الإنسان جزء من النظام البيئي
لقد ساهمت الفلسفة في
الماضي في تدمير البيئة الطبيعية لكوكب الأرض، ومن واجب الفلسفة الآن أن تساهم في
إنقاذها، إذ يعتقد بعض الفلاسفة أن أصل الأزمة البيئية هي التمركز البشري على ذاته؛
بوصف البشر أصل كل قيمة والأوصياء عليها. أي أن البشر يعتقدون أنهم هم الذين يضعون
المعيار للقيمة value
التي تخص باقي أعضاء مملكة الكرة الأرضية، من جماد ونبات وحيوان. وبذلك يصبح الكون
برمته تحت رحمة هؤلاء الذين يزعمون بهيمنة الإنسان على الطبيعة، ويتخذون القرارات
المتعلقة بمستقبل الكائنات الأخرى، ويعتبرون أنفسهم أوصياء على الطبيعة، ويعطون
لأنفسهم الذرائع لاستغلالها المفرط.
إن
الشعور بأننا جزء من النظام البيئي ولا يمكن أن ننفصل عنه، هو شعور موضوعي وليس
شعوراً خيالياً، فإذا تطلعنا مثلاً إلى جسم الإنسان وارتباطه بالبكتيريا والكائنات
الدقيقة الطفيلية وغيرها، فإننا سوف نجد أننا إذا انتزعنا هذه الكائنات الحية من
الجسم الإنساني لتوقف عن العمل، وعجز عن هضم الطعام، وفقد مناعته في الدفاع عن
نفسه!
ولكن،
لا يخلو الفكر البشري المعاصر من نشاط فكري بيئي إيجابي، فكيف بدأ العلماء
والفلاسفة يردون الاعتبار للطبيعة؛ التي مسخها الإنسان ولوثتها الثورة الصناعية في
القرن التاسع عشر وما تلاها؟
عام
1837، كتب الأمريكي رالف إيمرسون Ralph Emerson (1803 – 1882)، مقالة
بعنوان "الطبيعة" يتحدث فيها عن التغيرات الاجتماعية والروحية في عصره،
ولفت الانتباه إلى مخاطر التجارة والاقتصاد النامي والتكنولوجيا المتطورة (الآلة
البخارية والسكك الحديدية في عصره) بوتيرة متسارعة لا تأخذ روح الطبيعة وجوهرها
وحاجاتها المادية بعين الاعتبار، والتي أفقدت التوازن الذي كان قائماً بين الإنسان
والطبيعة، أي بين الإنسان والبيئة. وعبر عن مشروعه هذا بواسطة كتابات أدبية
وفلسفية متعالية Transcendentalism
تخطى فيها التفكير الديني
التقليدي لمعاصريه.
أما
هنري ثورو Henry
Thoreau (1817 – 1862)، فيلسوف الطبيعة الأمريكي، فقد لاحظ تدهور حال
المدن بيئياً بفعل تقدم عجلة الصناعة وعبّر عن مشاعره بأسلوب أدبي، وجاء في بعض
كتاباته عام 1861 ليعبر عن مدى سعادته أن الإنسان لا يستطيع الطيران، لأنه إذا فعل
فسوف يلوث السماء كما لوث الأرض. وقد فعل الإنسان المعاصر ذلك في يومنا هذا،
فعشرات الآلاف من الطائرات النفاثة تجوب السماء على ارتفاعات شاهقة وتنفث أبخرتها
السامة في الغلاف الجوي الملوث.
أما
الكاتب الأمريكي المعروف جون مويير John Muir (1838 – 1914) الذي يعتبر ممن
ألهموا تأسيس الحركات البيئية المنظمة فيما بعد.
فقد رأى أن الطبيعة الأصلية تعكس
عظمة الإله، وأن هذه الطبيعة الجميلة تمد الإنسانية بالراحة والطمأنينة فضلاً عن
أنها تـُنعش الروح الإنسانية. أدرك جون مويير أن دعوة الناس إلى هجر المدينة
الملوثة باتجاه الريف النظيف من شأنها أن تلوث الريف، فشن حملة للمحافظة على
الطبيعة وحماية الغابات، واعتبر الغابات "معابد الله الأولى" وذلك في
مقالة نشرها عام 1876. ونادى بحماية الدولة لهذه الثروات الطبيعية وساهم في إقناع
الحكومة بوقف التطوير والاستثمار في الموائل الجميلة في أمريكا.
كذلك
كتب العالم البيئي الأمريكي ألدو ليوبولد Aldo Leopold (1887 – 1948) في
عشرينيات القرن العشرين داعياً لصياغة قوانين المحافظة على الحياة البرية، ونشر
مقالات أدبية لترسيخ مفاهيم حب الطبيعة والمحافظة عليها في قلوب الناس وعقولهم
وإحقاق التوازن والتناغم بين الإنسان
والطبيعة.
Post a Comment