آفاق المصارف البنوك الإسلامية في ظل حكومة الإسلاميين بعد تحولات الربيع العربي

بعد الفشل الذريع لتجربة تسويق المنتجات البديلة لدى البنوك التقليدية، عاد النقاش اليوم مجددا حول ضرورة إنشاء البنوك الإسلامية مع تولي حزب العدالة والتنمية الإسلامي لقيادة الحكومة المغربية بفضل بركات الربيع العربي وانعكاساته الإيجابية على مستوى الإصلاحات السياسية والاقتصادية بالمغرب، حيث كانت المصرفية الإسلامية حاضرة في هذه الإصلاحات بعدما وجدت سندا قويا في تولي حزب إسلامي للحكم ناضل من أجل المصرفية الإسلامية لسنوات طوال.

ولقد جاء الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011، بعدما استفاد بشكل كبير من موجة "الربيع العربي" التي جنبته من عداء السلطة له ومن المضايقات السياسية  التي كانت تعيق حصوله على الرتبة الأولى طيلة الانتخابات السابقة، بل بالعكس تم منحه كما باقي الأحزاب، جميع الإمكانات المادية والإعلامية للتواصل مع الناخبين وإقناعهم ببرنامجه السياسي، ويكفي في هذا المناسبة أن نستشهد  بإحصائيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي ذكرت أن حزب العدالة والتنمية هو الذي تصدر المشهد الإعلامي سواء كان إعلاما حكوميا أو مستقلا، وكان هذا بسبب تأثير "الربيع العربي"، حيث إن الدولة المغربية حاولت أن تنجو من موجة إسقاط الأنظمة عبر فتح المجال للمعارضة السياسية وكسب التعاطف الشعبي الذي راكمته هذه المعارضة طيلة سنوات، خاصة وأن المغرب عاش ما يقارب سنة من الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح وإسقاط الفساد التي كانت تنظمها "حركة 20 فبراير" في كافة ربوع المملكة[1].

  وعليه فإنه بعد تولي حزب العدالة والتنمية قيادة الحكومة المغربة تغيرت معطيات كثيرة، وعلى رأسها المعطيات المرتبطة بآفاق المصرفية الإسلامية بالمغرب، فحلم إنشاء اقتصاد إسلامي راود منذ زمن طويل قياديي حزب العدالة والتنمية الذي ناضل من أجله وضمنه في كافة برامجه الانتخابية، وتقدم به على شكل مقترحات قوانين لما كان في المعارضة، لكن وبعد وصوله إلى الحكم بالمغرب وتغير مركزه السياسي أصبح السؤال عن موعد إعلان قانون الأبناك الإسلامية يطرح نفسه بقوة في صدور بعض المعنيين المباشرين بهذا الملف، وعلى رأسهم الدكتور محمد نجيب بوليف وزير الشؤون العامة والحكامة الذي يعتبر العقل الاقتصادي للحزب، حيث لمح أكثر من مرة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة إلى نية حزبه في خلق ما سماه ب"الاقتصاد التضامني"، الذي يقوم على إنشاء "نظام معاملات إسلامي"، وتفعيل صندوق الزكاة بهدف مساعدة الفئات الفقيرة من الشعب[2].

وفعلا تأكد هذا الأمر بعدما تقدمت الحكومة المغربية بتقديم مشروع قانون بقضي بإحداث البنوك الإسلامية  في السوق المالية المغربية تحت مسمى جديد  وهو "البنوك التشاركية" والذي هو في طور المناقشة بالبرلمان المغربي[3]، حيث من المنتظر أن يصادق عليه خلال الدورة الربيعية لسنة 2013، ويرجع السبب في اختيار تسمية البنوك التشاركية إلى أن أحزابا ليبرالية في الائتلاف الحكومي رفضت تسمية هذه البنوك بالإسلامية.
وقد انخرط البنك المركزي المغربي بدوره في النقاش المرتبط بتنزيل هذا القانون وتهيئة الأرضية المناسبة لإنجاح هذا المشروع ، حيث أعلن السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب أن البنك المركزي يناقش مع وزارة الاقتصاد والمالية كل ما يتعلق بكيفية إدراج المقتضيات المؤطرة لهذا النوع من المؤسسات البنكية في قانون البنوك وكذا كيفية استيعاب النظام البنكي المغربي للازدواجية المصرفية مستقبلا، واعترف بأن البنك "يأخذ بعين الاعتبار هذه الآليات في إطار دعم المالية الخارجية"، وأضاف قائلا: "إذا أراد المغرب الانتقال من دائرة التمويل الإقليمي إلى نطاق التمويل الدولي، فإنه يتوجب عليه الاعتماد على جميع الأنشطة المالية"، كما أنه بعد هذه المبادرات بدأ البنك المركزي يستقبل الطلبات بإنشاء البنوك الإسلامية، حيث إن أربعة بنوك خليجية وهي بنك البركة البحريني، والاستثمار الكويتي، وقطر الوطني، وبنك فيصل الإسلامي السعودي  قدمت طلبات لدى والي بنك المغرب من أجل الترخيص لها بالعمل في المغرب[4].




التوجه نحو إحداث بنوك متخصصة في المصرفية الإسلامية تحت اسم "البنوك التشاركية" سنة 2013 .
بعد كل المحاولات السابقة التي قام بها حزب العدالة والتنمية من أجل سن إطار قانوني يستوعب المصرفية الإسلامية، فإن الفرصة اليوم أصبحت متاحة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق هذا الحلم، بعدما أصبح هذا الحزب يقود الحكومة المغربية  بفضل بركات الربيع العربي، وبالفعل أحسن الحزب استغلال الفرصة فتقدمت الحكومة التي يقودها بمشروع قانون  يحمل رقم 03-34 يتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبر في حكمها، والذي من أهم مستجداته التنصيص على إحداث البنوك الإسلامية وأطلق عليها لفظ البنوك التشاركية ،حيث خصص الباب الثالث كله للبنوك التشاركية والذي يشتمل على المواد من 52 إلى 73 .




[1] حركة 20 فبراير هي حركة شبابية شعبية كانت عبارة عن تفاعل  الشباب المغربي مع الأحداث التي شهدتها الدول العربية والتي أدت إلى إسقاط  بعض الأنظمة المستبدة، فجاءت الدعوة الى التظاهر عبر المواقع الاجتماعية وخاصة "الفيس بوك" ، وحدد يوم 20 فبراير للنزول إلى الميادين والساحات العمومية بمختلف المدن المغربية للتعبير عن العديد من المطالب المتمثلة في إصلاح النظام وإسقاط الفساد وتحقيق الشفافية ومساءلة الدولة والمطالبة بدستور شعبي وديمقراطي ، وقد توالت الاحتجاجات بعد ذلك اليوم في عدة محطات ومناسبات للتأكيد على هذه المطالب السياسية والاجتماعية إلى أن تم التجاوب معها جزئيا من طرف المؤسسة الملكية بالتوجه نحو تغيير الدستور في فاتح يوليوز 2011 ، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في  25 نونبر من نفس السنة، والتي حملت إسلاميي حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة لأول مرة .  

[2] عدنان آحيزون، البنوك الإسلامية في المغرب .. هل يتحقق حلم الإخوان؟، مقال منشور بمجلة هيسبريس الإلكترونية على الرابط التالي: http://hespress.com/economie/69528.html بتاريخ الجمعة 04 يناير 2013 .

[3] يتعلق الأمر بمشروع قانون  يحمل رقم 03-34 يتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبر في حكمها، والذي من أهم مستجداته التنصيص على إحداث البنوك الإسلامية وأطلق عليها لفظ البنوك التشاركية ،حيث خصص الباب الثالث كله للبنوك التشاركية والذي يشتمل على المواد من 52 إلى 73 .


[4] مولاي إدريس المودن ،هل تشكل البنوك الإسلامية إضافة إيجابية للاقتصاد المغربي؟ مؤشرات كثيرة تفيد بقرب الترخيص لها بالمغرب ومعيقات تلوح في الأفق، مقال نشر في جريدة المساء المغربية في العدد الصادر بتاريخ 28 - 12 – 2011.

Post a Comment

أحدث أقدم