وسائل طرق النصر على الأعداء
من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم، بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ الإيمان والعمل الصالح:
وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم، وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوهم وإن طال الزمن، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 51، 52]. وقال سبحانه: {حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2-4]
2ـ نصر دين الله تعالى:
ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى والقيام به قولاً، واعتقادًا، وعملاً، ودعوة. قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 40، 41].
3ـ التوكل على الله والأخذ بالأسباب:
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11]. وقال سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا". ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى.
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. وعن أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله أعقلها وأتول أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل".
4ـ المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه مع كمال عقله وسداد رأيه امتثالاً لأمر الله تعالى وتطييبًا لنفوس أصحابه، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
5ـ الثبات عند لقاء العدو:
من عوامل النصر الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه التي خاضها، كما فعل في بدر، وأحد وحنين، وكان يقول في حنين حينما ثبت وتراجع بعض المسلمين: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. اللهم نزل نصرك"، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا الحسنة قال الله – عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وثبت أصحابه من بعده – رضي الله عنهم -. وعن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف".
6ـ الشجاعة والبطولة والتضحية:
من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة والتضحية بالنفس والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ولا يؤخره، قال الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
قال الشاعر:
من لم يمت بالسيف مات بغيره | | تعددت الأسباب والموت واحد |
ولهذا كان أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى التي قاتل فيها ومنها على سبيل المثال:
أولاً: شجاعته البطولية الفذة في معركة بدر، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا).
ثانيًا: في معركة أحد قاتل قتالاً بطوليًّا لم يقاتله أحد من البشر.
ثالثًا: في معركة حنين: قال البراء: كنا إذا احمر الباس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وركوبه صلى الله عليه وسلم على البغلة في معركة حنين وغيرها يدل على شجاعته العظيمة؛ ولهذا ذكر العلماء أن ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس: هو النهاية في الشجاعة والثبات؛ لأن ركوب الفحولة أو الفرس مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وكذلك نزوله إلى الأرض حين غشوه يدل على المبالغة في الثبات، والشجاعة والصبر، ومما يؤكد ذلك رواية لمسلم عن سلمة – رضي الله عنه – قال فيها: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله: "لقد رأى ابن الأكوع فزعًا" فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوه القوم فقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين". وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشر غزوة قاتل في ثمان منهن، بل ذكر النووي – رحمه الله – وغيره أنه كان عدد سراياه صلى الله عليه وسلم التي بعثها ستًّا وخمسين سرية، وسبعًا وعشرين غزوة، وقاتل في تسع من غزواته.
وهكذا أصحابه – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فينبغي للمجاهدين أن يقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فعن أنس – رضي الله عنه – قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" وهو على فرس لأبي طلحة عُرِيٍّ ما عليه سرج..".
7ـ الدعاء وكثرة الذكر:
من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ونصر أوليائه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. وقد أمر الله بالذكر والدعاء عند لقاء العدو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]؛ لأنه سبحانه النصير فنعم المولى ونعم النصير. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه في معاركه ويستغيث به، فينصره ويمده بجنوده، ومن ذلك أنه نظر صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه واستغاث بالله، وما زال يطلب المدد من الله وحده مادًّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله – عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة. وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله في جميع معاركه ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب [مجري السحاب] [هازم الأحزاب] اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم". وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل". وعن أبي بردة بن عبد الله أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم". وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال له الناس {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}. وهكذا ينبغي أن يكون المجاهدون في سبيل الله تعالى؛ لأن الدعاء يدفع الله به من البلاء ما الله به عليم.
فعن سلمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرُّ القضاء إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ".
8 ـ طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر، فيجب على كل مجاهد في سبيل الله تعالى بل على كل مسلم أن لا يعصي الله طرفة عين، فما أمر الله تعالى به وجب الائتمار به، وما نهى عنه تعالى وجب الابتعاد عنه، ولهذا قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]. وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
9 ـ الاجتماع وعدم النزاع:
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله، والتكاتف، وعدم النزاع والافتراق، قال الله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وقال – عز وجل -: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]. 10 ـ الصبر والمصابرة:
لابد من الصبر في الأمور كلها ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. وقال سبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وجاء في الخبر: "واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
11ـ الإخلاص لله تعالى:
لا يكون المقاتل والغازي مجاهدًا في سبيل الله إلا بالإخلاص، قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47] الآية. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر. والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". وقد ثبت عنه – عليه الصلاة والسلام – أن أول من يُقضى عليه يوم القيامة ثلاثة وذكر منهم من قاتل ليقال: هو جريء – أي شجاع –.
12 ـ الرغبة فيما عند الله تعالى:
مما يعين على النصر على الأعداء هو الطمع في فضل الله وسعادة الدنيا والآخرة؛ ولهذا نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، ومما يدل على الرغبة فيما عند الله تعالى ما يأتي:
أولاً: ما فعل عمير بن الحمام في بدر حينما قال عليه الصلاة والسلام: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" فقال يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: "نعم" قال: بخٍ بخٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بخ بخ"؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.
ثانيًا: ما فعل أنس بن النضر – عمّ أنس بن مالك – يوم أحد. تأخر – رضي الله عنه – عن معركة بدر، فشق عليه ذلك وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه وإن أراني الله مشهدًا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرانيَ اللهُ تعالى ما أصنع، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو واهًا لريح الجنة، أجده دون أحد، فاقتلهم حتى قتل، فَوُجِدَ في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، فما عرفته أخته – الربيع بنت النضر – إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23]. فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه.
والمسلم المجاهد في سبيل الله تعالى إذا رغب فيما عند الله تعالى، فإنه لا يبالي بما أصابه رغبة في الفوز العظيم.
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا | | على أي جنب كان في الله مصرعي |
13ـ إسناد القيادة لأهل الإيمان:
من أسباب النصر تولية قيادة الجيوش، والسرايا، والأفواج، والجبهات لمن عُرفوا بالإيمان الكامل والعمل الصالح، ثم الأمثل فالأمثل؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. والله – عز وجل – يحب أهل التقوى، ومحبته سبحانه للعبد من أعظم الأسباب في توفيق عبده وتسديده ونصره على أعدائه، قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].
14ـ التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب:
إن العباد لهم منجيات ودعائم تنجيهم من المهالك والهزائم إذا حلت بهم، وهذه الأمور هي من أعظم العلاج لمن أصيب بالمهلكات أو الحروب والأوبئة، وهي كذلك وقاية من حلول المصائب قبل نزولها، وتتلخص في اتباع الدعائم المنجيات الآتية:
أولاً: التوبة والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها ولا تقبل التوبة إلا بشروط على النحو الآتي:
1ـ الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها.
العزيمة على عدم العودة إليها.
الندم على فعلها. فإن كانت المعصية في حق آدمي فلها شرط رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق، ولا تنفع التوبة عند الغرغرة أو بعد طلوع الشمس من مغربها. ولا شك أن التوبة النصوح والاستغفار من أعظم وسائل النصر، قال اله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 11].
ثانيًا: تقوى الله تعالى، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك. وهي كما قال طلق بن حبيب – رحمه الله – "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
ثالثًا: أداء جميع الفرائض وإتباعها بالنوافل؛ لأن محبة الله لعبده تحصل بذلك، فإذا أحبه نصره، ووفقه، وسدده وأعانه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".
رابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لحديث حذيفة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم". وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].
خامسًا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات، والأقوال والأفعال.
سادسًا: الدعاء والضراعة إلى تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.1
Post a Comment