امرؤ
القيس بن حُجْر:
رحلته
إلى الشرق أو إلى الغرب؟
رحلته
الى الهند
يذهب بعض الجغرافيين([1]) إلى أن رحلة امرىء القيس بن جُحْر – التي رافقه فيها عمرو بن قَمِيئة - كانت إلى الهند ولم تكن إلى القسطنطينية عاصمة بلاد الروم، ويستدلّون على زعمهم هذا من تحديدهم موقع بعض المواضع التي وردت في شعر ابن قميئة رفيقه في السفر.
وللوصول
إلى الحقيقة لا بدَّ من معرفة الطريق الذي سلكه امرؤ القيس في هذه الرحلة، والذي
انتهى به إلى الموضع الذي حَطَّ فيه قدميه، ومن ثَمَّ كانت له فيه أخبار وأشعار
ونهاية حياة. هذه الحقيقة – التي تنازع جوهرَها وتجاذب أطرافَها ثلاثةُ محاور يأخذ
بعضها برقاب بعض، يشدّه حيناً، ويؤازره حيناً آخر - تشكّل الأساس الذي يقوم عليه
هذا البحث.
فأوّل هذه المحاور: يعتمد على ما ذكرته كتب
الأدب العام بخاصة، وكتب الأخبار والتاريخ عن سبب رحلة امرىء القيس، والديار التي
مرَّ بها في طريقه إلى قيصر ملك الروم.
وثانيها: يحتجّ بما يزوّدنا به ديوانا امرىء
القيس وعمرو بن قميئة من أشعار تبيّن بعض المواضع التي سلكاها وجابا خلالها أو
مرَّا بها، بحيث تقطع في محتواها ومضمونها بمسيرهما إلى ملك الروم، وكذلك بما
تزوّدنا به كتب الأدب العام والتاريخ والطبقات والتراجم من أحوال وأخبار مرافقة
لشعر هذين الشاعرين الذي قيل في هذه الرحلة، تنتهي بنا إلى الغاية التي قصدنا
إثباتها، وأردنا الوصول إليها.
وثالثها:
يقوم على ما ورد في كتب الجغرافيين من أقوال تشير إلى اختلافهم، أو اتفاقهم في
تعيين موقع بعض المواضع التي سلكها امرؤ القيس وعمرو بن قميئة في رحلتهما إلى
قيصر، والخروج منها برأي واضح قطع العلماء فيه القول، وفصلوا فيه الخلاف بينهم.
*
* *
يذكر صاحب الأغاني([2])
في خبر يردّه إلى ابن الكلبي أن حُجْراً لم يكن راضياً عن ابنه امرىء القيس، فطرده
من عنده "وآلى ألاَّ يقيم معه أَنَفَةً من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنَف من
ذلك، فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاطٌ من شُذَّاذ العرب من طيِّىء وكلب وبَكر
بن وائل؛ فإذا صادف غديراً أو روضةً أو موضع صيد، أقام فذبح لمن معه في كل يوم؛
وخرج إلى الصيد فتصيَّد، ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنَّته
قِيانُه، ولا يزال كذلك حتى يَنْفَدَ ماءُ ذلك الغدير، ثم ينتقل عنه إلى
غيره". واستمرّ امرؤ القيس في هذه الحياة العابثة حتى "أتاه خبر أبيه
ومقتله([3])
وهو بِدَمُّون([4])
من أرض اليمن، أتاه به رجلٌ من بني عِجل يقال له عامر الأعور أخو الوَصَّاف. فلما
أتاه بذلك قال([5]):
تَطَاوَلَ الليلُ عَلَى دَمُّونْ دَمُّونُ إنَّا معشرٌ يمانونْ
وإنَّنـا لأهْلِهـا
مُحِبُّـونْ
ثم قال: ضَيَّعني صغيراً وحمَّلني دَمَه كبيراً،
لا صَحْوَ اليوم، ولا سُكرَ غداً، اليومَ خمرٌ، وغداً أمر، فذهبتْ مثلاً.
ثم قال([6]):
خليليَّ لا في اليومِ مَصْحًى لِشارِبٍ ولا في غَدٍ إذْ ذَاكَ ما كان يُشْرَبُ
ثم
شرب سبعاً، فلم صَحَا آلَى ألاَّ يأكلَ لحماً، ولا يشربَ خمراً، ولا يَدَّهِنَ
بدُهن، ولا يصيبَ امرأةً، ولا يغسِلَ رأسه من جنابة، حتى يُدرك بثأره"([7]).
Post a Comment