تتكون
الأخلاق بالممارسة والاعتياد , وبكثرة تكرار الفعل والمواظبة عليه .
ولعل
ذلك هو الملاحظ عند هؤلاء الذين عرفوا الأخلاق بأنها (( عادة الإرادة )) فعندما
يُراد تحويلُ المرء من خلق ذميم إلى آخر حميد , يحمل المرء على إتيان هذا العمل
وتكراره , ويُعَوَّد ذلك مرة بعد أخرى , مع استعمال وسائل الإغراء والترغيب التي
من شأنها أن تحبب إليه إتيان هذا الفعل الحميد , والإقبال على ممارسته برغبة صادقة
وميل أكيد , واستخدام وسائل التنفير من ضده , بحيث تصير نفرته منه وابتعاده
عنه ميلاً ورغبة بل طبيعة وخلقاً .
وبالمواظبة
على هذا التكرار , والمداومة على هذا الفعل الحميد يصبح إتيانه وممارسته عادة
لازمة , وطبعاً دائماً يعني يصير خلقاً له , يصدر عنه تلقائياً من غير أن يسبقه
تفكير وتقدير , بحيث يكون انطباعاً من انطباعات النفس , وحالاً من حالاتها , تحمل
على الفعل من غير حاجة إلى تأمل أو روية.
ولعلك
تدرك أن من يسخو مرة أو مرتين أو ثلاثاً تحت تأثير معين , لا يمكن أن نصفه وإنما
يتصف بالسخاء من يكون السخاء من طبعه , وعادة لازمة له , ومَلَكة راسخة , تكفل
صدورَ فعل السخاء عن نفس راضية .
وفي
هذا المعنى يقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان بالجود والكرم والسخاء الذي
أصبح طبعاً وسجية له :
تراه
إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت
سائله
ومن
اعتاد شيئا عُرف به وَوُصف ،
ولهذا يقول خلدون في مقدمته حول هذا المعنى : "
إن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من الحضر , وأصله أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه
, لا ابن طبيعته ومزاجه , فالذي أَلِفَه في الأحوال حتى صار خُلقاً وملكةً وعادة
تَنَزَّلَ منزلةَ الطبيعة والجبلة" . ( مقدمة ابن خلدون 12) .
Post a Comment