انفتحت
آفاق جديدة لدى الإنسان في نظرته إلى الطبيعة بوصفها كلاً مترابطاً؛ لا يتغير فيها
شيء حتى يصيب أجزاءَها الأخرى بالتغير. وهذه نظرة رحيمة بالبيئة حيث كل عنصر من
عناصرها الحية وغير الحية قد أصبح يرتبط بصلة رحم ما مع عناصرها الأخرى. ولكن، من
سنة الحياة ومنهجها أن تخلق نقيضها وتتصارع معه في سياق رقيها الذي لا يتوقف.
فالثورة العلمية والفلسفية قد أعلنت عن ولادة نقيضها؛ الثورة المضادة.
جاء الفيلسوف الألماني نيتشه (ت 1900)
الذي نقد الدين والقيم الثقافية والحضارية السائدة، وقال بإرادة القوة ورسوخ الأخلاق
السادة في المجتمعات، وقد ترسخت مع نيتشه نزعة "الإنسان السوبرمان"
ونزعة الانقلاب على أخلاق المسيحية والتسامح، وغدت أخلاق القوي هي الأخلاق
السائدة، أخلاق القوة التي لا تعرف الرحمة ولا ترأف بالضعفاء، فلا عجب أن يرى
العالم إذاً شخصيات تتطلع إلى سيادة جنس على آخر، كالنزعة النازية في ألمانيا
والفاشية في إيطاليا. وإذا كان الإنسان الضعيف موضوعاً للقهر والاستغلال والإبادة،
فما هو حال التنوع البيولوجي في البيئة الطبيعة، ألن يصبح هدفاً للإبادة المشروعة
كذلك؟
وقد جعلت الفلسفة اللغوية Linguistic Philosophy بنية اللغة تعكس بنية المعرفة، وأصبحت مع
الفلسفة البنائية Structuralist وما بعدها Post-structuralist "الحقيقة
عبارة عن نص The Text"، هي تعبير عن العقل الإنساني وتجلياته.
وننتهي إلى أن العالم يعتمد معرفياً
ووجودياً على وعينا وما ينتج عنه من نظرية ونص
ولغة ونحو ذلك.
لقد
جعلت فلسفات اللغة والبنائية من النص البشري وسيلة لسبر أغوار النظام المعرفي
الإنساني. وبلغت فلسفة العلم الحديثة مبلغ إنكار الحقائق العلمية وواقعيتها، وكأن هذا
العالم الأرضي، الذي نولد فيه ونعيش ومن ثم نموت وندفن لنرد إليه مادته الأولى، قد
غدا من نسج الخيال، وأصبح مجرد لحظات في وعي البشر لتاريخهم الطويل.
أنطولوجياً
وابستمولوجياً، أي على الصعيد الوجودي والمعرفي كليهما، أصبح العالم مرتبطاً
بالوعي الإنساني وتجلياته، على مستوى النظرية واللغة والنص بوصفها من تجليات الوعي
الإنساني. وهذه الرؤى قد جعلت الطبيعة الواقعية الحية مسألة ثانوية وموضوعاً
للمعرفة لا غير.
وقد
امتدت هذه النزعة الأخيرة لتشمل العالم الفقير في جنوب الكرة الأرضية؛ الذي أصبح
جزءَاً من الطبيعة في نظر دول الشمال، وغدا يخضع لمعايير القيمة التي يصوغها
الإنسان الغربي المتملك للمعرفة العلمية والتكنولوجية كليهما والمحتكر لهذه
المعرفة العلمية لرغباته الجامحة على حساب الآخر الضعيف؛ الذي أصبح موضوعاً
للتجربة ومشروعاً للاندثار.
إرسال تعليق