القانون الأخلاقي الإسلامي
تمتاز الأخلاق الإسلامية – شأن الإسلام كله – بالنظرة التكاملية بحكمها على الأشياء وإشباعها لغرائز الإنسان , فنرى أن الله يؤكد مطالبته وأوامره للإنسان بإصلاح نفسه ظاهراً وباطناً بكمال علم الله وشموله , ووقوع المحاسبة على الأعمال الظاهرة والسلوك الواضح , كما تقع أيضاً على النوايا والبواعث.
( فالقانون الأخلاقي الإسلامي لا يكتفي فقط بالحكم على أعمال الإنسان الظاهرة بالخير أو بالشر , بالفضيلة أو الرذيلة , ولكن يمتد إلى الحكم على النوايا والبواعث والمقاصد .
ولم تستطع أي نظرية أخلاقية أخرى أنت تفعل ذلك , فليوقن المسلم أنه يتعامل مع الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فعلم الظاهر والباطن يتساويان عند الله – تعالى – ومن دلالة ذلك مثوبته سبحانه لمن صلحت نيته , وصفة سريرته , وحسن قصده , حتى وإن قصر به جهده ، قال تعالى {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ}[التوبة/92].
 وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (إن بالمدينة أقواماً , ما قطعتم وادياَ ولا سرتم مسيراً إلا وهم معكم قالوا : وهم بالمدينة ؟ قال نعم حبسهم العذر ).
فهؤلاء صادقوا النية طيبوا النفس والقصد , حزنوا كثيراً لمَّا لم يجدوا عند الرسول – صلى الله عليه وسلم – حملهم وعدة جهادهم في سبيل الله , حتى فاضت أعينهم من الدمع , والله إنما يبتلي بالأعمال ليظهر العامل من الخامل فلما تم جهدهم , وقصرت بهم الإمكانيات الخاصة والعامة أعظم الله لهم الأجر وأشركهم في ثواب الغزو ، فالهم والعزم على فعل الشيء الطيب يؤجر عليه صاحبه – ومن رحمة الله – أن الهم والعزم على الفعل القبيح لا يؤاخذ به صاحبه .


ومن تكامل الأخلاق الإسلامية أنها تنظر إلى الإنسان نظرة متكاملة بحسب تكوينه من جسد وروح , ولكل منهما متطلبات , فأخلاق الإسلام لا تجعل الجسد يطغى على الروح , ولا الروح تطغى على الجسد قال تعالى { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }[التوبة / 92] 0
يقول الحافظ أبن كثير في معناها : ( أي أستعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات, التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والأخره { وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } أي : مما أباح الله فيها من المأكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح , فإن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً , ولزوجك عليك حقاً , فآتي كل ذي حق حقه وأحسن كما أحسن الله عليك ) أي : أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك { وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} أي : لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض , وتسيء به إلى خلق الله , { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } .
والأخلاق الإسلامية عملت على تلبية مطالب الجسد وتنميته بطيب المأكل والمشرب والمسكن والمنكح والملبس , وألزمت بأخلاق وسلوكيات يقوم بها ذلك الجسد السوي القوي , وبنفس الدرجة سعت الأخلاق الإسلامية إلى إشباع أشواق الروح وتعبيد طريقها في العروج إلى الله , بالتوحيد الخالص والذكر الدائم والفكر المستقيم والسلوك الطاهر مع الله ثم مع النفس ثم مع الآخرين . حدث ذلك في تواؤم وانسجام واعتدال .
وبضدها تتميز الأشياء حيث قرآنا ورأينا دولاً وأمماً غلبت جانباً على آخر فما استقامت مسيرتها , ولا طالت مدتها , بل سريعاً ما زالت وانهارت ليستوي في ذلك الفكر الوضعي والشرائع السماوية المحرفة حيث تطرقت اليهودية المحرفة إلى المادية , وانحرفت المسيحية المحرفة إلى الإغراق في الروحانية السلبية.

Post a Comment

Previous Post Next Post