الحاجة إلى الحب والاحترام : يحتاج الإنسان أن يُحِب وأن يُحَب ، ونماذج الحب التي تقدمها نظم التربية المنقطعة عن علاقة العبادة ، تتصف بأمرين :
الأول : أنها تركز هذه الحاجة في الشهوات الحسية .
والثاني : أنها تبترها عن حاجة الخلود وحاجة الانتماء؛ ولذلك تتخذ شكل العلاقات الشهوانية الموقوتة، والمصالح العارضة المتلونة، وينتج عنها انحلال في النفس والسلوك والاجتماع، وتفرز مضاعفات الإحباط النفسي، والفشل العاطفي، وتختلف علاقة العبادة عن غيرها، في أنها تقدم حاجة الحب في دوائر أوسع، ومحاور أشمل تشمل المظاهر الفكرية والنفسية والمادية التي تتمثل في أشكال عديدة من الأخوة الإيمانية، والمودة الاجتماعية، والتراحم الإنساني.

وهي تلبي هذه الحاجة بممارسات تعزز حاجة الخلود والانتماء؛ كالزواج الدائم بدل على العلاقات الموقوتة المنبترة من الانتماء وامتداد الذرية، ولقد تناول "فروم" حاجة الحب فذكر أن الإنسان يحققها في الطفولة من خلال الاندماج بوالدته رضاعة وأمومة، ثم يتخطاها إلى العلاقات الجنسية مع الجنس المقابل ثم يتخطاها إلى الأعمال العقلية، والإبداع الفني والعمراني؛ ولكنها كلها مظاهر لا تشبع حاجة الإنسان في الحب؛ لأنها مظاهر مادية موقوتة، ولذلك يظل الجانب النفسي بحاجة إلى تبادل الحب من طرف دائم العطاء والتفاعل.

وهنا يتيه فروم حين يقدم الأمثلة لهذا الطرف الدائم، إذ يعود للدوران في حلقة الوجود المادي الذي انتقضه، ومن الطبيعي أن يتيه فروم وأمثاله؛ لأنه منقطع عن الوحي الصحيح الذي ينقله إلى خارج الدائرة المادية، ويوصله إلى علاقة العبادة الشاملة، ويتفرع عن هذه الحاجات الرئيسية الثلاث حاجة فرعية أخرى، هي الحاجات البيولوجية المتمثلة بالغذاء والجنس والحاجة إلى الأمن، وتلبي علاقة العبادة هاتين الحاجتين بطرق متكاملة مع الحاجات الأساسية كما مر.

ومنها الحاجة إلى المعرفة والتخلص من الجهل، وتتجه هذه الحاجة في البحث عن المثل الأعلى أي: نموذج الحياة الذي يعيش الإنسان طبقًا له؛ لتحقيق الحاجات الرئيسية الثلاث، ويمتاز نموذج المثل الأعلى الذي تطرحه العبادة بأنه يشمل أطوار النشأة والحياة والمصير، بينما يختصر النموذج الذي تطرحه نظم التربية المنقطعة عن العبادة على طور الحياة الدنيا؛ ولذلك تحدد ميادين المعرفة فيها بحدود هذا الدور، ويظل الإنسان يعاني من آثار الجهل بالطورين الآخرين.

Post a Comment

Previous Post Next Post