فوائد اهمية ايجابيات ترشيد الاستهلاك
١- انه لون من التربية النفسية الخلقية، فليس من خلق المؤمن التوسع الشديد في المآكل والمشارب الى الحد الذي يجعله من اهل الترف والتنعم ويلحقه بحطب جهنم من الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام، ولقد اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل لما بعث به الى اليمين بقوله (اياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين)، والقصود بالتنعم هنا الترف والاسراف والبذخ، ولقد جاء في الأثر: (من الإسراف ان تأكل كل ما اشتهيت)، وقال عمر بن الخطاب جملته المشهورة: (أوكلما اشتهيتم اشتريتم)، وذلك لما رأى في يد جابر بن عبد الله درهما، فقال له ما هذا الدرهم؟ قال: اريد ان اشتري به لاهلي لحما قرموا له - اي اشتدت شهوتهم له - فقال عمر رضي الله عنه: أوكلما اشتهيتم اشتريتم؟!! اين تذهب عنكم هذه الآية: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)، وفي رواية يقول جابر: فجعل عمر يردد: قرم اهلي قرم اهلي، حتى تمنيت لو ان الدرهم سقط مني ولم ألق عمر.

            نعم ان الرغبة في الشراء والتسوق والتبذير في الاستهلاك والتردد على المجمعات التجارية لضرورة او لغير ضرورة أصبحت اليوم موضة وتقليدا، لا بل انني سمعت ان هناك حالات ادمان ليس على المخدرات والخمور وانما على التسوق، بل ان بعض الدول الاوروبية قد عينت لجانا لوضع استراتيجية علاج مدمني التسوق مثلما وضعت خططا لعلاج مدمني المخدرات والكحول.

٢- ان في ترشيد الاستهلاك تربية اجتماعية، لأن بضبط المصروفات والانفاق، خاصة في الكماليات، مرعاة لشعور المحرومين والفقراء الذين يرون الاغنياء والقادرين يتفننون في استهلاك وشراء الكماليات بينما هم غير قادرين على توفير الاساسيات لأبناءهم وبيوتهم، بالتالي سيتحول المجتمع وينقلب الى طبقات متناحرة متحاسدة.
          ولقد روي ان عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قد علم ان قريبا له اشترى خاتما بألف درهم، فكتب اليه مستنكرا: بلغني انك اشتريت خاتما بألف درهم، فإذا جاءك كتابي هذا فبعه واطعم بثمنه ألف جائع واشتر خاتما من حديد واكتب عليه رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.

          يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (وليس هناك شيء اعون على غلاء والاسعار واختفاء السلع من الاسواق وإتاحة الفرصة للمحتكرين والمستغلين من الاستسلام لجموح الرغبة في الثراء والتسابق المجنون على الاستمتاع بأي ثمن كان، كما قال عمر : أوكلما اشتهيتم اشتريتم؟!! حتى يصبح الشراء لذة عند بعض الناس بل غاية ولو لغير حاجة ولغير منفعة، وبعض الناس يصبح شراء الشيء غالي الثمن متعة له بل هدفا ليشبع في نفسه رغبة المفاخرة والمكاثرة وليس شيء اعون على الرخاء وخفض الأسعار من تعوّد القناعة والتعفف وكف النفس عن الشراء وان رغبت، كما قال احد الحكماء، وقد قيل له ان الشيء الفلاني غلا، فقال أرخصوه، قالوا وكيف نرخصه؟ قال: بالترك! وفي هذا قال الشاعر:

واذا غلا علي شيء تركته فأراه أرخص ما يكون اذا غلا

٣- ان في ترشيد الاستهلاك لونا من التربية الاقتصادية للفرد وللأمة المسلمة، فإن الاسراف في الاستهلاك يذهب بكل المحاولات لزيادة الإنتاج ويبدد أموالا كثيرة في الكماليات وتوافه الحياة فضلا عن المحظورات والموبقات، أما اذا اصبح الاعتدال في الانفاق والاقتصاد والاستهلاك خلقا عاما في الأمة فهناك تتوفر اموال ضخمة تتحول من مجال الانفاق الاستهلاكي الى مجال الانفاق الانتاجي، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فقه الرجل قصده في معيشته).

٤- وفي ترشيد الاستهلاك لون من التربية الصحية والجسمية: لأن الاسراف في الطعام والشراب يُفضي الى التخمة والسمنة وامراض المعدة والهضم، ولهذا قال القدماء (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)، وقال بعض السلف: لقد جمع الله الطب كله نصف آية: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (الاعراف ٣١)، وهذا الذي معناه الطب الوقائي، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج كما قيل.

وعن جعدة رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده الى بطن رجل سمين ويقول: "لو كان هذا في غير هذا كان خيرا لك"، فما أرقها وألطفها من نصيحة معبرة بليغة.

        ان السمنة المفرطة مباءة للأسقام المتنوعة، فضلا عما فيها من اصابة الجسم بالكهل والترهل والعجز عن اعمال الجهاد وغيرها مما يقتضي مرونة البدن وسرعة حركته.
واذا كان الاسلام ينكر الإسراف في العبادة من صيام النهار وقيام الليل وتلاوة القرآن ونحوها لما في المبالغة فيها من جور على البدن وحظ الانسان في الراحة اللازمة، فما بالكم في الاسراف في المباحات، كما قال صلى الله عليه وسلم: فإن لبدنك عليك حقا في الراحة ولعينيك عليك حقا في النوم ولأهلك عليك حقا في الامتاع والاعفاف، فأعط كل ذي حق حقه.

        فلا عجب ان يُعنى الاسلام بصحة الانسان بتوجيهه الى الاعتدال في تناول الطيبات دون اسراف في الحلال ولا تجاوز الى الحرام، وهذا اول الطريق الى حفظ الصحة الذي يُفضي الى حفظ المال والى حفظ الدين، ولهذا جاءت الشريعة الغراء، فإلى الوسطية في كل شيء ايها الآباء والأمهات والأبناء، وليكن شعاركم وصية ونصيحة ابي بكر رضي الله عنه : (إني لأبغض اهل بيت ينفقوا رزق ايام في يوم واحد)، ووصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أوكلما اشتهيتم اشتريتم)؟!.
بل انها وصية رب العزة سبحانه (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}

Post a Comment

أحدث أقدم