إن العالم يشهد تنامي القدرة على استحداث قوانين جديدة باستمرار، فهذه اشتراكات الإنترنت والاشتراكات في الدوريات، وكل ما هو ذو قيمة على الإنترنت له ثمن، أما المعلومات السطحية والتقليدية فهي متاحة مجاناً. صحيح أن هناك كتب بأكملها يمكن تصفحها على الإنترنت مجاناً، ولكن الكتب الحديثة والأبحاث المهمة ذات راهنية لا يمكن الوصول إليها بسهولة أو مجاناً.
وهكذا أخذت دائرة الخيارات لدى الناس تضيق يوماً بعد يوم، وكذلك أخذت حرية الأفراد تضيق بصورة تدرجية نتيجة اهتماماتهم الشخصية والتصاقهم بأجهزتهم الشخصية المختلفة، فغدت مساهمتهم في العمل العام والسياسة العامة في انحسار. لقد أصبحنا محاصرين بين قوى السوق والتكنولوجيا وقوة الدولة، كما يقول شارلز تيلور في كتابه The Ethics of Authenticity.
ونتساءَل: إلى أي مدى نحن نستفيد من الإنترنت ووسائل الاتصال والإعلام المعاصرة، وبخاصة في ضوء محاصرتنا من قبل قوى السوق والتكنولوجيا والدول الأخرى؟
تغلـُب على النزعة القومية المتشددة، أو أي شعور وطني مماثل، سمة الخصوصية، كالإسلام السياسي، وتجد أي نزعة تحررية نفسها بحاجة إلى الدفاع عن نفسها سواء في مواجهة الأغلبية أو الأقلية، في الداخل كانت أم في الخارج، وسوف تلجأ إلى الاستعانة بالتكنولوجيا لتسليح نفسها ضد الآخر كي تقهر الأغلبية، وهذا الشعور القومي المتطرف، الذي لا يتسلح بقاعدة تاريخية متجذرة في المجتمع، إنما يلجأ إلى رؤية إرادته العامة متجسدة في شخصية فردية، هي شخصية "القائد الملهم" الذي لا يعنيه التراث أو الثقافة بمقدار عنايته بالاستحواذ على السلطة والمحافظة عليها.
هكذا عبّر الألمان عن رفضهم للحصار الأوروبي الجائر عليهم في اتفاقية فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، وعن طموحهم القومي القائم على رقي العرق الألماني وتميزه في شخصية هتلر، فكانت صور هتلر محل استعراض في ألمانيا، ولم تتسع ألمانيا كلها لصور جوته أو شيللر أو كانط أو هيجل أو نيتشه أو حتى بيتهوفن. والأمثلة كثيرة في العالم اليوم.
صحيح أن بعض القوى المقاومة تستفيد إلى حد كبير في وسائل اتصالها من البريد الإلكتروني ومن عمل مواقع إلكترونية لترويج أفكارها، ولكن على صعيد المعرفة العلمية، إلى أي مدى ينتفع العرب والمسلمون من المعلومات المتوافرة في الشبكة الإلكترونية لغايات معرفية؟
ربما يستفيد الغرب أكثر بكثير مما نستفيد نحن لأن التكنولوجيا التي نتحدث عنها تطورت بصورة طبيعية وتلقائية في خلال الخمسمئة سنة الأخيرة، وهي الفترة ذاتها التي تجمّد فيها التطور في العالم العربي والإسلامي، وربما غدت التكنولوجيا حصان طروادة في عصر الامبرياليات اللاأخلاقية العنيف القاسية والعنيفة وللإنسانية.
لقد برزت التكنولوجيا الحديثة لتتوج المسيرة العلمية والصناعية والاجتماعية التي بدأت تلوح في الآفاق بعد اكتشاف أمريكا عام 1492، فطالما أنّ العلم يُنتج في الغرب اليوم، وطالما نحن نستهلك ذلك العلم بتطبيقاته التكنولوجية مستلهمين لا إنسانيته التي تعارض حضارتنا وقيمنا، فهل يمكن أن ننتفع منه بأي صورة من الصور؟
لا شك في أنّ الغرب ينتفع أكثر منا بكثير، فعلى صعيد التجسس من خلال الإنترنت، فهم يستطيعون اليوم مراقبة الاتصالات الإلكترونية في العالم والدخول إلى بريدك الشخصي من دون علمك. فبعد أن كانت الرأسمالية ترفع شعار الخطر الشيوعي الأحمر بالقول إن الحمر تحت أسرّتنا (The Reds are under the beds) ، فقد أصبح الإنترنت من خلال حاسوبنا الشخصي والمحمول في جيوبنا وسيلة تجسس علينا خلال اليوم بأكمله، فهم يستطيعون مراقبتنا في كل لحظة.

Post a Comment

Previous Post Next Post