اسرار أم الكتاب
الآية
منها إذا تدبرت معانيها تتسلسل المعاني وتتداعى بمفاهيمها وحقائقها لتصل إلى ترابط
الآيات كلها في نسيج واحد فإذا قرأت الآيات كما أحكمها الله، فإن المعاني تتلاحق
وتتشابك بما هو أعمق وأكمل وأشمل، فإذا أردت أن تستجمع معاني أم الكتاب فلن تصل
إلى مرادك أبداً إلا إذا استجمعت القرآن كله، هذه حقيقة أم الكتاب آياتها موجز
رباني لما في القران كله من تفاصيل فهي حقاً أم الكتاب جمعت فأوعت وليس هذا فحسب،
بل إن الآية الواحدة لو تأملناها وتدبرناها نجد أن كل آية منها موسوعة عقائدية
تسير بك إلى حقيقة المعبود، وتسير بك إلى حقيقة التوحيد، وتصل بها إلى حقيقة
العبادة وصدق العبودية لله، فإذا تلوت أي آية منها بعيداً عن بقية الآيات لمجرد
التدبر دون تعمد، فهي تقودك إلى الآيات مجتمعة، فإذا تدبرنا قول ربنا سبحانه:(مالك
يوم الدين) وأردنا أن نتحقق من إحاطة المعنى فإن الآيات تتسلسل معك في سهولة ويسر،
فمن الذي يملك يوم الدين؟إنه المعبود الحق الذي نعبده والذي نستعين به(إياك نعبد
وإياك نستعين) فإذا كان هو المعبود فهو الذي نطلب منه الرحمة، فهو(الرحمن الرحيم)
وهو الذي نسأله من فضله، لأنه يملك ويرحم فنسأله الهداية، (أهدنا الصراط
المستقيم)، فإذا كان هو الهادي أليس هو المحمود (الحمد لله رب العالمين).
فهل
بقى بعد تسلسل هذه المعاني آية واحدة لا تشير إليها(مالك يوم الدين) فإذا أردنا أن
نتسلسل بالمعاني من نهاية أم الكتاب، دون أ ن نقصد القراءة(فهذا لا يجوز أصلاً)أن نقرأ
الفاتحة بغير ترتيب من البداية إلى النهاية .
فإذا
دعونا(أهدنا الصراط المستقيم) تداعت معانيها لتصل إلى تسلسل الآيات كلها ، فالله سبحانه
وتعالى الذي نطلب منه الهداية هو المسؤول والمستعان وهو الهادي الذي يهدي الناس،
وإذا كان هو الهادي فهو الرحمن الرحيم الذي أنقذك من الضلال، وهو الرب – رب العالمين
– وهو الذي يملك الدنيا والدين سبحانه وتعالى عما يشركون، فهل بقي من الآيات آية
واحدة لا تشير إليها ولا تتسلسل معها لتصل إلى تكامل الآيات كلها حتى إنه إذا
تداعت معك البسملة نفسها وهي آية من الفاتحة عند بعض الأئمة
– فقرأت بسم الله
الرحمن الرحيم، فهي وحدها تسير بك إلى كل المعاني التي تحتويها آيات الفاتحة،فإذا
ذكر الرحمن فهو الرحيم،وهو المعبود وهو مالك يوم الدين وهو المسؤول المستعان وهو
الذي نطلب منه الهداية.
هذه
حقيقة أم الكتاب لمن أراد أن يتدبر بعض أسراره-فهي أم تحتضن آيات الكتاب كلها، فإذا
تدبر المصلي آيات الفاتحة، فهو يستجمع كتاب
ربه كاملاً ليصل إلى معنى الآية تستجمعه من الكتاب كله، والآيات مجتمعة هي الكتاب
في تكامل معانيه، هذه حقيقة أم الكتاب إيجاز وإعجاز.
Post a Comment