإن الطبيعي أن يختار الصيغة الأكثر فائدة له ضمن الصيغ
الموجودة، ليخرج الزبون بنتيجة مفادها أن المنتوج البديل غير
مغر لأن القرض الربوي أريح منه .
3-
ارتفاع التكلفة الجبائية للمنتجات البنكية البديلة:
من أهم أسباب
فشل تجربة التمويلات البنكية البديلة عامل مرتبط بعدم ملاءمة القوانين الضريبية مع
خصوصية هذه المنتجات، مما ساهم بشكل مباشر في ارتفاع تكلفتها مقارنة بالمنتجات
الكلاسيكية بسبب الأعباء الضريبية، حيث تم تطبيق مقتضيات النظام الضريبي الحالي
على المنتجات الجديدة دون تمتيعها بوضع جبائي خاص، فضلا عن عدم استفادتها من وضعية
"منتوج جديد" في المجال الضريبي، وبالتالي تمت معاملتها على غرار التمويلات
التقليدية بدون أي تمييز، رغم أن تكلفة هذا الأخير منخفضة[6].
وهكذا تم تطبيق
نظام ضريبي مرهق على منتوج "إجار واقتناء"، وذلك من خلال إخضاعه للضريبة
على الشركات بالنسبة لمؤسسات الائتمان على غرار المنتجات التقليدية مما طرح
إشكالية التهالك "Amortissement"
، كما طبق عليه في الوهلة الأولى السعر العادي والأعلى للضريبة على القيمة المضافة
20% والتي تم تخفيضها بمناسبة قانون
المالية لسنة 2010إلى 10% [7]،
فضلا عن تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر من جهة، وإدراج تكلفة الضريبة على الأرباح العقارية من جهة
أخرى.
أما بالنسبة لمنتوج "المرابحة" فهناك إشكالية
احتساب الأرباح العقارية داخل الأرباح الخاضعة للضريبة على الشركات، بالإضافة إلى
إدراج تكلفة الضريبة على الأرباح العقارية في ثمن البيع، وإخضاع هذا المنتوج
للضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10% تضاف إلى تكاليف المنتوج، مع تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر[8].
وعليه فإن هذه الأعباء الضريبية الثقيلة
أضرت بسمعة هذه المنتجات وخلقت تصورا لدى الزبناء مؤداه أن البنوك لها رغبة في
جعلهم يؤدون ضريبة إضافية إذا ما أرادوا أن يتعاملوا بمنتجات تتلاءم مع مبادئهم
وإلا يجب عليهم أن يرضوا بما هو معروض عليهم من منتجات ربوية، هذا التصور وإن كان
السبب فيه هي السلطات المالية المغربية وليست الأبناك، إلا أنه أثر سلبا على سمعة
هذه الأخيرة وعلى مصداقية تعاملاتها [9].
4- غلاء المنتوجات البنكية
البديلة مقارنة بالمنتجات الربوية:
نتيجة للعوامل المذكورة سلفا فإن عنوان
الفشل هو غلاء المنتجات البنكية البديلة مقارنة بالمنتجات الربوية، هذا الفشل
تتحمل مسؤوليته الحكومة المغربية وليس المؤسسات البنكية، لأن السلطات المالية
تعمدت تنزيل هذه المنتجات من دون أن تدرس جيدا طبيعتها من جميع الجهات ومن دون أن
توفر لها الظروف الملائمة لإنجاحها، وخصوصا الارتباطات القانونية لها المنظمة
لعمليات البيع والتسجيل والتحفيظ، كما أنها لم تعمل على خلق نظام مالي وجبائي خاص
بها كعمليات تمويلية بالأساس، وبالتالي إقرار إعفاءات أو تخفيضات ضريبية دائمة أو مؤقتة،
فكانت النتيجة كما سبق الذكر هي ارتفاع التكلفة الإجمالية للمنتوج البديل مقارنة
بالقروض الربوية.
ولتوضيح هذه النتيجة سنعمل على إجراء
مقارنة بين تكلفة القرض السكني بفائدة وتكلفة تمويل السكن عبر المنتجات البديلة،
حيث سنركز على قيمة الأقساط الواجبة التسديد في كلا الحالتين، علما أن مدة التمويل
هي 20 سنة أي 240 شهرا، وذلك استنادا على المعطيات الرسمية الصادرة عن مؤسسة
"التجاري وفا بنك"، في مذكرة
رقم 172/07 بتاريخ 9 أكتوبر 2007 [10]:
ثمن السكن الممول
|
قيمة القسط الشهري
القرض السكني بفائدة
|
قيمة القسط الشهري
مفتاح الخير/ مرابحة
|
قيمة القسط الشهري
مفتاح الفتح/ إجارة واقتناء
|
100 ألف درهم
|
779 درهم
|
860 درهم
|
922 درهم
|
300 ألف درهم
|
2337 درهم
|
2581 درهم
|
2766 درهم
|
500 ألف درهم
|
3895 درهم
|
4302 درهم
|
4610 درهم
|
انطلاقا من هذا الجدول تتضح لنا المقارنة
بين القرض الربوي والمنتجات المستحدثة على مستوى القسط الشهري، أما لمعرفة التكلفة
الإجمالية نقوم بضرب مبلغ القسط الشهري في عدد شهور التمويل الذي هو 240 شهرا، حيث
تؤكد لنا هذه الأرقام الحصيلة السلبية لتجربة المنتجات البديلة، مما يدفعنا إلى
الإقرار بأن لوبيات القطاع البنكي الريعي نجحت بالفعل في قطع الطريق أمام
المعاملات البنكية الجديدة .
ونتيجة لذلك نرى أن الحل هو ضرورة إعادة النظر
في النسق ككل والتوجه نحو إيجاد أرضية اقتصادية وقانونية وجبائية متكاملة بالتوجه
قدما نحو تأسيس بنوك إسلامية بالمغرب، استجابة لانتظارات شريحة واسعة من المجتمع
المغربي التي لا زالت ترفض التعامل مع الأبناك التقليدية القائمة حاليا، وهذا رهين
في نظرنا بتوفر الإرادة الاقتصادية للحكومة والفاعلين في الميدان المصرفي، وقبلها
توافر الإرادة السياسية لدى صانعي القرار، هذه الأخيرة يمكن القول إنه تأكد توفرها بعد التحولات
الإيجابية التي وصلت للمغرب بفضل الربيع العربي، والتفاعل الإيجابي للمغرب معها
بنفَس إصلاحي فكان للمصرفية الإسلامية نصيب منه.
[1] إقرار هذه المنتجات بناء على توصية أو
منشور أو دورية يجعلها لا تحظى بالقوة الملزمة اللازمة لتكون سارية المفعول ومطبقة
قانونا بشكل صحيح، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار حدد فيه الطبيعة القانونية
للمناشير حيث جاء فيه :
"واعتمادا على الاجتهاد القضائي،
فإن المناشير ليس لها قوة القانون وبالتالي لا تكون ملزمة للمحاكم بل لا تلزم إلا
الموظفين الخاضعين تدرجا إلى الرئيس الصادرة عنه، ثم إن التأويلات المعطاة
للقوانين بواسطة المناشير الوزارية، ليست لها إلا قيمة فقهية ولا تلزم بتاتا
المحاكم، خاصة عندما تكون مخالفة للقانون".
- قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى،
صادر بتاريخ 19 مارس 1970، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 19، ص 58، راجع
:
-عبد المهيمن حمزة، دور التمويلات البنكية البديلة في تعويض قروض الاستهلاك
بفائدة، مرجع سابق، ص 17 وما بعدها.
[2] جواد مريد،
البنوك الإسلامية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب، مرجع
سابق،
ص 306.
[4] لا تكتفي البنوك بحث الجمهور على
استهلاك منتوجاته الجديدة فقط، بل تعمد إلى ربط إشهار هذه المنتجات بإشهار المؤسسة
البنكية ككل وإبراز هويتها وقيمتها وفلسفتها في التسويق، بهدف تلميع صورتها وتحسين
سمعتها لدى الجمهور، فلا يكفي التعريف بمنتوجاتها، إذ ينبغي أن ينضاف إلى ذلك
الإشهار المؤسساتي الذي يرمي إلى تحقيق جملة من الأهداف أهمها:
-
التعريف بالبنك
كمؤسسة مستقلة متميزة في معاملتها وتسهيلاتها عن باقي البنوك.
-
إبراز الدور
الاجتماعي للبنك باعتباره مؤسسة مواطنة، لا تهدف إلى مجرد تحقيق الربح، وإنما إلى
خدمة أهداف اجتماعية ، والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني وتنفيذ السياسات
العمومية.
-
خلق وتدعيم
الصورة والسمعة الحسنة للبنك لدى الجمهور، يراجع:
- Piquet Sylvére, La publicité dans
l’action commerciale, Libraire Vuibret , Paris, 1987, p 27.
[5]حدد
المشرع المغربي ضوابط الإشهار المقارن من خلال المادة 22 من قانون حماية المستهلك
التي تنص على ما يلي:
" كل إشهار يقارن بين خصائص أو
أسعار أو تعريفات السلع أو المنتوجات أو الخدمات إما بالإشارة إلى علامة الصنع أو
التجارة ، أو الخدمة الخاصة بالغير أو تجسيدها، وإما بالإشارة إلى العنوان التجاري
أو تسمية الشركة أو الإسم التجاري أو الشعار الخاص بالغير أو تجسيد ذلك.
لا يرخص به إلا إذا كان نزيها وصادقا وألا يكون
من شأنه إيقاع المستهلك في الغلط .
يجب أن يكون الإشهار المقارن حول
الخصائص، متعلقا بالخصائص الأساسية والهامة والمفيدة، والتي يمكن التحقق منها،
للسلع والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق.
يجب أن يكون كل إشهار مقارن حول الأسعار
أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة وفق نفس
الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خلالها بالأسعار أو التعريفات المحددة من
لدن المعلن باعتبارها خاصة به.".
[7] قانون المالية رقم 09-45 للسنة المالية
2010 ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5800 بتاريخ 31 دجنبر 2009.
[8] نشير إلى أن ضريبة التسجيل والتنبر كانت
مزدوجة على منتوج المرابحة ولم يتم إلغاء الازدواجية إلا مع القانون المالي لسنة
2009 ، ولقد كانت الازدواجية الضريبية للتمويلات الإسلامية وخاصة صيغة
المرابحة عائقا كبيرا أمام تطورها، وجاء
في مذكرة التقديم لهذا القانون بأن هذا التدبير يرمي إلى تفادي الازدواج الضريبي
عند اقتناء العقارات عن طريق المرابحة، وذلك في إطار التدابير المتعلقة بواجبات
التسجيل، وتطبيق واجب النظام العام على اقتناء العقارات.
[9] جواد مريد،
البنوك الإسلامية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب، مرجع
سابق، ص 311 .
[10] Attijariwafa
bank , Lettre circulaire N° 172/07, code classement 124, le 9 octobre 2007,
annexe : 6 , comparatif mensualités.
إرسال تعليق