الترغيب والترهيب والثواب والعقاب في المدرسة السلوكية
منهج سلوكي معاصر تأخذ به المدرسة السلوكية في علاج آفات النفس، وهو في الحقيقة منهج قرآني غاية في الروعة والعظمة عندما يعالج النفوس ويصلح فسادها ويقوّم اعوجاجها، ولا أحد ينكر قدرة نفاذه إلى العقل والوجدان وقوة تأثيره في علاج النفوس.
ومع أن علماء المدرسة السلوكية يأخذون بهذا المنهج إلا أنهم في الحقيقة لا يملكون أسبابه كاملة إلا في فترة الطفولة ولهذا فإن المنهج بتطبيقاته العلمية والعملية بمفاهيم البشر وعلمائهم يقصر دائماً عن تحقيق غايته وهدفه، فقد لا يقتنع الإنسان بالثواب الذي يناله، أو ربما يستهين بالعقاب الذي يلحق به لأن الجزاء والعقاب دنيوي محدود الغاية لا يعوض عن المتعة التي يجدها الشخص من السلوك السيئ سواء كان إدماناً أو شذوذاً لأن المدمن أو صاحب  الآفة يستجمع متع الدنيا كلها في لحظة أو لحظات.
هذه بعض جوانب القصور في منهج الترغيب والترهيب البشري.
ومع هذا القصور الواضح، فهو منهج معترف به، تأخذ به المدرسة السلوكية في علاج آفات النفس خصوصاً في حالات الإدمان والشذوذ، ويطلق عليه علماء النفس Operaantcanditoning.
ومنهج الترغيب والترهيب والثواب والعقاب صادق أصيل، بمفاهيم العقيدة ، ومن أراد أن يستزيد من معرفة فاعلية هذا المنهج فليرجع إلى كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري فهو كتاب غني في مادته.
أما ما جاء في الكتاب الكريم من الترغيب والترهيب فأمثلته لا تحصى ولا تعد وحتى أوضح ذلك فإنني سأتحدث عن منهج القرآن في علاج آفة واحدة، وهي آفة الشح والبخل والتقتير في الإنفاق لأنها فطرة في الإنسان، وهذا ما يكفي لنضع هذا المنهج على قمة المناهج السلوكية بمفاهيم العقيدة.
يقول سبحانه :
(قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خزائن رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً)(الإسراء:100)
الشح والبخل هما من ابتلاءات الدنيا الواضحة التي لا ينجو منها إلا من عصم ربي.
وآفة الشح والبخل من شهوات النفس، وهي من ابتلاء النفس الأمارة التي تحب الشهوات وتؤثر ذاتها والله سبحانه خلق النفس بفجورها وتقواها،وجعل الشح من صفات فجورها، والكرم من صفات تقواها وعلى الإنسان أن يروض نفسه حتى ينتهي إلى مكارم الأخلاق(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)(الشمس:9-10)
ومع هذا لم يترك ربنا سبحانه هذا الأمر، دون توضيح، بل إن الله سبحانه أظهر لنا مساوئ الشح، والبخل وكيف ينتهي بالإنسان إلى الهلاك، ووضح لنا كيف يرتفع الإنسان بالكرم إلى أرفع الدرجات ومن أمثلة ذلك .
قوله سبحانه في سورة الحشر :
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9)
ويقول سبحانه من سورة الليل:
(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10} وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)(الليل :5-11)
هذا كله يتم في تسلسل عجيب معجز يسير مع القرآن كله من بدايته إلى نهايته.
هذا التسلسل الفريد من نوعه وهو يعالج آفة الشح ويرغّب في البذل والعطاء، انتهى أثناء مسيرته إلى أعظم فريضة  عملية وهي فريضة الزكاة افترضها الله سبحانه حتى يهوّن الأمر على البشر في طريق تدريبهم على السماحة والعطاءلأن الزكاة فريضة واجبة الأداء ولا مناص من الوفاء  ولا يتم الإسلام إلا بأدائها.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج".أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
حتى إذا استقرت فريضة الزكاة في النفس، وأصبح للفقير حق معلوم كما جاء في سورة المعارج:
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(المعارج:24-25).
واصل المسلسل مسيرته ليرغب في العطاء والبذل والسخاء تطوعاً بعد الفريضة كما جاء في سورة الذارات.
(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(الذاريات : 19)
ولم يقف مسلسل الترهيب من البخل والبخلاء والترغيب في البذل والعطاء، بل واصل مسيرته حتى انتهى إلى علاج أكبر آفة نفسية اجتماعية عرفتها البشرية إنها آفة الربا وإذا كان مسلسل تحري الخمر استمر مدة خمسة عشر عاماً فإن مسلسل تحريم الربا استمر مدة الرسالة ومدة التنزيل من أول نزول الوحي إلى آخر آية في القرآن سورة البقرة.
(وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(البقرة:281)

Post a Comment

Previous Post Next Post