البرلمان والتطورات التي عرفها منذ دستور 2011 بمجلس النواب والمستشارين

هناك عدة اضافات قوية  قدمها دستور2011 للمنظومة البرلمانية، من خلال اعتماده بعد القواعد والآليات الجديدة لتطوير عمل البرلمان والرفع من قدرته، خاصة بعد الاعتراف له بممارسة السلطة.
عودة السلطة إلى البرلمان في انتظار الفعالية
      كثيرة هي المآخذ التي كانت تسجل على المؤسسة البرلمانية والتي جعلت منه فضاء للتسجيل وليس مجالا لممارسة السلطة، ولتجاوز هذا التوصيف الذي كانت له انعكاسات خطيرة على صورة البرلمان ومصداقيته، اتجه المشرع الدستور إلى الاعتراف لأول مرة بالبرلمان كمؤسسة تمارس السلطة، حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 70 من الدستور 2011 على ما يلي: "يمارس البرلمان السلطة التشريعية"، ويعتبر هذا المقتضى إضافة نوعية وضرورية لتعزيز روافد الشرعية التمثيلية للمؤسسة البرلمانية التي كانت تفتقد إليها، ذلك أن برلمان دون شرعية لا يعد برلمان، ونفس الشيء يقال على برلمان شرعي يعاني من نقص القدرة على اتخاذ القرارات،ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الاعتراف للبرلمان بالسلطة سيكون له تأثير ايجابي على صورته وعلى أداء وظيفة السلطة التشريعية المنوطة به، وذلك متى توفر على المتطلبات الضرورية لتدبير هذه السلطة، والمرتبطة أساسا بنخبة برلمانية مؤهلة، وإمكانيات مادية وبشرية كافية، وفضاء سياسي محفز.

    
وبالعودة إلى مستجدات النص الدستوري، أصبحت المؤسسة البرلمانية تملك العديد من الآليات الدستورية للاضطلاع بالسلطة التشريعية، بدءا بآلية التصويت، التي لا تتم إلا بعد المناقشة والتداول في القضايا و الأمور المعروضة أمام اللجان البرلمانية التي تعتبر الميدان الحقيقي لممارسة السلطة التشريعية، حيث تكون الفرصة مواتية لمختلف الفرق البرلمانية للتعبير عن مواقفها بخصوص مضمونها، ومن خلال هذه المناقشة يمكن للبرلمانيين القيام بتقييم السياسات العمومية كآلية أخرى لممارسة السلطة التشريعية  المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور2011، بجانب الإمكانية المتاحة للبرلمانيين بموجب الفقرة الثانية من الفصل 101 من الدستور الجديد، والذي سيمكن البرلمانيين إذ ما وفرت لهم الإمكانيات الضرورية، من تثمير إمكانياتهم في مجال النقاش والتداول داخل البرلمان، هذا بالإضافة إلى آلية مراقبة عمل الحكومة التي جرى تقويتها وتنظيمها وتخفيف بعض القيود المفروضة عليها.


     
كثيرة هي الظواهر والسلوكات التي كانت ومازالت تشوش على مصداقية البرلمان وتسيء إلى سمعته وصورته لدى الرأي العام، والتي تحولت بسبب تواترها والتسامح غير المبرر تجاهها إلى ثقافة تستوطن مختلف مفاصل العمل البرلماني بالمغرب، من قبيل التعسف في استعمال الحصانة البرلمانية، والترحال السياسي، والغياب البرلماني.

        
وفي إطار تعزيز مسلسل تخليق الممارسة البرلمانية، خطى المشرع الدستوري خطوة أكثر جرأة عندما ألغى الحصانة الجنائية التي كانت تشكل درعا لحماية فساد بعض أعضاء البرلمان، واكتفى بالحصانة ضد المسؤولية التي تكفل للعضو البرلماني حرية الرأي وحرية المناقشة والتعبير وحرية التصويت بالموافقة أو المعارضة، دون أن يتعرض للمتابعة أو الاعتقال أو المحاكمة مع مراعاة الاستثناءات المقررة في الفصل 64 من الدستور، ومعنى هذا أن النائب البرلماني أصبح مواطنا عاديا ينطبق عليه ما ينطبق على باقي المواطنين، يحتفظ له القانون فقط بالحصانة اللازمة لتأمين أداء دوره النيابي داخل المجلس لا خارجه.
    
كما ألزم المشرع الدستوري البرلمان بمناسبة صياغة النظام الداخلي لمجلسيه بالتنصيص على الجزاءات المطبقة على النواب البرلمانيين الذين لا يلتزمون بالحضور إلى جلسات وأشغال البرلمان، ويعتبر هذا الإعلان توجيها ملزما يكمل ما كان معمولا به في النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2004 والذي كان قد نص على العديد من الجزاءات المقررة في حق المتغيبين، رغم أنها بقيت بدون فعالية بسبب رفض البرلمانيين الاستجابة لمقتضياتها، بل أكثر من ذلك اعتبرت من طرف الكثيرين مسا بحريتهم الشخصية ومواقفهم السياسية، واحتقارا لحصانتهم البرلمانية، وهو ما يفرض على الجميع تحمل مسؤوليته، والانخراط بجدية في حملة التصدي لهذه الظاهرة، في انتظار تقرير إجراءات أكثر صرامة، يكون الغياب المتكرر للبرلمانيين بدون عذر مقبول سببا موجبا لتجريد النائب البرلماني من عضويته.

    
وسيرا على نفس المنوال، أكدت مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 26 و63 من الدستور الجديد على ضرورة تضمن القانون التنظيمي لكل من مجلسي البرلمان قواعد تحد من الجمع بين الانتدابات الانتخابية، وهو ما يشكل اعترافا صريحا بخطورة هذه الظاهرة، التي كانت تقتضي أكثر من توجيه بوضع قواعد شبه دستورية للحد منها، مادام أن التحديد الجزئي لن تكون له إلا نتائج محدودة، كما تعلمنا خلاصات العديد من التجربة الفرنسية في هذا الإطار.

   
وعلى العموم يمكن القول أن مجموع الإجراءات الدستورية التي تضمنتها وثيقة دستور 2011، والرهانات التي رفعتها يمكنها أن تكسب المؤسسة البرلمانية هوية خاصة تميزها عن المؤسسات البرلمانية السابقة، ويمكن أن تساعد كذلك على إعادة قدر من الاحترام لها وحيز من القيمة لوظائفها التمثيلية والتشريعية والرقابية، وتساهم في نزع تلك النعوت والتوصيفات المشار إليها، و التي ساهمت في تقهقر صورتها لدى شرائح واسعة من المجتمع.

Post a Comment

Previous Post Next Post