فلسفة البيئة
وهو
المجال الفكري الذي ينظر إلى الكرة الأرضية من خارجها بمنظور شامل، لا من داخلها
بمنظور ضيّـق محدود الأفق، ثم يدرس عناصرها ويرصد ظواهرها ويحدد الروابط التي تقوم
فيما بينها؛ على نحو حيادي قائم على فكرة لا مركزية الإنسان في هذا الكون وسطوته
على الطبيعة، فضلاً عن أن فلسفة البيئة تسعى إلى التأسيس النظري لفكرة احترام
القيمة الذاتية Intrinsic
Values لعناصر الطبيعة المختلفة، وحقها في الحياة في معزل عن حاجات
الإنسان ورغباته اللامتناهية وذلك باستخدام العلوم المعاصرة، كعلم الأخلاق والمنطق
واللغة وعلم البيولوجيا وعلم التبيؤ وما إلى ذلك.
ربما
يعود الاعتقاد بالتفوق النوعي للبشر نسبة إلى الكائنات الأخرى إلى تعريف فلاسفة
اليونان للإنسان؛ بوصفه حيواناً عاقلاً مفطوراً بالطبيعة على التنظيم السياسي. فقد
أعطتنا هذه العقلانية وما يرتبط بها من دهشة وحيرة نـُبلاً وقيمة تفتقر إليها
المخلوقات الأخرى. ثم جاءت اليهودية والمسيحية والإسلام لتدلنا على تفوق البشر على
الحيوانات والنباتات في سلسلة الوجود الكبرى The Great Chain of Beings، فالبشر أقرب بطبيعتهم
الجوهرية إلى الله القابع على رأس تلك السلسلة. ولكن، كيف يمكن أن نقبل أن يكون
للأطفال والمتخلفين عقلياً والمرضى النفسيون ويشوع بن نون وهتلر، وغيرهم، أن
يمتلكوا مستوى من الكرامة والقيمة تفوق تلك التي تمتلكها بعض الحيوانات الثديية
مثلاً؟(8).
منذ عصر النهضة، وظهور فلسفة الأنسنة التي
ميّزت الكرامة والقيمة البشريتين عن غيرهما، كما يتبدى في أعمال جيوناني ميراندولا
Giovanni Pico Della
Mirandola ومؤلفه "خطاب عن الكرامة البشرية"، فقد حظي الإنسان
بمنزلة مركزية محورية في "سلسلة الوجود الكبرى" التي تصعد بمراتب
الكائنات متدرجة صوب الله. وهذا التراتبية قد حطـّت من قيمة الكائنات الحية وغير الحية
في الطبيعة. فهل يمكن القول إنّ عصر الأنسنة كان نقمة على البيئة؟
مع ديكارت، صعدت الأنا والذات الإنسانية
وهبط العالم إلى مجرد امتداد (الثنائية الديكارتية)؛ المادة الممتدة والروح غير
الممتدة، وأصبحت الطبيعة بمثابة آلة ضخمة يمكن تفكيكها إلى أجزاء صغيرة بغية
فهمها، وهذه الأجزاء تخضع لقوانين الميكانيكا الصارمة. لقد غدا هدف الإنسان فهم
قوانين الطبيعة للسيطرة عليها، كما كان نداء فرانسيس بيكون في مطلع القرن السابع
عشر، لقد غدا العلم وسيلة الإنسان للسيطرة على الطبيعة وتطويعها لخدمة الإنسان. ولم
تعد للطبيعة مُذَّاك كليّة مميزة ذات خصائص جوهرية كما أفادتنا المعرفة
الايكولوجية
Ecology (مشتقه من Oikos باليونانية وتعني المنزل household، علم يعنى بدراسة علائق عناصر الطبيعة المختلفة ووظائفها) لاحقاً.
تقف
الفلسفة موقفاً غير محايد من تدمير البيئة العالمية، فقد أعلنت فلسفة ديكارت أننا اتجهنا
صوب مركزية بشرية؛ يبدو كأنها أهملت ما سبقها من تاريخ، وأعلنت عن نفسها كمشروع
للحداثة البشرية لم يرقَ إليه كائن من قبل. وغدت مقولة ديكارت، الفيلسوف الفرنسي
الذي توفي عام 1650، "أنا أفكر، إذاً أنا موجود"، تعبيراً صارخاً جديداً
عن مركزية الإنسان في هذا الكون، حيث غدا الإنسان يفكر بمعزلٍ عن أي وساطة خارجية،
لقد غدا الإنسان مكتفياً ذاتياً، على الأقل معرفياً، فترسخت فكرة مركزية الإنسان
وأُهملت القيمة الذاتية للأشياء الأخرى في الطبيعة، حيوانية كانت أم نباتية.
إرسال تعليق