مع نهاية القرن التاسع عشر كانت الثورة الصناعية الثانية على أشدها، وقد ارتكزت في حاجتها إلى الطاقة على الكهرباء والبترول والمحرك ذي الاحتراق الداخلي. وكانت الكهرباء تنتج بالوقود الاحفوري كذلك، الأمر الذي أخذ يعمق من أزمة التلوث في الهواء والماء وعلى الأرض. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، واختراع القنبلة الذرية ورصد حجم الدمار الهائل الذي أصاب هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945، وبخاصة فيما يتعلق بالتلوث الإشعاعي للبيئة وعناصرها المختلفة، كالماء والهواء والتراب، وكذلك الإنسان الذي تشوهت تركيبته الجينية. وقد ازداد العلماء هلعاً عندما بدأت تجارب الاتحاد السوفياتي في القطب الشمالي لينافس الولايات المتحدة على إنتاج القنابل الذرية، وأخذت الرياح تنقل الإشعاعات حول الكرة الأرضية، وقد وُجدت آثار الإشعاعات الذرية في القطب الجنوبي على حيوانات البطريق، الأمر الذي آثار رعباً لا مثيل له في العالم.
ولما كان الإنسان يعيش على الأرض ويتنفس الهواء ويشرب الماء ويأكل من نواتج الطبيعة، فقد باتت أنماط التلوث كلها تشكل كارثة حلت بالأجناس الحية من بشر وحيوان ونبات على سطح هذه البسيطة، الأمر الذي دفع إلى ضرورة مقاومة خطر تلوث البيئة بشتى الطرق والوسائل، ومن هذه الوسائل رفع مستوى الوعي والاهتمام بالتربية البيئية، وهذا منوط بالفلسفة وهي تعمل جنباً إلى جنب مع العلم، مدعمة بثقافة الصورة التي لا غنى عنها حتى في عالم الإنترنت. فكيف يمكننا القيام بذلك؟
        تستطيع الفلسفة نقد الثقافات السائدة وإظهار إمكانياتها وحدودها تجاه البيئة، وقد اصطدم الفلاسفة في المراكز الأكاديمية بانفجار الثورات الطلابية في الستينيات، وبخاصة في فرنسا والولايات المتحدة، وقامت الحركات المعارضة للحرب والمؤسسات النسائية وجمعيات الرفق بالحيوان، والحركات البيئية وغيرها. لقد أرعبت الحرب العالمية الثانية العالم وأصاب العالم هلعاً مع بداية التسابق على السلاح النووي بين الأمريكان والسوفيات، كذلك وجد الطلاب أن المفاهيم التعليمية كانت دون المستوى المطلوب في عالم بدأت الثورة المعلوماتية تطل في الآفاق. لقد اجتمعت هذه المخاوف كلها، إلى جانب حرب فيتنام وغيرها، وأدت إلى تفجر الثورات الطلابية ولفت الانتباه إلى المخاطر المحدقة بالبيئة تحديداً.
يشارك روذينبرغ كثيرين في الاعتقاد بأن أصل الأزمة البيئية هي التمركز البشري على ذاته بوصف البشر أصل كل قيمة ومقياسها. أي أن البشر يعتقدون أنهم هم الذي يصنعون المعيار لقيم تخص باقي أعضاء مملكة الكرة الأرضية، من جماد ونبات وحيوان، ولذلك يعطون المشروعية لأنفسهم لتلويث الطبيعة وقطع الغابات وحرقها. فقد تم استخلافهم في الأرض فظنوا أن بإمكانهم التصرف في الطبيعة بناءً على رغباتهم الجامحة.
إن بعض الحرائق الذي تعاني منها الطبيعة الحيّة متعمدة، وتتكرر كل عام لغايات توسيع الزراعة وحرق مخلفات زراعة الأرز والقصب وغيرها، كما يحدث في مصر والمكسيك وبعض دول آسيا وأمريكا الجنوبية وينتج عن ذلك سحب كثيفة رمادية – زرقاء اللون، والبعض الآخر من التلوث ناجم عن التصرفات العبثية لغايات توسيع الأراضي لصالح الاستثمار، كما حدث في اليونان خلال صيف 2007، وما ينجم عن ذلك من إطلاق لغازات أكاسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت والميثان وغيرها.
وهناك من يرى أن الأزمة البيئية نابعة من السلوك الجاهل والجشع وغير الشرعي للكثير من الاستثمارات، وتستدعي مواجهة ذلك سن تشريعات جديدة وتغيير القوانين الضريبية ورفع مستوى التعليم،....إلخ. كذلك فإنه يستدعي الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية، بحيث لا تنظر العيون الشرهة إلى الفائدة الغذائية من الطبيعة فقط بل تتجاوزها إلى المتعة الجمالية المتحققة من النظر إلى الطبيعة في جمالها الفطري الفريد. هكذا تصبح لدينا نظرية أخلاقية متمركزة على الحياة Biocentrism، فجميع الكائنات الحية هي مراكز غائية للحياة، وكل شيء حي له قيمة ذاتية Intrinsic Value وهو لذلك موضوع اعتبار خلقي. وهذا ما تستطيع أن تظهره ثقافة الصورة في أحسن حال.
لقد تأكد ضرر التلوث على الكرة الأرضية اليوم، ولم تعد ظاهرة دفء الأرض مجرد نظرية، فالوقائع والصور تشير إلى ذلك فأخذنا نرى صوراً تبين مقدار انحسار الجليد في شمال الكرة الأرضية وجنوبها. وهناك صور لنهر التايمز في لندن وقد تجمد لآخر مرة حوالى نهاية الربع الأخير من القرن الثامن عشر.
هناك جوانب سلبية لثقافة الصورة يتحدث عنها شارلز تيلور، الفيلسوف الكندي المعاصر، إذ أن تزايد الفترة الزمنية التي يقضيها المرء في انعزاله بصورة مضطردة، وبخاصة مع وسائل الاتصال الحديثة كالتلفاز والإنترنت والهواتف النقالة، أخذت تعزله شيئاً فشيئاً عن الشأن العام، السياسي والاقتصادي المحلي والعالمي، فيتعمق بذلك اغتراب الناس عن مجتمعاتهم وقضاياهم الكبيرة ويغرقون في ثقافة متمحورة حول حب الذات ويتضاءَل معه معنى الحياة بمفهومها الواسع(6).
تستطيع ثقافة الصورة أن تروّج لبيئة نظيفة وسياحة بيئية Ecotourism(7). كما نروّج في الأردن للمحميات في ضانا والأزرق وغيرهما، إذ نتطلع إلى توسيع هذه المحميات وتنويعها طالما لدينا من الأراضي الخلاء الشيء الوفير، فضلاً عن تطلعنا إلى المحافظة عليها في بيئة خالية من الإشعاعات والتلوث بأشكاله المختلفة.
تساهم وسائل الإعلام بأدوار مميزة في الترويج لجمال الطبيعة وروعتها، كما تفعل المجلات العالمية، مثل "ناشونال جيوغرافيك" ومجلة "نيتشر" الشهيرة، كذلك تفعل فضائيات مثل "ناشونال جيوغرافيك" التي يتابعها بشغف الملايين حول العالم. لهذه المؤسسات أدواراً مهمة لربط مشاعر الإنسان بالطبيعة على نحو غير مسبوق في التاريخ.
وعندما نربط بين مشاعر الحب القوية التي يتميز بها الإنسان في عاطفته الجياشة، وما يمكن أن نعرضه من جمال الطبيعة أو من صور عن المجاعات في العالم أو التصحر أو ارتفاع منسوب المياه، وما إلى ذلك من كوارث طبيعية في مناطق العالم كافة، فإن الإنسان يمتد بمشاعره من أسرته النووية وبيئته الضيقة ليتجاوزها صوب الكرة الأرضية بأسرها، بل يمكنه أن يتجاوز ذلك ليحب الكون البعيد والمتمدد المتسع إلى المجهول.

Post a Comment

Previous Post Next Post