الصورة أحداث العالم على شاشة التلفاز
ساهمت الفلسفات المعاصرة، وبخاصة مدارس الفلسفات اللغوية والبنيوية وما بعدها، في ترسيخ فكرة أن الواقع مجرد انعكاس للوعي الإنساني، تارة على شكل صورة للـّغة الإنسانية، كما في حال الفلسفات اللغوية والتحليلية، وطوراً آخر على صورة بنية النص "The Text" كما في حال المدارس البنيوية. ومن هنا أصبح الحديث عن الأخلاق البيئية مسألة مفتوحة، وتحوّل الاهتمام بالبيئة بوصفها ضرورة أخلاقية إلى مسألة إدارة للمشكلات البيئية التي تماشي حاجات الإنسان المعاصر ومصالحه ومكتسباته وثرواته.
        ولما كانت الثقافة البيئية إشكالية حديثة لم تظهر إلا في نهاية القرن التاسع عشر، مع اشتداد الثورة الصناعية وقدرتها التلويثية الهائلة للبيئة، بات من الضروري رفع مستوى الوعي البيئي، وبخاصة في ضوء حداثة الفلسفة البيئية التي لم تنطلق إلا في سبعينيات القرن الماضي. ولتحقيق هذه الغاية تدخل "الصورة" كوسيلة لرفع هذا المستوى. إذ سنحاول تقصي أثر "الصورة" في رفع مستوى الوعي البيئي، وخلق نوع من الشعور بالواجب تجاه البيئة، وذلك من خلال ترسيخ الفلسفة البيئية في الأذهان؛ بحيث يتجاوز الوعي المنشود ما كان مستمداً من النص المكتوب، سواء على صعيد العلم أو على صعيد التراث
لقد أصبحنا نرى أحداث العالم كلها على شاشة التلفاز؛ ولا يرتجف لنا جفن عندما نشاهد أطفالاً يقتلون في فلسطين والعراق ولبنان، أو عندما نشاهد أطفالاً يموتون جوعاً في أفريقيا وغيرها. لقد أصبحنا على اتصال أوثق مع العالم، وبالرغم من ذلك، لم نعد نملك الحماسة الجماهيرية التي عشناها في السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت الجماهير تتحرك لأقل خبر تحريضي. فما هو السبب؟ هل الثقافة القومية في أزمة؟ وما أسباب أزمتها، وهل للتكنولوجيا علاقة بذلك؟ وما علاقة هذا كله بتبلد الإحساس والنخوة والمروءة؟
يروّج الغرب لأفلام بذيئة بكميات لا حصر لها وتنوع هائل لا مثيل له، فضلاً عن أن الإعلام الغربي أخذ يستقطب جمهوراً آخر على صعيد الأيديولوجيا والسياسة. خذ، مثلاً، الأفلام التي ينفق عليها الملايين اليوم. ففي الأسواق اليوم فلم بعنوان "300"، على سبيل المثال، ومخرجه "جولد شتاين" قد جعل الجيش الإسبرطي في مواجهة مجموعة من الوحوش الفرس الذين أظهرهم كأن لا حضارة لهم، بل أظهرهم للمشاهدين كمجرد شعوب ممسوخة فاقدة لحريتها لا تملك حق الحياة. وهذا الفلم يأتي في خضم الصراع والمواجهة الأمريكية مع إيران، إذ يتم استخدام التكنولوجيا المتطورة في هذه الساعة لإنتاج هذه الأفلام الضخمة لتعمل كأداة أيديولوجية للتأثير في الناس.
نحن في حاجة إلى برامج تعليمية مماثلة تعمل لتحقيق أهداف أخرى كسبر أغوار مشكلاتنا البيئية وإطلاع الناس عليها، لتؤدي إلى تغير في السياسات الاقتصادية والثقافية والأيديولوجية، لتشمل في مركزيتها الايكولوجية الأفراد والأنواع الحية والعشائر والموائل، وثقافات البشر وغير البشر جميعاً بوصفهم أعضاء في نادي الكرة الأرضية الأم.
لقد أصبحت ثقافة الصورة تؤدي دوراً حيوياً في إطلاع الناس على الحقائق البيئية في العالم، فلم يعد التلوث الذي يقضي على الأسماك بالملايين مجرد خبر في مجلة أو راديو بل غدونا نشاهده بأم أعيننا. كذلك ذوبان الجليد في المحيطين المتجمدين وعلى قمم الجبال أصبح يُرى بالصورة؛ تماماً كما استعمل جاليليو مقرابه الفلكي وشاهد الكواكب والقمر على حقيقتها، فاتضح أنها أجرام مادية  وليست أرواحاً سماوية.

Post a Comment

أحدث أقدم