معنى مفهوم القومية
وإذا
اعتقدنا أن مقومات القومية هي اللغة والتاريخ المشترك والثقافة المشتركة والاقتصاد
وما إلى ذلك، فإن عصر التكنولوجيا المعاصرة، مع الإنترنت ووسائل الإعلام المتطورة
تحديداً، قد بدأ يخلق لغة خاصة به، فأصبحت هناك لغة إنترنت عالمية، فما مصير اللغة
القومية إذاً؟
وهل
ستصبح هذه اللغة لغة عالمية مشتركة بين الناس توحّد بين ثقافاتهم المختلفة وتزودهم
بلغة علمية عالمية؛ تردم الحواجز بين الأمم على النحو الذي سعى إليه بعض
الأوروبيين، في مطلع القرن العشرين، عندما أخذوا ينادون بلغة عالمية موحدة هي لغة
"الأسبرانتو"؟
ألم
تغدو لدينا اليوم لغات عربية متعددة من خلال اللهجات القابعة خلف الحدود السياسية
التي وضعها الاستعمار في مطلع القرن العشرين، أليست هذه اللهجات تزداد حدة
واختلافاً بمرور الوقت؟ ألم تتوالد لدينا ثقافات متعددة في داخل القطر الواحد؟
ولماذا
لدى الدول الغربية ثقافة موحدة في داخل أقطارها ونحن قد أصبحنا أصحاب ثقافات كثيرة
في داخل الدولة الواحدة؟ ألا نختلف اليوم اختلافاً شديداً على الحلول؟ فمنا من يرى
أن الإسلام هو الحل، وبعضنا يرى أن القومية العربية هي الأمثل، وآخر يرى
الاشتراكية السبيل إلى التقدم، والبعض ما يزال يرّوج لنظرية "حبذا لو ما زلنا
مستعمَرين"! ثم نختلف في داخل هذه التيارات نفسها ولا نعرف أي إسلام نريد أو
أي عروبة ندّعي أو أي اشتراكية يمكن أن ننتمي إليها؟ وبالمقابل نجد الغربيون
يتحدون في مواقفهم حول القضايا العامة، فنجد البريطانيين يحشدون مليوني متظاهر في
لندن لمعارضة الحرب على العراق؛ بينما لا نستطيع نحن حشد المئات في ذكرى احتلال
العراق! وفي ظل هذا التنوع الثقافي، في ظل مجتمع رأسمالي تابع، هل ظل من معنى
للحديث عن ثقافة مشتركة؟
أما
بالنسبة للتاريخ المشترك بوصفه أحد أعمدة الثقافة القومية، ولما كانت الحداثة قد
قطعت مع الماضي، مع التاريخ القديم، ولمّا كانت التكنولوجيا غير محايدة لأنها تنقل
ثقافة منتجها ومخترعها، ألا يعني ذلك أننا بانغماسنا فيها قد فقدنا كل تاريخ مشترك
نحن
نعمل اليوم بانتقائية مع العلم، فنأخذ منه ما يلائم حاجتنا ونرفض الآخر، لذلك، نرى
علماء عرب قد أبدعوا في العلوم الدقيقة والعلوم التطبيقية، بخاصة في ظل المنهجية
الغربية ومظلة التعليم المتقدم، بينما بالكاد نجد فلاسفة علم بالمعنى الدقيق
للكلمة، فالمنهجية العلمية التي تستخدم في الغرب تنطبق على العلوم الطبيعية
والعلوم الإنسانية معاً، أما عندنا فالمنهج العلمي موضوعه العلم الطبيعي، أما
الشريعة فهي التي تتعامل مع العلوم الإنسانية.
وهكذا
نصل إلى شروط إقامة ثقافة قومية وطنية في عالم تحكمه الرأسمالية الفائقة النشاط،
فأول الشروط هو إحياء ثقافة المشاركة التي قمعها الجانب المظلم من التراث، والتي
تؤكد عليها ظاهرة الاغتراب المعاصرة، وانغماس الإنسان في علاقات مع الخلوي الخاص
به والحاسوب الخاص به والستلايت الخاص به وما إلى ذلك، وأحياناً أخرى، في دمجه بين
التكنولوجيا المتطورة مع احتفاظه بمظاهر التراث في الملبس والهيئة.
نحن
لا نستغني عن التكنولوجيا المعاصرة ولكننا بحاجة إلى تقنين هذه الاستخدامات
وتوجيهها وإخضاعها لمراقبة منهجية حرصاً على الأجيال الناشئة، مع مراعاة تأسيس عقل
علمي عربي يعرف قواعد النقد، ويستخدم منهج التحليل القادر على تفجير المعلومة،
والبحث عن أصولها ومفرداتها المبعثرة، ومن ثم إعادة تركيبها من جديد. إنها محاولة
أصيلة لإنتاج المعرفة هيهات أن نلتزم بها ونمارسها.
Post a Comment