يوجد العديد من الوظائف الأسرية الأخرى تقف إلى جانب وظيفة الإنجاب من أهمها:
أ. إقامة حدود الله : أي: تحقيق شرع الله ومرضاته في كل شئونهما وعلاقاتهما الزوجية ،

وهذا معناه: إقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله، أي: على تحقيق الهدف الأسمى للتربية الإسلامية، وقد ورد تعليل إباحة الطلاق حين تطلبه المرأة بالخوف من عدم إقامة حدود الله، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: من الآية: 229)، كما أنه سبحانه علل إباحة الرجوع إلى الزوج بعد أن تتزوج المرأة زوجًا غيره، علل ذلك بتوقع إقامة حدود الله: أي إقامة الحياة الزوجية على تقوى من الله: كالتعفف، وحسن المعشر، وغض البصر، قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (البقرة: من الآية: 230).
الأثر التربوي لتحقيق هذا الهدف : وهكذا ينشأ الطفل ويترعرع في بيت أقيم على تقوى من الله ،

ورغبة في إقامة حدود الله وتحكيم شريعته، فيتعلم؛ بل يقتدي بذلك من غير كبير جهد أو عناء؛ إذ يمتص عادات أبويه بالتقليد ويقتنع بعقيدتهما الإسلامية حين يصبح واعيًا.
ب. تحقيق الأمن والطمأنينة لأفراد المجتمع : يشعر أفراد المجتمع من جراء وجودهم في أسر معينة ومترابطة بروابط قوية بنوع من الاستقرار والأمن ؛

إذ يكفل لهم ذلك وجود من يذود عنهم ويحافظ عليهم ويقف معهم عند العثرات والأزمات؛ إذ أن الوجود في أسر يضمن صلة الأرحام، وصلة الأرحام أمر طبيعي في البشر، ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة؛ فإن القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه، ويود لو يحول بينه وبين ما يصله من المعاطب والمهالك.

إن التوحد في أسر ذات عصبية ونسب واحد يجعل هذه الأسر ذات شوكة قوية يخشى جانبها، وبها يحدث التعاضد والتناصر وتعظم رهبة العدو لهم، ودلل على ذلك صاحب "المقدمة" بما حكاه القرآن الكريم عن إخوة يوسف -عليه السلام- حين قالوا لأبيهم: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} (يوسف: من الآية: 14)، والمعنى أنه لا يتوهم العدوان على أحد مع وجود العصبة وصلة الرحم؛ وذلك لما تحقق العصبة من منعة وقوة وفائدة تعم الجميع وتضمن للكل البقاء والاستمرار.

Post a Comment

Previous Post Next Post